قد لا يخطر على بالك أن تتحول من مجرد ميكانيكي تعمل في ورشة لإصلاح السيارات، إلى رجل تتحكم في عشرات الملايين من الدولارات وعشرات الآلاف من البشر. هذا ما حدث مع اثنين على الأقل من أمراء الحرب في ليبيا، بمساعدة رجل ثالث كان داعية متشددا لكنه مغمور، تغيرت حياته أخيرا وأصبح يتأهب لإعلان مدينة بنغازي إمارة إسلامية، وذلك عقب الاستيلاء على معاقل رئيسة للخصم اللدود للمتشددين الإسلاميين في ليبيا، اللواء خليفة حفتر، في اليومين الماضيين.
وتختلط دوافع الخصومات الثأرية مع شعارات سياسية ودينية عامة، لدى القيادات التي تتحكم في واحد من أكبر التنظيمات المتشددة في هذه الدولة شاسعة المساحة وقليلة السكان والتي تعد من أغنى الدول الأفريقية في مجال النفط. وشارك نحو ألف مقاتل من التنظيم المعروف باسم «أنصار الشريعة» في شن هجوم منظم استمر لأكثر من أسبوعين، على معاقل لقوات حفتر، لكن الانتصار الكبير الذي حققه هذا التنظيم، وأصبح ملهما لمن يسميهم بعض السكان المحليين بـ«دواعش ليبيا» كان يتمثل في الاستيلاء على «معسكر الصاعقة» الذي تبلغ مساحته نحو عشرة كيلومترات مربعة في داخل بنغازي.
احتل تنظيم أنصار الشريعة «معسكر الصاعقة» الذي يعد نقطة ارتكاز رئيسة لقوات حفتر في المنطقة الشرقية من البلاد، بمساعدة ما يسمى بقوات «الدروع» الموالية لجماعة الإخوان المسلمين، وكتائب أخرى لإسلاميين متشددين، وذلك بعد أن وجه لها اللواء المتقاعد ضربات موجعة طوال الشهور الثلاثة الماضية. وحصلت «الشرق الأوسط» على معلومات تقول إن قوات الدروع بقيادة وسام بن حميد، وكتيبة أخرى يقودها شاب يدعى بوكا العريبي، جهزتا معدات ضخمة وأسلحة متطورة جرى نقلها من مدينة سرت إلى الضواحي الغربية من مدينة بنغازي خلال الأسابيع الماضية. ومن بين ما جرى نقله أيضا إلى هناك صواريخ غراد ومدافع الهاوزر، بهدف إسكات الهجمات التي كانت تقوم بها قوات حفتر انطلاقا من «معسكر الصاعقة».
ويوضح ناصر محمد، أحد جيران وسام بن حميد، ولديه معرفة سابقة ببوكا العريبي أيضا، أن بن حميد في العقد الرابع من العمر وهو أصلا من مدينة مصراتة وكان يعمل في ورشة لإصلاح السيارات في مدينة بنغازي قبل ثورة 17 فبراير (شباط) 2011 ضد حكم معمر القذافي. ويضيف أن «الورشة كانت تقع في منطقة الكويفي في بنغازي.. أما العريبي فكان يعمل في مجال تغيير زيوت السيارات بالمنطقة نفسها»، مشيرا إلى أن «كلمة بوكا يقصد بها الحفرة التي تقف فوقها السيارة أثناء تغيير الزيت»، وأنه لهذا السبب كان الرجل يلقب بهذا اللقب منذ ما قبل ثورة فبراير.
ووفقا للمعلومات فإنه حين بدأت أحداث فبراير ضد القذافي التحق بن حميد بالثورة، وقاتل في الصفوف الأولى وأظهر قدرة على العمل كقائد ميداني في المعارك التي خاضها الثوار ضد النظام السابق. وتحول سريعا إلى قائد متحمس وإلى «فارس»، لكنه مثله مثل بوكا العريبي، لم يكن قد شكل كتائب وميليشيات ذات شأن إلا بعد مقتل القذافي بعدة أشهر. وشارك الاثنان خلال أعوام 2012 و2013 وخلال هذه السنة أيضا، في تأمين مقار حكومية ورسمية وشن هجمات على خصوم الحكام الإسلاميين، في عدة مناطق أشهرها مدن بني وليد شرق طرابلس وسبها في الجنوب.
