تراجع التأييد الأوروبي لاتفاق الهجرة الدولية

الأمم المتحدة تعزو الأسباب لضغوط التيار اليميني المتطرف

لويز أربور الممثلة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون الهجرة الدولية تلقي خطابا حول الهجرة والنمو في مراكش أمس (أ.ف.ب)
لويز أربور الممثلة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون الهجرة الدولية تلقي خطابا حول الهجرة والنمو في مراكش أمس (أ.ف.ب)
TT

تراجع التأييد الأوروبي لاتفاق الهجرة الدولية

لويز أربور الممثلة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون الهجرة الدولية تلقي خطابا حول الهجرة والنمو في مراكش أمس (أ.ف.ب)
لويز أربور الممثلة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون الهجرة الدولية تلقي خطابا حول الهجرة والنمو في مراكش أمس (أ.ف.ب)

أصدرت منظمة الصليب الأحمر الدولية تقريراً قبل أسبوع من اجتماع حول الهجرة الدولية تستضيفه مدينة مراكش المغربية خلال الفترة من 10 إلى 11 من الشهر الحالي؛ بهدف اعتماد اتفاق دولي لمساعدة مئات الآلاف من المهاجرين القصّر الذين يهاجرون بمفردهم، والذين يتعرضون لمخاطر الاعتداءات الجنسية والاتجار بالبشر. وعلى الرغم من أن الاتفاق ليس ملزماً من الناحية القانونية، ويحدد حق كل دولة في حراسة حدودها، فإن معظم الدول ترفضه، بدعوى المخاوف من تأثيره على السياسات الداخلية الخاصة بها بشأن الهجرة. إلى أن الاتفاق في مجمله يعد رمزياً، ولن تكون ثمة عواقب للتصديق على الاتفاق في مؤتمر مراكش أو لعدم التصديق عليه، فيمكن للدول دائماً أن تقوم بذلك في مرحلة لاحقة.
وعلى الرغم من أن رفض الاتفاق كان حتى الآن صاخباً، فإن عدداً صغيراً من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة الذين يبلغ عددها 193 دولة، هو الذي هدد بالانسحاب منه. ولم تتضح بعد قائمة الدول التي ستشارك في اجتماع مراكش، حيث لم تخبر بعض الدول الأمم المتحدة عما إذا كانت ستحضر أم لا، وذلك وفقاً لما قاله ستيفان ديوريتش، المتحدث باسم الأمم المتحدة. وأضاف: إن دولاً أخرى أعلنت أنها لن توقع على وثيقة الاتفاق، بينما لا يوجد في الحقيقة أي مراسم للتوقيع. وفي تصريحات للصحافيين أوضح ديوريتش: «أعتقد أنه من المهم التذكير مرة تلو الأخرى، بأن هذا الاتفاق ليس وثيقة قانونية ملزمة، إنها ليست ملزمة، وإنما هي وسيلة استرشادية للدول حول كيفية إدارة عملية الهجرة». وتابع: «وهو أيضاً لن يذهب إلى آخر مدى».
وكانت قد وضعت وثيقة الاتفاق، التي تفاوضت بشأنها الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة (باستثناء الولايات المتحدة) على مدى شهور كثيرة، وتقع في 34 صفحة، 23 هدفاً لكفالة «الهجرة المنظمة والمنتظمة الآمنة»، بما في ذلك توفير الحماية للمهاجرين من الاستغلال وانتهاكات حقوق الإنسان.
وعندما توصلت دول العالم في يوليو (تموز) الماضي إلى إطار نهائي حول الهجرة الدولية، وصفت الأمم المتحدة هذا الاتفاق بأنه لحظة تاريخية. وكان غياب الولايات المتحدة ملحوظاً عند التوصل إلى هذا الاتفاق، غير أن ميروسلاف لايتشاك، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة وقتذاك، تمكن من الاحتفاظ بجو من المشاعر الإيجابية، قائلاً، كما جاء في تقرير الوكالة الألمانية في تحقيقها من نيويورك: إن الأمم المتحدة ستترك «الباب مفتوحاً أمام عودة الولايات المتحدة». وتهدد بعض الدول في الوقت الحالي بالخروج من ذلك الباب المفتوح نفسه، والانسحاب من الاتفاقية فيما وصفته لويز أربور، الممثلة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون الهجرة الدولية، بأنه حالة تبدو مثل «مشاعر الندم لدى المشتري في صفقة خاسرة».
