الفياض متمسك بترشيحه لـ«الداخلية» العراقية

دعا عبد المهدي إلى عدم الخضوع للضغوط

الرئيس العراقي برهم صالح يتحدث في احتفالية في بغداد أمس بمناسبة ذكرى الانتصار على «داعش» (أ.ب)
الرئيس العراقي برهم صالح يتحدث في احتفالية في بغداد أمس بمناسبة ذكرى الانتصار على «داعش» (أ.ب)
TT

الفياض متمسك بترشيحه لـ«الداخلية» العراقية

الرئيس العراقي برهم صالح يتحدث في احتفالية في بغداد أمس بمناسبة ذكرى الانتصار على «داعش» (أ.ب)
الرئيس العراقي برهم صالح يتحدث في احتفالية في بغداد أمس بمناسبة ذكرى الانتصار على «داعش» (أ.ب)

بعد ما يقرب من شهرين على الأزمة الوزارية في العراق بسبب عدم التوافق على مرشح وزارة الداخلية فالح الفياض مما أعاق تمرير الوزراء الثمانية المتبقين في حكومة عادل عبد المهدي، أعلن الفياض أمس تمسكه بالترشيح، داعيا في الوقت نفسه عبد المهدي إلى عدم الخضوع للضغوط.
وقال الفياض في احتفال أقامته هيئة الحشد الشعبي في بغداد: «وأترك لرئيس الوزراء حرية الاختيار». وأضاف: «على عبد المهدي عدم الخضوع لأي ضغوط تمارسها الأطراف الأخرى في اختيار مرشحي الحقائب الشاغرة». وأوضح الفياض الذي أعاده عبد المهدي إلى مناصبه التي جردها منه العبادي (رئاسة الحشد الشعبي ومستشارية الأمن الوطني) أنه يتشرف بالترشح لمنصب وزير الداخلية وأنه لن يهرب من أي مسؤولية يكلف بها. وتابع: «مهمتي الإصلاح وطريق البناء لأي ملك الحق فيه شخص واحد أو جهة واحدة»، مبينا أن ترشيحه لمنصب وزير الداخلية «متروك بيد رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي وهو من يقرر ما يريده وأنا أضع كامل الحق بيد عبد المهدي لكني لن أتنازل عن المنصب ولن أنسحب».
ويأتي إعلان الفياض عن التمسك بالمنصب وعدم التنازل عنه مع ترك الحرية لرئيس الوزراء قبل ثلاثة أيام من جلسة البرلمان التي يفترض أن يتم خلالها التصويت على الحقائب الثماني المتبقية من حكومة عبد المهدي. وطبقا لمصدر سياسي مسؤول فإنه في الوقت الذي لا يلوح في الأفق «ما يؤكد تقديم عبد المهدي كابينته الحكومية يوم الثلاثاء بسبب احتمال عدم اكتمال النصاب لكن يوم الخميس قد يكون يوما حاسما لأن هناك تحشيد من أطراف في البناء بهدف إكمال النصاب». ويضيف المصدر المطلع أن «هناك حراكا سياسيا جادا باتجاه إيجاد حل لأزمة وزارة الداخلية وبالذات المرشح لها فالح الفياض». وردا على سؤال بشأن ما تقوله كتلة الفتح إنه ليس مرشحها وهو خيار رئيس الوزراء بينما رئيس الوزراء يقول إنه مرشح الكتل السياسية، يقول المصدر السياسي إن «كتلة البناء، ومنها الفتح، باتت تعلن أنها تؤيد الفياض في حال قام بطرحه رئيس الوزراء أما القول إنه ليس مرشحها فهذا يبقى جزءا من الإشكالية القائمة بينها وبين كتلة الإصلاح لا سيما أن الطرف الرئيسي في الإصلاح، وهو كتلة سائرون بزعامة مقتدى الصدر، تلمح إلى وجود ضغوط خارجية، وضمنا إيرانية، باتجاه الفياض بينما هي تعلن تمسكها بما تسميه القرار العراقي».
وعما إذا كان هناك تراجع من عبد المهدي أو كتلة البناء بالتنازل عن ترشيح الفياض استجابة للضغوط، قال المصدر المسؤول إن «هناك نوعا من القبول بالأمر الواقع بعدم الاتجاه أكثر في التصعيد في حال لم يكتمل النصاب هذا الأسبوع حتى لا تستمر الأزمة وربما تنتقل إلى الشارع لكن من الواضح أن كل المؤشرات تدل على أن كتلة البناء تؤيد الفياض في حال طرحه عبد المهدي وهو ما يعني أن كل الأطراف، بمن فيها الفياض نفسه، ألقت الكرة في ملعب عبد المهدي».
من جهته، أكد حمد الله الركابي، رئيس كتلة «سائرون» في البرلمان، لـ«الشرق الأوسط» أن «تحالف سائرون لا يزال متمسكا بموقفه والذي ينطلق من موقف مبدئي وليس شخصيا من هذا المرشح أو ذاك والذي يقوم على مبدأ واضح ومحدد وهو أن الوزارات الأمنية يجب أن تبقى بعيدة عن هيمنة الأحزاب». وأضاف الركابي أن «ملف الوزارات الأمنية من أهم الملفات وأخطرها لأنه يتعلق بمصير العراق واستقراره وطالما أن العراق أكبر من الأسماء فإننا نرى أهمية منح هذه الحقائب إلى أبناء المؤسسة الأمنية من المستقلين أنفسهم وهناك قيادات وكفاءات قادرة على إدارة هذا الملف بكفاءة». وشدد الركابي على أن «الحل لهذه العقدة يتمثل في الحوار بوصفه الحل الأمثل باعتبار أن الجميع بات يدرك خطورة المرحلة الحالية وحساسيتها وهو ما يدعونا إلى الارتفاع إلى مستوى المسؤولية الوطنية»، مجددا تمسك سائرون بموقفها «غير الخاضع للضغوط والإملاءات من أي طرف كان».
في السياق نفسه، أكد المتحدث باسم ائتلاف دولة القانون البرلمانية بهاء النوري أن «الخلافات بين الكتل السياسية حول ما تبقى من الكابينة الوزارية، رغم كثرة الحوارات بشأنها، لم تصل إلى نتائج نهاية». وأضاف النوري في تصريح أمس أن «كل طرف متمسك بخياراته وبحسب المرشحين المطروحين والتي كان بعضها اعتراضات مهنية والبعض الآخر شخصية رغم أنه حتى اللحظة لم نر اعتراضات موضوعية موجبة لاستبدال بعض المرشحين».
في سياق متصل أكد الرئيس العراقي برهم صالح أن «الأهم في هذه المرحلة هو مواصلة استحقاق إكمال الكابينة الوزارية ودعم عادل عبد المهدي في مهمته الوطنية والصعبة». وقال صالح في كلمة أمس السبت إنه «لا يمكن حل التعثر السياسي الراهن إلا عن طريق الاتفاق»، داعيا الفرقاء السياسيين إلى «طي صفحة الخلافات عن طريق التسامح»، مبديا أسفه من أن «الخلاف السياسي انتقل من المركز إلى المحافظات».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.