ولم يكن لهذين الرجلين، بن حميد والعريبي، علاقة وثيقة بقائد تنظيم «أنصار الشريعة» في بنغازي، المدعو محمد الزهاوي، إلا بعد أن تراجعت شعبية الإسلاميين في الشهور الماضية، وشعور الجهاديين والإخوان المسلمين بخطر حفتر في الشرق والكتائب العسكرية الموالية للدولة المدنية في منطقة غرب طرابلس، ومناطق أخرى. ويقول حسين عثمان، الضابط السابق في الجيش الليبي، إن الإسلاميين أصبحوا في الوقت الحالي جبهة واحدة، ولهذا تمكنوا من دخول معسكر الصاعقة في بنغازي، وبدأوا في الوقت الحالي يسعون لإعلان بنغازي إمارة إسلامية، بعد أن أصبحت مدينة درنة، المقر الرئيس لتنظيم «أنصار الشريعة» إمارة إسلامية منذ عدة أشهر. وتقع درنة إلى الشرق من بنغازي بنحو 300 كيلومتر، وتوجد مخاوف من أن يتجه التنظيم إلى دخول المدن التي تفصل بين بنغازي ودرنة.
ويضيف الضابط عثمان قائلا بعد أن لجأ إلى مدينة إمساعد القريبة من الحدود المصرية هربا من مقاتلي أنصار الشريعة: «أنا أتعجب من الصمت الدولي تجاه التطورات في ليبيا. لا أعرف لماذا هذا الصمت. أعتقد أن حفتر كان يأمل في الدعم الدولي حين دخل في المواجهة مع المتشددين. حتى أميركا قالت: إن القرار الدولي الخاص بحماية المدنيين انتهى العمل به، وليس لدينا ما يمكن أن نقوم به. كما أن حفتر كان معتمدا على دعم الشعب ودعم الجيران. مصر والجزائر ودعم غربي.. حفتر كان يأمل في هذا، وكان يأمل في وقوف الشعب معه على نطاق واسع، مثلما فعل المصريون مع الجيش في ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013 ضد حكم جماعة الإخوان بمصر، لكن يبدو أن حساباته كانت خطأ، لأن الإسلاميين معهم قوة إقليمية أكثر فاعلية مما معه».
ومن مدينة درنة يقول علي بوالدوير، وهو مسؤول محلي سابق، ويقيم حاليا في مدينة طبرق قرب حدود ليبيا مع مصر: «أنا شاهدت العرض الذي قام به أنصار الشريعة في درنة، وهو مطابق لعرض سابق قامت به داعش على حدود سوريا والعراق. وكان عرض درنة فيه أرتال بأعداد مخيفة من سيارات الدفع الرباعي والمدرعات. نفس العرض ونفس القوة التي ظهر بها تنظيم داعش في سوريا والعراق. هم الآن في أيديهم الأموال التي كان يخصصها لهم المؤتمر الوطني المنتهية ولايته. كل شهر يخصص لهم أموالا ضخمة.. بملايين الدولارات، بالإضافة إلى دعم من بعض الدول الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بنقل سلاح ثقيل لأنصار الشريعة في بنغازي. هذه الإمدادات وصلت لأنصار الشريعة بعد أن جرى إنزال هذه الشحنات في مطار سرت، ثم جرى نقلها بالطريق البري من سرت إلى بنغازي».
ويقول محمد سالم الأمين، وهو أحد أقارب قائد درع ليبيا، إن وسام بن حميد «كان لديه ثأر شخصي مع جماعة الصاعقة وجماعة أخرى في بنغازي، وذلك حين قام أبناء بنغازي منذ نحو سنة ونصف السنة، خاصة قبيلة البراغثة، أصحاب المنطقة التي كان يوجد فيها معسكر درع ليبيا، التابع لبن حميد، بمحاولة إخلاء المعسكر من قوات الدروع بالقوة. وجرى ذلك عقب الهجوم الذي شنه إسلاميون متشددون على مقر القنصلية الأميركية في بنغازي في سبتمبر (أيلول) عام 2012. ويضيف الأمين أن هذا المعسكر كان يوجد في منطقة الكويفي في بنغازي، وأن الكثيرين من رجال قبيلة البراغثة، مثل باقي أبناء بنغازي، كانوا يرون أن الثورة انتهت وأنه لم يعد هناك أي داع لوجود الدروع والتشكيلات المسلحة واحتلال المعسكرات والمنشآت العامة في المدينة.. «لكن بن حميد تمكن من الفرار من المعسكر، عند هجوم شباب بنغازي عليه في ذلك الوقت.. وبعد ذلك توجه متظاهرون غاضبون إلى بيت له موجود في المدينة وقاموا بحرقه».
