طوكيو تطمح إلى التحرر من قيود واشنطن وهزيمتها في الحرب كي تنطلق وحدها في آسيا

آمالها قد تتحقق مع إدارة ترمب صاحب مقولة: «على اليابان أن تمتلك قنبلتها النووية الذاتية»

يريد آبي الإفلات من قبضة واشنطن لبدء علاقات يحددها بنفسه مع الصين وروسيا (أ.ف.ب)
يريد آبي الإفلات من قبضة واشنطن لبدء علاقات يحددها بنفسه مع الصين وروسيا (أ.ف.ب)
TT

طوكيو تطمح إلى التحرر من قيود واشنطن وهزيمتها في الحرب كي تنطلق وحدها في آسيا

يريد آبي الإفلات من قبضة واشنطن لبدء علاقات يحددها بنفسه مع الصين وروسيا (أ.ف.ب)
يريد آبي الإفلات من قبضة واشنطن لبدء علاقات يحددها بنفسه مع الصين وروسيا (أ.ف.ب)

من الأقوال التي كان يحلو للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الأب)، الذي رحل منذ أيام، أن يكررها للدلالة على محوريّة دور الولايات المتحدة في العلاقات الدولية: «هل تعرفون مكاناً لا يسألون فيه عن موقف واشنطن من أي أزمة أمنية أو سياسية أو اقتصادية في العالم؟».
ولا مبالغة في القول إن اليابان، بحكم تاريخها العسكري والسياسي الحديث الذي تشكّل على وقع الشروط التي فرضها الأميركي المنتصر في الحرب العالمية الثانية على إمبراطورية الشمس الطالعة، والأهمية الحيوية للسوق الأميركية بالنسبة للاقتصاد الياباني، من أكثر البلدان تأثراً بالرياح التي تهبّ من واشنطن عندما تستقرّ إدارة جديدة في البيت الأبيض.
هذا ما دفع برئيس الوزراء الياباني إلى أن يكون أول الذين هرعوا لتهنئة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعيد انتخابه في مقر إقامته بنيويورك، وإجراء محادثات تمهيدية معه قبل أن ينتقل إلى واشنطن.
لم يكن شينزو آبي بحاجة لوقت طويل كي يدرك أن الرهان الآسيوي الذي نسج خيوطه باراك أوباما طوال سنوات، لن يلبث أن يتهاوى بمجرد وصول ترمب الذي كان قد وجّه سهامه بوضوح خلال الحملة الانتخابية ضد خصوم واشنطن وحلفائها على السواء في القارة الآسيوية.
من هنا كان لا بد لطوكيو أن تعيد النظر في كامل سياستها الخارجية، لا سيّما أنها، خلافاً لحلفاء واشنطن وشركائها في أوروبا، محاطة بأنظمة غير ديمقراطية معظمها يناصبها العداء منذ عقود طويلة.
في «الكتاب الدبلوماسي الأزرق» الذي يصدر سنويّاً عن رئاسة الحكومة اليابانية عرضٌ لسياسة اليابان الخارجية ومواقفها إزاء مجمل القضايا الإقليمية والدولية، يتبيّن منه مدى صعوبة التوازنات التي على طوكيو أن تبحر بينها في ضوء المتغيّرات المتسارعة في محيطها وعند حليفتها الكبرى الولايات المتحدة، التي لا تزال طوكيو تعتبر العلاقة معها حجر الزاوية في استراتيجيتها الأمنية والدبلوماسية و«ركيزة السلم والازدهار والحرية في اليابان ومنطقة آسيا والمحيط الهادي».
وترى طوكيو أن التحالف مع الولايات المتحدة بات حيوياً أكثر من أي وقت مضى بسبب من المستجدات الأمنية في المنطقة بعد الاستفزازات والتهديدات الأخيرة التي أطلقتها كوريا الشمالية. ويشير «الكتاب الأزرق» إلى الجهود التي بذلها رئيس الوزراء آبي لتوطيد العلاقة مع الرئيس الأميركي على أساس من الثقة المتبادلة. لكن يبدو أن لهذه العلاقة الشخصية حدودها كما يتبيّن من عجز اليابان حتى الآن عن إقناع واشنطن بإعفائها من الضرائب المعلنة على صادرات الصلب والألمنيوم اليابانية، وإصرار الإدارة الأميركية على دفع طوكيو للتفاوض من أجل إبرام اتفاقية ثنائية للتجارة الحرة.
ويزداد الموقف الياباني صعوبة مع التطورات الأخيرة التي تشهدها العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، إذ تخشى طوكيو أن تثمر المفاوضات بين الطرفين اتفاقاً يقتصر على نزع الأسلحة النووية طويلة المدى التي تطال الأراضي الأميركية، من غير أن يشمل الصواريخ قصيرة المدى التي تشكّل تهديداً خطيراً للأمن الياباني. ولعلّ هذه الخشية هي التي دفعت برئيس الوزراء الياباني إلى الإعلان أخيراً عن استعداده لحوار ثنائي مع كوريا الشمالية، لكن تبقى دونه عقبة داخلية صعبة هي قضية المواطنين اليابانيين الذين اختطفهم عملاء لنظام كوريا الشمالية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ولا يُعرف شيء عن مصيرهم.
التحولات الأخيرة فرضت على اليابان أيضاً مقاربة جديدة لعلاقاتها مع الصين جارتها اللدود التي زارها آبي أخيراً ليفتح «صفحة تاريخية بين البلدين»، كما جاء في البيان الذي صدر في ختام أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء ياباني، إلى الصين منذ سبعة أعوام، الذي أكد على التزام طوكيو وبكين «إزالة نقاط الخلاف والتعهّد بعدم تهديد الطرف الآخر أو الاعتداء عليه، والعمل على أن تبقى العلاقات الثنائية مستقرّة في الأمد الطويل حرصاً على استقرار المنطقة».
كما وقّع الطرفان مجموعة من مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون بين الشركات الكبرى ونحو 500 اتفاقية تجارية منفردة. لكن رغم القفزة النوعيّة التي شكّلها هذا التقارب الأخير بين بكين وطوكيو، ما زال موضوع النزاع التاريخي حول جزر بحر الصين الشرقية واستغلال الموارد الطبيعية في مياهه مصدر توتر دائماً بين البلدين يهدد بالعودة إلى المواجهات السابقة في أي لحظة. وكان لافتاً ما نقله الناطق بلسان رئيس الوزراء الياباني بأن هذا الأخير «أكد لنظيره الصيني أنه من غير استقرار في بحر الصين الشرقية لا يمكن اعتبار أن العلاقات الثنائية قد تحسّنت فعلاً».
ويتضمّن هذا العرض التحليلي لمحاور السياسة الخارجية اليابانية الذي يصدر قبل نهاية كل عام عن رئاسة الحكومة، توصيفاً للعلاقات الثنائية مع الاتحاد الروسي بأنها «الواعدة أكثر من أي علاقة أخرى».
لكن تطوير هذه العلاقات تعترضه أيضاً عقبة النزاع حول الجزر اليابانية التي ضمّها الاتحاد السوفياتي في نهاية الحرب العالمية الثانية، التي ما زالت طوكيو تصرّ على استرجاعها كشرط لتوقيع معاهدة سلام بين البلدين قال فلاديمير بوتين أخيراً إنه مستعد لتوقيعها «من غير شروط مسبقة» قبل نهاية هذا العام.
إلى كل هذه الجبهات الخارجية المفتوحة أمام رئيس الوزراء الياباني الذي يعتزم الترشّح لولاية جديدة، بعد أن عزّز موقعه في قيادة الحزب الحاكم، يُضاف الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه على الجبهة الداخلية منذ سنوات، بتعديل الدستور الذي لم يطرأ عليه أي تعديل منذ أن فرضته الولايات المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقد صرّح آبي أخيراً بأنه لا ينوي تعديل المادة التاسعة، التي تمنع اللجوء إلى الحرب، بل أن يضيف إليها نصّاً يعترف بوجود «القوات اليابانية للدفاع عن النفس». لكن يرى مراقبون أن هذا التعديل الذي يقتضي موافقة ثلثي أعضاء البرلمان ثم الأغلبية البسيطة في استفتاء شعبي، من شأنه إثارة موجة من الاحتجاجات بين الدول المجاورة على خلفية التاريخ العسكري لليابان في المنطقة، رغم أن الرئيس الأميركي الحالي لمح، أكثر من مرة، في معرض انتقاده للنفقات العسكرية الباهظة التي تتحملها الولايات المتحدة للدفاع عن حلفائها، أنه من المستحسن «أن تمتلك اليابان قنبلتها النووية الذاتية».



