الأمم المتحدة تخول لقواتها استخدام القوة في جنوب السودان

قمة أفريقية سداسية في نيروبي للتوصل إلى اتفاق بين الفرقاء في جوبا

رئيس جنوب السودان سيلفا كير مياردت يستقبل في جوبا أمس رئيس الوزراء الإثيوبي هيلاميريام ديسالسين ونظيره الكيني أهورو كينياتا (أ.ب)
رئيس جنوب السودان سيلفا كير مياردت يستقبل في جوبا أمس رئيس الوزراء الإثيوبي هيلاميريام ديسالسين ونظيره الكيني أهورو كينياتا (أ.ب)
TT

الأمم المتحدة تخول لقواتها استخدام القوة في جنوب السودان

رئيس جنوب السودان سيلفا كير مياردت يستقبل في جوبا أمس رئيس الوزراء الإثيوبي هيلاميريام ديسالسين ونظيره الكيني أهورو كينياتا (أ.ب)
رئيس جنوب السودان سيلفا كير مياردت يستقبل في جوبا أمس رئيس الوزراء الإثيوبي هيلاميريام ديسالسين ونظيره الكيني أهورو كينياتا (أ.ب)

أعلنت دول الإيقاد عن انعقاد قمة رئاسية اليوم في نيروبي في محاولة حثيثة لإنهاء الصراع الدموي بين رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت ونائبه السابق رياك مشار، وحددت دول الإيقاد الأسبوع المقبل موعدا لبدء المحادثات بين الأطراف المتنازعة.. في وقت أكدت فيه مبعوثة الأمم المتحدة لجنوب السودان هيلدا جونسون أن «هدفنا حماية وتوفير الأمن للمدنيين في جنوب السودان»، مشددة على أن «قوات حفظ السلام يمكن أن تستخدم القوة إذا شعرت بأي تهديدات»، فيما يتوقع أن تصل التعزيزات الجديدة لتلك القوات في خلال 48 ساعة.
وقال وزير الخارجية الإثيوبي تيدروس أدهانوم للصحافيين أمس، عقب محادثات مكثفة عقدها الرئيس الكيني أوهورو كينياتا ورئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين مع سلفا كير في جوبا، إن الاجتماع ناقش أربع قضايا لإنهاء الصراع في الدولة حديثة الاستقلال تتعلق بوقف فوري للعدائيات بين الأطراف المتحاربة، وبدء المفاوضات فورا بين حكومة جنوب السودان والنائب السابق رياك مشار، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين فورا، إضافة إلى مناقشة الأوضاع الإنسانية في أعقاب الأحداث وهروب المواطنين من مناطقهم.
ولم يحدد أدهانوم مقر التفاوض المزمع.. لكنه أوضح أن دول الإيقاد (شرق أفريقيا) سيعقدون اجتماعا اليوم على مستوى الرؤساء في نيروبي لبحث الأزمة في جنوب السودان بمشاركة سلفا كير. وتابع: «سنقدم لقمة الإيقاد نتائج المباحثات التي أجريناها، والنقاط التي اتفقنا عليها، من أجل الوصول إلى حل نهائي لهذه الأزمة».
من جانبه، أكد وزير الخارجية في جنوب السودان برنابا مريال بنجامين التزام بلاده بإجراء الحوار مع مشار ومجموعته دون شروط مسبقة. وقال إن حكومته ستلتزم بما تخرج به قمة الإيقاد اليوم.
ووصل صباح أمس الرئيس الكيني ورئيس وزراء إثيوبيا إلى جوبا، حيث عقدا اجتماعات مكثفة مع كير. ويتوقع أن يجري القادة الأفارقة قمة طارئة الأسبوع المقبل لمناقشة الأزمة. وكشفت مصادر أن القمة الأفريقية ستفوض عددا من رؤساء الدول الأفريقية للعمل كفريق لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.
وقال مصدر مقرب من حكومة جنوب السودان لـ«الشرق الأوسط» إن القادة الأفارقة سيطلبون من سلفا كير ورياك مشار إعلان وقف إطلاق نار فوري خلال الساعات المقبلة وإطلاق سراح المعتقلين، وتمكين نشر القوات الإضافية من الأمم المتحدة للفصل بين القوات وحراسة مناطق إنتاج النفط وإبعاد القوات المتحاربة منها في بانتيو في ولاية الوحدة وفلوج في أعالي النيل.