ووفقا لرواية الأمين لم يتمكن المتظاهرون من الإمساك ببن حميد في ذلك الوقت. ويقول إنه في اليوم التالي من حرق منزله بعث بن حميد برسالة إلى رجل يدعى عز الدين الوكواك، بعد أن حمله مسؤولية الهجوم على المعسكر الذي كانت تقيم فيه ميليشياته (الدروع) والتحريض على حرق بيته. ويضيف الأمين أن «الوكواك معروف أنه من أعيان مدينة بنغازي، ولديه كتيبة أيضا، ويقف في الصف المعارض لهيمنة الإسلاميين على حكم البلاد. ورغم مرور أكثر من 18 شهرا على تلك الحادثة، فإن بن حميد يبدو أنه لم ينس ما تعرض له بيته وقواته في بنغازي».
ويضيف الأمين أن بن حميد قام منذ ذلك الوقت بالتحالف مع الشيخ الزهاوي قائد أنصار الشريعة في بنغازي وقام أيضا بدعمه دعما كبيرا، وواسعا، وحين بدأت عملية الكرامة بقيادة حفتر ضد الإسلاميين وأنصار الشريعة والدروع، شارك بن حميد في ترتيب أوضاع الإسلاميين في بنغازي وتأهيل العناصر للهجوم على المدينة وفي القلب منها معسكر الصاعقة. ودخل بن حميد المعسكر بالفعل مع الزهاوي، والتقطا صورا تذكارية فيه، وقال بن حميد إنه يقود الثوار لحماية ثورة 17 فبراير من حفتر الذي يريد أن يستولي عليها منهم، بينما تعهد الزهاوي بالعمل على تطبيق الشريعة في بنغازي وباقي البلاد. كما تتهم أنصار الشريعة ومن معها من ميليشيات وسائل الإعلام بمحاولة تشويه ما يقومون به من «حماية لليبيا من الاختطاف على أيدي العلمانيين وأنصار القذافي».
وتقول المعلومات إن هناك قادة كتائب أخرى شاركت في دعم أنصار الشريعة في محاولاتها لإتمام بسط السيطرة على بنغازي، وهي عملية ما زالت جارية حتى الآن، ومن المتوقع أن تمتد خلال اليومين القادمين إلى مطار بنغازي الدولي المعروف باسم «مطار بنينة». فبالإضافة إلى بن حميد والعريبي والزهاوي، هناك رجل يدعى بلعم لديه كتيبة أيضا، إلى جانب ميليشيا وكتائب أخرى مثل «17 فبراير» و«رأف الله السحاتي». وغالبية عناصر أنصار الشريعة ومن يناصرهم في الوقت الراهن من الشباب صغير السن. وحاول «بلعم» الدخول في حوار لوقف نزيف الدم بين الإسلاميين وخصومهم، لكن تصميمه على استبعاد حفتر من أي حوار، باعتبار أنه «رجل طاغية»، عرقل محاولات الحوار هذه.
وفي مقابلة مع موظف في الحكومة الليبية، يقول إن قادة الكتائب والميليشيات، أصبحوا مليونيرات.. «صاحب كل كتيبة يتقاضى عنها أموالا من المؤتمر الوطني (البرلمان المنتهية ولايته)، والكتيبة التي عددها ثلاثة آلاف تسجل كأنها خمسة عشر ألفا، ويتقاضى كل شهر أموالا عن تلك الأسماء الوهمية. ويبلغ راتب العنصر الواحد سواء في كتائب أنصار الشريعة أو الدروع أو غيرها من الكتائب الأخرى، من ألف وخمسمائة دينار حتى ثلاثة آلاف دينار. ويدخل جيبه كل شهر ملايين الدينارات من الهواء، بسبب تلك الأسماء الوهمية، وهم لا يمكن أن يتنازلوا عن تلك الملايين.. زيادة حدة القتال من جانب قادة الميليشيات والكتائب هدفها الحفاظ على ما يتقاضونه من رواتب، ولهذا يريدون تعطيل عمل البرلمان الجديد الذي جرى انتخابه أخيرا، وغالبية نوابه يعارضون هؤلاء الإسلاميين».
