«داعش» يردع الفارين باستدعاء الوحشية

قتل بالرصاص وإعدامات

دواعش يتأهبون لتنفيذ إعدامات ضد «الفارين» (صفحات تابعة للتنظيم)
دواعش يتأهبون لتنفيذ إعدامات ضد «الفارين» (صفحات تابعة للتنظيم)
TT

«داعش» يردع الفارين باستدعاء الوحشية

دواعش يتأهبون لتنفيذ إعدامات ضد «الفارين» (صفحات تابعة للتنظيم)
دواعش يتأهبون لتنفيذ إعدامات ضد «الفارين» (صفحات تابعة للتنظيم)

محاولات تنظيم «داعش» الإرهابي لعقاب «الفارِّين» من جحيمه أو المدنيين في سوريا والعراق لا تنتهي عبر القتل بالرصاص، والإعدامات، في مشاهد تُعيد وحشية التنظيم الدموي التي اشتُهِر بها منذ ظهوره اللافت في عام 2014. ويتساءل خبراء مكافحة الإرهاب: هل سيواصل «داعش» سيناريوهات قتل «الفارّين» لتعويض خسائره بسوريا والعراق، خصوصاً بعدما ظهرت الأسابيع الماضية مشاهد كثيرة تدل على قسوته؟
خبراء مصريون أكدوا أن «داعش» أصبح يثأر بالقتل من «الفارين» والمدنيين كنوع من التخويف وبثّ الفزع فيمن يفكر بالهروب أو الانشقاق. وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «السبب الأساسي وراء قيام التنظيم بعقاب (الفارين) هو فقدانه كثيراً من عناصره بعد كشفهم حقيقة أفكاره وعقيدته الدامية». لكنهم أشاروا إلى أن التنظيم يعاني من تخبُّط داخلي واضح طيلة الأشهر الماضية.
- مناظر متكررة
وأخيراً قام التنظيم بتصفية عدد من العناصر المدنية، وعناصر تابعين له في منطقة دير الزور بالعراق رمياً بالرصاص، بتهمة السعي إلى الخروج من مناطق «الدولة المزعومة». كما قتل سيدتين رمياً بالرصاص أيضاً في مدينة الشفعة بدير الزور في سوريا، وقتل شاباً بتهمة محاولة التواصل مع القوات السورية. وأعدم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تسعة مدنيين غرب الموصل على خلفية تعاونهم مع القوات الأمنية. وفي نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي أعدم 3 مدنيين من بلدة الباغوز بسوريا. وفي أغسطس (آب) الماضي وثَّق سوريون تنفيذ «داعش» 41 عملية إعدام خلال شهري أغسطس ويوليو (تموز)، رمياً بالرصاص، وبفصل الرؤوس عن الأجساد، كما أعدم 583 من عناصره بزعم العمالة ومحاولة الفرار. وفي مايو (أيار) الماضي استعرض عناصر التنظيم طريقة إعدام لأسير في مخيم اليرموك بسوريا، حيث قيدوه بالحبال ووضعوا المتفجرات في خوذة ثبتوها على رأسه وفجَّروها.
من جهته، يقول الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي مصر مدير مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية إن «السبب الأساسي وراء قيام التنظيم بهذه الأفعال الدموية هو فقدانه لكثير من مقاتليه، بعدما اكتشفوا حقيقة أفكاره وعقيدته البعيدة كل البعد عن تعاليم الدين الإسلامي السمح، لذلك يسعى إلى التخلص من العناصر التي يرى فيها أنها اكتشفت أفكاره الإجرامية، حتى لا يكون لهم تأثير على الباقين»، مضيفاً أنَّ «إعدام المدنيين دليل على أن التنظيم يسعى إلى ترهيب المواطنين، خصوصاً بعد محاولات الفرار التي قام بها البعض للخروج من تحت سيطرته؛ فما يقوم به (داعش) يشير إلى أن التنظيم يعاني من تخبط داخلي واضح».
- فتاوى القتل
وأفتى فواز العلي المُلقب بـ«أبو علي الشرعي»، ويُشار إلى أنه القاضي الشرعي لـ«داعش»، في يوليو عام 2017، بجواز قتل المقاتلين الدواعش الذين يحاولون الفرار، وكذلك قتل المدنيين الذين يحاولون الهرب أيضاً ويعرِّضون حياة أعضاء التنظيم للخطر، من خلال نقل المعلومات عنهم.
ويشير مراقبون إلى أن تعمُّد التنظيم إلقاء الضوء على عمليات الإعدام التي يقوم بتنفيذها ضد بعض العناصر التي تسعى للانشقاق عنه، وبثَّ مقاطع فيديو خاصة بها، يهدف إلى ردع العناصر الأخرى، ومنعها من التفكير في الإقدام على تلك الخطوة، خصوصاً بعد هروب كثير من عناصره عقب اكتشافهم زيف مزاعم التنظيم، بعد الهزائم التي طالته في سوريا والعراق ودول أخرى.
يُشار إلى أن «داعش» خلال عامه الأول من إعلان دولته «المزعومة» في سوريا والعراق قطع ما يزيد على 3 آلاف رأس من المدنيين ومن عناصره، بتهمة الغلو والتجسس لصالح دول أجنبية، عند محاولتهم العودة إلى بلادهم، وأصدر حينها سلسلة أشرطة فيديو دعائية، بث فيها عمليات إعدام علنية وجماعية، واحتوت بعضها على سجناء أُجبِروا على حفر قبورهم بأيديهم قبل إعدامهم.
- تخويف ورعب
