أمهات سوريات صغيرات يكشفن مشكلات زواج القاصرات

«الشرق الأوسط» تستطلع الآراء في مخيم للاجئين شمال العراق

مخيم الزعتري
مخيم الزعتري
TT

أمهات سوريات صغيرات يكشفن مشكلات زواج القاصرات

مخيم الزعتري
مخيم الزعتري

في مكتب منظمة دولية بمخيم «قوشتبه» بمدينة أربيل، تعمل جيلان ذات 17 ربيعاً كمستخدمة بدوام كامل مدة 8 ساعات. الفتاة التي لم يشتدّ ساعدها بعد على العمل لكنها أجبرت على تحمل أعباء الحياة بهذا العمر؛ بغية الحصول على راتب نهاية الشهر لتعيل أسرتها وتربية ابنتها الوحيدة، عائدة في نهاية عملها لخيمة والدتها منهكة ومتعبة.
تروي جيلان المتحدرة من بلدة رميلان الواقعة شمال شرقي سوريا، كيف فرت مع عائلتها نهاية عام 2012 بعد توسع رقعة الحرب في بلادها واقترابها من مسقط رأسها، وبُعيد لجوئها إلى إقليم كردستان العراق توفي والدها بنوبة قلبية، مما اضطرها إلى الزواج صيف 2016 من شاب كان يكبرها بسنة واحدة فقط وكان عمرها آنذاك 15 عاماً، ولم تمانع والدتها من الزواج رغم صغر سن ابنتها وصهرها.
بقيت جيلان متزوجة مدة سنة و10 أشهر وأنجبت طفلة أسمتها ديلان، لكن القدر كان يخبئ لها ما لم تتوقعه يوماً. وفي أبريل (نيسان) الماضي وعندما كان زوجها يعمل في شركة مقاولات؛ سقط من الطابق العاشر ولقي مصرعه، لتبقى جيلان أرملة وأماً لطفلة تعيش في خيمة والدتها بعد أن طردتها عائلة زوجها المتوفى من خيمتها.
«صاحب الشركة جاء لزيارتنا لتقديم واجب العزاء، وأعطى والد زوجي مبلغ 25 ألف دولار كتعويض»، تقول جيلان، إلا أن المبلغ رفع الستار عن فصل جديد من مأساة الفتاة، فعائلة زوجها طالبوا بحضانة حفيدتهم طمعاً بالمال، وبعد عدة محاولات فاشلة اكتشفت حقيقة الأمر وكذب ادعائهم، وتضيف: «لم يخبروني بالمال حتى عرفت عن طريق الصدفة، إذ أرسلت إدارة المخيم لمقابلتي وشرحوا لي القصة كاملة».
حينذاك أيقنت أن عائلة زوجها لا ترغب في تربية ابنتها، لكنهم يريدون الطفلة بغية المال، ولاتزال المشكلة قائمة بين العائلتين لكن جيلان تمسكت بحضانة ابنتها، وتقول: «كيف يأخذون طفلة من حضن أمها وهي بهذا العمر؟!!».
في خيمة مسبقة الصنع بمخيم «قوشتبه» الخاص باللاجئين السوريين والذي يبعد نحو 15 كيلومتراً جنوبي مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، جلست بجانب جيلان والدتها وكانت سيدة في بداية عقدها الخامس تدعى فاطمة، غزا الشيب شعرها المغطى بحجاب أبيض اللون.
طوال الحديث كانت تذرف الدموع وبقيت صامتة معظم الجلسة، لكنها أخيراً تحدثت وشقت كلماتها سكون المكان، لتقول: «لا يوجد معيل لنا وجميعنا نسكن تحت سقف هذه الخيمة، أنا وابنتي جيلان وثلاثة بنات صغار وأخ وحيد مصاب».
وتسببت الحرب السورية بتشريد 5.6 مليون لاجئ سوري قصد معظمهم دول الجوار، وبلغ عدد اللاجئين السوريين في إقليم كردستان العراق ربع مليون لاجئ بحسب تقديرات المفوضية السامية للاجئين، يعيش منهم نحو 70 ألف لاجئ في 8 مخيمات، من بينها عائلة أفين.
تنحدر أفين من مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة وهي من مواليد (2002)، وبعد تردي الأوضاع الخدمات وصعوبة الحياة مع استمرار الحرب؛ قررت أسرتها منتصف عام 2015 اللجوء إلى إقليم كردستان العراق وانتهى بهم المطاف في مخيم «قوشتبه».
في بداية 2017 شاهدها شاب من المخيم وتقدم ليطلب يدها لتوافق عائلتها على الفور، ويعزو والد أفين ويدعى محمد سليم (43 سنة) قبوله لذلك: «بسبب الفقر والمشكلات الكثيرة التي تحدث في المخيمات، فالفتاة شرف العائلة» على حد تعبيره، وأضاف: «الزواج سترة وكنت أظن أن ابنتي ستكون سعيدة في حال تزوجت».
وبعد زواجها وبسبب صغر سنها؛ تعرضت أفين لبعض الأمراض وكلما كانت تطلب من زوجها اصطحابها إلى الطبيب؛ كان يضربها ويقول لها إنها مريضة ولا تصلح أن تكون زوجة. بقيت الحالة نحو شهرين إلى أن تركت خيمتها وعادت إلى أسرتها. وتعزو الأخصائية النفسية علا مروة مديرة قسم الحماية في منظمة «النساء الآن من أجل التنمية»، انتشار ظاهرة الزواج المبكر في سوريا إلى ثقافة المجتمع السائدة، لكن بعد الحرب وزيادة حالات النزوح واللجوء أو فقدان أحد الوالدين أو القائمين على رعاية الطفلة، دفعت أولياء الأمور للقبول بتزويج بناتهن دون سن 18.
وبحسب الدكتورة مروة تتعرض الفتاة القاصر للعنف الجسدي والنفسي، ويقوم معظم الأزواج بضرب زوجاتهم ويعتبرونه حقاً لأنها صغيرة بالعمر، ونوهت قائلة: «فالفتاة تتعرض للإساءة والتوبيخ ولا تستطيع الدفاع عن نفسها، ويكون لديها تصور خاطئ على إطاعة زوجها حتى لو قام بضربها».
وتحولت جيلان وأفين إلى مجرد أرقام في ملف زواج القاصرات الذي تضخم كثيراً في سوريا خلال سنوات الحرب،.
وبحسب منظمة اليونيسيف للطفولة التابعة للأمم المتحدة، تتباين نسبة تزويج القاصرات السوريات بين دول اللجوء، ففي الأردن مثلاً هناك 35 في المائة من مجموع زيجات اللاجئات السوريات سُجلت كزواج مبكر، بينما 32 في المائة من حالات الزواج بين اللاجئين في لبنان لفتيات تحت السن القانوني، أما في مصر سجلت نسبة 25 في المائة و30 في المائة بإقليم كردستان العراق.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.