من جانبه، أكد يوهانس موسيس المتحدث باسم النائب السابق لرئيس جنوب السودان لـ«الشرق الأوسط» أن مشار سمى الأمين العام السابق لحزب الحركة الشعبية الحاكم باقان اموم رئيسا لوفده المفاوض. وقال: «لا بد للسلطات في جوبا أن تطلق سراح اموم ورفاقه لإنجاح التفاوض».
وكشف موسيس عن اتصالات أجراها دبلوماسيون أميركيون مع مشار لإبلاغه أن جلسة المفاوضات الإجرائية ستبدأ اليوم بين الطرفين في العاصمة الكينية نيروبي. وقال إن الوسطاء يسعون إلى أن تبدأ المفاوضات بإعلان وقف إطلاق النار والإفراج عن المعتقلين السياسيين. وأضاف أن الطرفين المتحاربين لا يحتاجان إلى قوات دولية للفصل بينهما عند وقف إطلاق النار في حال الاتفاق عليه، مشيرا إلى أن الطرفين سيتقدمان بأوراقهما التفاوضية ورؤيتهما حول الأجندة إلى الوسيط الذي ستحدده دول الإيقاد.
واتهم موسيس أوغندا بالمشاركة في القتال إلى جانب حكومة سلفا كير عند دخولها مدينة (بور) عاصمة ولاية جونقلي شرق البلاد، قائلا: «نحن نرفض التدخل الأجنبي الذي أصبح مبالغا فيه». لكنه أكد أن القوات الأميركية التي وصلت بور كان غرضها إجلاء رعاياها العاملين في المنظمات الدولية، و«لم تشارك في القتال إطلاقا».
وشدد موسيس أن القوات الدولية التي ستنشرها الأمم المتحدة في جنوب السودان لن تنشر في مناطق النفط. وقال إن «هذه القوات تفويضها محدد لحماية المدنيين، وليس لحماية مناطق النفط.. وقواتنا موجودة هناك وهي مسؤولة وتحرس الآبار والحقول». وأضاف: «لن نقبل بأن يجري التدخل لحماية النفط لأنه ليس من حق الأمم المتحدة أو غيرها الدخول في هذه القضايا».
من جهته، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيوفد أليكس روندوس مبعوثا إلى جوبا. وقالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، في بيان إنها طلبت من روندوس السفر فورا إلى المنطقة والاتصال مباشرة بالدول المعنية والمنظمات الموجودة على الأرض.
من جهة أخرى، تراجعت الأمم المتحدة عن تلميحات سابقة بأن القتال في جنوب السودان يمكن أن يكون عرقيا، وقالت مندوبتها في جوبا هيلدا جونسون في كلمة لها بمناسبة أعياد الميلاد إن ما يجري في الدولة الوليدة هو صراع على السلطة ولا يمكن وصفه بالقتال على أسس عرقية.
وقالت الأمم المتحدة أمس إنها تأمل أن تصل تعزيزات قوات حفظ السلام إلى جنوب السودان «في خلال الـ48 ساعة المقبلة»، وهي القوات التي تتضمن أفرادا ومعدات أساسية مثل الحوامات، من أجل حماية المدنيين في الصراع القائم، والذي أسفر عن أكثر من ألف قتيل حتى الآن، بحسب تقديرات المنظمة الدولية، بحسب ما نقل الموقع الرسمي للأمم المتحدة أمس.
وفي كلمة لها من جوبا أمس، مع الأمم المتحدة عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، قالت جونسون إن الأمم المتحدة «تحاول أن تضع حدا للكابوس والسماح بفرصة للسلام»، في هذا البلد الذي مزقته الصراعات. موضحة أن أكثر من 50 ألف مدني نزحوا إلى قواعد تابعة للمنظمة الدولية.
وكان مجلس الأمن الدولي أجاز منذ أيام مضاعفة قوات حفظ السلام لتصل إلى نحو 14 ألف فرد، وذلك عبر تحريك قوات - إذا دعت الضرورة - من مناطق قريبة في الكونغو الديمقراطية ودارفور وأبيي وكوت ديفوار وليبيريا.
ونقلت شبكة «سكاي نيوز» البريطانية عن جونسون قولها إن «قوات حفظ السلام في جنوب السودان يمكن أن تستخدم القوة إذا شعرت بأي تهديدات»، مؤكدة أن التعددية الإثنية في جنوب السودان يجب أن لا تؤدي إلى الانقسام؛ بل هي عامل للقوة.



