الحلقة الرابعة: «سايكس ـ بيكو».. ظلال الماضي وأحداث اليوم

الاتفاقية السيئة السمعة قسمت الولايات العثمانية بين بريطانيا وفرنسا وروسيا

قوات نمساوية في داخل القدس عام 1916 حيث كانت تقوم بعمليات عسكرية
قوات نمساوية في داخل القدس عام 1916 حيث كانت تقوم بعمليات عسكرية
TT

الحلقة الرابعة: «سايكس ـ بيكو».. ظلال الماضي وأحداث اليوم

قوات نمساوية في داخل القدس عام 1916 حيث كانت تقوم بعمليات عسكرية
قوات نمساوية في داخل القدس عام 1916 حيث كانت تقوم بعمليات عسكرية

قبل قرن من الزمن، أعلنت الإمبراطورية النمساوية - المجرية الحرب على صربيا، لتنطلق سلسلة أحداث أدخلت العالم في الحرب العالمية الأولى وحددت ملامح القرن العشرين. جاء إعلان الحرب على صربيا بعد شهر من اغتيال ولي عهد النمسا والمجر الأمير فرانز فرديناند في ولاية سراييفو في 28 يونيو (حزيران) 1914، لتمتد وتتسع كنار شرسة حصدت الملايين من الأرواح وغيرت خريطة العالم وتوازن القوى فيها.
و«الشرق الأوسط» ترصد من خلال حلقات تنشر عبر الأيام المقبلة أبرز مجريات تلك الحرب. وفي حلقة اليوم، رصد لاتفاقية «سايكس ـ بيكو» التي قسمت بموجبها الولايات العثمانية بين 3 دول هي بريطانيا وفرنسا وروسيا.

