شباب «مثلث الجنوب» يبحثون عن عمل في دمشق

أُغلقت جميع السبل أمام أحمد (34 عاماً) من درعا، بعد أن خسر محله التجاري في ريف درعا الغربي المخصص لبيع المواد الغذائية، بسبب تعرضه للتدمير بفعل الأعمال العسكرية التي شهدتها «مثلث الجنوب» من سوريا، قبل إبرام اتفاق التسوية والمصالحة بين المعارضة والنظام بضمانة روسية في شهر يوليو (تموز) الماضي.
ولم يبق أمامه إلا أن يعمل كأجير محل لبيع الخضراوات في دمشق، لتأمين قوت أولاده بعد أن خسر كل مصدر رزقه، على أمل أن يوّفر لأولاده مبلغاً مالياً يضمن لهم شراء الحاجيات الأساسية فقط، وأضاف: «قمت ببيع كل الأراضي التي أملك لسد ديون التجار الذين كانوا يزودونني بالمواد الغذائية في محلي، واليوم أبحث عن أي فرصة عمل كي لا أرجع إلى أطفالي ويداي تتأرجحان خاليتين حين عودتي».
حال أحمد هي حال الكثير من شباب جنوب سوريا الذين فروا إلى دمشق، بعد أن اجتاحت البطالة المنطقة نتيجة تبدل الأوضاع وانتهاء الأعمال العسكرية في المنطقة، التي سبقها معارك أدت إلى خسارة اقتصادية كبيرة بالمحلات التجارية والأسواق، جراء تعرضها للتدمير والقصف، حيث باتت دمشق مقصداً للشباب من جنوب سوريا للعمل وتوفير دخل يساعدهم على الحياة.
ورغم انخفاض الأجور، فإنه يراها أفضل من العدم، حيث يحصل العامل في العاصمة على أجر يتراوح بين 30 ألف ليرة سورية و70 ألفاً في الشهر (أي ما يعادل من 50 دولاراً أميركياً إلى 150 دولاراً شهرياً). وهو ما لم يعد يتوفر في المنطقة نتيجة تراجع الحركة الاقتصادية، خصوصاً في الأرياف، إضافة إلى تراجع أجور اليد العاملة نتيجة ضعف القوة الشرائية للسكان، لا سيما أن منهم من يدخر لترميم منزله أو محله التجاري أو تأثيث بيته من جديد بعد أن تعرض للسرقة، أو توفير ما لديه من مدخرات مادية للحاجات الأساسية فقط، خصوصاً أن المنطقة شهدت عدة عوارض متتالية ساهمت في ركود الحركة الاقتصادية كالعمليات العسكرية وما خلفته من أضرار وتغير بالأوضاع الأمنية في المنطقة، وإقبال فصل الشتاء والعام الدراسي الجديد معاً وما يحتاجاه من توفير وسائل التدفئة وأدوات الدراسة، إضافة إلى عدم إقبال الشباب على فتح مشروعات صغيرة في المنطقة تعيلهم، بسبب دعوات الالتحاق بالخدمة الاحتياطية في الجيش السوري التي شملت أسماء آلاف الشباب المطلوبين للخدمة الاحتياطية في جنوب سوريا، فضلاً عن الشباب المطلوبين للخدمة الإلزامية في الجيش.
تقول مصادر محلية من جنوب سوريا لـ«الشرق الأوسط»، إنه عندما يتنقل المرء بين بلدات الجنوب السوري يشاهد حركة بسيطة لإعادة إعمار بعض المنازل والمحلات التجارية أو ترميمها، على نفقة أصحابها، فـ«الأعمال العسكرية والقصف الذي تعرضت له المناطق أحدثا دماراً هائلاً، خصوصاً في تلك المناطق التي كانت على خط تماس مباشر مع مناطق سيطرة النظام السوري في الجنوب، أما الحركة التجارية في جنوب سوريا فتقتصر على المواد الغذائية والتموينية، ولم تشهد أي تغير في أسعارها، رغم سيطرة النظام على المنطقة، ولا يزال بعضها يُباع بضعف سعرها الحقيقي، ويبرر التجار غلاء أسعارها بما تفرضه عليهم حواجز قوات النظام السوري من ضرائب وإتوات مقابل تسهيل مرور البضاعة إلى المنطقة».
