إرهاب إيران في البلقان

طهران تنشئ محطات استخباراتية في البوسنة وألبانيا وصربيا لخدمة مخططاتها

عناصر من «الباسيج» الايراني في استعراض قوة أمام المقر السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)
عناصر من «الباسيج» الايراني في استعراض قوة أمام المقر السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)
TT

إرهاب إيران في البلقان

عناصر من «الباسيج» الايراني في استعراض قوة أمام المقر السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)
عناصر من «الباسيج» الايراني في استعراض قوة أمام المقر السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)

إلى أين يمضي الإرهاب الإيراني حول العالم؟ تساؤل يحتاج لإجابات معمقة، لا سيما أن الجبهات الإرهابية الإيرانية التي تظهر للعلن هي أقل، في واقع الحال، من تلك التي ترتب لها طهران في السر، وفي الحالين يتعاظم الخطر الإيراني على نحو غير مسبوق. بدايةً يعرف القاصي والداني أبعاد الشر الإيراني في الخليج العربي، وبقية دول الشرق الأوسط، الذي تزخمه أطراف ميليشياوية تتبع إيران آيديولوجياً؛ تبدأ من الحوثيين في اليمن، مروراً بالحشد الشعبي في العراق، و«حزب الله» في جنوب لبنان، نهاية بـ«حماس» في قطاع غزة.
ولعلَّ آخر الأحاديث عن خطط إيران الإرهابية، ذاك المتصل بما تقوم به في منطقة دول البلقان، وكيف تسعى إلى تحويلها لمنطقة لوجيستية تنطلق منها عملياتها الإرهابية في عموم القارة الأوروبية... وهناك تساؤلات لا تتوقف، بعد أن باتت أوروبا تغطُّ في نوم عميق تجاه المخططات الجهنمية الإيرانية، بل وتمضي في طريق معاكس تماماً، أي أنه بدلاً من عقاب إيران على إرهابها الظاهر والخفي، تبدو كمن يدعمها في سيرتها ومسيرتها العنيفة، وذلك من خلال الحديث عن آلية اقتصادية لمساعدة الإيرانيين على مواجهة العقوبات الاقتصادية الأميركية، وأن يكون مقر تلك الآلية فرنسا، وتُدار بواسطة ألماني الجنسية، في ازدواجية أخلاقية واضحة وفاضحة.
المتابع للتحركات السياسية والدبلوماسية الإيرانية يمكنه أن يرصد تكالباً واضحاً من طهران لجهة التعاون مع دول البلقان؛ فقد أكد حسن روحاني، الرئيس الإيراني، على أهمية تنمية العلاقات مع دول البلقان، لا سيما ألبانيا، الأمر الذي اعتبره يصبُّ في مصلحة شعوب المنطقتين، حسب تصريحه، غداة استقباله السفير الألباني الجديد غير المقيم في طهران غنت غاجلي، وقد لفت روحاني، كعادة إيران في استخدام ما لديها من فوائض أموال لشراء المزيد من الولاءات، إلى وجود فرص كبيرة للتعاون في مختلف القطاعات التجارية والاقتصادية لدى البلدين.
الأمر عينه تكرَّر عند استقبال روحاني نظيره الصربي توميسلاف نيكوليج، حين زار إيران زيارة غير رسمية، إذ أشار إلى أن طهران وبلغراد لديهما إمكانيات واسعة ويمكن الاستفادة من هذه الإمكانيات لتوسيع التعاون وتحقيق مصالح الشعبين، وفي اللقاء نفسه ارتدى روحاني ثياب الحملان، حين أشار إلى انتشار العنف والإرهاب في المنطقة وحول العالم، وأنه على مقاومي الإرهاب أن يتحدوا من أجل مكافحته.
