سنوات السينما

أنطوني هوبكنز كما ظهر في «تايتوس»
أنطوني هوبكنز كما ظهر في «تايتوس»
TT

سنوات السينما

أنطوني هوبكنز كما ظهر في «تايتوس»
أنطوني هوبكنز كما ظهر في «تايتوس»

(1999) Titus
شكسبير حاضراً
‫اعتاد بعض المؤرخين ومنذ أجيال بعيدة النظر إلى مسرحية ويليام شكسبير «تايتوس أندرونيكوس» بعين الريبة مفترضين أن شكسبير لم يكتبها، وإذا فعل فهو لم يكتبها كاملة. ويرجعون السبب إلى اختلافها عن باقي تراجيديات شكسبير بعنفها الشديد، فالمسرحية عبارة عن حلقات انتقام من بضعة أطراف تأخذ أبعاداً دموية وتحتوي على قطع أيدي وتمثيل بالجثث والاغتصاب وحالات مماثلة أخرى.‬
‫لكن الكثير من الذين لا يرتابون في أن شكسبير مؤلف هذه المسرحية التراجيدية، يعتبرونها أسوأ ما كتب. في حين يرجح الباقون أنها ليست كذلك، والعنف الذي يغلفها ما هو إلا تعليق على أحداث جرت في محيطه وزمنه ولا تزال تجري في محيطنا نحن وزمننا، مما يجعل المسرحية عملاً يتخطى، كشأن أعمال الأديب الكبير، الأزمنة بجدارة.‬
جولي تايمور مدربة مسرحية إلى جانب أنها فنانة تشكيلية في الأساس ‫تخوض عملية نقل هذه المسرحية، التي قلما اكترثت بها السينما، إلى الشاشة الكبيرة بعدما كانت قدمتها على المسرح سنة 1994. كما سبق لها أن قدمت مسرحيتي شكسبير «العاصفة» و«ترويض المتمردة» في العامين 1993 و1994. وهي كانت كتبت حينما قدمت «تايتوس أندرونيكوس» أن ما لفت نظرها في المسرحية هي أنها تعلق على ما يدور اليوم من عنف شديد يأخذ شكل حروب إبادة وتفرقة عنصرية واعتداءات مختلفة.‬
‫تقوم تايمور بتقديم شخصية صبي من اليوم يلج عالم الأمس، وتنقل المسرحية من إطارها الزمني البعيد إلى ثلاثينات هذا القرن. بذلك تؤكد على استمرار ما ذهب إليه شكسبير في مسرحيته من إدانة للشر والذات الانتقامية كما تدين حروب اليوم كما أدانها ويليام شكسبير في القرن السادس عشر (نشرت المسرحية أول مرّة سنة 1594) وما بعده٠‬
‫يفتح الفيلم على عيني صبي وراء قناع من كيس وَرَقي. ترجع الكاميرا عنه في اللحظات السابقة لفورة خيالية حادة، إذ يبدأ الصبي ببعثرة لعبه والألوان وكل ما على طاولة المطبخ حيث كان يأكل ويلعب. المزيج الصارخ مع حركة كاميرا لاهثة وموسيقى صادحة تعكس جواً موحشاً منذ البداية تقطعه تايمور بنقل الصبي مباشرة إلى ساحة رومانية تعج بالجنود. إنهم من الدمى التي كان يلعب بها الصبي وقد أخذت تتحرك فإذا بها جنود تايتوس العائدين من الحرب ضد قبائل «غوث» الشمالية. المشاة بالزي الروماني يتقدمون مدرعات ودبابات تعود إلى الثلاثينات، وهذا بمثابة إطلالة الفيلم المشبعة الأولى على ربط ينطلق من اليوم إلى الأمس والأمس البعيد في تأسيس مشهدي واحد.‬
‫والقصة من هنا تتوالى حسب الأصل: عودة القائد المظفر تايتوس الذي خسر معظم أولاده في تلك الحرب وانتقامه من الملكة بقتل أكبر أبنائها، ثم وقوفه إلى جانب الإمبراطور الروماني الشاب المنتخب الذي جر عليه المزيد من الويلات حالما تسللت الملكة إلى قلب الإمبراطور فتزوج بها. لكن الملكة إنما تنفذ في أحيان كثيرة ما يخططه لها هارون، المغربي الأسمر الذي عاش عبداً لفترة طويلة وتحول إلى جندي لكنه يشعر بالظلم الدائم بسبب عنصره. إنه عشيق الملكة الخفي وهو يكشف لها ما يريد من أوراق ويكشف لولديها الأرعنين ما يريد من أوراق أيضا، ويحتفظ بأمل الخروج من ضرب كل الأطراف بعضها ببعض بفوز على الجميع. ‬
‫تمثيل ممتاز من جميع المشتركين يتقدمهم أنطوني هوبكنز الذي يخلق مسافات ملحوظة بين أدواره في أفلام هوليوود، وبين أدواره في الأفلام التي تتمتع بقيمة أدبية وفنية في ميداني الكتابة والإخراج كما هو الحال هنا.‬ وحين مشاهدة «تايتوس» ‫تتوالى عليك صور مصممة بعناية لكي تعكس الخيال الفني لدى تايمور. كثير من اللعب الجيد بالتصاميم العامة والأزياء وحركة الكاميرا وهي تحسن الدمج بين العصور من دون أن يهتز تأثير عصر واحد أو يضعف ذلك المنهل الزمني للمسرحية الأصلية (كما حدث مع اقتباس باز لورمان «روميو+ جولييت» - أدناه) أو يشوه منطلقاتها وميزاتها الخاصة.‬


