إرهاب إيران في البلقان

طهران تنشئ محطات استخباراتية في البوسنة وألبانيا وصربيا لخدمة مخططاتها

عناصر من «الباسيج» الايراني في استعراض قوة أمام المقر السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)
عناصر من «الباسيج» الايراني في استعراض قوة أمام المقر السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)
TT

إرهاب إيران في البلقان

عناصر من «الباسيج» الايراني في استعراض قوة أمام المقر السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)
عناصر من «الباسيج» الايراني في استعراض قوة أمام المقر السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)

إلى أين يمضي الإرهاب الإيراني حول العالم؟ تساؤل يحتاج لإجابات معمقة، لا سيما أن الجبهات الإرهابية الإيرانية التي تظهر للعلن هي أقل، في واقع الحال، من تلك التي ترتب لها طهران في السر، وفي الحالين يتعاظم الخطر الإيراني على نحو غير مسبوق. بدايةً يعرف القاصي والداني أبعاد الشر الإيراني في الخليج العربي، وبقية دول الشرق الأوسط، الذي تزخمه أطراف ميليشياوية تتبع إيران آيديولوجياً؛ تبدأ من الحوثيين في اليمن، مروراً بالحشد الشعبي في العراق، و«حزب الله» في جنوب لبنان، نهاية بـ«حماس» في قطاع غزة.
ولعلَّ آخر الأحاديث عن خطط إيران الإرهابية، ذاك المتصل بما تقوم به في منطقة دول البلقان، وكيف تسعى إلى تحويلها لمنطقة لوجيستية تنطلق منها عملياتها الإرهابية في عموم القارة الأوروبية... وهناك تساؤلات لا تتوقف، بعد أن باتت أوروبا تغطُّ في نوم عميق تجاه المخططات الجهنمية الإيرانية، بل وتمضي في طريق معاكس تماماً، أي أنه بدلاً من عقاب إيران على إرهابها الظاهر والخفي، تبدو كمن يدعمها في سيرتها ومسيرتها العنيفة، وذلك من خلال الحديث عن آلية اقتصادية لمساعدة الإيرانيين على مواجهة العقوبات الاقتصادية الأميركية، وأن يكون مقر تلك الآلية فرنسا، وتُدار بواسطة ألماني الجنسية، في ازدواجية أخلاقية واضحة وفاضحة.
المتابع للتحركات السياسية والدبلوماسية الإيرانية يمكنه أن يرصد تكالباً واضحاً من طهران لجهة التعاون مع دول البلقان؛ فقد أكد حسن روحاني، الرئيس الإيراني، على أهمية تنمية العلاقات مع دول البلقان، لا سيما ألبانيا، الأمر الذي اعتبره يصبُّ في مصلحة شعوب المنطقتين، حسب تصريحه، غداة استقباله السفير الألباني الجديد غير المقيم في طهران غنت غاجلي، وقد لفت روحاني، كعادة إيران في استخدام ما لديها من فوائض أموال لشراء المزيد من الولاءات، إلى وجود فرص كبيرة للتعاون في مختلف القطاعات التجارية والاقتصادية لدى البلدين.
الأمر عينه تكرَّر عند استقبال روحاني نظيره الصربي توميسلاف نيكوليج، حين زار إيران زيارة غير رسمية، إذ أشار إلى أن طهران وبلغراد لديهما إمكانيات واسعة ويمكن الاستفادة من هذه الإمكانيات لتوسيع التعاون وتحقيق مصالح الشعبين، وفي اللقاء نفسه ارتدى روحاني ثياب الحملان، حين أشار إلى انتشار العنف والإرهاب في المنطقة وحول العالم، وأنه على مقاومي الإرهاب أن يتحدوا من أجل مكافحته.
