موسكو لا ترغب في مواجهة بين أنقرة ودمشق شمال سوريا

TT

موسكو لا ترغب في مواجهة بين أنقرة ودمشق شمال سوريا

تجنبت موسكو إعلان موقف رسمي تجاه التحضيرات التركية لشن عملية عسكرية في منطقة شرق الفرات. وبدا من التعليقات النادرة التي صدرت على المستويين الدبلوماسي والعسكري في روسيا، أن ثمة ميلاً لدعم التحرك التركي ضمناً، على غرار الموقف الذي اتخذته موسكو حيال العمليات العسكرية السابقة التي شنتها أنقرة على الأراضي السورية، مع الحرص الروسي على عدم انزلاق الموقف نحو مواجهة واسعة بين القوات التركية والقوات النظامية السورية.
وكان الصمت الرسمي الروسي لافتاً خلال الأيام الأخيرة منذ أعلنت تركيا نيتها التحرك عسكرياً، إذ حاول المسؤولون الروس تجنب الرد مباشرة على أسئلة في هذا الخصوص، في حين لم تصدر أي بيانات رسمية حول الموضوع، ما دفع الصحافة الروسية إلى عقد مقارنات مع موقف موسكو خلال عمليتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون»، مع الإشارة إلى فارق مهم، إذ إن العمليتين السابقتين كان هدفهما المعلن مواجهة تنظيم داعش في المناطق الحدودية، بينما تهدف العملية الجديدة إلى توجيه ضربة قوية إلى القوات الكردية في المنطقة.
ولفتت الإشارات المحدودة التي صدرت عن مسؤولين في روسيا إلى أن موسكو تحمل المكون الكردي جزئياً المسؤولية عن تدهور الوضع في هذه الدرجة. وقال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إن روسيا تسعى للمحافظة على تواصل مع الأطراف الكردية في سوريا وخارجها، لكنه أشار إلى وجود «تعدد بالآراء داخل الصفوف الكردية». ورأى أن هذا الأمر يعقد الوضع، لأنه «يؤدي إلى شلل في المواقف».
وقال مصدر روسي قريب من الخارجية لـ«الشرق الأوسط»، إن موسكو لا يمكنها أن تعرض التحركات التركية التي تلبي «تفاهمات الطرفين حول ضرورة منع الطموحات الانفصالية في سوريا وتقليص تأثير النشاط الأميركي في منطقة الشمال السوري».
ويبدو عنصر مواجهة التحركات الأميركية ضاغطاً بقوة على موسكو، وفقاً للمصدر، خصوصاً أن موسكو نبهت أكثر من مرة خلال الأسابيع الأخيرة إلى ما وصفته بـ«التداعيات الكارثية المحتملة» للخطوات الأميركية في شأن «محاولة إنشاء كيان انفصالي في المنطقة»، كما حذر الروس أكثر من مرة المكون الكردي من أن واشنطن «تتلاعب بالقضية الكردية» و«هذه لعبة خطرة جداً»، وفقاً لتصريح للوزير سيرغي لافروف. وكان لافتاً أن وزارة الدفاع الروسية اختارت هذا التوقيت لتكشف رسالة وجهها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى نظيره الأميركي جيمس ماتيس و«تجاهل الطرف الأميركي الرد عليها، ما يعكس عدم رغبة واشنطن في فتح حوار منطقي مع روسيا»، وفقاً لتعليق الناطق باسم الوزارة الروسية إيغور كوناشيكوف الذي أفصح عن مضمونها، مشيراً إلى أن «روسيا عبرت عن قلقها العميق إزاء التناقضات الكردية - العربية المتزايدة في الأراضي السورية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة شرق الفرات». كما أن الرسالة تناولت أيضاً «مشكلة مخيم الركبان للاجئين السوريين، حيث أجبر أكثر من 50 ألف سوري على البقاء في ظل أصعب الظروف».
ودلت تعليقات المستويين الدبلوماسي والعسكري الروسي على أن تركيز موسكو منصب بالدرجة الأولى على تحركات واشنطن، ما يعني أن عملية عسكرية تركية لضرب وحدات الدفاع عن الشعب الكردي المدعومة من جانب واشنطن، سوف تسفر عن تقليص مساحة التحرك الأميركي. وتستخدم موسكو خصوصاً لتبرير مواقفها المخاوف من نشوب مواجهة كردية عربية واسعة.
وكان رئيس هيئة الأركان الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف، عمل على حشد تأييد دولي للمواقف الروسية عبر دعوة الملحقين العسكريين الأجانب قبل أيام وتقديم معلومات لهم عن «محاولة واشنطن إنشاء كيان كردي مستقل عن دمشق شمال سوريا». ورأى أن «الوضع شرق الفرات يتأزم، وتحاول الولايات المتحدة المراهنة على الأكراد السوريين لإنشاء كيان شبيه بدولة مستقل عن دمشق شمال البلاد، ويقومون بتشكيل حكومة ما يسمى فيدرالية شمال سوريا الديمقراطية»، لافتاً إلى أن «الأميركيين عبر دعم التوجهات الانفصالية للأكراد بالآليات العسكرية يسمحون لهم بمضايقة القبائل العربية».
لكن الموقف الروسي الداعم ضمنياً للتحركات التركية يواجه معضلة صعبة، إذ يرى خبراء روس أن مصالح روسيا تقتضي بدفع الأكراد للتعاون مع دمشق، بهدف تقليص فرص الخطط الانفصالية وتسهيل إعادة بسط دمشق سلطتها على المنطقة في وقت لاحق، لكن في المقابل لا ترغب موسكو في وقوع مواجهة بين القوات النظامية والقوات التركية، لذلك «ستعمل على ممارسة ضغط على النظام لحمله على عدم التدخل بشكل مباشر»، وفقاً لتعليق خبير قال إن موسكو في أوقات سابقة شهدت تحركات عسكرية تركية في شمال سوريا ونجحت في ضبط تحرك النظام ومنعه من تصعيد الموقف.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.