انتقادات في فرنسا لفشل أجهزة الأمن في منع هجوم ستراسبورغ

السعودية تدين... ومنفّذ الاعتداء مغاربي الأصل «احترف اللصوصية» وكان موضوعاً على لوائح مراقبة المتطرفين

متضامنون مع ضحايا الاعتداء في ستراسبورغ أمس (إ.ب.أ)
متضامنون مع ضحايا الاعتداء في ستراسبورغ أمس (إ.ب.أ)
TT

انتقادات في فرنسا لفشل أجهزة الأمن في منع هجوم ستراسبورغ

متضامنون مع ضحايا الاعتداء في ستراسبورغ أمس (إ.ب.أ)
متضامنون مع ضحايا الاعتداء في ستراسبورغ أمس (إ.ب.أ)

لم تكن الصدفة هي التي دفعت شريف شكات لاختيار مدينة ستراسبورغ هدفاً للعملية الإرهابية التي قام بها ليلة أول من أمس والتي أوقعت ثلاثة قتلى و13 جريحاً أحدهم في حالة موت سريري وآخرون في حالة الخطر الشديد. ذلك أن هذا الرجل صاحب الأصول المغاربية وُلد في المدينة المذكورة في مايو (أيار) من عام 1989، وعاش فيها، وهو يسكن منزلاً متواضعاً في إحدى ضواحيها قريباً من عائلته التي أوقف أربعة من أفرادها صباح أول من أمس بينهم والده واثنان من إخوته. وأثار الكشف عن وجود اسم هذا الرجل على لوائح الأشخاص المشتبه في تبنيهم الأفكار المتطرفة، انتقادات من الأوساط اليمينية لأجهزة الأمن بسبب فشلها في تفادي العملية الإرهابية.
وفي الرياض، عبّر مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السعودية عن إدانة بلاده الشديدة لحادث إطلاق النار في ستراسبورغ. وجدد المصدر وقوف السعودية ومؤازرتها «للجمهورية الفرنسية الصديقة»، ضد كل أشكال العنف والتطرف والإرهاب.
وفي الواقع، لم يكن منفّذ هجوم ستراسبورغ شخصاً غير معروف للسلطات. فباكراً، عُرف عنه لجوؤه إلى العنف والسرقة ومهاجمة البنوك وأعمال اللصوصية الصغيرة التي أحصاها المدعي العام الفرنسي بدقة في كلامه للصحافة ظهر أمس من مقر المحكمة في ستراسبورغ. وكشف ريمي هايتز أن الجاني سيق إلى المحاكم 27 مرة في فرنسا وألمانيا وسويسرا وعرف السجن في البلدين الأوّلين. وقال وزير الداخلية كريستوف كاستانير، للنواب في جلسة بعد ظهر أمس إن «سلوك (الجاني) منذ سن العاشرة كان يقع تحت طائلة القانون»، وإن إدانته الأولى جاءت مبكرة وهو في سن الـ13 من عمره.
وكرّت مسبحة الجنح التي ارتكبها شريف شكات والتي جعلته زبوناً دائماً للمحاكم. ومنذ أواخر عام 2015، وبعد «إقامة» سنتين في سجن فرنسي وهي الثانية من نوعها، وُضع اسمه على اللائحة المسماة «لائحة أس» التي تضم أسماء الأشخاص الذين يشكلون خطراً على الأمن الوطني بسبب نزوعه نحو الأفكار الإسلاموية المتطرفة. ولذلك، فقد كانت تتابعه أجهزة المخابرات الداخلية كما كانت تتابع أخاه الموجود اسمه على اللائحة نفسها. وهذا «التحول» من اللصوصية إلى الإسلاموية المتطرفة جرى في السجن الذي تنظر إليه الأجهزة الأمنية الفرنسية كـ«مدرسة» للفكر المتطرف التي «تخرّج» فيها العشرات من المتطرفين الذين توجّه كثيرون منهم إلى «ميادين القتال» في سوريا والعراق وبلدان الساحل أو قاموا بعمليات إرهابية على الأراضي الفرنسية.