وكانت واشنطن قد ذكرت منذ نحو عام، أن الاتفاق «لا يتماشى مع السياسات الأميركية الخاصة بالهجرة واللجوء»، بينما قالت أستراليا «إن الاتفاق سيشجع الدخول غير القانوني إلى أراضيها». غير أن أربور تقول: إن معارضة الاتفاق «ليست هي محور الموضوع»، مضيفة: إن الاتفاق ليس تصديقاً على الهجرة في حد ذاتها، لكنه اعتراف بأن انتقال الأشخاص لن يتوقف، ومن ثم فهناك حاجة إلى التعاون لإدارته». وتابعت أربور: «إن الهجرة مجرد شيء، وهي ليست شيئاً سيئاً أو جيداً، لكنها مجرد شيء». وشنّت الحكومة المجرية بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوروبان المعادي بشدة للهجرة، حملة متواصلة ضد الاتفاق، ووصفه وزير خارجيته بيتر سيزيجارتو بأنه يمثل «تهديداً للعالم». وفي دول أوروبية أخرى أعربت الحكومات التي يسودها التيار المحافظ في كل من النمسا، وإيطاليا، وبلغاريا، وكرواتيا، وسلوفاكيا، وجمهورية التشيك، وبولندا، وسويسرا، عن تشككها في إمكانية المشاركة في هذا الاتفاق.
وتقدم رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة السابق لايتشاك باستقالته من منصبه الذي تولاه مؤخراً وهو وزير خارجية سلوفاكيا، بعد أن صوتت حكومة بلاده على قرار بإدانة الاتفاق، واتهم لايتشاك أعضاء حكومته بأنهم خضعوا لضغوط التيار اليميني المتطرف الشعبوي. أما نائب رئيس الوزراء الإيطالي وزير الداخلية ماتيو سالفيني، وهو زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف الذي يتخذ موقفاً متشدداً معارضاً للهجرة، فقال: إن هذا الاتفاق يضع «المهاجرين الاقتصاديين على نفس مستوى اللاجئين السياسيين».
من هنا، يدور السؤال حول ما إذا كان هذا التحول المفاجئ في الموقف يمثل انعكاساً لتصاعد المد الشعبوي في أنحاء القارة الأوروبية؟ وعلى الرغم من الانخفاض الحاد في أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى السواحل الأوروبية منذ أزمة تصاعد أعدادهم خلال عامي 2015 و2106، عندما وصل أكثر من مليون شخص إلى أوروبا، فإن سياسة الهجرة تمثل أولوية قصوى في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، وشهدت دول مثل إيطاليا والنمسا صعود حكومات يمينية مناهضة للهجرة إلى السلطة.
وقال خبير شؤون الهجرة ماتيو فيلا، وهو باحث زميل بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية: إن وسائل التواصل الاجتماعي وحملات التضليل الإعلامي السياسية، أثارت المخاوف خلال الأشهر الأخيرة من أن الهجرة لا يمكن السيطرة عليها أو إدارتها، وأوحت بأن الاتفاق ينطوي على أثر قانوني يتجاوز السياسات الداخلية للدول إزاء الهجرة.
وأوضح فيلا في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، أنه من المرجح أن يكون توقيت تغيير الدول لرأيها إزاء الاتفاق، يرجع إلى أنه قبل التوصل إلى إطار الاتفاق في يوليو الماضي، لم تكن هناك معلومات متاحة للجمهور حول وثيقة الاتفاق ولم ينشر نص محدد يمكن الاعتراض عليه. وأضاف: إنه منذ ذلك الحين استغل زعماء التيار الشعبوي والنشطاء الاتفاق، باعتباره «ذريعة مثالية» للمناورات الداخلية للأحزاب والائتلافات السياسية بشأن الهجرة في كثير من الدول الأوروبية. وفي المرحلة السابقة لتبني الاتفاق أولى مسؤولو الأمم المتحدة عناية خاصة لضمان عدم إساءة عرض تفاصيل الاتفاق، وربما كان ذلك في مسعى لمناهضة الروايات الزائفة حول تأثيره.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تطلب 4.2 مليار دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان

شمال افريقيا لاجئون سودانيون في تشاد يوم 6 أكتوبر 2024 (أ.ب)

الأمم المتحدة تطلب 4.2 مليار دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان

أطلقت الأمم المتحدة خطة لمواجهة الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً في السودان، خلال العام الجديد، تتطلب توفير 4.2 مليار دولار، لتلبية طلبات 21 مليون سوداني.