وفي مارس (آذار) الماضي، قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بجولة في أربع دول بلقانية استهلَّها من صربيا، ثم بلغاريا وكرواتيا، واختتمها بالبوسنة والهرسك، هدفت ولا شك إلى كسر العزلة المفروضة على إيران، وكسب جانب من التحالفات الشرق أوروبية لصالح إيران، إلى جانب إظهار إيران في موقع وموضع الضحية حول العالم، غير أن التساؤل الحقيق بنا طرحه: ما الهدف الحقيقي من السعي الإيراني في دول البلقان؟
قبل بضعة أيام، كانت مصادر استخباراتية أميركية مطلعة تكشف لموقع «ذي غلوب بوست» الشهير النقاب عن قيام النظام الإيراني بتأسيس قاعدة استخباراتية لعملياته الإرهابية في دول البلقان، بعد أن فشلت جهوده السابقة في إنشاء محطات عملياتية، وبيوت آمنة، لتدبير هجمات إرهابية من داخل دول الاتحاد الأوروبي، لا سيما أن بعضها قد تم الكشف عنه، كما في يونيو (حزيران) الماضي، عندما فشلت خطة لرجالات وعملاء الحرس الثوري الإيراني، بقيادة أحدهم، أسد الله أسدي، المتنكر في زي دبلوماسي في ألمانيا، بمحاولة الاعتداء بالمتفجرات على تجمُّع للمعارضة الإيرانية في فرنسا، ما أدى لاحقاً لاعتقال عملاء إيرانيين في كل من فرنسا وألمانيا وبلجيكا والدنمارك والسويد والنرويج.

عملاء في بلغاريا ومقدونيا وكوسوفو
وتشير الاستخبارات الأميركية أخيراً إلى أن الإيرانيين آخذون في نشر عملائهم سراً في دول مثل بلغاريا ومقدونيا وكوسوفو وغيرها، لتكون قواعد لوجيستية للتخطيط لعملياته الإرهابية... لكن لماذا دول البلقان وأي مزايا - ولو من ناحية سلبية - تتوفر فيها لخدمة المخططات الإيرانية المستقبلية؟
يمكن القطع بداية بأن الوجود الإيراني في تلك المنطقة، وإلى درجة بعيدة، كان ضئيلاً، ولم يأخذ تركيزاً كافياً من طهران، ولهذا فإن هناك فرصاً واضحة لبلورة مسارات دبلوماسية جديدة قريبة من أوروبا، وإن على الأطراف منها.
الأمر الآخر الذي يمكن رصده بسهولة هو أن دول البلقان يمكن النظر إليها بوصفها منصات «لوجيستية» هادئة وبعيدة عن أعين وكالات الأمن والاستخبارات العالمية، عطفاً على ذلك فإن الأحوال السياسية المضطربة في داخلها، والتصارع بل والتنازع بين مكوناتها الإثنية والعرقية، يفتح مجالاً واسعاً للاختراق الآيديولوجي أو الدوغمائي معاً ودفعة واحدة، وهذه فرصة ذهبية لإيران التي خبرت طويلاً اللعب على المتناقضات من الناحيتين السابقتين.
ولعلَّه من البديهيات القول إنه حينما ينتشر ويعم الاضطراب والقلاقل السياسية، فإن الفساد الاقتصادي يستشري بصورة كبيرة، وفي ظل مثل هذا الفساد يمكن لأموال الملالي أن تفعل ما تريد من خلال شراء النفوس والذمم، وجعل أطراف أوروبا الشرقية مرتعاً للجريمة والإرهاب الإيرانيين المنظمين.
وإضافة إلى ما تقدَّم، فإن الموقع الجغرافي لمنطقة البلقان يقدم لإيران نقطة عبور إلى وسط وغرب أوروبا، ويبدو أن طهران كانت تعمل وفي هدوء على جعل تلك المنطقة مسكونة بأشباحها عبر العقود الثلاثة الماضية، وكأنها كانت ترتِّب أوراقها في غفلة من أوروبا ووكالات استخباراتها، تلك التي تراخت في تقدير الموقف في البلقان، بينما نجحت إيران، ومن أسف، في تحديد «أضعف حلقة» في حلقات الأمن الأوروبي لاختراق القارة العجوز... هل من أمثلة في السابق القريب توضح لنا حقيقة ما قامت به إيران في تلك المنطقة قبلاً؟
ربما يتذكر البعض ما جرى في عام 2012 في بورغاس ببلغاريا عندما نفَّذ أحد عناصر «حزب الله» هجوماً انتحارياً على حافلة كانت تقل سياحاً، مما أسفر عن مقتل 5 وسائق الحافلة البلغاري، وإصابة 32 آخرين، وقد كانت الحافلة تقل سياحاً إسرائيليين في مطار المدينة، وأعلنت السلطات البلغارية لاحقاً، في 18 يوليو (تموز) 2014، أن الرجل الذي فجَّر الحافلة هو محمد حسن الحسني، المنتمي إلى «حزب الله»، أي إحدى أذرع إيران للقتل والإرهاب حول العالم.