ومن هؤلاء الأخوان شريف وسعيد كواشي وأحمدي كوليبالي الذين دشنوا العمليات الإرهابية في باريس بداية عام 2015.
وتُعد ستراسبورغ مدينة رمزية، إذ تستضيف البرلمان الأوروبي و«سوق عيد الميلاد» الأكبر في أوروبا الذي يجذب ما لا يقل عن مليون زائر ما بين نهاية السنة وبداية السنة الجديدة. ولذا، فإن اختيار المكان ربما لم يكن محض صدفة لمن يرغب في إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا ويرغب في أكبر تغطية إعلامية. ففي عام 2000، وبفضل التعاون بين الأجهزة الأمنية الفرنسية والألمانية، تم تعطيل عملية إرهابية كبيرة وأُلقي القبض استباقياً على المخططين لها وتبين وقتها انتماؤهم إلى تنظيم «القاعدة». وفي عام 2016، ألقت القوى الأمنية الفرنسية القبض على سبعة أشخاص قبل أن ينتقلوا إلى مرحلة تنفيذ هجوم على سوق عيد الميلاد. وللتذكير، فإن سوق الميلاد في برلين تعرضت بدورها في 19 ديسمبر (كانون الأول) من عام 2016 لعملية إرهابية.
وحتى مساء أمس، لم تكن القوى الأمنية التي جُنّد منها حسب وزير الداخلية كريستوف كاستانير، 720 فرداً معززين بطوافتين، قد ألقت القبض على الجاني شريف شكات الذي أطلق رصاص مسدسه ثلاث مرات على المارة واشتبك مرتين مع الأمن قبل أن يلوذ بالفرار على متن سيارة تاكسي، أرغم سائقها على نقله إلى إحدى ضواحي ستراسبورغ ومن هناك اختفت آثاره. وكان رجال الدرك قد أحاطوا بمنزله صباح أول من أمس لجلبه بسبب دور مفترض له في عملية سطو مسلح لكنهم لم يعثروا عليه. وثمة من يرى من الخبراء أن هذه المحاولة هي التي «سرّعت» في الهجوم الإرهابي. وحسب وزير الداخلية ووزير الشؤون الأمنية والمدعي العام، فإن الجاني استطاع الدخول إلى محيط السوق الميلادية رغم الإجراءات الأمنية المعمول بها، كما استطاع الخروج بعد أن زرع الموت والرعب في المنطقة.
ومباشرةً عقب ذلك، وإلى جانب عمليات المطاردة والبحث عن الجاني، عمدت القوى الأمنية إلى إغلاق وسط المدينة وفرضت التفتيش على الجسور الـ19 التي تربط وسطها وقلبها كاتدرائية ستراسبورغ الشهيرة وكذلك سوق الميلاد المزدانة، وأطلقت عمليات تفتيش واسعة في أحياء عدة بحثاً عن الجاني الفارّ. وكشف سائق التاكسي أن الأخير مصاب بالرصاص بذراعه نتيجة تبادله إطلاق النار مع رجال الأمن. ولم يستبعد الوزير المفوض الشؤون الأمنية لوران نونيز، أن يكون شريف شكات قد غادر الأراضي الفرنسية وربما إلى ألمانيا القريبة الملاصقة حدودها لستراسبورغ.
وظُهر أمس، تحدث المدعي العام ريمي هايتز الذي اصطحبه وزير الداخلية ليلاً إلى ستراسبورغ إلى الصحافة. ومن أهم ما جاء عليه أنه نقل عن شهود للعملية الإرهابية قولهم إن الجاني صرخ «الله أكبر» قبل أن يفتح النار على المتنزهين والمتسوقين ورجال الأمن في السوق الميلادية. وكان المدعي العام أول من لجأ إلى توصيف ما حصل بأنه «عملية إرهابية»، الأمر الذي امتنع سابقاً عن تأكيده الوزير المفوض للشؤون الأمنية. لكن الإعلام الفرنسي لم ينتظر المدعي العام لتأكيد أن ما حصل «عملية إرهابية». وفتحت نيابة باريس تحقيقاً في «عمليات قتل ومحاولات قتل مرتبطة بجماعة إرهابية، والمشاركة في عصابة أشرار إرهابية إجرامية». كذلك سارعت الحكومة إلى إعلان أنها رفعت حالة التأهب الأمني إلى الدرجة الأخيرة المسماة «التهيؤ لهجوم طارئ»، فرضت معها إجراءات رقابة مشدّدة على الحدود، ورقابة مشدّدة في كل أسواق عيد الميلاد في فرنسا، وذلك بهدف «تجنّب خطر حدوث هجوم يقلّد» هجوم ستراسبورغ. وكشف وزير الداخلية عن تعبئة إضافية للقوى الأمنية في إطار ما يسمى «عملية سانتينيل» لحفظ الأمن على كل الأراضي الفرنسية بما يشمل استخدام عناصر عسكرية على غرار ما كان معمولاً به إبان العمل بحالة الطوارئ.
