حماس تكثف حربها على «العملاء»

اعتقلت وأعدمت «متعاونين» مع «الشاباك» وتراقب آخرين

موظف في الهلال الأحمر الفلسطيني يغادر سيارة الإسعاف بعد غارة إسرائيلية في منطقة رفح بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
موظف في الهلال الأحمر الفلسطيني يغادر سيارة الإسعاف بعد غارة إسرائيلية في منطقة رفح بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

حماس تكثف حربها على «العملاء»

موظف في الهلال الأحمر الفلسطيني يغادر سيارة الإسعاف بعد غارة إسرائيلية في منطقة رفح بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
موظف في الهلال الأحمر الفلسطيني يغادر سيارة الإسعاف بعد غارة إسرائيلية في منطقة رفح بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

خلال اليومين الماضيين نشرت قنوات تلفزيونية إسرائيلية أن عناصر كتائب القسام التابعة لحماس قتلوا بالرصاص محتجين على سياسة الحركة في أحياء الشجاعية وأماكن أخرى في قطاع غزة، لكن مصادر أمنية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن فلسطينيين قتلوا في أماكن مختلفة من القطاع هذا الأسبوع «ولكن ليس لأي سبب سياسي أو حياتي، وإنما بسبب ارتباطات الأشخاص المقتولين مع المخابرات الإسرائيلية».
ولم تغفل حماس أبدا خلال السنوات القليلة الماضية عن متابعة «العملاء» كما يسميهم الفلسطينيون، وهم أفراد من بين جلدتهم يتخابرون مع جهاز الأمن الإسرائيلي العام (الشاباك)، ولاحقتهم بكل الطرق الممكنة، وحتى خلال الحرب الحالية ظلت متابعة العملاء ضمن أولويات الحركة.
وتنظر إسرائيل بأهمية بالغة لجيش «المتعاونين» الذي خلقته على الأرض خلال فترة احتلالها الطويلة، إذ شكل هؤلاء مصدر معلومات مهما ضمن منظومة الأمن الإسرائيلي، لكن حربا شعواء شنتها الحركة الإسلامية على «العملاء» في السنوات القليلة الماضية نجحت نسبيا في الحد من خطورتهم.
وقالت مصادر في «المقاومة» الفلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إن المقاتلين الفلسطينيين أعدموا ما لا يقل عن 26 من «المتخابرين» مع إسرائيل، بينهم 3 استغلوا الانتماء لفصائل فلسطينية بهدف منح أنفسهم حرية الحركة. وحسب المصادر فقد تم إعدام 9 منهم في حي الشجاعية وحده، وألقيت جثثهم في أماكن عامة.
ويعد إلقاء جثث «العملاء» أمام أعين الناس سنة انتهجتها الفصائل الفلسطينية في محاولة لردع الآخرين. لكن ذلك إضافة إلى إعدامهم ميدانيا من دون محاكمة كان محل انتقادات من مؤسسات حقوقية، وأصبح مخالفا للقانون بعد تأسيس السلطة الفلسطينية. وقالت المصادر إنه لا يتم قتل «الجواسيس» قبل التحقيق معهم وسحب معلومات دقيقة منهم يجري مطابقتها والتأكد من صحتها.
وكشفت تحقيقات مستفيضة أجرتها السلطة وفصائل فلسطينية في السنوات القليلة الماضية أن كل عملية اغتيال في الضفة أو غزة قد شارك فيها بصورة أو بأخرى عملاء فلسطينيون، حتى إن بعضهم شاركوا في تنفيذ هذه الاغتيالات. وتركز دور معظم العملاء على الأرض في إعطاء معلومات وإشارات للجيش الإسرائيلي حول وجود أو تحرك مقاومين أو مطلوبين للاغتيال.