والشاهد أن الأيادي الإيرانية الخبيثة لا تكتفي باستخدام عملائها بشكل مباشر، وإنما أضحت قادرة على بلورة شبكات إرهابية موالية من أبناء المنطقة الأصليين، وهذا ما كشف عنه هجوم عام 2011 على السفارة الأميركية في البوسنة، الذي نفذه الصربي ميفليد غاسا روفيتش، بمساعدة شركائه الذين كانوا يتجمعون فيما عُرِف بـ«قرية الجهاديين» البوسنية في غوارينا موكا، ما أظهر نطاق ومدى وصول الشبكات الإيرانية على الأرض، وكذلك روابطهم بمختلف المجموعات المتشددة في البوسنة.
والمقطوع به أن أعمال إيران الإرهابية، لا سيما مطاردتها للمعارضين لنظامها القمعي في أوروبا، لم تكن لتغيب عن أعين الفارين من جحيم الملالي، ولهذا كشف مصدر في مجلس المقاومة المعارض الإيراني في باريس عن أن استخبارات النظام الإيراني تتعقب عناصر «مجاهدي خلق»، الجناح العسكري للمكسل في ألبانيا، وأن إيران قد قامت بتأسيس وحدة استخباراتية خاصة داخل سفارتها في العاصمة تيرانا للتجسس على أعضاء التنظيم المرحَّلين من العراق.
الشاهد أن هناك تقريراً استخباراتياً شهيراً قد صدر عام 2013، ولفت النظر إلى ما تقوم به أطراف إيران، لا سيما «حزب الله» في أوروبا عامة، والبلقان خاصة، وقد كانت الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية بنوع خاص وراءه، غير أن الكثيرين لم يلتفتوا إليه في وقتها، فقد كان العالم برمته، لا سيما الشرق الأوسط، منشغلاً إلى درجة القلق والخوف القاتلين في مواجهة ومجابهة موجة الأصولية المتصاعدة، التي نجمت عما أُطلق عليه «الربيع العربي»، الذي لم يكن سوى شتاء أصولي جرَّ المرار والدمار على المنطقة وسكانها.
ولاحقاً بعد انتهاء الحرب وسيناريوهات التقسيم، عرفت إيران جيداً كيف تكسب ولاءات كثير من الشركاء المحليين، الأمر الذي أكسبها نفوذاً في مختلف قطاعات المجتمع، ووكالات الأمن وإنفاذ القانون المحلية، التي لا تزال مستعدة للتعامل مع إيران، ووصل الأمر إلى حد تصريح الرئيس الصربي نيكوليج، عند لقائه بحسن روحاني بالقول: «إن مقاومة إيران الصلبة في زمن العقوبات والانتصار في المفاوضات النووية يدلان على قوة الثقافة وحجم هذا البلد الكبير»، في تقريظ لا تخطئه العين للسياسات الإيرانية، خصوصاً الموجَّهة من قبلها للولايات المتحدة الأميركية، وحلفائها في المنطقة، ولإسرائيل بنوع خاص... مَن هو وكيل الإرهاب الإيراني الآن في دول البلقان؟ بلا شك يبقى «حزب الله» هو الوكيل الأول والرئيس، ويقوم بالدور ذاته الذي يقوم به في أميركا اللاتينية، ويسافر نشطاء الحزب إلى تلك المنطقة بجوازات سفر من بلدان غربية، حصل عليها أصحابها عادة من خلال عمليات لجوء سياسي مغشوشة وخداع للسلطات الأوروبية، الأمر الذي يتيح لهم الآن حرية أكبر في التنقل وتفادي شكوك السلطات المحلية، فعلى سبيل المثال استخدم إرهابيو حادث بلغاريا جوازات سفر أسترالية وكندية، وأخرى لبعض دول أوروبا الغربية.