إعلان «داعش» (الدولة الإسلامية في العراق والشام) يصادف مئوية للحرب العالمية الأولى، وأهم أهداف «داعش» إلغاء حدود رسمتها اتفاقية «سايكس - بيكو» لتقسيم ولايات الدولة العثمانية بعد هزيمتها بين النفوذين البريطاني والفرنسي، وجزء من آسيا الصغرى لروسيا القيصرية.
هناك بيت للشاعر الاسكوتلندي توماس كامبل (1777 - 1844): «ساعة الغروب تغمرني بوعي باطني... بظلال الماضي أحداث قادمة».
اتفاقية «سايكس - بيكو»، التي اشتهرت باسمي الدبلوماسيين البريطاني والفرنسي اللذين وقفا وراءها، أبرمت 16 مايو (أيار) 1916. كانت الدول العظمى تتصارع على النفوذ وموارد الطاقة، وممرات الملاحة والأسواق الواعدة.. لم تكن هناك حدود مرسومة لدول معروفة شرق حدود مصر. واليوم الصراعات قائمة على الأهداف نفسها، دخلت فيها دول إقليمية مع القوى العظمى.
التفاهم السري بين فرنسا والمملكة المتحدة، بمصادقة من الإمبراطورية الروسية آنذاك، على اقتسام الهلال الخصيب بين لندن وباريس، له تداعياته لليوم. المشروع القومي اليهودي -عرف في الحرب العالمية الأولى بالحركة الصهيونية - التي تعاطف الجميع معها، بما فيهم دعاة الاستقلال العربي. مفاوضات بين القوى الأوروبية العظمى كان متناقضة في أهدافها مع مفاوضات موازية، قدمت بدورها وعودا متناقضة لليهود والعرب.
معلومات حجبها القادة ليس عن حلفائهم، بل عن دبلوماسييهم المفاوضين أنفسهم ولم يعرفوا بجوهر المفاوضات الموازية أو يعرفوا بالنيات الحقيقية التي كان وراءها مصالح تجارية ومالية خالصة.
استمرت مفاوضات اتفاقية «سايكس - بيكو» أربعة أشهر، ما بين نوفمبر (تشرين الثاني) 1915 ومارس 1916. سريتها بسبب الازدواجية وعدم تحديد المعالم كان ظلالا لأحداث اليوم ومشكلاتها.
وبعد قرن، هروب محلل المعلومات المخابراتية الأميركي إدوارد سنودن، وتسريبات «ويكيليكس»، التي نشرت في صحيفة «الغارديان» البريطانية اليسارية عن مفاوضات سرية والتجسس على الحلفاء، كان له ظلال تنبؤية. فمن كشف تفاصيل مفاوضات «سايكس - بيكو» كان البلاشفة بعد سقوط النظام القيصري في روسيا 1917 واستيلاء الثورة على محاضر اجتماع بتروغراد في فبراير (شباط) 1916 بين سايكس ووزير الخارجية الروسي سيرغي سازونوف آنذاك (1860 - 1927).
وتعرض سازونوف، عشية الحرب العالمية الأولى، لضغوط القوميين الروس لانتهاج سياسة داعمة للسلافيين الصرب في البلقان، فعقد اتفاقا مع رومانيا عام 1915 حتى لا تدخل الحرب مع قوى وسط أوروبا - ألمانيا، والإمبراطورية الهنغارية النمساوية، وبلغاريا والدولة العثمانية - مقابل التوسع لضم مناطق عثمانية كان الروس يريدونها للسيطرة على مضايق البوسفور والدردنيل، وهو جزء من اتفاقه مع سايكس لما بعد هزيمة تركيا.
نشرت صحيفة «برافدا» محاضر اللقاء في 23 نوفمبر 1917، مع ملخص الاتفاقية الموقعة في 16 مايو 1916.
الشيوعيون الإنجليز أضافوا ما حصلوا عليه من ساسة إنجليز لإحراج الحكومة، خصوصا أن معظم الوزراء وقتها من الأرستقراطيين أو الأثرياء. نشرت «الغارديان» (التي صدرت وقتها من مانشستر) الموضوع ثلاثة أيام بعد «برافدا» بعشرة أيام بعد رسالة اللورد آرثر بلفور (1848 - 1937). وكان بلفور وزيرا للخارجية أرسل رسالة إلى البارون ليونيل روزتشيلد (1868 - 1937) مفادها أن «حكومة الملك تنظر بعطف لتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين.. بشرط عدم المساس بالحقوق السياسة والمدنية لغير اليهود هناك».
قسمت صفقة «سايكس - بيكو»، أو الأدق صفقة «سايكس - بيكو - سازنوف»، الولايات العثمانية على النحو التالي: شريط الأرض ما بين المتوسط ونهر الأردن وشطري الوادي وجنوب العراق والمواني الصغيرة ما بين حيفا وعكا تخضع لبريطانيا، بينما يمتد النفوذ الفرنسي إلى جنوب شرقي تركيا وشمال العراق، سوريا ولبنان، وكان متفقا أن روسيا تبسط نفوذها إلى إسطنبول للسيطرة على المضايق ما بين المتوسط والبحر الأسود.
ترك رسم الحدود حسب مصالح المجموعات العرقية مع القوى الإقليمية وأهمها الشريف حسين في مكة، حيث كانت الثورة العربية مندلعة.
ومن الضروري وضع الاتفاقيات في إطارها التاريخي في العلاقات العربية - البريطانية آنذاك في فصل لا تزال آثاره الدرامية مصدر نزاع أو إلهام لمروجي نظريات المؤامرة في المنطقة، وأيضا لتفادي الحكم الأخلاقي بمقاييس اليوم على أحداث وشخصيات من مائة عام.
أعلنت بريطانيا الحرب على الدولة العثمانية 5 نوفمبر 1914، وكان وزير المالية البريطاني ديفيد لويد جورج (1863 - 1945) - أصبح وزيرا للحربية بعد وفاة كينشينر 1916، ثم وزيرا للتجارة، ورئيس وزراء في مطلع الحرب العالمية الثانية، في جلسة مجلس وزراء حكومة اللورد اسكويث بعد أربعة أيام طرح لويد جورج مناقشة «المصير النهائي لفلسطين». كان لويد جورج يدر مكتبا للمحاماة (لويد جورج وروبرتس وشركاؤهما)، وكلت المجموعة الصهيونية المكتب لدراسة قانونية مشروع إنشاء وطن قومي لليهود في أوغندا.
كانت الحركة من القوميين اليهود العلمانيين لم يلجأوا إلى التراث التوراتي، بل تعاطفوا وجمعوا في أدبياتهم حركات الاستقلال وخصوصا الحركة العربية بزعامة فيصل.
خرج لويد جورج من اجتماع 9 نوفمبر ليلتقي على الغداء بوزير مصلحة الحكومات المحلية، هيربرت صمويل (1870 - 1963) - وزير مالية ثم داخلية في حكومات متعاقبة - وكان من العقول المخططة في الحركة الصهيونية، أخبره لويد بدعمه لفكرة تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين.
وبعد الغداء قدم صمويل الفكرة بالتفصيل لوزير الخارجية السير إدوار غراي (1862 - 1933) وكان صمويل المحرك الرئيس لدفع بلفور لوعده الشهير.
في إقناعه لغراي ركز صمويل على مسألة المصالح الإمبراطورية، ويقول في مذكراته: «ذكرت (لغراي) نقطتين جوهريتين: أن الدولة اليهودية (كموقع له أهميته للإمبراطورية البريطانية) يجب أن تكون منطقة محايدة (كسويسرا) لكونها أصغر وأضعف من الدفاع عن نفسها، وثانيا ضمان حرية المرور المطلقة للحجاج المسيحيين»... ويضيف صمويل: «بعد ضم فرنسا إلى سوريا، من الضرورة أن تقع فلسطين تحت سيطرة قوة أوروبية وليس النفوذ التركي».
في الليلة نفسها أعلن رئيس الوزراء اسكويث أن تفكيك الإمبراطورية العثمانية هو هدف استراتيجي من الحرب. بعد شهرين، وفي يناير (كانون الثاني) 195، قدم صمويل «المذكرة الصهيونية» بعنوان «مستقبل فلسطين» لمجلس الوزراء. وفي لقاء آخر مع غراي عدل الرجلان المذكرة وأعادا تقديمها لحكومة اسكويث.
عشية سفر سايكس إلى بتروغراد للقاء وزير خارجية روسيا سازونوف (27 فبراير 1916) قدم صمويل الخطة المفصلة إلى سايكس في شكل مذكرة مكتوبة. يقول سايكس في مذكراته إنه اتخذ قرارا حذرا حفظ التفاصيل في الذاكرة وحرق ورقتي المذكرة.
اقترح سايكس على صمويل أن تتولى بلجيكا إدارة فلسطين، ويكون الأمر أكثر قبولا لفرنسا بدلا من فكرة التدويل. وكتب سايكس بخط يده على الحدود المقترحة لفلسطين على حدود الخريطة المقترحة في المذكرة «باستثناء مناطق الخليل وشرق نهر الأردن (من الوطن اليهودي) تختصر مشكلات الجدل مع المسلمين إلى منطقة مسجد عمر، وتجنب التعامل مع البدو الذين نادرا ما يعبرون النهر إلا لضرورات عملية». ورغم غياب الاسم لا بد أن المذكرة كانت موجهة إلى صمويل، فقد حملت ملحوظة بخط سايكس على هامش الخريطة «تصوري أن مبادئ أهداف الحركة القومية الصهيونية هي مركز للوجود القومي أكثر منه رسم حدود أو مساحة لأراضي (هذا الوجود)... وفور عودتي سأوافيك بما جرى التوصل إليه في ب.د. (يقصد بتروغراد)».
الملاحظ أن إسرائيل، منذ إعلان الاستقلال بعد قرار التقسيم وحتى اليوم، لم تحدد حدود الدولة اليهودية بشكل نهائي، فهل كانت نصيحة مستقبلية من صمويل؟