ويتابع قائلا إنه «حين بدأت عملية الكرامة زاد من كان راتبه ألف دينار في الشهر من عناصر تلك الكتائب والميليشيات، إلى ألفين.. ومن كان ألفا وخمسمائة أصبح ثلاثة آلاف. ومنذ انتهاء حكم القذافي أصبحت هذه المخصصات المالية للكتائب والميليشيات قانونا وعرفا معمولا به، وكل كتيبة أو ميليشيا لها ميزانيتها الخاصة التي لا توجد عليها أن نوع من أنواع المراجعة أو عما إذا كان عدد الملتحقين بها حقيقيا أم لا». وكانت تلك الكتائب تستخدم في حفظ الأمن والمؤسسات والحدود، بما فيها كتيبة أنصار الشريعة التي صنفتها الولايات المتحدة أخيرا كتنظيم إرهابي. وبرفض أمراء الحرب وجود جيش نظامي وشرطة قويين.
ويتركز تواجد «أنصار الشريعة» في بنغازي بقيادة الزهاوي، وفي درنة بقيادة رجل يدعى سفيان جومة، لكن درنة تعد بمثابة النواة، بعد أن أصبحت إمارة إسلامية على يد جومة، وهو سجين سابق في غوانتانامو، و«يجري حاليا فيها تطبيق ما يعدونه الشريعة الإسلامية من قطع رؤوس الخصوم وقطع أيدي السراق والجلد والرجم والشنق على أعمدة الشوارع وغيرها. ومن الصعب إمساك رجال الجيش لعناصر من أنصار الشريعة حتى لو جرى هدم بيت من بيوتهم فإن الجيش لا يجد داخله العنصر المطلوب، كما حدث في الشهور الأخيرة في بنغازي.. يختفون فجأة ويظهرون فجأة».
ويسيطر «أنصار الشريعة» في بنغازي منذ وقت طويل على الجانب الغربي من المدينة، وهو جانب تكثر فيه المسارات والطرق والموانئ التي تصل بين بنغازي ومصراتة التي تهيمن عليها جماعة الإخوان.. «حيث تقوم جماعة الإخوان والدروع بتموين وتغذية مقاتلي أنصار الشريعة بالمقاتلين والسلاح».. وينتمي غالبية «أنصار الشرعية» في بنغازي لمنطقة الليثي، ويتعرض المنتسبون الجدد لها من الشباب لغسل مخ من خلال تخصيص دعاة في الكثير من مساجد المدينة لهذا الغرض، و«كل من يدخل للصلاة بشكل عادي، يستقطبه الداعية ويبدأ في العمل على ضمه لأنصار الشريعة من خلال راتب شهري وحين يوافق تجري عملية تدريبه وتسليحه وتخصيص سيارة وأسلحة له وللمجموعة التي معه».
ويقول أحد المسؤولين الأمنيين إن عملية تجنيد الشباب كانت قد بدأت حين كان عمل «أنصار الشريعة» يقتصر في بنغازي على العمل الخيري وخدمة المجتمع وحفظ الأمن بتعليمات من المؤتمر الوطني وجماعة الإخوان التي كانت قد بدأت تهيمن على الحكم في طرابلس الغرب عقب مقتل القذافي.. وكان الآباء يحثون أولادهم على الالتحاق بـ«أنصار الشريعة» في المساجد، على أمل إصلاح أحوالهم بدلا من البطالة والتسكع في الطرقات، خاصة بعد أن بدأ يظهر على المنتسبين لها «النعمة والاستقرار المادي ومحبة المجتمع المحلي لهم، إلى أن بدأت الأمور تتغير مع كشف أنصار الشريعة عن وجهها وطموحاتها السياسية في الحكم والسلطة بطريقتها الخاصة بقيادة عدد من المتشددين».
