يوميات أشهر أجنبي غير قانوني في الولايات المتحدة

مقالاته فازت بجائزة «بوليتزر» للصحافة

يوميات أشهر أجنبي غير قانوني في الولايات المتحدة
TT

يوميات أشهر أجنبي غير قانوني في الولايات المتحدة

يوميات أشهر أجنبي غير قانوني في الولايات المتحدة

صدر حديثاً في الولايات المتحدة كتاب «عزيزتي أميركا: يوميات مواطن غير قانوني»، لمؤلفه هوزي فارغاس الذي ولد في الفلبين، وجاء إلى الولايات المتحدة بطريقة غير قانونية، لكنه تعلم، وامتهن الصحافة، وعمل مراسلاً في صحيفة «واشنطن بوست»، من دون أن تعرف حقيقته.
وأثار الكتاب صدى واسعاً، فقد قالت عنه ميشيل ألكساندر، مؤلفة كتاب «نيو جيم كرو» (عن التفرقة العنصرية الجديدة في أميركا): «يجب أن تكون هذه المذكرات الشجاعة والمؤلمة قراءة إلزامية على كل أميركي»، بينما كتبت إيمي تان، مؤلفة كتاب «نادي الحظ السعيد»: «بكيت وأنا أقرأ هذا الكتاب، وعرفت ما تحمل والداي عندما جاءا إلى أميركا من الصين»، وذكر ديفيد إيغرز، مؤلف كتاب «راهب مونكا»، أن هذا الكتاب «جاء في الوقت المناسب، وهو أكثر ضرورة الآن».
كان المؤلف قد كتب قبل أعوام قليلة تقارير صحافية رائعة، كانت سبب فوزه بجائزة «بوليتزر» في الصحافة، وكانت أيضاً مناسبة لكشفه عن حقيقته. ومنذ ذلك الحين، أخذ يسمى «أشهر أجنبي غير قانوني في الولايات المتحدة».
وصدر هذا الكتاب في الوقت المناسب لسببين: أولاً، هجمات الرئيس دونالد ترمب المستمرة القاسية على الأجانب، خصوصاً الذين دخلوا الولايات المتحدة بطرق غير قانونية. وقد زادت الهجمات مع المعركة الانتخابية النصفية، والمقبلة في عام 2020، وسط تنبؤات بفوز ترمب مرة أخرى، وتوقع تشدد أميركا أكثر ضد الأجانب. ثانياً، جاء الكتاب مع زحف قرابة 10 آلاف مواطن من دول أميركا الوسطى (نيكاراغوا، والسلفادور، وغواتيمالا)، عبر المكسيك، إلى الولايات المتحدة. ورغم عدم قانونية دخولهم الولايات المتحدة بهذه الطريقة، يصور «غزو المشاة» هذا ظاهرة جديدة بدأت مع مئات الآلاف من المشاة من سوريا إلى غرب أوروبا (بالإضافة إلى غزو عابري البحر الأبيض المتوسط).
ولا ينكر مؤلف الكتاب أنه، بالإضافة إلى كذبه وادعاءاته، كان سعيد الحظ (كان يمكن أن يرتكب حادثة تقود الشرطة إلى حقيقته)، وأيضاً لأن أميركيين ساعدوه (وكانوا يقدرون على أن يسلموه إلى شرطة الهجرة).
بفضل هؤلاء، وجد منحة دراسية كاملة إلى جامعة ولاية كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، من دون فحص أوراقه المزيفة، ثم تدرب واستعمل أوراق هجرة مزيفة في صحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» وصحيفة «فيلادلفيا ديلي نيوز»، لكنه لم يقبل في صحيفة «سياتل تايمز»، لأنه قال الحقيقة عن وضعه القانوني. لهذا كذب وقدم أوراقاً مزيفة، عندما تقدم للعمل في صحيفة «واشنطن بوست».
وعندما شارك فارغاس في جائزة «بوليتزر» عام 2007، قال إنه ذهب إلى الحمام وصرخ باكياً، مقتنعاً بأن هذا الاهتمام الجديد سيؤدي إلى اكتشافه، لكن حظه بقي يخدمه.
ويقول المؤلف عن كتابه: «هذا ليس كتاباً عن سياسات الهجرة، بل ليس عن الهجرة أصلاً؛ إنه يتحدث عن التشرد، ليس بالمعنى التقليدي للكلمة، ولكن عن الحالة النفسية غير المستقرة وغير المطمئنة التي يجد فيها المهاجرون غير القانونيين - مثلي - أنفسهم فيها».
ويضيف: «تدور أحداث هذا الكتاب حول كذبي حتى لا أعتقل وأبعد إلى الفلبين، وحول ادعاءاتي بأني أميركي، وأنا لست أميركياً، وحول عائلاتي هنا وهناك، وحول محاولاتي المحافظة على العلاقات العائلية، رغم كل مشاكلي. تدور أحداث هذا الكتاب ليس فقط عن اختبائي المستمر من الشرطة والمسؤولين، ولكن أيضاً من نفسي».
ويختتم: «يمثل هذا الكتاب أقرب شيء إلى الحرية... حريتي».


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.