* مارك سايكس البريطاني.. وجورج بيكو الفرنسي
* السير مارك سايكس بريطاني ولد 16 مارس (آذار) 1879 وتوفي 16 فبراير 1919 في باريس بالإنفلونزا الإسبانية، كان أرستقراطيا خلف أباه عام 1913 البارون السادس لمقاطعة تفوق مساحة ضيعاتها 120 كيلومترا مربعا في مقاطعة يوركشير. التحق بالجيش بعد تخرجه وتخرج من جامعة كمبردج العريقة عام 1897. ومثل السير ونستون تشيرشيل، شارك سايكس في حرب البوير في جنوب أفريقيا (1899 - 1902). تحدث العربية والتركية والفرنسية وكتب بها، وأهم كتبه «دار الإسلام» و«رحلة في الولايات العثمانية الخمس». لقيت مذكرات الرحالة رواجا ولعبت دورها، كتحليل سياسي وتاريخي اجتماعي ثقافي، في رسم السياسة الخارجية لبريطانيا.
مقابل سايكس البريطاني، كان فرنسوا جورج بيكو (1870 - 1951) ابن المؤرخ الفرنسي جورج بيكو، وكان من مخططي ومنفذي السياسة الفرنسية في مطلع القرن العشرين، وتطورت حماية المسيحيين إلى بسط النفوذ مشروع تقسيم غنائم الحرب العالمية.