وفي مارس (آذار) الماضي، قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بجولة في أربع دول بلقانية استهلَّها من صربيا، ثم بلغاريا وكرواتيا، واختتمها بالبوسنة والهرسك، هدفت ولا شك إلى كسر العزلة المفروضة على إيران، وكسب جانب من التحالفات الشرق أوروبية لصالح إيران، إلى جانب إظهار إيران في موقع وموضع الضحية حول العالم، غير أن التساؤل الحقيق بنا طرحه: ما الهدف الحقيقي من السعي الإيراني في دول البلقان؟
قبل بضعة أيام، كانت مصادر استخباراتية أميركية مطلعة تكشف لموقع «ذي غلوب بوست» الشهير النقاب عن قيام النظام الإيراني بتأسيس قاعدة استخباراتية لعملياته الإرهابية في دول البلقان، بعد أن فشلت جهوده السابقة في إنشاء محطات عملياتية، وبيوت آمنة، لتدبير هجمات إرهابية من داخل دول الاتحاد الأوروبي، لا سيما أن بعضها قد تم الكشف عنه، كما في يونيو (حزيران) الماضي، عندما فشلت خطة لرجالات وعملاء الحرس الثوري الإيراني، بقيادة أحدهم، أسد الله أسدي، المتنكر في زي دبلوماسي في ألمانيا، بمحاولة الاعتداء بالمتفجرات على تجمُّع للمعارضة الإيرانية في فرنسا، ما أدى لاحقاً لاعتقال عملاء إيرانيين في كل من فرنسا وألمانيا وبلجيكا والدنمارك والسويد والنرويج.

عملاء في بلغاريا ومقدونيا وكوسوفو
وتشير الاستخبارات الأميركية أخيراً إلى أن الإيرانيين آخذون في نشر عملائهم سراً في دول مثل بلغاريا ومقدونيا وكوسوفو وغيرها، لتكون قواعد لوجيستية للتخطيط لعملياته الإرهابية... لكن لماذا دول البلقان وأي مزايا - ولو من ناحية سلبية - تتوفر فيها لخدمة المخططات الإيرانية المستقبلية؟
يمكن القطع بداية بأن الوجود الإيراني في تلك المنطقة، وإلى درجة بعيدة، كان ضئيلاً، ولم يأخذ تركيزاً كافياً من طهران، ولهذا فإن هناك فرصاً واضحة لبلورة مسارات دبلوماسية جديدة قريبة من أوروبا، وإن على الأطراف منها.
الأمر الآخر الذي يمكن رصده بسهولة هو أن دول البلقان يمكن النظر إليها بوصفها منصات «لوجيستية» هادئة وبعيدة عن أعين وكالات الأمن والاستخبارات العالمية، عطفاً على ذلك فإن الأحوال السياسية المضطربة في داخلها، والتصارع بل والتنازع بين مكوناتها الإثنية والعرقية، يفتح مجالاً واسعاً للاختراق الآيديولوجي أو الدوغمائي معاً ودفعة واحدة، وهذه فرصة ذهبية لإيران التي خبرت طويلاً اللعب على المتناقضات من الناحيتين السابقتين.
ولعلَّه من البديهيات القول إنه حينما ينتشر ويعم الاضطراب والقلاقل السياسية، فإن الفساد الاقتصادي يستشري بصورة كبيرة، وفي ظل مثل هذا الفساد يمكن لأموال الملالي أن تفعل ما تريد من خلال شراء النفوس والذمم، وجعل أطراف أوروبا الشرقية مرتعاً للجريمة والإرهاب الإيرانيين المنظمين.
وإضافة إلى ما تقدَّم، فإن الموقع الجغرافي لمنطقة البلقان يقدم لإيران نقطة عبور إلى وسط وغرب أوروبا، ويبدو أن طهران كانت تعمل وفي هدوء على جعل تلك المنطقة مسكونة بأشباحها عبر العقود الثلاثة الماضية، وكأنها كانت ترتِّب أوراقها في غفلة من أوروبا ووكالات استخباراتها، تلك التي تراخت في تقدير الموقف في البلقان، بينما نجحت إيران، ومن أسف، في تحديد «أضعف حلقة» في حلقات الأمن الأوروبي لاختراق القارة العجوز... هل من أمثلة في السابق القريب توضح لنا حقيقة ما قامت به إيران في تلك المنطقة قبلاً؟
ربما يتذكر البعض ما جرى في عام 2012 في بورغاس ببلغاريا عندما نفَّذ أحد عناصر «حزب الله» هجوماً انتحارياً على حافلة كانت تقل سياحاً، مما أسفر عن مقتل 5 وسائق الحافلة البلغاري، وإصابة 32 آخرين، وقد كانت الحافلة تقل سياحاً إسرائيليين في مطار المدينة، وأعلنت السلطات البلغارية لاحقاً، في 18 يوليو (تموز) 2014، أن الرجل الذي فجَّر الحافلة هو محمد حسن الحسني، المنتمي إلى «حزب الله»، أي إحدى أذرع إيران للقتل والإرهاب حول العالم.
