ألف طفل في لحج مهددون بالموت جوعاً

TT

ألف طفل في لحج مهددون بالموت جوعاً

بقلق بالغ وخوف يتملك جسدها النحيل من فقدان أحد طفليها اللذين يعانيان من سوء التغذية منذ الولادة معاً، تحدق ذكرى علي وهي يمنية تقطن منطقة محاذية بين محافظتي لحج والضالع في طفليها غسان وعرفات اللذين لا يتجاوز سنهما عامين. وتقول: «لا أستطيع تحمل رؤية طفلي بهذا الشكل. لا توجد أم تتحمل ذلك. أعجز عن وصف شعوري ويأسي في كل مرة أرى طفلي بهذا الوضع المبكي والمؤلم في آن واحد. غسان مصاب بالمجاعة وسرطان الغدد، وعرفات مصاب بانسداد مجرى التنفس، ونحن نتوجع كل ثانية وكل يوم وكل لحظة على حالهما ذلك، ونقف عاجزين عن فعل شيء لهما».
وتعاني منطقة ريمة بمديرية المسيمير المجاورة لمنطقة شآن التابعة لأزارق الضالع من فقر شديد، وبحسب إحصاءات رسمية فإن ألف طفل تقريباً مهددون بالموت جوعاً في هذه المنطقة.
ياسين قائد هائل هو الآخر طفل مصاب بالمجاعة يعيش في منطقة عقان، حاله لا يقل عن حال غسان ومثلهم المئات من أطفال المسيمير تنهش أجسادهم النحيلة المجاعة وسوء التغذية والأوبئة والأمراض القاتلة. وبحسب تصريحات أهالي المنطقة فإن كارثة المجاعة وانهيار الاقتصاد كان وقعه أكبر من حرب الميليشيات الحوثية التي تستعر للعام الرابع على التوالي.
صورة ياسين تجسد هيكلاً عظمياً لطفل من دون لحم، وهو من أسرة فقيرة بالمسيمير نزحت إلى عقان قبل 3 أعوام من منطقة الحويمي بمديرية كرش بسبب حرب الحوثيين في سبتمبر (أيلول) 2014.
تعيش أسرة ياسين منذ نزوحها من قريتها بالحويمي بكرش إلى عقان وحتى اللحظة في كوخ وخيمة لا تصلحان للعيش والسكن فيها لأيام. والد ياسين عاطل عن العمل وهو خريج جامعي يعمل متعاقداً في إحدى مدارس يافع براتب ضئيل لا يكفي قوت أسبوع لأسرته تلك.
تعاني أسرة الطفل ياسين قائد وهي أسرة كبيرة وفقيرة جداً ويلات الحرب والنزوح وتتجرعه صباحاً ومساء كل يوم وكل لحظة وهي بانتظار من ينتشلها من وضعها ذلك منذ 3 أعوم مضت، وما زال الأمل يحد تلك الأسرة بأن يزيح الله كربتهم وتتوقف الحرب ويعيدون إلى منزلهم ذلك بالحويمي.
المشاهد المؤلمة لأطفال المسيمير المصابين بسوء التغذية حاد وخيم تشي بحجم المعاناة التي لا يمكن تخيلها، وما تلك القصص سوى غيض من فيض لقصص كثيرة جداً تعد مثالاً حياً على فداحة المعاناة الكبيرة الذي يعيشها أطفال المنطقة المنسية وأحد أفقر المديريات في اليمن.
يقول الدكتور محمد السيد مدير مكتب الصحة بمديرية المسيمير إنه جرى تسجيل حالات سوء التغذية في جميع قرى المديرية تقريباً، 3700 حالة مصابة بسوء التغذية لما دون سن الخامسة للفترة من يناير (كانون الثاني) وحتى أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2018.
وسجل متوسط الإصابة الشهرية للأطفال لما دون سن الخامسة بسوء التغذية المصنف تحت درجة حاد ووخيم «سام» 85 طفلاً، وبمتوسط إصابة يومية 3 أطفال حالة سوء تغذية حاد وخيم بواقع إصابة طفل لكل 8 ساعات. بينما تسجل شهرياً 225 حالة إصابة سوء تغذية متوسط «مام» وبواقع 8 إصابات سوء تغذية يومياً، بمتوسط إصابة طفل لكل 3 ساعات، وهي أرقام كبيرة ومفزعة جداً تشير إلى اجتياح المجاعة المسيمير وهي تعد ثاني أفقر مديرية بالبلاد وحالها لا يقل عن حال الأزارق بالضالع.
ويزيد عدد سكان المسيمير على 40 ألف نسمة وفقاً لمدير «مكتب الصحة»، فيما سجل عدد الأطفال لما دون الخامسة 6300 طفل، وعدد النساء والفتيات في سن الإنجاب 7300 امرأة، وعدد مواليد لهذا العام 1300 مولود.
يرى الدكتور السيد أن الوضع الصحي والبيئي للمسيمير كان سيكون أسوأ مما هو عليه الآن لولا تدخل بعض المنظمات الدولية في المديرية، داعياً المنظمات الدولية إلى التدخل في المواقع الصحية المتبقية، ومؤكداً لحاجة المديرية إلى دعم مستدام ومشاريع استراتيجية تشمل الأمن الغذائي والصحة والمياه والإصحاح البيئي.
ويفيد السيد بأن دور الحكومة والسلطات المحلية انحصر فقط في تسهيل مهام عمل المنظمات الدولية وتدخلها للعمل في المديرية، لافتاً بأن أبرز الاحتياجات بالنسبة للجانب الصحي للمديرية تتمثل في توفير الأطباء عموم وأطفال، وتوفير الأدوية بشكل كافٍ ومستمر.
من ناحيته، يقول منسق المنظمات الدولية بسام الطميري إن الوضع الإنساني بمديرية المسيمير مؤلم وقاسٍ جدا، كون أغلب الأسر تعيش تحت خط الفقر لأسباب كثيرة، مشيراً إلى أن الصور التي تم نشرها لأطفال المديرية هي ما استطاعت عدسات الكاميرا الوصول إليهم فقط، وما خفي كان أعظم حد تعبيره ذلك. وأرجع أسباب اجتياح المجاعة وسوء التغذية للمديرية إلى أكثر من سبب «فمنها أسباب سياسية تتعلق بالحرب وما نتج عنها من فقدان أغلب الأسر مصادر عيشها، وأسباب اقتصادية وأسباب بيئية ومناخية، حيث تسبب الجفاف بإتلاف المزارع وموت الأغنام والنحل التي تعد مصدر دخل لكثير من الأسر في الأرياف، إلى جانب انهيار العملة وارتفاع الأسعار بشكل جنوني».
حال الأهالي في مديرية المسيمير بلحج صعب جداً، فأكثر من 90 في المائة من سكان المديرية يعيشون تحت خطر الفقر وحالهم لا يقل عن حال الأزارق فالفقر والمجاعة وسوء التغذية وانتشار الأوبئة والأمراض القاتلة قواسم مشتركة بين المسيمير والأزارق أفقر منطقتين في الجنوب واليمن عامة.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.