وقام أحد أهالي بنغازي، من عائلة تسمى «عائلة النص»، بتفجير مسجد «الليثي القديم» في المدينة بعد أن علم أن «أنصار الشريعة» استخدمت هذا المسجد في غسل مخ وتجنيد شقيقه وإرساله إلى سوريا ومقتله هناك. «توجه الرجل إلى المسجد وألقى فيه قنبلة يدوية».
ويقع معسكر الصاعقة الذي دخلته عناصر «أنصار الشريعة» بمساعدة ميليشيات «الدروع»، قرب منطقة بوعطني الفقيرة في بنغازي. ويقول ميهوب النافع وهو ضابط في الشرطة الليبية في مدينة طبرق الهادئة في أقصى الشرق الليبي، إنه كان يعمل حتى السنة الماضية في شرطة بنغازي، وإن أهالي المدينة كانوا يرون أن معسكر الصاعقة يعد حجر الزاوية في التصدي للإسلاميين، وكانوا يقولون: إن الصاعقة ستفعل كذا وستتصدى لهم في المكان الفلاني، وكانت الأمور بالنسبة لأهالي بنغازي تتلخص في أن سقوط معسكر الصاعقة في أيدي أنصار الشريعة ضرب من المستحيل.
وحين هجم أنصار الشرعية على المعسكر أصبح بالإمكان أن ترى جثث جنود وضباط الصاعقة ملقاة داخل أسواره.. ويقدر عدد من قتلوا فيه ما بين 60 و70 جنديا وضابطا، إلا أن القيادات العسكرية التي تعمل مع حفتر أشاعت أخبارا قللت فيها من حجم تلك الخسائر، لكن الضابط ميهوب النافع مثله مثل كثير من الليبيين المصدومين، يعتقدون أن «مثل هذه الأقاويل التي يرددها أنصار حفتر محاولة منهم لرفع معنويات الجنود والأهالي في مدينة بنغازي وما حولها».
ويضيف الناقع: «أولا حفتر لم يكن مسيطرا على بنغازي بالكامل حتى نقول إن السيطرة ضاعت منه. كان هدفه إخراج أنصار الشريعة من داخل بنغازي، لكن هذا الهدف لم يتحقق بعد. وبالأمس تقهقرت قوات الصاعقة حتى منطقة الأبيار، نحو خمسين كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من بنغازي. من المتوقع أن يتمكن أنصار الشريعة من القبض على حفتر، وإذا ألقوا القبض عليه فإنهم سيقومون بإعدامه بطريقة أكثر بشاعة من الطريقة التي جرى بها قتل القذافي».
وعلى الجانب الآخر أثار سقوط المعسكر الذعر في أوساط المنتسبين للصاعقة والذين يقدر عددهم بالآلاف، سواء في بنغازي أو في بعض المناطق الأخرى. والسبب وراء هذا الذعر، كما يقول أحد ضباط الجيش السابقين، من قبيلة البراعصة، أن أنصار الشريعة وميليشيات الدروع وغيرهم من المقاتلين الإسلاميين حصلوا على قوائم بأسماء المنتسبين للصاعقة. لكنه يضيف أن هذا تحصيل حاصل، لأن «أنصار الشريعة» يمتلكون منذ أشهر «منظومة تقنية» يقومون من خلالها بعمليات التنصت على الهواتف وجمع المعلومات، ويحتفظون في حواسبهم الإلكترونية بقوائم لأسماء المنتسبين لجيش حفتر والصاعقة الموالية له، ويرابطون بها على الطرقات لتوقيف من يظهر اسمه في الحاسوب، ومن ثم إعدامه.
ويتابع قائلا إنه في الفترة الأخيرة، قام أنصار الشريعة في بنغازي وفي درنة، بإعدام الكثير من المنتسبين للجيش وفقا لما لديهم من معلومات.. «وفي الأيام الماضية أوقفوا صديقي وهو جندي في الشرطة في بوابة الليثي، وقاموا بإعدامه. وإذا لم يجدوا اسمك في قوائم الجنود فإنهم يطلبون منك رفع بنطالك لأعلى حتى يروا إذا ما كانت هناك علامات على الجلد من ارتداء الجوارب الخشنة ذات الحزام المطاطي الخاصة برجال الشرطة والجيش. فإذا وجدوا علامة للحزام المطاطي ينزلونك من السيارة ويقومون بقطع رأسك دون تحقيق أو محاكمة.