والشاهد أن الأيادي الإيرانية الخبيثة لا تكتفي باستخدام عملائها بشكل مباشر، وإنما أضحت قادرة على بلورة شبكات إرهابية موالية من أبناء المنطقة الأصليين، وهذا ما كشف عنه هجوم عام 2011 على السفارة الأميركية في البوسنة، الذي نفذه الصربي ميفليد غاسا روفيتش، بمساعدة شركائه الذين كانوا يتجمعون فيما عُرِف بـ«قرية الجهاديين» البوسنية في غوارينا موكا، ما أظهر نطاق ومدى وصول الشبكات الإيرانية على الأرض، وكذلك روابطهم بمختلف المجموعات المتشددة في البوسنة.
والمقطوع به أن أعمال إيران الإرهابية، لا سيما مطاردتها للمعارضين لنظامها القمعي في أوروبا، لم تكن لتغيب عن أعين الفارين من جحيم الملالي، ولهذا كشف مصدر في مجلس المقاومة المعارض الإيراني في باريس عن أن استخبارات النظام الإيراني تتعقب عناصر «مجاهدي خلق»، الجناح العسكري للمكسل في ألبانيا، وأن إيران قد قامت بتأسيس وحدة استخباراتية خاصة داخل سفارتها في العاصمة تيرانا للتجسس على أعضاء التنظيم المرحَّلين من العراق.
الشاهد أن هناك تقريراً استخباراتياً شهيراً قد صدر عام 2013، ولفت النظر إلى ما تقوم به أطراف إيران، لا سيما «حزب الله» في أوروبا عامة، والبلقان خاصة، وقد كانت الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية بنوع خاص وراءه، غير أن الكثيرين لم يلتفتوا إليه في وقتها، فقد كان العالم برمته، لا سيما الشرق الأوسط، منشغلاً إلى درجة القلق والخوف القاتلين في مواجهة ومجابهة موجة الأصولية المتصاعدة، التي نجمت عما أُطلق عليه «الربيع العربي»، الذي لم يكن سوى شتاء أصولي جرَّ المرار والدمار على المنطقة وسكانها.
ولاحقاً بعد انتهاء الحرب وسيناريوهات التقسيم، عرفت إيران جيداً كيف تكسب ولاءات كثير من الشركاء المحليين، الأمر الذي أكسبها نفوذاً في مختلف قطاعات المجتمع، ووكالات الأمن وإنفاذ القانون المحلية، التي لا تزال مستعدة للتعامل مع إيران، ووصل الأمر إلى حد تصريح الرئيس الصربي نيكوليج، عند لقائه بحسن روحاني بالقول: «إن مقاومة إيران الصلبة في زمن العقوبات والانتصار في المفاوضات النووية يدلان على قوة الثقافة وحجم هذا البلد الكبير»، في تقريظ لا تخطئه العين للسياسات الإيرانية، خصوصاً الموجَّهة من قبلها للولايات المتحدة الأميركية، وحلفائها في المنطقة، ولإسرائيل بنوع خاص... مَن هو وكيل الإرهاب الإيراني الآن في دول البلقان؟ بلا شك يبقى «حزب الله» هو الوكيل الأول والرئيس، ويقوم بالدور ذاته الذي يقوم به في أميركا اللاتينية، ويسافر نشطاء الحزب إلى تلك المنطقة بجوازات سفر من بلدان غربية، حصل عليها أصحابها عادة من خلال عمليات لجوء سياسي مغشوشة وخداع للسلطات الأوروبية، الأمر الذي يتيح لهم الآن حرية أكبر في التنقل وتفادي شكوك السلطات المحلية، فعلى سبيل المثال استخدم إرهابيو حادث بلغاريا جوازات سفر أسترالية وكندية، وأخرى لبعض دول أوروبا الغربية.