ولدى افتتاحه جلسة مجلس الوزراء أمس، قال الرئيس إيمانويل ماكرون، كما نقل عنه الناطق باسم الحكومة الوزير بنجامين غريفو، إن «التهديد الإرهابي ما زال جاثماً على قلب حياة أمتنا»، معبّراً عن «تضامن الأمة» مع الضحايا وفي وجه الإرهاب. ومنذ ليل أول من أمس، تابع ماكرون تطورات الموقف لحظة بلحظة فترأس اجتماعاً للخلية الأمنية في وزارة الداخلية ليلة الثلاثاء، وترأس أمس اجتماعاً لمجلس الدفاع في قصر الإليزيه. لكنه ترك المسائل «التقنية» للوزيرين كاستانير ونونيز. ورغم «تعبئة» السلطات التي انتقلت من مواجهة «السترات الصفراء» إلى مواجهة عمل إرهابي، فإنها تعرضت للنقد الشديد لعجزها عن منع ارتكاب أعمال إرهابية.
وترخي عملية ستراسبورغ التي لم يعد ثمة أي شك في طبيعتها الإرهابية، غلالة من الخوف على الفرنسيين الذين عايشوا الإرهاب وخبروه طيلة السنوات الثلاث الأخيرة التي سقط فيها 246 قتيلاً ومئات الجرحى. وخلال العام المنصرم، عرفت فرنسا هجومين إرهابيين أوقعا خمسة قتلى، الأول في مدينتي كركاسون وتريب بجنوب البلاد «5 قتلى مع الجاني»، والثاني يوم 12 مايو في باريس «أوقع قتيلين مع الجاني».
وكما في كل مرة، تنصبّ الانتقادات على الحكومة والسلطات الأمنية وتحديداً من اليمين الكلاسيكي واليمين المتطرف بسبب ما يريانه «تقصيراً» في التعامل مع الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم يشكلون تهديداً لأمن فرنسا والفرنسيين. وتساءل لوران فوكييه، رئيس حزب «الجمهوريون» اليميني الكلاسيكي في تغريدة عن «عدد الهجمات (الإرهابية) التي يجب أن يقوم بها المسجلون على اللوائح (الأمنية أس) قبل أن نكيّف قوانيننا للتعامل مع الحرب على الإرهاب؟ وماذا ننتظر حتى نقضي على الأصولية التي أعلنت الحرب علينا؟».
ويريد فوكييه إعادة العمل بحالة الطوارئ والحجز الإداري للأشخاص الخطرين وطرد الأجانب منهم. وتذهب مارين لوبن، رئيسة «التجمع الوطني» اليميني المتطرف في الاتجاه نفسه مطالبةً بـ«تغيير جذري» للسياسة الحكومية إلى «أثبتت فشلها». وتدعو لوبن، كما فوكييه، إلى طرد الأشخاص الأجانب المسجلين على هذه اللوائح وإلى «استهداف التنظيمات» التي تحمل أفكاراً متطرفة، حسب رأيها.


مقالات ذات صلة

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
المشرق العربي إردوغان وإلى جانبه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال المباحثات مع بيلنكن مساء الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بلينكن باستمرار العمليات ضد «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا أنها ستتخذ إجراءات وقائية لحماية أمنها القومي ولن تسمح بالإضرار بعمليات التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا. وأعلنت تعيين قائم بالأعمال مؤقت في دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.