الضفة: ردود فعل أم مقدمة انتفاضة؟

TT

الضفة: ردود فعل أم مقدمة انتفاضة؟

بعد أسابيع من الحملات الإسرائيلية والردود الفلسطينية المقابلة، تحولت الضفة الغربية، أمس (الخميس)، إلى ساحة مواجهات متنقلة بين قوات الاحتلال والناشطين الفلسطينيين، على نحو أحيا التساؤلات عما إذا كان التصعيد الأخير قد جرى بقرار من جهة محددة أم أنه نتيجة لتراكم مجموعة من العوامل التي لم تجد تصريفاً لها في المسارات السياسية؟
اغتيال الجيش الإسرائيلي ثلاثة شبان فلسطينيين في القدس ونابلس واتهامهم بالضلوع في هجمات وقعت بين أكتوبر (تشرين الأول) وأوائل الشهر الحالي، تسبب في رد سريع على محطة حافلات تستخدمها عناصر الاحتلال خارج نابلس أسفر عن مقتل جنديين وإصابة اثنين آخرين بجروح خطرة.
قتل الشاب محمد حبالي الذي كان يعاني من مرض عقلي، برصاص دورية إسرائيلية في طولكرم قبل أيام، من دون أي مبرر، وتصاعد تهديدات اليمين المتطرف بقتل رئيس السلطة الوطنية محمود عباس، إضافة إلى استمرار اعتداءات المستوطنين على أملاك الفلسطينيين، وسط عجز فلسطيني عن الرد أو وقف الانتهاكات الإسرائيلية، عناصر شكّلت خلفية مؤاتية لحوادث أمس، وإن كانت لا تفسرها تفسيراً وافياً.
فالرواية الإسرائيلية تصر على أن حركة «حماس» تبذل جهوداً كبيرة لإرسال مقاتلين لشن هجمات على المستوطنات وداخل الخط الأخضر، وأن الأجهزة الإسرائيلية قد أحبطت مئات الخطط في الأعوام القليلة الماضية، لاستهداف الإسرائيليين. الدافع لإصرار «حماس» على رفع وتيرة العمليات المسلحة في الضفة في الوقت الذي تتمسك فيه بالتهدئة في غزة، على ما ظهر بعدما اقترب الوضع من الانفجار هناك الشهر الماضي، دافعٌ مركّب، حسب المحللين الإسرائيليين، الذين يقولون إن الهجمات في الضفة ترمي إلى إضعاف سلطة محمود عباس في ظل الصراع المستمر بين الجانبين والذي أخفقت كل محاولات تسويته وعلاجه. يضاف إلى ذلك أن نقل التوتر إلى الضفة يساعد في تخفيف الضغط على القطاع الذي لا يبدو أن حصاره سيُرفع في وقت قريب. كما أن الهجمات تعيد إلى الأذهان أن وجود «حماس» لا يقتصر على غزة، خلافاً للانطباع الذي تَولّد من سيطرة الحركة على القطاع قبل عقد من الزمن.
في المقابل، ثمة إدراك بين الإسرائيليين أن العديد من العمليات الفلسطينية والتي تُستخدم فيها سكاكين المطبخ لطعن الجنود والمستوطنين والسيارات لدهسهم في نقاط تجمعهم، لا تربط منفذيها أي صلة بالتنظيمات الفلسطينية المعروفة، وأن القائمين بها هم في الغالب من الشبان والشابات الذين تصرفوا إما بدافع الانسداد الكامل لآفاق المستقبل بسبب الاحتلال وقيوده الخانقة والمعيقة للطموحات الفردية والبسيطة، وإما سعياً إلى الثأر لقريب سقط بنيران الاحتلال أو ما يشبه ذلك من أسباب ودوافع، من دون إغفال الدور التعبوي والتنظيمي لعدد من الفصائل.
تداخل الصفتين، الفردية والمنظمة، في العمليات الفلسطينية ينشئ صعوبات إضافية أمام الأجهزة الإسرائيلية في كيفية التعامل مع هذه الظاهرة –التعامل الأمني حصراً– خصوصاً أن ما من نية عند الجانب الإسرائيلي في العودة إلى مائدة المفاوضات ولا في البحث عن حلّ سياسي، حيث ترى الحكومة الحالية أن ما من شيء يمكن التفاوض في شأنه قبل أن تقدم السلطة في رام الله آخر التنازلات عما تبقى من حقوق للشعب الفلسطيني.
من جهة ثانية، يتساءل عدد من المراقبين العرب عما إذا كانت الطفرة الحالية من العمليات في الضفة تشكل مقدمة لانتفاضة فلسطينية ثالثة. السؤال هذا يشوبه بعض التسرّع. يجوز التذكير هنا بسلسلة عمليات دهس المستوطنين بالسيارات التي نفّذها شبان فلسطينيون قبل أعوام قليلة والتي هللت لها وسائل إعلام عربية ورأت فيها تباشير انتفاضة جديدة. وانتهت تلك العمليات من دون أن ترى الانتفاضة المنتظرة النور، ذلك أن العائق الأكبر أمام اندلاع انتفاضة من مستوى الانتفاضتين في سنتي 1987 و2000، لا يكمن في نقص إرادة النضال والتحرر عند الفلسطينيين، بقدر ما يتركز على الانقسام المزمن بين القوى الرئيسية الممثلة لهم والنزاعات التي تجهض دائماً كل محاولات المصالحة والحوار. يترك الفراغ السياسي هذا، العمل الفلسطيني عند مستوى الأعمال الفردية والمظاهرات التي تنظمها كل قرية بمفردها عند تعرضها لعدوان استيطاني من دون القدرة على التحول إلى عمل وطني شامل عليه، يبدو من المبكّر توقع اتخاذ التطورات الحالية اتجاهاً تصاعدياً ما دامت تفتقر إلى الحاضنة السياسية اللازمة، ما يجعل العمليات والهجمات الفلسطينية أقرب إلى ردود الفعل الموضعية على الواقع القائم.



مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».