* كتب ومؤلفات رسمت سياسات الدول
* كتاب تشيرشيل عن تأمين الطاقة لسفن الأسطول بعد أن استبدل بمحركات سفن الأسطول من الفحم محركات البترول (1907 - 1911)، ومصدره آبار تكساس معطية قوة للأميركيين. وخطط تشيرشيل، لضمان البترول بأولوية التحالف مع العرب. كما كان لكتاب ومراسلات مستشارة وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط غرترود بل (1868 - 1926)، وكانت حليفة لسايكس، تأثيره. وكان سايكس صديقا لسير بيرسي كوكس (1864 - 1937) المعتمد البريطاني للخليج، ثم مندوبا ساميا في العراق بعد تولي الملك فيصل (1885 - 1933) المملكة في العشرينات من القرن الماضي.
ومن مؤلفات سايكس أيضا «الإرث الأخير للخليفة: دليل قصير لتاريخ إمبراطورية الأتراك» عام 1915، وكان الكتاب مرشدا للمستثمرين والرحالة والدبلوماسيين.
كان سايكس تلميذا نجيبا للورد هيربرت كيتشنر (180 - 1916) أشهر ضباط الإمبراطورية، ثم القنصل العام في مصر قبل أن يصبح وزير الحربية الذي قام بحملة تجنيد وأسس جيشا قويا عند نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914. عين كيتشنر سايكس مستشارا لشؤون الشرق الأوسط لمجلس الوزراء الذي ترأسه اللورد هيربرت هنري اسكويث كزعيم حكومة الليبراليين (1908 - 1916).
وبجانب معرفته لغويا وثقافيا بالمنطقة، عمل سايكس ملحقا سياسيا في السفارة البريطانية في إسطنبول، قبل أن ينتخب عضوا في مجلس العموم عام 1911 عن دائرة هل.
وفكر سايكس، مثل تشيرشيل واللورد كيرزون واللورد اسكويث بعقلية إمبراطورية، إلا أنه في مطلع الحرب العالمية الأولى ركز تعاطفه مع الأقليات العرقية والعرب وكفاحهم للاستقلال ومع حق تقرير المصير، كما تعاطف مع اليهود الشرقيين.
مال إلى فكرة الكونفدراليات داخل مملكة موحدة، كمشروع الأمير فيصل مع الشريف حسين أثناء الثورة العربية والاتفاق بينه وبين توماس إدوارد لورانس (1888 - 1935) المعروف بلورانس العرب. وكان لورنس قال في مذكراته، وكتابه «أعمدة الحكمة السبعة» إن ساسة لندن لم يعلموه بمفاوضات دائرة موازية لتحديد مستقبل العرب في المنطقة. في الوقت نفسه لم يكن سايكس على دراية بالمراسلات بين مكتب القاهرة المعروفة بمراسلات الشريف حسين - ماكماهون (هنري ماكماهون 1862 - 1949 المندوب السامي البريطاني في القاهرة) أثناء الثورة العربية وفترة الحرب الأولى.
وحسب «أوراق سايكس» المنشورة في 1919، ووثائق نشرتها الحكومة عام 1923، لم يعلم سايكس بمدى عمق وشمولية مراسلات ماكماهون حتى زيارته للحجاز عام 1917 مع جورج بيكو. ثم في 1992 (بعد 75 عاما) أفرجت الخارجية البريطانية عن وثائق بينها مذكرة من سايكس - ومذكرة أخرى للجنرال إدموند اللنبي (1861 - 1936) حول ازدواجية ساسة لندن المناقضة للوعد الذي قطعه بمحدودية الوجود البريطاني العسكري، لفيصل عام 1914 - سايكس غضب لعدم علمه بتفاصيل مراسلات مكتب القاهرة وبدأت في 14 يوليو (تموز) 1915 وآخرها 30 يناير 1916 إلى الشريف حسين بوعود قاطعة بدعم بريطانيا لعرب الحجاز في الثورة ضد الإمبراطورية العثمانية والاعتراف الكامل باستقلال العرب. وهو ما يناقض تقسيم سايكس - بيكو.
مراسلات حسين - ماكماهون تبادلت الجدل بشأن حقوق العرقيات غير العربية في لواءات الإسكندرون وحلب وجبل لبنان وحمص وحماه ودمشق. وقال ماكماهون: «لا يمكن اعتبار هذه اللواءات عربية لأن السكان العرب فيها أقلية»، وكان ماكماهون يقصد الدروز والموارنة والأرمن والأكراد.
أوراق وزير الخارجية اللورد كيرزون (1859 - 1925) حذرت من منح وعود أو عقد اتفاقيات يناقض جوهرها بروتوكولات جبل لبنان، وهي سلسة اتفاقيات بين العثمانيين والقوى الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، روسيا، النمسا، بروسيا - ألمانيا فيما بعد)، امتدادا للوعود النابوليونة بحماية المسيحيين في الشرق.

