موسكو «ليست متحمسة» لقمة جديدة حول إدلب

TT

موسكو «ليست متحمسة» لقمة جديدة حول إدلب

لم تتوقف موسكو منذ توقيع اتفاق سوتشي حول إنشاء منطقة منزوعة السلاح في محيط إدلب، عن تأكيد «تفهمها» للصعوبات التي تواجهها أنقرة لتنفيذ الالتزامات التي أخذها الرئيس رجب طيب إردوغان على عاتقه، عندما أقنع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، بأن «السلام الهش خير من العمل العسكري المحفوف بالمخاطر». ودفعه إلى إعلان مشترك في شأن استبعاد خيار الحسم العسكري في إدلب، والتوجه نحو محاولة تخفيف مخاوف موسكو والنظام من نشاط المجموعات المتشددة، عبر سحب أسلحتها الثقيلة ودفعها إلى الانسحاب إلى مسافة 20 كيلومتراً عن خطوط الاحتكاك مع قوات النظام.
كان الشرط الذي ضمّنته موسكو اتفاق إدلب في شأن «الفصل بين الفصائل المعتدلة والإرهابيين»، والمقصود هنا تحديداً جبهة النصرة، هي العقدة الرئيسية التي بدت منذ البداية «قنبلة موقوتة قد تفجّر الاتفاق في أي وقت»، لأن موسكو كانت تدرك منذ البداية أن هذا الشرط غير قابل للتحقيق لأسباب تتوقف على التشابك المعقد في مناطق السيطرة، وحاجة بعض المجموعات المتشددة إلى جبهة النصرة، ناهيك بعدم الثقة لدى الفصائل بنيات موسكو، والمخاوف من أن تكون ذريعة عزل «الإرهابيين» مقدمة لاستهداف كل الفصائل لاحقاً، كما حصل في مناطق عدة في سوريا بينها شرق حلب والغوطة ومنطقة الجنوب.
لكن الأوساط العسكرية الروسية كانت راضية عن اتفاق إدلب رغم قناعتها، التي برزت في تعليقات كثيرة في وسائل الإعلام، بأن الاتفاق غير قابل للتنفيذ.
وجنّب الاتفاق موسكو الدخول في مواجهة مع الغرب الذي استعدّ آنذاك لتوجيه ضربة عسكرية جديدة ضد النظام، كما جنّبها انتقادات إضافية في مجال التحذيرات من تدهور خطير في الوضع الإنساني.
وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، كانت موسكو حريصة على منح «الشريك التركي» الفرصة الزمنية الكافية لتطبيق الاتفاق، الأمر الذي عبّر عنه الوزير سيرغي لافروف غير مرة بتأكيد أن «الإنجاز العملي على الأرض أهم من التقيد بمهل زمنية». وبدا لافتاً أن تصاعد لهجة الانتقادات ضد تركيا بسبب «عجزها عن تنفيذ بنوده»، خصوصاً أن البند المتعلق بـ«عزل الإرهابيين» ترافق دائماً مع تأكيد أن «أنقرة تقوم بكل ما تقدر عليه لتنفيذ الاتفاق»، وهي العبارة التي رددها الكرملين وكررها المستويان العسكري والدبلوماسي أكثر من مرة.
لكن هذا الحرص الروسي على عدم التصعيد مع أنقرة، لأسباب تتعلق برغبة الكرملين في المحافظة على توسيع الشراكة القائمة حالياً مع تركيا، لجهة أن نطاق المصالح الروسية التركية غدا أوسع من الملف السوري بكل تداعياته. وأيضاً الحرص على توجيه الجهد المشترك لمواجهة التحركات الأميركية في شرق الفرات، لم يعد كافياً كما بدا من تصريحات روسية متكررة، للمحافظة على اتفاق إدلب في شكله الراهن. إذ أسفر تباين المواقف حول الغاية النهائية من اتفاق إدلب عن اتضاح أن الاتفاق الروسي – التركي ربما يكون «يلفظ أنفاسه الأخيرة» وفقاً لتعليق مؤسسة إعلامية حكومية روسية.
قد يكون العنصر الأبرز هنا أن تركيا أرادت اتفاقاً يمنحها ورقة إضافية لتعزيز موقفها، بينما أرادت منه موسكو إرجاء النقاش حول هذا الملف لفترة زمنية كافية لإعادة ترتيب تحركاتها على ضوء النشاط الأميركي المتصاعد، وعلى ضوء التعثر في إطلاق مشروعات سياسية مثل الإصلاح الدستوري أو ورقة إعادة اللاجئين وإعادة الإعمار.
لذلك يبدو أن اقتراح الرئيس التركي عقد قمة جديدة حول الوضع في إدلب لم يقابَل بحماسة روسية كبيرة. وإردوغان الذي يدرك حاجة موسكو وأهدافها، دعا إلى اعتماد صياغة جديدة للاتفاق حول إدلب. لكن الأوساط الروسية تشير إلى أن الكرملين لم يبلور بعد موقفاً تجاه آليات التعامل مع الوضع الناشئ.
وحسب وسائل إعلام روسية، فإن موسكو وأنقرة عملتا معاً على مناقشة المشكلات في هذا المجال. قبل أن يلجأ الطرفان إلى ضم برلين وباريس، مع عدم استبعاد توسع جديد، ذلك أن دولاً مثل إيران والولايات المتحدة لا تزال خارج العملية.
لكن كما يبدو من التعليقات الرسمية الروسية فإن «لحظة الحقيقة» باتت تقترب، بمعنى أن ثمة اختلافاً كبيراً في معالجة روسيا وتركيا لمسألة إدلب. وتعتقد روسيا بضرورة استكمال تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها سابقاً، ومن ثم استعادة سيطرة دمشق على جميع مناطق سوريا في أقرب وقت ممكن. لكنْ لدى تركيا رأي مختلف يقوم على أن نقل السيطرة على المناطق التي تحتفظ بها المعارضة منطقي، ولكن بعد اكتمال التسوية السياسية للنزاع في سوريا.
هنا يبدو الفارق بين البلدين في توسيع مروحة النقاش للمسألة لتشمل بلداناً أوروبية مثل فرنسا وألمانيا. تركيا تبدو متحمسة للموضوع لجهة أن البلدين اللذين استقبلا مئات الآلاف من اللاجئين في أراضيهما تبدو مواقفهما أقرب بكثير إلى الموقف التركي منه إلى الروسي. لكن روسيا من جانبها ترى أن التعثر التركي في اتفاق إدلب وحالة الجمود في معالجة رزمة الملفات الأخرى، يدفعان إلى ضم أطراف أخرى.
لذلك لا تبدو موسكو متحمسة لمناقشة اقتراح قمة جديدة حول إدلب تكون روسية تركية فقط، لأن عينها الأخرى تقع على التحركات الأميركية وعلى رغبة جدية في إشراك أطراف ربما تكون في المستقبل مانحاً مالياً مهماً في مشروعات إعادة الإعمار.
موسكو تدرك أن اتفاقات سوتشي متوقفة، ومواعيد اللجنة الدستورية معطلة. وفي هذه الحال، قد يكون من الممكن، خلال أي تحرك جديد مناقشة آليات جديدة لتنفيذ الاتفاقات القائمة.
أيضاً ثمة قناعة بأن لا خيار أمام تركيا سوى الاعتراف بعجزها عن تحقيق المنطقة المنزوعة السلاح، هذا يمنح موسكو فرصة جديدة للمناورة من دون أن تخسر الشريك التركي.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».