باريس بعد تهديدات ترمب: سنرد إذا تعرضت مصالحنا التجارية للضرر

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)
TT

باريس بعد تهديدات ترمب: سنرد إذا تعرضت مصالحنا التجارية للضرر

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)

حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، أمس (السبت)، من أنه «إذا تعرضت مصالحنا للضرر فسوف نرد»، في وقت ينذر فيه وصول دونالد ترمب إلى السلطة في الولايات المتحدة بعلاقات تجارية ودبلوماسية عاصفة بين واشنطن والاتحاد الأوروبي.

وقال بارو في مقابلة مع صحيفة «ويست فرنس»: «من لديه مصلحة في حرب تجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا؟ الأميركيون لديهم عجز تجاري معنا، ولكن العكس تماماً من حيث الاستثمار. فكثير من المصالح والشركات الأميركية موجود في أوروبا».

وأضاف: «إذا رفعنا رسومنا الجمركية، فستكون المصالح الأميركية في أوروبا الخاسر الأكبر. والأمر نفسه ينطبق على الطبقات الوسطى الأميركية التي ستشهد تراجع قدرتها الشرائية».

ووفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية»، فقد حذر بارو قائلاً: «إذا تأثرت مصالحنا، فسوف نرد بإرادة من حديد».

وتابع: «يجب أن يدرك الجميع جيداً أن أوروبا قررت ضمان احترام العدالة في التبادلات التجارية. وإذا وجدنا ممارسات تعسفية أو غير عادلة، فسنرد عليها».

وقد هدد ترمب الذي يعود إلى البيت الأبيض، الاثنين، الأوروبيين بفرض رسوم جمركية شديدة جداً. وهو يتوقع خصوصاً أن يشتري الاتحاد الأوروبي مزيداً من النفط والغاز الأميركي ويقلل من فائضه التجاري مع الولايات المتحدة.