ماي تنشد تنازلات من قادة الاتحاد الأوروبي غداة «نجاتها»

الأوروبيون مستعدون لتقديم ضمانات حول «شبكة الأمان»

ماي تصل إلى بروكسل للمشاركة في قمة أوروبية أمس (أ.ف.ب)
ماي تصل إلى بروكسل للمشاركة في قمة أوروبية أمس (أ.ف.ب)
TT

ماي تنشد تنازلات من قادة الاتحاد الأوروبي غداة «نجاتها»

ماي تصل إلى بروكسل للمشاركة في قمة أوروبية أمس (أ.ف.ب)
ماي تصل إلى بروكسل للمشاركة في قمة أوروبية أمس (أ.ف.ب)

ناشدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي نجت من حجب الثقة عنها، قادة الاتحاد الأوروبي أمس تقديم تنازلات قد تنقذ خطتها لـ«بريكست»، إلا أنها أقرت بأنها لا تتوقع تحقيق اختراق سريع.
ونجت ماي من تصويت بحجب الثقة نظمه نواب حزبها المحافظ في وقت متأخر الأربعاء، إلا أنها أكّدت لدى وصولها قمة الاتحاد الأوروبي أنها لن تخوض الانتخابات العامة المقبلة في 2022. وبدلا من ذلك، فسينصب تركيزها على إنقاذ الخطة لضمان خروج منظم من الاتحاد، وإقناع نظرائها الأوروبيين بتقديم ضمانات بأن بريطانيا لن تعلق إلى الأبد في اتحادهم الجمركي.
واتفق قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ27 الأخرى على بيان سياسي، إلا أنهم ما زالوا معارضين لإعادة التفاوض على اتفاق البريكست الذي تم التوصل إليه بصعوبة، وصادقوا عليه قبل أقل من ثلاثة أسابيع. وقالت ماي إن «تركيزي ينصب الآن على الحصول على هذه التطمينات التي نحتاجها لإنجاح هذا الاتفاق، لأنني أعتقد بصدق أنه يخدم مصلحة الطرفين: بريطانيا والاتحاد الأوروبي». وأضافت: «لا أتوقع اختراقا فوريا، ولكنني آمل أن نبدأ العمل بالسرعة الممكنة على هذه التطمينات الضرورية».
ويناقش الدبلوماسيون الأوروبيون خطة من قسمين تتضمن صدور بيان صحافي مقتضب أثناء القمة، يليه في يناير (كانون الثاني) تفسير قانوني للاتفاق. وصرّح رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي، أمس: «الليلة التركيز ينصب على التوضيح»، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية.
كما التقت ماي رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك في بروكسل لإجراء ما وصفه بـ«محادثات اللحظة الخيرة»، قبل الانضمام إلى القادة الأوروبيين الآخرين. وأعدّ باقي أعضاء الاتحاد الأوروبي بيانا من ست فقرات، أعربوا فيه عن أملهم بأن يقدم تطمينات بشأن المخاوف مما يسمى خطة «شبكة الأمان» المرتبطة بحدود آيرلندا الواردة في اتفاق بريكست، وهو ما قد يساعد في إقناع البرلمان البريطاني بالموافقة عليه.
وأشادت الأطراف المعنية باتفاق انسحاب بريطانيا من التكتل الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي، مؤذنة بانتهاء المفاوضات التي استمرت 17 شهرا. وترى بروكسل أنها أنقذت لندن من الخروج من الاتحاد في 29 مارس (آذار) المقبل دون اتفاق. لكن لدى عودتها إلى بلادها حاملة معها الاتفاق الذي خاضت محادثات مضنية للتوصل إليه، قوبلت ماي بمعارضة من أشد المدافعين عن بريكست ضمن حزبها، وتراجعت عن طرحه للتصويت في البرلمان الثلاثاء الماضي، بعدما بدا رفض النواب له أمرا مؤكدا.
ومع تأجيل التصويت عليه حتى يناير (كانون الثاني)، تسعى ماي إلى الحصول على مساعدة الأوروبيين في تجميله عبر تقديم «تطمينات» بأن إجراءات «شبكة الأمان» الهادفة إلى منع إعادة الحدود الفعلية مع إيرلندا، لن تستمر إلى ما لا نهاية.
وقال دبلوماسيون أوروبيون إن بيان القمة المقترح سيعلن أن أي شبكة أمان «لن تطبق إلا لفترة قصيرة، وبما تمليه الضرورة القصوى». وسيضيف أن «الاتحاد سيكون مستعدا للنظر في أي تطمينات أخرى يمكن تقديمها. ولن تغير هذه التطمينات أو تتناقض مع اتفاق الانسحاب».
لكن ذلك لن يشكل تعهدا ملزما من الناحية القانونية، وهو ما يطالب به أنصار بريكست، لعدم استخدام مسألة الحدود الآيرلندية لربط بريطانيا بالاتحاد الجمركي لأمد غير محدود. وصرّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن القادة قد يجرون مناقشة سياسية، ولكنّه حذّر من أن النص القانوني لن يخضع للنقاش، مؤكدا أن على ماي طرح أفكارها الخاصة. وقال إنه «يجب على تيريزا ماي أن تخبرنا ما هو الحل السياسي الذي لديها لبناء أغلبية حول هذا الاتفاق».
وسيهيمن ملف بريكست مجددا على قمة الاتحاد الأوروبي، التي كان من المفترض أن تتعامل مع مسائل شائكة على غرار الهجرة والميزانيات ومنطقة اليورو. وبعدما قامت ماي بجولة إلى ثلاث عواصم أوروبية الثلاثاء، في مسعى للحصول على مساعدة من نظرائها في أوروبا، قال توسك إنه يودّ مساعدتها لكن «السؤال هو كيف».
لكن المسؤولين الأوروبيين أصروا علنا وفي جلساتهم الخاصة على ضرورة الإبقاء على شبكة الأمان. وقال أحدهم: «لا مكان لفكرة تاريخ انتهاء صلاحية» شبكة الأمان.
وعقب لقاء منفصل مع ماي، أكد رئيس الوزراء الآيرلندي ليو فارادكار على أن «شبكة الأمان» يجب أن تكون جزءا من الاتفاق. وأضاف: «نحن كاتحاد أوروبي، نحرص على تقديم التفسيرات والتطمينات والتوضيحات لأي شيء يمكن أن يساعد النواب (البريطانيين) في فهم الاتفاق على أمل تأييده. ولكن شبكة الأمان ليست مطروحة للنقاش».
ويجب أن يقنع أي حل تتوصل إليه ماي حزبها وحلفاءها الإيرلنديين الشماليين وغالبية النواب البريطانيين ليدعموا الاتفاق لدى عودته إلى طاولة وستمنستر. وفي حال اعتبر أن الاتفاق يتضمن عيوبا فسيؤدي ذلك إلى فوضى اقتصادية في بريطانيا وشركائها التجاريين الأساسيين وسينتهي أمر ماي بتصويت برلماني لسحب الثقة منها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