«داعش» يردع الفارين باستدعاء الوحشية

قتل بالرصاص وإعدامات

دواعش يتأهبون لتنفيذ إعدامات ضد «الفارين» (صفحات تابعة للتنظيم)
دواعش يتأهبون لتنفيذ إعدامات ضد «الفارين» (صفحات تابعة للتنظيم)
TT

«داعش» يردع الفارين باستدعاء الوحشية

دواعش يتأهبون لتنفيذ إعدامات ضد «الفارين» (صفحات تابعة للتنظيم)
دواعش يتأهبون لتنفيذ إعدامات ضد «الفارين» (صفحات تابعة للتنظيم)

محاولات تنظيم «داعش» الإرهابي لعقاب «الفارِّين» من جحيمه أو المدنيين في سوريا والعراق لا تنتهي عبر القتل بالرصاص، والإعدامات، في مشاهد تُعيد وحشية التنظيم الدموي التي اشتُهِر بها منذ ظهوره اللافت في عام 2014. ويتساءل خبراء مكافحة الإرهاب: هل سيواصل «داعش» سيناريوهات قتل «الفارّين» لتعويض خسائره بسوريا والعراق، خصوصاً بعدما ظهرت الأسابيع الماضية مشاهد كثيرة تدل على قسوته؟
خبراء مصريون أكدوا أن «داعش» أصبح يثأر بالقتل من «الفارين» والمدنيين كنوع من التخويف وبثّ الفزع فيمن يفكر بالهروب أو الانشقاق. وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «السبب الأساسي وراء قيام التنظيم بعقاب (الفارين) هو فقدانه كثيراً من عناصره بعد كشفهم حقيقة أفكاره وعقيدته الدامية». لكنهم أشاروا إلى أن التنظيم يعاني من تخبُّط داخلي واضح طيلة الأشهر الماضية.
- مناظر متكررة
وأخيراً قام التنظيم بتصفية عدد من العناصر المدنية، وعناصر تابعين له في منطقة دير الزور بالعراق رمياً بالرصاص، بتهمة السعي إلى الخروج من مناطق «الدولة المزعومة». كما قتل سيدتين رمياً بالرصاص أيضاً في مدينة الشفعة بدير الزور في سوريا، وقتل شاباً بتهمة محاولة التواصل مع القوات السورية. وأعدم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تسعة مدنيين غرب الموصل على خلفية تعاونهم مع القوات الأمنية. وفي نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي أعدم 3 مدنيين من بلدة الباغوز بسوريا. وفي أغسطس (آب) الماضي وثَّق سوريون تنفيذ «داعش» 41 عملية إعدام خلال شهري أغسطس ويوليو (تموز)، رمياً بالرصاص، وبفصل الرؤوس عن الأجساد، كما أعدم 583 من عناصره بزعم العمالة ومحاولة الفرار. وفي مايو (أيار) الماضي استعرض عناصر التنظيم طريقة إعدام لأسير في مخيم اليرموك بسوريا، حيث قيدوه بالحبال ووضعوا المتفجرات في خوذة ثبتوها على رأسه وفجَّروها.
من جهته، يقول الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي مصر مدير مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية إن «السبب الأساسي وراء قيام التنظيم بهذه الأفعال الدموية هو فقدانه لكثير من مقاتليه، بعدما اكتشفوا حقيقة أفكاره وعقيدته البعيدة كل البعد عن تعاليم الدين الإسلامي السمح، لذلك يسعى إلى التخلص من العناصر التي يرى فيها أنها اكتشفت أفكاره الإجرامية، حتى لا يكون لهم تأثير على الباقين»، مضيفاً أنَّ «إعدام المدنيين دليل على أن التنظيم يسعى إلى ترهيب المواطنين، خصوصاً بعد محاولات الفرار التي قام بها البعض للخروج من تحت سيطرته؛ فما يقوم به (داعش) يشير إلى أن التنظيم يعاني من تخبط داخلي واضح».
- فتاوى القتل
وأفتى فواز العلي المُلقب بـ«أبو علي الشرعي»، ويُشار إلى أنه القاضي الشرعي لـ«داعش»، في يوليو عام 2017، بجواز قتل المقاتلين الدواعش الذين يحاولون الفرار، وكذلك قتل المدنيين الذين يحاولون الهرب أيضاً ويعرِّضون حياة أعضاء التنظيم للخطر، من خلال نقل المعلومات عنهم.
ويشير مراقبون إلى أن تعمُّد التنظيم إلقاء الضوء على عمليات الإعدام التي يقوم بتنفيذها ضد بعض العناصر التي تسعى للانشقاق عنه، وبثَّ مقاطع فيديو خاصة بها، يهدف إلى ردع العناصر الأخرى، ومنعها من التفكير في الإقدام على تلك الخطوة، خصوصاً بعد هروب كثير من عناصره عقب اكتشافهم زيف مزاعم التنظيم، بعد الهزائم التي طالته في سوريا والعراق ودول أخرى.
يُشار إلى أن «داعش» خلال عامه الأول من إعلان دولته «المزعومة» في سوريا والعراق قطع ما يزيد على 3 آلاف رأس من المدنيين ومن عناصره، بتهمة الغلو والتجسس لصالح دول أجنبية، عند محاولتهم العودة إلى بلادهم، وأصدر حينها سلسلة أشرطة فيديو دعائية، بث فيها عمليات إعدام علنية وجماعية، واحتوت بعضها على سجناء أُجبِروا على حفر قبورهم بأيديهم قبل إعدامهم.
- تخويف ورعب