وأوضحت أن غالبية الأهالي النازحين من قراهم وبلداتهم في جنوب سوريا عادوا إلى مناطقهم وسط دمار هائل بالأبنية السكنية أو المرافق العامة كالمدارس والنقاط الطبية، وتقنين الكهرباء، وتعرض منازل المدنيين لعمليات سرقة قبل عودتهم إلى منازلهم. ولم يتم إدخال الخدمات إلى مناطق جنوب سوريا بشكل كامل، فالكثير من المدارس تحتاج إلى عمليات ترميم جراء تعرضها للقصف، وتقتصر العملية التعليمية على المدارس التي لم تتعرض للتدمير بشكل كلي، إضافة إلى أن عمليات إصلاح البنية التحتية تتم بشكل غير سريع ومنضبط، فالكثير من القرى والبلدات تحتاج لإصلاح شبكات الصرف الصحي أو مياه الشرب أو الكهرباء التي عملت ورشات الكهرباء على إصلاح الكثير منها، وإيصالها إلى معظم البلدات، مع تطبيق نظام التقنين في توزيع ساعات الكهرباء، حيث تحصل كل منطقة على ساعات محددة لا تتجاوز 4 ساعات من الكهرباء وانقطاعها بقية ساعات اليوم.
أما المحروقات الأساسية كالغاز والبنزين والمازوت، فعمل النظام السوري على إرسالها إلى المناطق التي سيطر عليها مؤخراً جنوب سوريا، وأسعارها باتت أقل من سعرها سابقاً حين كان النظام يفرض حصاراً على هذه المناطق التي كانت خارجة عن سيطرته، ويمنع دخول المحروقات إليها، وغالباً تتدخل المحسوبيات والواسطة لحصول صاحب محطة الوقود على طلبيته من المحروقات والاستعجال بها، كما تم تخصيص حصة لكل عائلة من مادة المازوت للتدفئة يحق للعائلة الحصول عليها بشكل تدريجي من محطات الوقود التي زودها النظام السوري بالمحروقات، ما سهل على العائلات توفير مادة المازوت للتدفئة، وبأسعار أقل بنصف قيمة سعرها من السابق، إلا أن بعض العائلات لم تستطع الحصول على حصتها من مادة المازوت بسبب الضائقة المالية التي تمر بها، فالكثير من عائلات الجنوب باتت الآن ترزح تحت خط الفقر، ولا تكاد تؤمن قوت يومها إلا بشق النفس.
وقال شهود: «ليس خافياً على أحد مدى الانكسار الذي أصاب مواطني جنوب سوريا بعد الآمال الكبيرة التي عُلِّقت على فتح معبر نصيب، فبعد دخول الأردنيين وشراء حاجياتهم من المواد التموينية والغذائية والمحروقات، التي تعتبر أسعارها في الأردن ضعف سعرها في سوريا، شهدت أسواق المنطقة الجنوبية حركة اقتصادية جيدة، أدت إلى ارتفاع إيرادات المحلات التجارية، وهذا يعود بالتأثير الإيجابي بشكل مباشر على التجار وأصحاب المحلات التجارية، ومن جهة أخرى كان لهذه الحركة تأثير سلبي على السكان المحليين، حيث ارتفعت الأسعار بشكل جنوني في المنطقة، ما زاد من عبء التكاليف المادية على المواطن، في ظل ثبات الدخل، سواء للموظفين الحكوميين أو أصحاب المهن الحرة، ونلحظ هذا التراجع في القوة الشرائية للسكان المحليين من جنوب سوريا، مقارنة بإقبال الأردنيين على السوق السورية».