كيف يهدد سقوط الأسد استراتيجية روسيا في أفريقيا؟

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
TT

كيف يهدد سقوط الأسد استراتيجية روسيا في أفريقيا؟

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)

قال تقرير لوكالة «بلومبرغ» للأنباء إن الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في سوريا يُهدد قاعدة «حميميم» الجوية، التي اعتمدت عليها روسيا لفرض نفوذها في مختلف أنحاء أفريقيا.

وبحسب التقرير، تستخدم موسكو القاعدة لإرسال أفراد وإمدادات عسكرية إلى مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وكل هذه الدول شهدت انقلابات مؤخراً، وقطعت علاقاتها مع الغرب، في حين تقترب من موسكو التي مكّنها هذا الجسر الجوي من إعادة بناء بعض نفوذها الذي اكتسبته في حقبة الحرب الباردة في القارة، خصوصاً في أماكن، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان.

وسمحت قاعدتا «حميميم» الجوية و«طرطوس» البحرية، اللتان تستقبلان الوقود والإمدادات الروسية بتنفيذ توسع رخيص وفعال لنفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي في أفريقيا، والآن قد تحتاج الشبكة التي تدعم عمليات روسيا في القارة، والتي تملأ الفراغ الذي خلفته القوات الغربية المغادرة، إلى إصلاح شامل.

استقبال جندي روسي لبشار الأسد خلال زيارته قاعدة «حميميم» العسكرية في اللاذقية 27 يونيو 2017 (أ.ف.ب)

قال أنس القماطي، مدير معهد صادق، وهو مركز أبحاث مقره ليبيا: «من دون جسر جوي موثوق، تنهار قدرة روسيا على فرض قوتها في أفريقيا، والاستراتيجية العملياتية الروسية بأكملها في البحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا مُعلقة بخيط رفيع».

وقال القماطي إنه وفي حين أن روسيا، التي دعمت السلطات في شرق ليبيا، لديها قدرات تشغيلية في 4 قواعد جوية ليبية (الخادم والجفرة والقرضابية وبراك الشاطئ) فإن هذه القواعد ستكون بعيدة جداً، بحيث لا يمكن استخدامها في جسر مجدد من موسكو بسبب قيود المجال الجوي في أوروبا.

وقال رسلان بوخوف، رئيس مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات ومقره موسكو، إن القاعدة الجوية السورية ستكون «خسارة كبيرة» للعمليات الأفريقية؛ حيث «كانت جميع الإمدادات تمر عبر (حميميم)، وهذا مهم بشكل خاص لبلد من دون ميناء، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى».

وبدأت جهود موسكو لإعادة بناء النفوذ في أفريقيا فعلياً عام 2018، عندما تم نشر مرتزقة من مجموعة «فاغنر» المرتبطة بالكرملين في جمهورية أفريقيا الوسطى غير الساحلية، للدفاع عن رئيسها المحاصر ضد هجوم المتمردين.