وأشارت المصادر إلى أن العديد من العملاء الذين لم يكتشفوا سابقا تم رصدهم في هذه الحرب من خلال ترك «إشارات خاصة» على الأهداف كي تتمكن الطائرات من تحديدها. وأضافت «بعضهم مثلا كان يطلق (الرصاص الخطاط) الذي يشع باللون الأحمر بالقرب من البيوت والمواقع التي تم استهدافها في وقت لاحق».
ونشر موقع «المجد» الأمني التابع لوزارة الداخلية، أنه «لا يمكن لجيش الاحتلال قصف أي بيت قبل أن يتم الاتصال والتواصل مع العميل الذي يرسل له ضابط المخابرات الإسرائيلية في وقت سابق خريطة عن المنطقة ليحدد بالتفصيل التوزيعة الجغرافية والسكانية للبيت المستهدف والبيوت المحيطة به قبل أن يتم استهداف أي بيت». وأضاف «أي قصف لأي بيت لا يتم إلا من خلال تواصل رجل المخابرات مع العميل الذي يكون موجودا بالقرب من البيت قبل استهدافه، ثم يطلب منه رجل المخابرات الابتعاد إلى مسافة تضمن سلامته عند استهداف البيت من قبل الطائرات». وتابع «هذا ما أكده عدد من العملاء الذين تم إلقاء القبض عليهم نتيجة الاشتباه بوجودهم في مكان الحدث قبيل القصف».
وتعتقل حماس الآن مجموعة من العملاء وتخضعهم لتحقيقات قاسية، فيما يلاحق متخصصون مشتبهين آخرين. ونشرت الحركة أول من أمس رسالة إلى العملاء جاء فيها «إلى العملاء الخونة، هذه أرض طاهرة لا يمكن للخائن العيش فيها، فمهما طالت خيانتك سيأتي يوم يعلق فيه جسدك على أعواد المشانق، إلا من تاب وعمل عملا صالحا.. فعد قبل فوات الأوان».
وتعمل مجموعات أمنية خاصة بكتائب القسام والأمن الداخلي على متابعة «المشتبهين» بلباس مدني ودون أن يثير ذلك الانتباه.
وتستخدم حماس سياسة فتح الباب للتوبة مع العملاء لكن بحسب مدى تورطهم مع إسرائيل. وفي 2010 أطلقت الحركة التي كانت تحكم قطاع غزة حملة لمحاربة العملاء، ودعتهم إلى التوبة قبل الوصول إليهم، وفعلا سلم عملاء أنفسهم واعترفوا بالخدمات التي قدموها لإسرائيل، وكررت الحركة الحملة مرة ثانية في 2012، متعهدة بحرب «لا هوادة فيها ضد أيدي عناصر وعملاء الشاباك في قطاع غزة».
ونشرت داخلية حماس أشرطة تظهر عملاء يعترفون بولائهم للمخابرات الإسرائيلية أثناء فترة عملهم معها، ومسؤوليتهم عن المشاركة في اغتيال مسؤولين كبار، وبث شائعات هدامة، وتخريب النسيج المجتمعي. ومن بين العملاء اعترف البعض بأنهم عملوا مع الاحتلال لسنوات طويلة تصل إلى 40 عاما، وتورطوا في الاغتيال المباشر لعدد من قادة الفصائل الفلسطينية. وكشفت حماس طرق إسقاط العملاء، وبعضها يتم عبر فتيات أو بالمال أو عبر التهديد والضغوط أو داخل السجون.
وتعتقل السلطة الفلسطينية، كذلك، عملاء في سجونها، لكنها تلجأ إلى الاحتكام للقوانين والمحاكم، وتقول إنها لا تريد نشر تفاصيل ملفات من شأنها جر ثارات عائلية، كما لا تؤيد السلطة أحكام الإعدام ضد متعاونين مع إسرائيل. لكن حماس تدافع عن إعدام العملاء بأنه ضرورة لردع هذه الظاهرة. وقالت المصادر «إعدام العملاء يتم بعد التحقق والتثبت من تورطهم في عمليات قتل أو التسبب بتدمير منازل المواطنين، أما من لم يثبت تورطه فيجري التعامل معه بحسب الوضع الأمني». ولا ينطبق هذا على من يسلم نفسه طواعية، إذ تعفو عنه الحركة إذا لم يكن متورطا في الدم.