* الدور الروسي
لا توجد وثائق (منشورة حتى الآن) عن موقف الروس من مشروع الوطن القومي في فلسطين، لكن كان الاتحاد السوفياتي أول دولة تعترف بإسرائيل «du jour»، أي قانونيا، بعد 48 ساعة من بعد إعلان بن غوريون (1866 - 1973) استقلالها في 15 مايو 1948 (واشنطن اعترفت بالإدارة الواقعية)، وتفسير الشيوعيين العرب أن موسكو اعترفت بدولتين: إسرائيل وفلسطين، لكن الجامعة العربية، بزعامة مصر ونفوذ بريطانيا، لم تدعم الفلسطينيين لإقامة دولتهم (على مساحة أكبر من المناطق اليهودية بثلثين) وخاضوا حربا خسروها وأفرزت جيل اللاجئين.
كان سايكس متعاطفا مع فكرة وطن قومي لليهود وحق تقرير المصير للطوائف الإثنية، ومؤيدي مشروع لورنس، والأمير فيصل، والجنرال اللنبي في المملكة العربية المستقلة أو كلمة فيصل «المملكة المتحدة»، ويعني قبوله لما يعرف حديثا بالحكم الذاتي الداخلي للطوائف والعرقيات لما كانت عليه لواءات الولايات العثمانية.
كان سايكس ضمن رواد فكرة ربط المصالح الإمبراطورية بأهداف الثورة العربية (الجزيرة والخليج والهلال الخصيب) مثل كوكس، وماكماهون، ولورنس، وغرترود بل، ولويد جورج، وتشيرشيل، وكانوا أيضا متحمسين لفكرة الفيدرالية العربية الكبرى -الهدف كتلة عربية حليفة موحدة منع النفوذ الأميركي من المنطقة، وبعد الثورة البلشفية منع النفوذ الشيوعي - ولعبت الدبلوماسية الإنجليزية دورا كبيرا منذ 1942 للتحالف ضد النازية، وتبلورت فكرة الجامعة العربية وعمودها الفقري محور القاهرة الرياض، بين فاروق الأول (1920 - 1965) وعبد العزيز بن سعود.
«سايكس - بيكو» لا تزال تؤثر حتى اليوم.. من بين واقع ملموس من خلال الحدود المرسومة وتصورات الكثير الذين يتساءلون عن اتفاقات سرية قد تحاك لمستقبل المنطقة، بين حلفاء وخصوم.