وعودة إلى السؤال المتقدم: لماذا الآن يتم الكشف ومن جديد عن تلك العلاقة؟
يبدو أنه الخوف الأوروبي الذي بات يدرك اقتراب صحوة الخلايا الإيرانية النائمة في الداخل الأوروبي، وذلك بسبب اقتراب زمن الافتراق الإيراني - الأوروبي... كيف ذلك؟ خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن، التي نُوقِشَت فيها الأزمة الصاروخية الإيرانية، بات جلياً أن الاتحاد الأوروبي وعلى لسان مندوبه قد بدأ في توجيه الاتهامات لإيران بشكل مباشر، التي تعمل على تهديد أوروبا من جانبين؛ فمن الخارج تبقى الصواريخ الإيرانية التي تطال جنوب القارة الأوروبية، وهناك مرجعيات أخرى تشير إلى أنها تطال قلب أوروبا سواء في الوقت الحالي أو عما قريب.
تقرير «صوت أوروبا» يؤكد على أن «حزب الله»، ومن خلال الدعم المالي واللوجيستي الإيراني، تمكَّن من زراعة خلايا في كثير من دول البلقان، لا سيما بلغاريا والبوسنة، إلا أن ذلك لم يحظ بالاهتمام الإعلامي، وبحسب مصادر استخباراتية للإذاعة التي تمثل «صوت أوروبا»، فإن بعض عناصر «حزب الله» يعملون في فارنا والعاصمة صوفيا في بلغاريا، وبعضهم عبروا الحدود مع صربيا كسياح وعملوا على تشكيل الخلايا هناك.
يكشف أحد أعضاء «حزب الله» الموجودين في بلغاريا، للموقع الإعلامي الأوروبي، حقيقة وجود خلايا لـ«حزب الله» في الداخل الأوروبي، إذ يشير إلى أن الحزب نجح في تكوين تلك الخلايا من خلال مواطنين لبنانيين يتم إرسالهم للدراسة أو بصفتهم رجال أعمال، حيث يتلقون مساعدات مالية من «حزب الله» لاستكمال تعليمهم والمساعدة في تجارتهم، وأيضاً فإن بعضهم سبق أن تلقوا تدريباً عسكرياً قبل وصولهم إلى بلغاريا، في حين أن آخرين منهم تزوجوا بلغاريات واندمجوا في المجتمع، والأكثر إثارة أنه بعد الأحداث في سوريا، وقبلها العراق، تم تجنيد عناصر سورية وعراقية للانضمام إلى شبكتهم في البلقان من قبل «حزب الله» وإيران... هل أخفقت أجهزة الأمن الأوروبية في الاستعداد للأسوأ الإيراني الذي لم يأتِ بعدُ على أراضيهم؟ يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، فأوروبا التي انشغلت الأعوام الماضية في مواجهة اليمين القومي المتطرف المتصاعد في ألمانيا وهولندا، وفي إيطاليا والنمسا، وفي المجر وأخيراً في إقليم الأندلس جنوب إسبانيا، قد عطلت النظر في عوامل، مثل تآكل الثقة بين أصحاب المصلحة المحليين، والافتقار إلى الاهتمام الدولي، والمشكلات المتعلقة بتقاسم المعلومات الاستخبارية في الوقت المناسب، وهذه جميعاً وفَّرت للإيرانيين أجواء مريحة، جعلت الرئيس روحاني يهدد أخيراً بأنه حال التضييق على إيران فإن «تسونامي» من المخدرات والعنف يمكن أن يلفَّ العالم بأكمله، ومن قبله وأكثر من مرة أشار جنرالات «فيلق القدس» (الجناح الأكثر دموية في الحرس الثوري الإيراني) إلى وجود خطط جاهزة للانتقام حال تعرضت إيران لعمليات عسكرية من قبل الولايات المتحدة، وبالضرورة أيضاً سيكون لأوروبا نصيب من هذا الإرهاب.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».