يمنيون يتوقعون إفشال الحوثيين اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي

إلغاء تدابير البنك المركزي اليمني أثار انتقادات شديدة للحكومة اليمنية (إعلام حكومي)
إلغاء تدابير البنك المركزي اليمني أثار انتقادات شديدة للحكومة اليمنية (إعلام حكومي)
TT

يمنيون يتوقعون إفشال الحوثيين اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي

إلغاء تدابير البنك المركزي اليمني أثار انتقادات شديدة للحكومة اليمنية (إعلام حكومي)
إلغاء تدابير البنك المركزي اليمني أثار انتقادات شديدة للحكومة اليمنية (إعلام حكومي)

على الرغم من الغضب الذي ساد الشارع اليمني بسبب موافقة الحكومة اليمنية على اتفاق لخفض التصعيد الاقتصادي مع الحوثيين، الذي أعلنه، الثلاثاء مبعوث الأمم المتحدة هانس غروندبرغ، فإن مؤيدي الحكومة يراهنون على تعنّت الحوثيين وعدم التزامهم بتنفيذ هذا الاتفاق الذي رأوا فيه تراجعاً عن الإجراءات العقابية التي اتخذت ضد الجماعة التي كانت سبباً في الانقسام المالي وبدء الحرب الاقتصادية.

ولا يخفي اليمنيون في المقاهي والتجمعات الشعبية سخطهم من الموافقة الحكومية على الاتفاق، ويؤكدون أن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في عدن كانت الأقوى والأكثر تأثيراً على الحوثيين بعد سنوات من الإجراءات التي اتخذتها الجماعة المسيطرة على صنعاء، وفي طليعتها مصادرة أموال المودعين والبنوك التجارية وفرض الانقسام المالي.

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ حذر من خطر التصعيد الاقتصادي في اليمن (د.ب.أ)

ويؤكد عبد الحكيم سالم وهو موظف حكومي لـ«الشرق الأوسط» أن الخطوة التي كان اتخذها البنك المركزي في عدن أعادت ثقة الناس بالحكومة، وكانت الأكثر إيلاماً للحوثيين، وينتقد الموافقة على إلغائها دون الحصول على تنازل حقيقي من الحوثيين، ويرى أن أبسط المواضيع التي كان ينبغي مقايضتها مع الحوثيين هو قرار منع تداول الطبعة الجديدة من العملة الوطنية.

أما أحمد عبد الله، وهو موظف في القطاع التجاري، فيشعر بخيبة أمل من الاتفاق، لأن البنك المركزي استطاع أن يهز الحوثيين الذين ظلوا يتخذون إجراءات تصعيدية من جانب واحد، ابتداء بمنع تداول العملة إلى منع المعاملات البنكية ومنع تصدير النفط وفرض جمارك إضافية على البضائع القادمة من موانئ الحكومة.

خطوط عريضة

يرى نادر محمد، وهو أحد الناشطين اليمنيين أن ما ورد في بيان المبعوث الأممي هو مجرد خطوط عريضة لاتفاق أولي سيحتاج بعده إلى مشاورات ونقاشات طويلة لتنفيذه، ووضع ضمانات فعلية للالتزام بكل بنوده إلى جانب أن الاتفاق يتطلب ترتيبات أمنية ودولية مع مصر والهند من أجل تسيير رحلات تجارية من صنعاء إلى هذين البلدين، مؤكداً أن هناك تجارب عديدة ثبت خلالها أن الحوثيين يمتلكون القدرة على إفشال أي اتفاق.