اتهامات أوروبية لمالك منصة «إكس» بالتدخل في الانتخابات

Donald Trump ve Giorgia Meloni, cumartesi günü Mar-a-Lago'da (Reuters)
Donald Trump ve Giorgia Meloni, cumartesi günü Mar-a-Lago'da (Reuters)
TT

اتهامات أوروبية لمالك منصة «إكس» بالتدخل في الانتخابات

Donald Trump ve Giorgia Meloni, cumartesi günü Mar-a-Lago'da (Reuters)
Donald Trump ve Giorgia Meloni, cumartesi günü Mar-a-Lago'da (Reuters)

يعوّل الكثير من قادة الاتحاد الأوروبي على العلاقة الخاصة التي بدا أنها تترسخ يوماً بعد يوم، بين الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني. لا، بل قد تعدّ علاقتها «الخاصة» أيضاً مع إيلون ماسك، حليف ترمب، الذي بدا أن الحكومة الإيطالية تجري محادثات مع شركته «سبيس إكس» بشأن صفقة بقيمة 1.6 مليار دولار تتعلق بخدمة الإنترنت «ستارلينك»، مدخلاً لتخفيف التوتر الذي بلغ أقصاه في الأيام الأخيرة، بعد تبادله الاتهامات والانتقادات مع الكثير من القادة الأوروبيين.

ترمب وميلوني في صورة جمعتهما مع المرشّحين لمنصب وزير الخزانة سكوت بيسنت (يسار) ووزير الخارجية ماركو روبيو في مارالاغو السبت (إ.ب.أ)

ترمب وميلوني

ترمب كان التقى ميلوني، قبل يوم من تصديق الكونغرس الأميركي على فوزه في الانتخابات، لإجراء محادثات غير رسمية. وهو ما عدَّه المراقبون تأكيداً للتوقعات واسعة النطاق، بأن الزعيمة الإيطالية اليمينية المتشددة ستكون جزءاً لا يتجزأ من علاقة الاتحاد الأوروبي بالبيت الأبيض بعد تولي ترمب منصبه في 20 يناير (كانون الثاني). ووصف ترمب ميلوني، بعد محادثاتهما، بأنها «امرأة رائعة اجتاحت أوروبا حقاً».

ورغم أن علاقتها بترمب، قد تطورت في الواقع على خلفية معتقداتهما الشعبوية اليمينية، لكن مما لا شك فيه أن علاقتها بالملياردير ماسك، الذي بات يلعب دوراً كبيراً بعد اندماجه بحركة «ماغا» (لنجعل أميركا عظيمة)، قد تمكنها من ترسيخ علاقتها مستقبلاً بالحركة التي بناها ترمب، وباتت تفيض خارج الولايات المتحدة.

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب والملياردير إيلون ماسك (أ.ب)

جسر دبلوماسي

وفي الواقع، لم يتمكن سوى عدد قليل من القادة الأوروبيين من كسب مثل هذا الود لدى ترمب، مثل ميلوني، حيث يتوقع أن تلعب دور «جسر دبلوماسي» بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بحسب الكثير من وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية. وأضافت أن ميلوني، التي طوّرت ملفاً آيديولوجيا «غامضاً استراتيجياً»، فاجأت منتقديها بتطوير علاقات دافئة مع قادة أوروبيين أكثر وسطية، بما في ذلك رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. في المقابل، فإن هذا الغموض يضع ميلوني في وضع جيد لجلب «الترمبية» إلى أوروبا مع تحول القارة نحو اليمين على أي حال، كما زعم كاتب عمود في صحيفة «نيويورك تايمز».

