الكونغو الديمقراطية ترفض السماح لبعثات أممية بمراقبة انتخاباتها

عدّتها قضية «سيادة وطنية»... وفرنسا تستعد للوساطة

بائع متجول يقف قرب لافتة انتخابية في كينشاسا أمس (أ.ف.ب)
بائع متجول يقف قرب لافتة انتخابية في كينشاسا أمس (أ.ف.ب)
TT

الكونغو الديمقراطية ترفض السماح لبعثات أممية بمراقبة انتخاباتها

بائع متجول يقف قرب لافتة انتخابية في كينشاسا أمس (أ.ف.ب)
بائع متجول يقف قرب لافتة انتخابية في كينشاسا أمس (أ.ف.ب)

رفضت جمهورية الكونغو الديمقراطية أي مساعدة لوجيستية أو مالية من الأسرة الدولية وأي بعثة تأتي من الغرب لمراقبة الانتخابات التي من المقرر أن تجرى في 23 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، باسم «سيادتها» الوطنية، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وتؤكد السلطات أنها قادرة على الاستغناء عن طائرات ومروحيات بعثة الأمم المتحدة في الكونغو لنقل المعدات الانتخابية إلى جميع أنحاء البلاد، التي لا تملك سوى شبكة طرق لا يتجاوز طولها 3400 كيلومتر. وتبلغ مساحة جمهورية الكونغو الديمقراطية 2.3 مليون كيلومتر مربع، ولها حدود مع 9 دول.
وقال الرئيس الكونغولي جوزيف كابيلا لصحيفة «لوسوار» البلجيكية: «هذا ببساطة لأننا لسنا متسولين. الكونغو تواجه مشكلات بالتأكيد، لكنها بلد نساء ورجال يحمون كرامتهم». وفي هذا البلد الذي يمتد على مساحة أكبر من فرنسا بأربع مرات، قدرت تكلفة الانتخابات الرئاسية والتشريعية والإقليمية بـ500 مليون دولار، أي نحو 10 في المائة من الميزانية السنوية للدولة. وتقول كينشاسا «إنها تكلفة الكرامة».
وترفض السلطات حضور أي بعثة مراقبة من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي. ولم يعلن عن حضور سوى بضع مئات من المراقبين الأفارقة لمتابعة سير عمليات التصويت في 80 ألف مركز للاقتراع، لـ40 مليون ناخب مسجلين.
لكن المرشح المعارض مارتن فايولو غير مقتنع بذلك، وضاعف هذا الأسبوع الدعوات إلى «الأسرة الدولية» بعد إطلاق رصاص حي خلال تنقلاته الانتخابية، ما أسفر عن سقوط 4 قتلى؛ حسب مصادر.
وطلبت كينشاسا من الأمم المتحدة التي تنشر في الكونغو الديمقراطية أكبر بعثة لها في العالم منذ 1999، البقاء بعيدة عن الانتخابات. وفي الأشهر الـ12 الأخيرة، قتل 27 من جنود حفظ السلام الدوليين في الكونغو الديمقراطية، حسب بعثة الأمم المتحدة في كينشاسا.
في الوقت نفسه، واصلت كينشاسا توجيه الضربات إلى البعثة التي شكك الرئيس كابيلا في فاعليتها ضد المجموعات المسلحة التي تنتشر في شرق البلاد في بداية العام الحالي. وكانت كينشاسا طلبت في مارس (آذار) الماضي رحيل هذه القوة قبل عام 2020. وفي يوليو (تموز) الماضي، أكدت البعثة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه غير مرحب به في كينشاسا حيث كان يفترض أن يتوجه، بسبب تغيب كابيلا.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كشفت وسائل إعلام كل الصعوبات المتعلقة بالتحقيق في مقتل خبيرين من الأمم المتحدة في 12 مارس 2017.
وفي نيويورك، ذكر مصدر دبلوماسي في مقر الأمم المتحدة أن الصين وروسيا تتفهمان تماما الخطاب السيادي لكينشاسا. ولم تصدر الدول الأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا) أي رد فعل بعد.
وتراجعت مشاركة الولايات المتحدة في الملف الكونغولي منذ استقالة السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي. وكانت هايلي زارت في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 كينشاسا لتسريع نشر برنامج للانتخابات تأخر صدوره بعد إرجاء الانتخابات للمرة الأولى.
وطلبت وزارة الخارجية الأميركية السبت الماضي من الموظفين غير الأساسيين في سفارتها مغادرة الكونغو الديمقراطية قبل أسبوع من الاقتراع. كما منعت واشنطن مواطنيها من التوجه إلى شرق البلاد، حيث تنتشر مجموعات مسلحة.
أما فرنسا التي تتولى عادة صياغة مشروعات القرارات السنوية حول الكونغو الديمقراطية، فتؤكد أنها عادت إلى الصف الأول. ويقول «الإليزيه» إن «فرنسا واحدة من دول قليلة قادرة على التحدث ليس فقط مع السلطات الكونغولية، بل مع المعارضة أيضا. نحاول دفع الجميع باتجاه عملية انتخابية تثير الارتياح قدر الإمكان».
ويضيف المصدر نفسه إن انسحاب كابيلا الذي وافق على عدم الترشح لولاية ثالثة بموجب الدستور؛ «لن يحل الأزمة بأكملها». وتؤكد باريس أن «العملية مهددة. لا أحد يستطيع أن يتكهن اليوم بما سيحدث غداة الانتخابات، لكن الرئيس (الفرنسي إيمانويل) ماكرون ووزراءه هم الأنشط للتحدث إلى الجميع في الكونغو الديمقراطية».



بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
TT

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات هاتفية مع الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي، ناقشا خلالها الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، حيث يتصاعد خطر الجماعات الإرهابية، حسب ما أعلن الكرملين. وقال الكرملين في بيان صحافي، إن المباحثات جرت، الجمعة، بمبادرة من الرئيس السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل».

الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي (أ.ب)

الأمن والإرهاب

وتعاني دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المحاذية للسنغال، من تصاعد خطر الجماعات الإرهابية منذ أكثر من عشر سنوات، ما أدخلها في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتتالية.

وتوجهت الأنظمة العسكرية الحاكمة في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نحو التحالف مع روسيا التي أصبحت الشريك الأول لدول الساحل في مجال الحرب على الإرهاب، بدلاً من الحلفاء التقليديين؛ فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

وبموجب ذلك، نشرت روسيا المئات من مقاتلي مجموعة (فاغنر) في دول الساحل لمساعدتها في مواجهة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول، حصلت الأخيرة بموجبها على طائرات حربية ومعدات عسكرية متطورة ومسيرات.

ومع ذلك لا تزالُ الجماعات الإرهابية قادرة على شن هجمات عنيفة ودامية في منطقة الساحل، بل إنها في بعض الأحيان نجحت في إلحاق هزائم مدوية بمقاتلي «فاغنر»، وقتلت العشرات منهم في شمال مالي.

في هذا السياق، جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، حيث قال الكرملين إن المباحثات كانت فرصة لنقاش «الوضع في منطقة الصحراء والساحل وغرب أفريقيا، على خلفية عدم الاستقرار المستمر هناك، الناجم عن أعمال الجماعات الإرهابية».

وتخشى السنغال توسع دائرة الأعمال الإرهابية من دولة مالي المجاورة لها لتطول أراضيها، كما سبق أن عبرت في كثير من المرات عن قلقها حيال وجود مقاتلي «فاغنر» بالقرب من حدودها مع دولة مالي.

الرئيس إيمانويل ماكرون مودعاً رئيس السنغال بشير ديوماي فاي على باب قصر الإليزيه (رويترز)

وفي تعليق على المباحثات، قال الرئيس السنغالي في تغريدة على منصة «إكس» إنها كانت «ثرية وودية للغاية»، مشيراً إلى أنه اتفق مع بوتين على «العمل معاً لتعزيز الشراكة الثنائية والسلام والاستقرار في منطقة الساحل، بما في ذلك الحفاظ على فضاء الإيكواس»، وذلك في إشارة إلى (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وهي منظمة إقليمية تواجه أزمات داخلية بسبب تزايد النفوذ الروسي في غرب أفريقيا.

