«العوجا»... نخوة تحولت أيقونة ثقافية سعودية

يعيد استذكار كلمة ارتبطت بتاريخ السعودية، وتعد مشابهة لمبادرات الملك سلمان، ألا وهي «أهل العوجا» التي أصبحت من أشهر النخوات في المنطقة، وتباينت الآراء حول دلالات هذه الكلمة، التي عرفها العرب قديماً وأصبحت جزءاً مهماً من ثقافتهم وحياتهم الاجتماعية؛ حيث ارتبطت النخوة بمعانٍ تتصل بالقبيلة والمكان والشخص والأسرة، والخيل والإبل، وبأحداث تاريخية متعددة.
وأعطى الملك سلمان، الذي حمل صفة ملك الحزم والعزم، إيضاحاً لمدلول كلمة العوجا في أحد ردوده على نقاشات صحافية قبل عدة سنوات، ونشر هذا الرد في كتاب أنجزه الدكتور فهد السماري المستشار في الديوان الملكي والأمين العام المكلف لـ«دارة الملك عبد العزيز» عن كلمة «أهل العوجا»؛ حيث يقول الملك سلمان:
«تابعت باهتمام ما نشر بشأن موضوع (نخوة العوجا)، واطلعت على ما ورد فيه من ردود على ما نشرته (الدارة) حيال معنى تلك النخوة، وانطلاقاً من أهمية إيضاح المراد بنخوة العوجا بصفتها جزءاً مهماً من تاريخنا الوطني، فإنه من الضروري تصحيح ما كتب عنها وإثبات ما دلت عليه المصادر، وذلك وفق الآتي...
أولاً؛ من المهم جداً ألا يُترك تاريخنا الوطني ساحة مفتوحة للآراء التي لا تعتمد على دليل، أو الاستنتاجات التي تعتمد على نقل غير موثق، أو رأي ظني فقط في ظل وجود دليل.
ولأهمية التوثيق، ورصد أحداث تاريخنا الوطني بشكل علمي، اتجهت (دارة الملك عبد العزيز) تحت إشرافي المباشر ببرامجها وأنشطتها إلى تحقيق ذلك، والتعاون المفتوح والواسع مع جميع الباحثين والباحثات، ويتجلى ذلك فيما عقدته وتعقده من ندوات ومؤتمرات، وما نشرته وتنشره من بحوث ورسائل علمية، وما تقدمه للباحثين من وثائق ومصادر، وما تعده من دراسات.
ثانياً؛ أن (نخوة العوجا) نخوة ترتبط بأسرة آل سعود وبمنطقة العارض، وقد يعود ارتباطها بآل سعود إلى ما قبل قيام الدولة السعودية الأولى، ثم ارتبطت بجميع ما ينضوي تحت لواء الدولة السعودية، وكانت النخوة في المعارك والحروب التي خاضتها الدولة السعودية بأدوارها الثلاثة حتى في عهد الملك عبد العزيز. ومثلها مثل أي نخوة أخرى، فإنها لا بد أن تكون مرتبطة بمعنى ودلالة، ولا شك أن الدرعية التي هي حسب ما أشارت إليه القصائد الشعرية المعاصرة، كانت بمثابة المكان الذي تنتخي به أسرة آل سعود التي أنشأت هذا المكان الذي كان المنطلق لإنشاء دولة قوية نشرت الأمن والاستقرار في الجزيرة العربية، وأيدت الدعوة الإصلاحية التي تقوم على أساس الدين الصحيح كما جاء في القرآن الكريم وسنة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً؛ من الآراء التي طُرحت أن العوجا يقصد بها كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وذلك عندما جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - بدعوته إلى التوحيد قيل له: (إن هذه عوجاء). والناظر إلى هذا التفسير يبدو أمامه عدد من التساؤلات؛ منها أن هذه الدعوة جاءت في بلاد الإسلام، وكان الناس على الإسلام، وإنما كانت هناك ممارسات شركية في الدرعية وغيرها من البلدان أشار إليها المؤرخون، فقام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالعمل على تصحيحها وإزالتها، ولقد بدأت هذه الدعوة في حريملاء ثم في العيينة، ثم أيدها الإمام محمد بن سعود وإخوانه مشاري وثنيان، الذين كانوا طلاباً على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العيينة، وكذلك العلماء مثل قاضي الدرعية حمد بن سويلم، ولم يرد في المصادر أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما انطلقت في العيينة وصفت بأنها عوجاء.
كما أن إطلاق لقب (العوجا) على الدعوة مخالف لما حصل للدعوة من قبول وتأييد، وليس من المنطق أن يصف أولئك كلمة التوحيد بهذا الوصف، وهم على علمهم بأهميتها وقيمتها الدينية.
أما ارتباط هذه النخوة بالدعوة والدين، فهو واضح وليس فيه لبس؛ لأن المقصود بالنخوة هو الدرعية التي اشتهرت بسبب الدعوة ونصرة الدين، وأصبحت القلب النابض لتلك الدعوة الإصلاحية، وارتبطت النخوة بآل سعود الذين أيدوا هذه الدعوة وأسسوا الدرعية، فارتباط النخوة هنا بدأ مع الدعوة؛ حيث أصبح المكان، وهو الدرعية، المنطلق والأساس لها.
رابعاً؛ ورد كثير من الآراء التي قالت إن هذه النخوة تعني (الملة الحنيفية)، أو إنها تعود لاسم فرس عربي مشهور، أو إنها تعود لاسم قطيع من الإبل المشهورة... وغير ذلك من الآراء، إلا أن المصادر التي توافرت لنا من خلال الشعر الذي قيل في أيام الدولة السعودية الأولى، ثم في عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - تدل دلالة قطعية وليست ظنية على أن العوجا هي الدرعية».