من جهته، قال اللواء طلعت مسلم الخبير الأمني والاستراتيجي، إن «داعش» أصبح يثأر بالقتل من «الفارين» والمدنيين عبر مشاهد علنية، كنوع من التخويف وبث الفزع فيمَن يفكر بالانشقاق عنه، موضحاً أن التنظيم يقصد من مناظر إعدام الضحايا توجيه رسالة بأنّ هذا سوف يكون مصير كل من يهرب، وكل من يخالف التنظيم في الفكر، مضيفاً أن «تزايد نشر أخبار التنظيم عن عمليات قتل الرهائن والمدنيين في أذرعه الإعلامية، والمقاطع المصوَّرة لإعدام عناصره الهاربة، دليل واضح على ضعف الانسجام بين عناصره، والإنهاك الذي أصاب التنظيم خلال الفترة الأخيرة».
في هذا الصدد، ذكرت دراسة حديثة لمرصد الأزهر بالقاهرة أن من أهداف التنظيم الرئيسية تصدير صورة بشعة عن الإسلام، فالمدقق فيما خلَّفته الحرب ضد «داعش» في سوريا والعراق يُدرك بسهولة منهج الحرب النفسية الذي يتعاطاه التنظيم مع المدنيين؛ فهو يتعامل معهم بوحشية غير طبيعية، كما أن الناظر في منشوراته الأخيرة يُدرك أيضاً اتباعه النهج نفسه، في محاولته بث الرعب بقلب رجل الشارع الغربي. وأضافت الدراسة أن تنظيم «داعش» يواصل بث الرعب والخوف في قلوب الآمنين، مُحاولاً البقاء في أذهان أعضائه الذين شتتهم الواقع.
يُذكر أن الأردني أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس التنظيم في بداياته، هو أول من قام بذبح أحد الرهائن الأميركيين في العراق، ويُدعى يوجين أرمسترونغ عام 2004، بحز رقبته بسكين، وقد قامت جماعة «التوحيد والجهاد» حينذاك بنشر الفيديو المصوَّر لعملية الذبح على الإنترنت.
- مناصرون جُدد
يُشار إلى أن «داعش» اعتمد، منذ نشأته، اعتماداً كبيراً، بل كلياً، على آلته الإعلامية لبث آيديولوجيته خلال الشبكة العنكبوتية، حيث كان يقضي أنصار التنظيم غالب وقتهم على مواقع التواصل، للعمل على استقطاب مناصرين جُدد، وتجنيد مقاتلين من جميع أنحاء العالم... وكذلك لتلقي نداءات التنظيم، وشرح كيفية إعداد وتحضير المتفجرات يدوية الصنع، وكيفية شن هجمات إرهابية بأدوات متاحة في الوسط الذي يعيش فيه المتطرف بأي وسيلة كانت، حتى لا يلفت أنظار المحيطين به.
والشهر الماضي، أصدر «داعش» مجلة جديدة أطلق عليها «شباب الخلافة»، كي تكون منبراً لجذب الشباب وتجنيدهم وحثهم على الانضمام إلى التنظيم أو القيام بالأعمال الإرهابية تحت اسم «الذئاب المنفردة»، فالمجلة اعتمدت على الصورة أكثر من الكلمة، وإن كان إخراجها أقل مما اعتاد عليه التنظيم، وقد يعود ذلك إلى رغبة «داعش» في أن يظن الجمهور أنها مجلة من إخراج المناصرين، وليست من منابر التنظيم الإعلامية، كما يدعي هو، إضافة إلى أن جميع رسائلها تعتمد على الإثارة والتشويق، وسرد قصص للمنضمين للتنظيم من الدول الأوروبية، ومدى تحملهم العناء (على حد زعم التنظيم).
- محاولات زائفة
المراقبون أكدوا أنه مما لا شك فيه أن «داعش» استغلّ بنجاح الفضاء الإلكتروني، ذاك الفضاء الذي سهّل له نشر سمومه ومكَّنه من تجنيد الآلاف من المؤيدين لها بالعالم؛ فكان له أهمية خاصة لدى «داعش» وكثير من التنظيمات الإرهابية، وذلك لعدة أسباب، منها: ضمان السرّية لوجود التطبيقات المشفرة التي تعتمد عليها التنظيمات في نقل الأفكار والأوامر والخطط لمؤيديها، والاستمرار في نقل الأفكار المتطرفة وتبادلها بين مناصري تلك التنظيمات، وإعطاء التنظيمات المتطرفة حجماً أكبر بكثير من حجمها الطبيعي، وهو ما يُسهِم في حشد مناصرين أكثر، ولا تفوتنا أيضاً التكلفة وسهولة وسرعة التواصل من خلال تلك المواقع والتطبيقات المشفرة.
وقال الدكتور إبراهيم نجم إن «عمليات قتل وإعدام (الفارين) من (داعش)، والمجلة الجديدة، تحمل دلالة غاية في الأهمية، وهي أن التنظيم بات يعاني بشكل غير مسبوق من غياب المقاتلين والمناصرين له، فضلاً عن محاصرته على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، وهو ما دفعه لمحاولة خلق هذا الزخم حوله، والإيحاء للعالم بأن مناصريه كُثر، وأنهم يسهمون في نشر أفكاره وترويجها، بل إنهم يضمنون بقاء التنظيم وأفكاره على المدى الطويل»، مشيراً إلى أن قادة «داعش» يعتقدون أن القتل بشراهة ووحشية، يُسهم في استقرار سيطرتهم وخضوع الناس لهم، خوفاً من البطش والقتل على يد عناصره، وذلك على الرغم من أن التراث الإسلامي على امتداده، لا يوجد به ما يدعو إلى القتل، وسفك الدماء، أو إرهاب الناس وتخويفهم.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».