أحمد يونس (كمبالا)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون الأضرار بعد قصف إسرائيلي على مستشفى الوفاء وسط الحرب بقطاع غزة (رويترز)

الأمم المتحدة: الهجمات الإسرائيلية على مستشفيات غزة قد تشكل جرائم حرب

كشفت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان اليوم (الثلاثاء) أن الهجمات الإسرائيلية على المستشفيات في قطاع غزة قد تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي مسعفون بالقرب من مستشفى «كمال عدوان» في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة (أرشيفية- أ.ف.ب)

تقرير أممي: مستشفيات غزة صارت «مصيدة للموت»

قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إن نمط الاعتداءات الإسرائيلية المميتة على مستشفيات غزة، دفع بنظام الرعاية الصحية إلى شفير الانهيار التام.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون موقع غارة إسرائيلية على مستشفى «الوفاء» حسب الدفاع المدني الفلسطيني وسط الصراع المستمر بين إسرائيل و«حماس» في مدينة غزة 29 ديسمبر 2024 (رويترز)

الأمم المتحدة: النظام الصحي في غزة «على شفير الانهيار التام»

خلص تقرير للأمم المتحدة نُشر الثلاثاء، إلى أن الضربات الإسرائيلية على المستشفيات أو قربها في قطاع غزة تركا النظام الصحي في القطاع الفلسطيني على حافة الانهيار.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
بيئة منطقة سكنية غارقة بالمياه جرّاء فيضان في بتروبافل بكازاخستان 13 أبريل (رويترز)

الأمم المتحدة: التغير المناخي تسبّب في ظواهر مناخية قصوى عام 2024

أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن التغير المناخي تسبّب في أحوال جوية قصوى وحرارة قياسية خلال عام 2024، داعيةً العالم إلى التخلي عن «المسار نحو الهلاك».

«الشرق الأوسط» (جنيف)

الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
TT

الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)

فرضت الصين عقوبات على 10 شركات دفاعية أميركية، اليوم (الخميس)، على خلفية بيع أسلحة إلى تايوان، في ثاني حزمة من نوعها في أقل من أسبوع تستهدف شركات أميركية.

وأعلنت وزارة التجارة الصينية، الخميس، أن فروعاً لـ«لوكهيد مارتن» و«جنرال داينامكس» و«رايثيون» شاركت في بيع أسلحة إلى تايوان، وأُدرجت على «قائمة الكيانات التي لا يمكن الوثوق بها».

وستُمنع من القيام بأنشطة استيراد وتصدير أو القيام باستثمارات جديدة في الصين، بينما سيحظر على كبار مديريها دخول البلاد، بحسب الوزارة.

أعلنت الصين، الجمعة، عن عقوبات على سبع شركات أميركية للصناعات العسكرية، من بينها «إنستيو» وهي فرع لـ«بوينغ»، على خلفية المساعدات العسكرية الأميركية لتايوان أيضاً، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

مركبات عسكرية تايوانية مجهزة بصواريخ «TOW 2A» أميركية الصنع خلال تدريب على إطلاق النار الحي في بينغتونغ بتايوان 3 يوليو 2023 (رويترز)

وتعد الجزيرة مصدر خلافات رئيسي بين بكين وواشنطن. حيث تعد الصين أن تايوان جزء من أراضيها، وقالت إنها لن تستبعد استخدام القوة للسيطرة عليها. ورغم أن واشنطن لا تعترف بالجزيرة الديمقراطية دبلوماسياً فإنها حليفتها الاستراتيجية وأكبر مزود لها بالسلاح.

وفي ديسمبر (كانون الأول)، وافق الرئيس الأميركي، جو بايدن، على تقديم مبلغ (571.3) مليون دولار، مساعدات عسكرية لتايوان.

وعدَّت الخارجية الصينية أن هذه الخطوات تمثّل «تدخلاً في شؤون الصين الداخلية وتقوض سيادة الصين وسلامة أراضيها».

كثفت الصين الضغوط على تايوان في السنوات الأخيرة، وأجرت مناورات عسكرية كبيرة ثلاث مرات منذ وصل الرئيس لاي تشينغ تي إلى السلطة في مايو (أيار).

سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني تبحر بالقرب من جزيرة بينغتان بمقاطعة فوجيان الصينية 5 أغسطس 2022 (رويترز)

وأضافت وزارة التجارة الصينية، الخميس، 28 كياناً أميركياً آخر، معظمها شركات دفاع، إلى «قائمة الضوابط على التصدير» التابعة لها، ما يعني حظر تصدير المعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى هذه الجهات.

وكانت شركات «جنرال داينامكس» و«شركة لوكهيد مارتن» و«بيونغ للدفاع والفضاء والأمن» من بين الكيانات المدرجة على تلك القائمة بهدف «حماية الأمن والمصالح القومية والإيفاء بالتزامات دولية على غرار عدم انتشار الأسلحة»، بحسب الوزارة.