ويضيف الضابط البرعصي: أحيانا يسألونك في بوابات أنصار الشريعة أسئلة مباشرة عن تعريفك العسكري، حتى لو لم تكن عسكريا، لأن مثل هذا السؤال سيفاجئك إذا كنت عسكريا، وستخرج بطاقة الهوية العسكرية بشكل لا إرادي، وهنا يتم ذبحك أيضا دون تفاهم. وأحيانا تعطي بوابة أنصار الشريعة أوامر للراكبين في سيارة من السيارات التي تضطر للمرور على بواباتهم.. أوامر من تلك التي لا يفهمها إلا العسكريون، فإذا استجاب أحد الركاب لمثل هذه الأوامر يدركون أنه عسكري، ويقومون بإعدامه.. وفي إحدى المرات، في بداية شهر رمضان، قتلوا أحد الجنود ثم فتشوا هاتفه المحمول، فوجدوا رقم أحد زملائه المطلوبين لأنصار الشريعة، وقاموا بمهاتفته وقالوا له إن صاحب الهاتف وقعت له حادثة وعليك أن تأتي له في المكان الفلاني وحين وصل قاموا بقتله على الفور وألقوا جثته بجوار جثة زميله.
ويقول هذا الضابط إن «أنصار الشريعة» لديها أحكام جاهزة منذ بداية «عملية الكرامة» بإعدام كل المنتسبين للصاعقة، و«جرى إعدام بعض المنتسبين بطريقة مستحدثة لم تقم بها حتى حركة داعش في العراق وسوريا، وتجري هذه العملية بواسطة إطلاق طلقة عيار 14.5 المضاد للطائرات المنخفضة، على رأس الجندي أو الضابط، فتزيله ولا يتبقى منه غير باقي الجثة». ويضيف: «جاءوا بجندي وقاموا بتكتيفه من يديه وقدميه، وكان المدفع محمولا على سيارة دفع رباعي، وصوبوا فوهة المدفع على رأس الجندي، وفجروه حتى لم يتبق منه إلا جزء صغير من بقايا العنق فوق كتفيه».
ويروي الضابط البرعصي تفاصيل أخرى عن طرق إعدام عناصر أنصار الشريعة لرجال الجيش والشرطة، لبث الرعب في القلوب لمنع الشباب من الالتحاق بقوات الجيش والشرطة وقوات حفتر. ويقول الضابط: نحروا عنق جندي بمنشار يعمل بالكهرباء خاص بقطع الأشجار.. ولديهم سيافون متخصصون في هذا الأمر.
وطوال الشهور الثلاثة الماضية أصبح سكان بنغازي يعثرون على جثث من دون رؤوس.. ويقول الضابط نفسه: «في كل يوم في بنغازي يمكن العثور على ما بين خمس جثث إلى سبع على الأقل، من دون رأس. ويوجد مكان اسمه الصفصفة جنوب المدينة، وأي ضحية ممن يجري قتله وقطع رأسه يقوم أنصار الشريعة بإلقاء جثته دون رأس في تلك المنطقة، وهي منطقة معروفة بأنها مكب عمومي للقمامة، ويذهب الأهالي للبحث عن جثث أبنائهم المختفين في تلك المنطقة. وكل يوم جثث جديدة دون رؤوس. هذه تفوق سلوكيات داعش».
ووفقا لروايات مسجلة حصلت عليها «الشرق الأوسط» من ضباط جيش ورجال أمن ليبيين، أصبح لدى «أنصار الشريعة» صواريخ مضادة للطائرات، وقاذفات كثيفة النيران يطلقون عليها «بي كي تي»، و«جاءهم دعم ضخم آخر من الأسلحة الحديثة، أضف إلى ذلك أنهم تدربوا تدريبات مستمرة منذ انتهاء أحداث الثورة ضد القذافي. كما أن عناصر أنصار الشريعة يبدو عليهم أنهم محترفون في القتال كأنهم ضباط جيش ولديهم تجهيزات تقنية كبيرة. كما أنهم يتقدمون في القتال ولا يتراجعون حتى لو تكبدوا خسائر كبيرة في الأرواح».