إيلون ماسك (رويترز)

ومع ذلك، تواجه ميلوني مهمة موازنة علاقاتها الأميركية، مع القضايا الاقتصادية التي تهم إيطاليا. فهي لا تستطيع تحمل إبعاد حلفاء الاتحاد الأوروبي من خلال الميل إلى اليمين كثيراً، على حساب مصالح البلاد. ويزعم منتقدوها، سواء في إيطاليا أو في بروكسل، عاصمة الاتحاد الأوروبي، أن صفقة «ستارلينك» المقترحة، ستجعل روما تعتمد بشكل مفرط على إيلون ماسك. وذكر موقع «بوليتيكو» أن أحد الأعضاء الألمان التقدميين في البرلمان الأوروبي، كتب قائلاً إن الصفقة المقترحة، «تسلم الحكومة الإيطالية والدفاع والاتصالات العسكرية إلى فاشي بدائي لا يمكن التنبؤ به». إن صداقة ميلوني الواضحة مع ماسك تتعارض بشكل متزايد مع الطريقة التي ينظر بها القادة الأوروبيون الآخرون إليه.

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم بقصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

تحذيرات واتهامات

في الأيام الأخيرة ومع تصاعد نفوذه بشكل كبير في السياسة الأميركية، وسعيه للتأثير على الخارج، عبر انتقاده عدداً من زعماء العالم من خلال منصته «إكس» ذات التأثير الكبير، اتهم القادة الألمان والفرنسيون والبريطانيون ماسك بالتدخل السياسي وحتى التدخل في الانتخابات.

وأدان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الاثنين، ما عدّه «الأكاذيب والمعلومات المضللة» التي قال إنها تقوض الديمقراطية في المملكة المتحدة؛ وذلك رداً على سيل من الهجمات التي وجهها ماسك لحكومته، مقترحاً سجن ستارمر، ومتسائلاً عما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة «تحرير» حليفتها.

وحث بعض كبار الساسة من الأحزاب السياسية في المملكة المتحدة حلفاء ترمب بشكل خاص على إعادة التفكير في علاقته بإيلون ماسك بعد تعليقاته هذا الأسبوع، حسبما ذكرت وكالة «بلومبرغ».

وتساءل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب أمام السفراء الفرنسيين عمن كان ليتخيل قبل عقد من الزمان «أن مالك إحدى أكبر الشبكات الاجتماعية في العالم سيدعم حركة رجعية دولية جديدة ويتدخل مباشرة في الانتخابات». لم يذكر ماكرون، الذي كانت تربطه في الماضي علاقة مع ماسك بالاسم، لكن كان واضحاً من هو المقصود.

ماكرون وترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عند اجتماعهم في قصر الإليزيه مساء 7 ديسمبر الحالي (رويترز)

ابتعد عن ديمقراطيتنا

وقوبلت تعليقات ماسك بغضب من الزعماء الألمان، حيث اتهمته برلين بمحاولة التأثير على الانتخابات المبكرة في البلاد الشهر المقبل في تعليقه على منصته، ومقال رأي كتبه يشيد بحزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني المتشدد.

وقال المستشار الألماني أولاف شولتز إنه يظل «هادئاً» وسط انتقادات شخصية من ماسك، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، لكنه يجد أن «أكثر ما يثير القلق» أن ماسك خاض في السياسة الألمانية من خلال «دعم حزب مثل حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي هو في أجزاء متطرف يميني، ويدعو إلى التقارب مع روسيا بوتن ويريد إضعاف العلاقات عبر الأطلسي».

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (رويترز)

وحذَّر روبرت هابيك، مرشح حزب الخضر الألماني لمنصب المستشار، ماسك من التدخل في سياسة البلاد، قائلاً له: «سيد ماسك، ابتعد عن ديمقراطيتنا».

بدوره، قال رئيس الوزراء النرويجي يوناس جار ستور، الاثنين، إن «هذه ليست الطريقة التي ينبغي أن تكون عليها الأمور بين الديمقراطيات والحلفاء»، حسبما ذكرت وكالة «رويترز». وقال إنه «يجد من المقلق أن يتورط رجل يتمتع بإمكانية وصول هائلة إلى وسائل التواصل الاجتماعي وموارد اقتصادية ضخمة في الشؤون الداخلية لدول أخرى بشكل مباشر».