هذه الرؤية يشاركه فيها رضوان وهو معلم يعيش في مناطق سيطرة الحوثيين، إذ يقول إن الحديث عن اجتماعات لمعالجة التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجهها شركة الخطوط الجوية اليمنية تعني أن أزمة الطائرات المختطفة لم تحل وأن مشكلة تجميد أرصدة الشركة ما تزال قائمة.

الحوثيون سكوا عملة معدنية غير قانونية وهو ما فجر المواجهة مع الحكومة اليمنية (رويترز)

ويبدي رضوان شكوكاً كبيرة في جدية الحوثيين بمعالجة كل القضايا الاقتصادية، لأن الاشتراطات التي يعلنون عنها من قبل تعني أن التوصل إلى اتفاق سيكون بعيد المنال، لأنهم يريدون الحصول على امتيازات اقتصادية دون تقديم أي تنازلات.

ويتفق مسؤول يمني تحدث لـ«الشرق الأوسط» مع ما ذهب إليه المتحدثون، ويؤكد أنه منذ سريان التهدئة التي رعتها الأمم المتحدة لم ينفذ الحوثيون أي التزام رغم تنفيذ الحكومة كل التزاماتها.

ويقول المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه؛ لأنه غير مخول بالتصريحات الصحافية، إن المحادثات الاقتصادية هي المحك الفعلي، حيث اشترط مجلس القيادة الرئاسي الذهاب إلى محادثات اقتصادية تؤدي في النهاية إلى استئناف تصدير النفط الذي توقف بسبب استهداف الحوثيين موانئ تصديره، وكذلك الأمر فيما يتعلق بانقسام العملة، حيث بدأ الحوثيون الحرب الاقتصادية منذ 2019 من خلال منع تداول الطبعة الجديدة من العملة اليمنية في مناطق سيطرتهم.

مكسب للجميع

على خلاف ذلك، يرى المحامي اليمني والوسيط المحلي عبد الله شداد أن الاتفاق بين الحكومة الشرعية والحوثيين بشأن إعادة رحلات طيران الخطوط الجوية اليمنية من مطار صنعاء، وزيادة الرحلات وإلغاء جميع القرارات الصادرة عن البنك المركزي اليمني في عدن وصنعاء واستمرار الحوار، سيزعج المنتفعين كثيراً، وقال إنه ‏تبقى الاتفاق على إعادة تصدير النفط والغاز وتوحيد العملة.

وبخلاف اللهجة التي تحدث بها رئيس فريق المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام، أكد عبد الملك العجري، عضو الفريق الحوثي المفاوض، أن اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي ضد البنوك مكسب لعموم الشعب اليمني في شماله وجنوبه شرقه وغربه وأن «الخاسر الحقيقي هو أميركا وإسرائيل»، وفق قوله.

وفي حين يرى قطاع عريض من اليمنيين أن التوصل إلى اتفاق اقتصادي سيكون مؤشراً فعلياً على الجدية في المضي على مسار السلام، يؤمّل القيادي الحوثي العجري أن يشكل الاتفاق الجديد حافزاً نحو البدء في خطوات تنفيذ الشق الإنساني والاقتصادي من خريطة الطريق - بحسب الاتفاق - وعلى رأسها المرتبات.

وبالاستناد إلى الاتفاقات التي أبرمت برعاية الأمم المتحدة منذ بداية الصراع في اليمن، فإن الحوثيين عادة ما يذهبون نحو عرقلة أي التزامات تخصهم، ولعل أبرز ذلك عرقلة اتفاق «استوكهولم» بشأن انسحاب كل القوات من مدينة وميناء الحديدة، واتفاق استئناف الرحلات التجارية من صنعاء وتخفيف القيود على السفن الواصلة إلى ميناء الحديدة في مقابل فتح الطرقات بين المدن وإنهاء حصارهم لمدينة تعز ودفع رواتب الموظفين من إيرادات موانئ الحديدة.