وعودة إلى السؤال المتقدم: لماذا الآن يتم الكشف ومن جديد عن تلك العلاقة؟
يبدو أنه الخوف الأوروبي الذي بات يدرك اقتراب صحوة الخلايا الإيرانية النائمة في الداخل الأوروبي، وذلك بسبب اقتراب زمن الافتراق الإيراني - الأوروبي... كيف ذلك؟ خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن، التي نُوقِشَت فيها الأزمة الصاروخية الإيرانية، بات جلياً أن الاتحاد الأوروبي وعلى لسان مندوبه قد بدأ في توجيه الاتهامات لإيران بشكل مباشر، التي تعمل على تهديد أوروبا من جانبين؛ فمن الخارج تبقى الصواريخ الإيرانية التي تطال جنوب القارة الأوروبية، وهناك مرجعيات أخرى تشير إلى أنها تطال قلب أوروبا سواء في الوقت الحالي أو عما قريب.
تقرير «صوت أوروبا» يؤكد على أن «حزب الله»، ومن خلال الدعم المالي واللوجيستي الإيراني، تمكَّن من زراعة خلايا في كثير من دول البلقان، لا سيما بلغاريا والبوسنة، إلا أن ذلك لم يحظ بالاهتمام الإعلامي، وبحسب مصادر استخباراتية للإذاعة التي تمثل «صوت أوروبا»، فإن بعض عناصر «حزب الله» يعملون في فارنا والعاصمة صوفيا في بلغاريا، وبعضهم عبروا الحدود مع صربيا كسياح وعملوا على تشكيل الخلايا هناك.
يكشف أحد أعضاء «حزب الله» الموجودين في بلغاريا، للموقع الإعلامي الأوروبي، حقيقة وجود خلايا لـ«حزب الله» في الداخل الأوروبي، إذ يشير إلى أن الحزب نجح في تكوين تلك الخلايا من خلال مواطنين لبنانيين يتم إرسالهم للدراسة أو بصفتهم رجال أعمال، حيث يتلقون مساعدات مالية من «حزب الله» لاستكمال تعليمهم والمساعدة في تجارتهم، وأيضاً فإن بعضهم سبق أن تلقوا تدريباً عسكرياً قبل وصولهم إلى بلغاريا، في حين أن آخرين منهم تزوجوا بلغاريات واندمجوا في المجتمع، والأكثر إثارة أنه بعد الأحداث في سوريا، وقبلها العراق، تم تجنيد عناصر سورية وعراقية للانضمام إلى شبكتهم في البلقان من قبل «حزب الله» وإيران... هل أخفقت أجهزة الأمن الأوروبية في الاستعداد للأسوأ الإيراني الذي لم يأتِ بعدُ على أراضيهم؟ يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، فأوروبا التي انشغلت الأعوام الماضية في مواجهة اليمين القومي المتطرف المتصاعد في ألمانيا وهولندا، وفي إيطاليا والنمسا، وفي المجر وأخيراً في إقليم الأندلس جنوب إسبانيا، قد عطلت النظر في عوامل، مثل تآكل الثقة بين أصحاب المصلحة المحليين، والافتقار إلى الاهتمام الدولي، والمشكلات المتعلقة بتقاسم المعلومات الاستخبارية في الوقت المناسب، وهذه جميعاً وفَّرت للإيرانيين أجواء مريحة، جعلت الرئيس روحاني يهدد أخيراً بأنه حال التضييق على إيران فإن «تسونامي» من المخدرات والعنف يمكن أن يلفَّ العالم بأكمله، ومن قبله وأكثر من مرة أشار جنرالات «فيلق القدس» (الجناح الأكثر دموية في الحرس الثوري الإيراني) إلى وجود خطط جاهزة للانتقام حال تعرضت إيران لعمليات عسكرية من قبل الولايات المتحدة، وبالضرورة أيضاً سيكون لأوروبا نصيب من هذا الإرهاب.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».