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

نجم بوليوود عامر خان يصرف النظر عن الاعتزال ويواصل التمثيل والإنتاج

نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
TT

نجم بوليوود عامر خان يصرف النظر عن الاعتزال ويواصل التمثيل والإنتاج

نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)

خطرت فكرة اعتزال السينما في بال نجم بوليوود، عامر خان، في خضمّ فترة التأمل التي أمضاها خلال جائحة كوفيد-19، لكنّ الممثل والمنتج الهندي بدّل رأيه مذّاك ويعتزم مواصلة مسيرته المهنية الغنية التي بدأت في سبعينات القرن العشرين.

وقال خان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، خلال مقابلة أجرتها معه في لندن، إنه مرّ قبل بضع سنوات بمرحلة إعادة نظر ذاتية.

وأضاف: «كان ذلك خلال أزمة كوفيد، وكنت أفكر في كثير من الأمور، وأدركت أنني قضيت حياتي بأكملها في عالم السينما السحري هذا منذ أن أصبحت بالغاً».

وتولى عامر خان بطولة عدد كبير من الأفلام التي حققت نجاحاً تجارياً واسعاً في بلده، ومنها «3 بلهاء» و«دانغال»، و«نجوم على الأرض»، كما اشتهر عامر خان بإنتاج وبطولة فيلم «لاغان Lagaan» الذي كان بين الأعمال المرشحة لجائزة الأوسكار للأفلام الأجنبية عام 2002.

وتابع خان الذي بدأت مسيرته التمثيلية منذ الطفولة في السبعينات، وأصبح لاسمه ارتباط وثيق ببوليوود: «لقد أدركت أنني لم أعطِ حياتي الشخصية الأهمية التي كنت أرغب فيها».

وزاد: «واجهتُ صعوبة في التغلب على الشعور بأنني أهدرت الكثير من الوقت، وكنت أشعر بالكثير من الذنب... كان رد فعلي الأول القول إنني اكتفيت من السينما».

لكنّ عائلته، وخصوصاً ابنه وابنته، أقنعته بالعدول عن الاعتزال. وقال: «في رأسي كنت أقول سأتوقف. ثم لم أفعل ذلك».

والآن، مع اقتراب عيد ميلاده الستين في مارس (آذار)، يريد عامر خان، الذي يعيش في مومباي، «مواصلة التمثيل والإنتاج لبعض الوقت».

«أحب أن أفاجئ جمهوري»

ويعتزم النجم الهندي أيضاً جعل شركته للإنتاج «عامر خان بروداكشنز» منصة «لتشجيع المواهب الجديدة التي تكون أحاسيسها قريبة» من أحساسيسه و«تريد أن تروي القصص» التي تهمه.

ومن ذلك مثلاً فيلم «لاباتا ليديز» Laapataa Ladies الكوميدي عن شابتين من منطقة ريفية في الهند، يطرح موضوع الزواج ووضع المرأة في بلده، وقد شارك في إنتاجه مع زوجته السابقة كيران راو، وحضر أخيراً إلى لندن للترويج له.

ويتناول عدد من أفلام عامر خان قضايا اجتماعية، مثل حقوق المرأة في المناطق الريفية، أو الصناعة الرياضية، أو الضغط المفرط في التعليم العالي أو حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

لكن خان يرفض أن يحبس نفسه في نوع واحد فقط من الأفلام أو الأدوار، وقال في هذا الصدد: «أحب التنويع والتطرق إلى قصص مختلفة. أحب أن أفاجئ نفسي وجمهوري».

ولم يتردد النجم البوليوودي في انتقاد نفسه أيضاً، مشيراً إلى أنه «غير راضٍ» عن أدائه في فيلم «لا سينغ شادا» Laal Singh Chaddha الهندي المقتبس من فيلم «فورست غامب» تم إنتاجه عام 2022، لكنه لم يحظَ بالاستحسان المألوف الذي تُقابَل به أعماله.

وأما في «أن يكون هذا الفيلم أفضل»، في إشارة إلى عمله الجديد «سيتار زامين بار» Sitaare Zameen Par الذي يُطرَح قريباً.

ورغم فوزه بالعشرات من الجوائز السينمائية في الهند بالإضافة إلى ثالث أعلى وسام مدني في بلده، فإن عامر خان يحرص على تقويم كل فيلم من أفلامه.

وشدّد على أن «إخراج فيلم أمر بالغ الصعوبة». وقال: «عندما أنظر إلى الفيلم الذي أخرجناه، ثم إلى السيناريو الذي كتبناه، أتساءل هل حقق الفيلم الأهداف التي حددناها».

وأضاف: «إذا وصلنا إلى ما أردناه، وصنعنا الفيلم الذي أردناه، فيشكّل ذلك ارتياحاً كبيراً».