وفي عام 2019، لعب المقاتلون دوراً رئيساً في محاولة من قِبَل الزعيم الليبي الشرقي خليفة حفتر للاستيلاء على العاصمة طرابلس.

ومنذ ذلك الحين، أرسلت مقاتلين إلى مالي والنيجر وبوركينا فاسو، جنباً إلى جنب مع الأسلحة، ما أدّى إلى زيادة أكبر لبصمتها العالمية خارج الكتلة السوفياتية السابقة.

الرئيس الروسي يلقي كلمة في قاعدة «حميميم» في اللاذقية على الساحل السوري يوم 12 ديسمبر 2017 (سبوتنيك - أ.ب)

وهذا الدعم في خطر؛ لكن المقربين من تلك الحكومات يزعمون أن روسيا ستجد طريقة لمواصلة مساعدتهم.

وقال فيديل غوانجيكا، مستشار رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، إن روسيا «ستكون لديها خطة بديلة»، حتى تظل طرق إمدادها إلى أفريقيا سليمة، سواء باستخدام ليبيا نقطة انطلاق أكثر قوة، أو الوصول إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عبر المواني في الكاميرون أو الكونغو، و«لن تكون هناك عواقب على جمهورية أفريقيا الوسطى».

وأضاف غوانجيكا أن أفريقيا الوسطى مستعدة لمساعدة الكرملين في إرسال الإمدادات والجنود من روسيا إلى الحكومات في منطقة الساحل إذا لزم الأمر.

وأعرب إبراهيم حميدو، رئيس إدارة الاتصالات لرئيس الوزراء علي الأمين زين، الذي عيّنه المجلس العسكري في النيجر عام 2023، عن الأفكار نفسها، وقال: «سقوط الأسد لن يُغير علاقاتنا، ويمكن لروسيا أن تجد طرقاً أخرى، من خلال تركيا على سبيل المثال، لدعم النيجر».

وفي حال سمحت تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، لبعض رحلات الشحن الروسية إلى ليبيا بالمرور عبر مجالها الجوي، فلا يوجد اقتراح فوري بأنها ستعمل بديلاً للجسر الجوي السوري لموسكو، خصوصاً أن مصالح الثنائي في أفريقيا غالباً ما تتباعد.

واقترحت مونيك يلي كام، وهي سياسية في بوركينا فاسو، تدعم المجلس العسكري وعلاقاته القوية مع روسيا، ليبيا خياراً لمساعدة موسكو على «الحفاظ على نفوذها في القارة».

كما لعبت روسيا دوراً رئيساً في الحرب الأهلية السودانية التي استمرت 20 شهراً؛ حيث ألقت مؤخراً بثقلها خلف الجيش في قتاله ضد «قوات الدعم السريع»، كما تواصل الضغط من أجل إنشاء قاعدة على ساحل البحر الأحمر في البلاد، وهو حلم طويل الأمد، من شأنه نظرياً أن يوسع شبكتها اللوجستية.

مقاتلة روسية في قاعدة «حميميم» جنوب شرقي اللاذقية في سوريا أكتوبر 2015 (سبوتنيك)

ومع ذلك، فإن الاحتفاظ بشبكة النفوذ الروسية مترامية الأطراف في أفريقيا لن يكون سهلاً، وفقاً لأولف ليسينغ، مدير برنامج الساحل في مؤسسة «كونراد أديناور»، وهي مؤسسة بحثية ألمانية.

وقال: «إن سقوط الأسد سيعيق بشكل كبير العمليات العسكرية الروسية في أفريقيا، وكانت جميع الرحلات الجوية لتوريد المرتزقة، وجلب الذخيرة والأسلحة الجديدة، تمر عبر سوريا. إنها مسافة بعيدة للغاية للطيران بطائرة نقل محملة بالكامل من روسيا إلى أفريقيا، وسيتعين على روسيا تقليص مشاركتها في أفريقيا وسيكون ذلك أكثر تكلفة بكثير».