من جهته، قال اللواء طلعت مسلم الخبير الأمني والاستراتيجي، إن «داعش» أصبح يثأر بالقتل من «الفارين» والمدنيين عبر مشاهد علنية، كنوع من التخويف وبث الفزع فيمَن يفكر بالانشقاق عنه، موضحاً أن التنظيم يقصد من مناظر إعدام الضحايا توجيه رسالة بأنّ هذا سوف يكون مصير كل من يهرب، وكل من يخالف التنظيم في الفكر، مضيفاً أن «تزايد نشر أخبار التنظيم عن عمليات قتل الرهائن والمدنيين في أذرعه الإعلامية، والمقاطع المصوَّرة لإعدام عناصره الهاربة، دليل واضح على ضعف الانسجام بين عناصره، والإنهاك الذي أصاب التنظيم خلال الفترة الأخيرة».
في هذا الصدد، ذكرت دراسة حديثة لمرصد الأزهر بالقاهرة أن من أهداف التنظيم الرئيسية تصدير صورة بشعة عن الإسلام، فالمدقق فيما خلَّفته الحرب ضد «داعش» في سوريا والعراق يُدرك بسهولة منهج الحرب النفسية الذي يتعاطاه التنظيم مع المدنيين؛ فهو يتعامل معهم بوحشية غير طبيعية، كما أن الناظر في منشوراته الأخيرة يُدرك أيضاً اتباعه النهج نفسه، في محاولته بث الرعب بقلب رجل الشارع الغربي. وأضافت الدراسة أن تنظيم «داعش» يواصل بث الرعب والخوف في قلوب الآمنين، مُحاولاً البقاء في أذهان أعضائه الذين شتتهم الواقع.
يُذكر أن الأردني أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس التنظيم في بداياته، هو أول من قام بذبح أحد الرهائن الأميركيين في العراق، ويُدعى يوجين أرمسترونغ عام 2004، بحز رقبته بسكين، وقد قامت جماعة «التوحيد والجهاد» حينذاك بنشر الفيديو المصوَّر لعملية الذبح على الإنترنت.
- مناصرون جُدد
يُشار إلى أن «داعش» اعتمد، منذ نشأته، اعتماداً كبيراً، بل كلياً، على آلته الإعلامية لبث آيديولوجيته خلال الشبكة العنكبوتية، حيث كان يقضي أنصار التنظيم غالب وقتهم على مواقع التواصل، للعمل على استقطاب مناصرين جُدد، وتجنيد مقاتلين من جميع أنحاء العالم... وكذلك لتلقي نداءات التنظيم، وشرح كيفية إعداد وتحضير المتفجرات يدوية الصنع، وكيفية شن هجمات إرهابية بأدوات متاحة في الوسط الذي يعيش فيه المتطرف بأي وسيلة كانت، حتى لا يلفت أنظار المحيطين به.
والشهر الماضي، أصدر «داعش» مجلة جديدة أطلق عليها «شباب الخلافة»، كي تكون منبراً لجذب الشباب وتجنيدهم وحثهم على الانضمام إلى التنظيم أو القيام بالأعمال الإرهابية تحت اسم «الذئاب المنفردة»، فالمجلة اعتمدت على الصورة أكثر من الكلمة، وإن كان إخراجها أقل مما اعتاد عليه التنظيم، وقد يعود ذلك إلى رغبة «داعش» في أن يظن الجمهور أنها مجلة من إخراج المناصرين، وليست من منابر التنظيم الإعلامية، كما يدعي هو، إضافة إلى أن جميع رسائلها تعتمد على الإثارة والتشويق، وسرد قصص للمنضمين للتنظيم من الدول الأوروبية، ومدى تحملهم العناء (على حد زعم التنظيم).
- محاولات زائفة
المراقبون أكدوا أنه مما لا شك فيه أن «داعش» استغلّ بنجاح الفضاء الإلكتروني، ذاك الفضاء الذي سهّل له نشر سمومه ومكَّنه من تجنيد الآلاف من المؤيدين لها بالعالم؛ فكان له أهمية خاصة لدى «داعش» وكثير من التنظيمات الإرهابية، وذلك لعدة أسباب، منها: ضمان السرّية لوجود التطبيقات المشفرة التي تعتمد عليها التنظيمات في نقل الأفكار والأوامر والخطط لمؤيديها، والاستمرار في نقل الأفكار المتطرفة وتبادلها بين مناصري تلك التنظيمات، وإعطاء التنظيمات المتطرفة حجماً أكبر بكثير من حجمها الطبيعي، وهو ما يُسهِم في حشد مناصرين أكثر، ولا تفوتنا أيضاً التكلفة وسهولة وسرعة التواصل من خلال تلك المواقع والتطبيقات المشفرة.
وقال الدكتور إبراهيم نجم إن «عمليات قتل وإعدام (الفارين) من (داعش)، والمجلة الجديدة، تحمل دلالة غاية في الأهمية، وهي أن التنظيم بات يعاني بشكل غير مسبوق من غياب المقاتلين والمناصرين له، فضلاً عن محاصرته على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، وهو ما دفعه لمحاولة خلق هذا الزخم حوله، والإيحاء للعالم بأن مناصريه كُثر، وأنهم يسهمون في نشر أفكاره وترويجها، بل إنهم يضمنون بقاء التنظيم وأفكاره على المدى الطويل»، مشيراً إلى أن قادة «داعش» يعتقدون أن القتل بشراهة ووحشية، يُسهم في استقرار سيطرتهم وخضوع الناس لهم، خوفاً من البطش والقتل على يد عناصره، وذلك على الرغم من أن التراث الإسلامي على امتداده، لا يوجد به ما يدعو إلى القتل، وسفك الدماء، أو إرهاب الناس وتخويفهم.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».