وكانت الدول المتحالفة مع روسيا (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) قد جمدت عضويتها في المنظمة الإقليمية، واتهمتها بأنها لعبة في يد الفرنسيين يتحكمون فيها، وبدأت هذه الدول الثلاث، بدعم من موسكو، تشكيل منظمة إقليمية جديدة تحت اسم (تحالف دول الساحل)، هدفها الوقوف في وجه منظمة «إيكواس».

صورة جماعية لقادة دول مجموعة «إكواس» في أبوجا السبت (رويترز)

علاقات ودية

وفيما يزيد النفوذ الروسي من التوتر في غرب أفريقيا، لا تتوقف موسكو عن محاولة كسب حلفاء جدد، خاصة من بين الدول المحسوبة تقليدياً على فرنسا، والسنغال تعد واحدة من مراكز النفوذ الفرنسي التقليدي في غرب أفريقيا، حيث يعود تاريخ الوجود الفرنسي في السنغال إلى القرن السابع عشر الميلادي.

ولكن السنغال شهدت تغيرات جذرية خلال العام الحالي، حيث وصل إلى الحكم حزب «باستيف» المعارض، والذي يوصف بأنه شديد الراديكالية، ولديه مواقف غير ودية تجاه فرنسا، وعزز هذا الحزب من نفوذه بعد فوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان هذا الأسبوع.

وفيما وصف بأنه رسالة ودية، قال الكرملين إن بوتين وديوماي فاي «تحدثا عن ضرورة تعزيز العلاقات الروسية السنغالية، وهي علاقات تقليدية تطبعها الودية، خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية».

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

وأضاف بيان الكرملين أن الاتفاق تم على أهمية «تنفيذ مشاريع مشتركة واعدة في مجال الطاقة والنقل والزراعة، خاصة من خلال زيادة مشاركة الشركات الروسية في العمل مع الشركاء السنغاليين».

وفي ختام المباحثات، وجّه بوتين دعوة إلى ديوماي فاي لزيارة موسكو، وهو ما تمت الموافقة عليه، على أن تتم الزيارة مطلع العام المقبل، حسب ما أوردت وسائل إعلام محلية في السنغال.

وسبق أن زارت وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، قبل عدة أشهر العاصمة الروسية موسكو، وأجرت مباحثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، حول قضايا تتعلق بمجالات بينها الطاقة والتكنولوجيا والتدريب والزراعة.

آثار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بدكار في 9 فبراير (رويترز)

حياد سنغالي

رغم العلاقة التقليدية القوية التي تربط السنغال بالغرب عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص، فإن السنغال أعلنت اتخاذ موقف محايد من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وطلبت قبل أشهر من السفير الأوكراني مغادرة أراضيها، بعد أن أدلى بتصريحات اعترف فيها بدعم متمردين في شمال مالي، حين كانوا يخوضون معارك ضد الجيش المالي وقوات «فاغنر».

من جانب آخر، لا تزالُ فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للسنغال، رغم تصاعد الخطاب الشعبي المعادي لفرنسا في الشارع السنغالي، ورفع العلم الروسي أكثر من مرة خلال المظاهرات السياسية الغاضبة في السنغال.

ومع ذلك، لا يزالُ حجم التبادل التجاري بين روسيا والسنغال ضعيفاً، حيث بلغت صادرات روسيا نحو السنغال 1.2 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل 8 في المائة من إجمالي صادرات روسيا نحو القارة الأفريقية، في المرتبة الثالثة بعد مصر (28 في المائة) والجزائر (20 في المائة). ولا يخفي المسؤولون الروس رغبتهم في تعزيز التبادل التجاري مع السنغال، بوصفه بوابة مهمة لدخول أسواق غرب أفريقيا.