روبير أبي نادر... مصمم يعشق الغرابة ويتشبث بالجذور

روبير أبي نادر... مصمم يعشق الغرابة ويتشبث بالجذور
TT

روبير أبي نادر... مصمم يعشق الغرابة ويتشبث بالجذور

روبير أبي نادر... مصمم يعشق الغرابة ويتشبث بالجذور

آفاق التصاميم لا حدود لها مع اللبناني روبير أبي نادر؛ فهو منفتح على كل جديد يمكن أن يخدم عشقه الأناقة الخارجة عن المألوف. وفي مجموعته الأخيرة من الـ«هوت كوتير»، التي أطلقها في أسبوع الموضة في روما، برزت ملامح حبّه هذا الذي رافقه منذ كان في 12 من عمره يراقب طريقة والدته في اختيار أزيائها. «لقد تأثرت بها كثيراً، ولا سيما أسلوبها الراقي والبسيط في آن واحد». ويتابع المصمم لـ«الشرق الأوسط»: «كانت تعشق الموضة وتشرف على خياطة أزيائها بنفسها، فتشربت منها هذا، ولا سيما أني كنت مرافقها الدائم في مشاويرها تلك».
في مجموعته «ميمو» لخريف وشتاء 2018 و2019، طبّق روبير أبي نادر القول بالفعل، فاستخدم البلاستيك والكاوتشوك في تصاميمه الملونة بالأبيض والزهري والعاجي. ولم ينس وضع لمسته العابقة بالفن عندما أضاف النايلون إلى تصميم فستان سهرة، في حين نبض تصميم فستان الزفاف في هذه المجموعة بحيوية ألوان جمع فيها ما بين الزهري المائل إلى البيج والأبيض السكري واللؤلؤي. يشرح: «لقد استغرق مني نحو 300 ساعة من العمل اليومي، خصوصاً أن طول طرحته يصل إلى 8 أمتار ومشغولة يدوياً». وعن خطة العمل التي يتبعها في مجموعاته، يقول: «أبحث دائماً عن التجدد، وأخاف الوقوع في التكرار؛ لذلك ألجأ إلى مواد جديدة تؤلف عناصر تصاميمي. قد تكون غريبة بعض الشيء، لكنها ترتكز على الأناقة البسيطة والعملية». ويتابع أبي نادر، الذي كانت ستائر المطبخ أول مادة خام يستعملها لتصميم تنورة لوالدته: «أذكر يومها ردة فعلها. لم تتقبلها وأنّبتني على عملي هذا، لكنها احتفظت بالتصميم في خزانتها إلى حين رحيلها عن هذه الدنيا».
يهوى أبي نادر العمل بالأقمشة الخفيفة الوزن؛ وهو ما أظهره في مجموعته «ميمو» التي حملت هذا الاسم تحيةً منه لأحد أصدقائه المقربين، الذي سانده منذ بداية مشواره المهني.
«أحب الـ(أورغانزا) و(الغزار)؛ فهي من أنواع القماش الجامدة وغير السميكة في الوقت نفسه؛ الأمر الذي يسمح لي بتحريرها من الكلاسيكية». أهم ما يميز تصاميمه في هذه التشكيلة تداخل المواد الغريبة بالأقمشة المترفة لإنتاج خطّ هو مزيد بين الأنثوي والراقي الجريء. ورغم أنه استعان بـ«أورغانزا الحرير» و«تول الحرير» والموسلين؛ لما تعينه له من فخامة، فإنه لم يلجأ إلى التطريز كثيراً، واكتفى بالتصميم المميز، تاركاً المجال لهذه الأقمشة لتبرُز بشكل جيد. فقد تصور الدانتيل مثلاً، وحسب ما قاله «كوشم يزين جسم صاحبته برسوماته المنمنمة، وبالتالي لا يحتاج إلى مزيد من التفاصيل أو المبالغة».
ومن المصممين المعاصرين، يبدي روبير إعجابه بالفرنسي ستيفان رولان، الذي - في رأيه - استحدث أسلوباً جديداً، كما تلفته أعمال دار «بالمان» الأخيرة. لكن مع جون غاليانو وجون بول غوتييه يعيش الإبداع بأجمل تجلياته؛ فهو هنا يتحول إلى مغامرة مثيرة. «ما لا أحبه في تصاميم بعض الشباب في لبنان أسلوب التقليد والنسخ الذي يتبعونه. كنت أتمنى لو يستحدثوا أسلوباً يميزهم، ويثبت هويتهم الحقيقية».
لكنه لا ينكر في الوقت ذاته الصعوبات التي يواجهها مصممو اليوم للحفاظ على استمراريتهم. ف«خزانة المرأة حالياً لا تشبه تلك التي نعرفها في التسعينات وما قبلها، ومتطلباتها أيضاً تغيرت نظراً لتغير إيقاع الحياة؛ لذلك أبحث دائماً عن الجديد الكلاسيكي الذي يمكن أن تستفيد منه لفترات طويلة دون أن تشعر بالملل. فعندما أبدأ في التصميم، أتخيل امرأة أنيقة تتمتع بإطلالة مميزة، صحيح أنني لا أعرفها، لكنها تكون ملهمتي إلى حين انتهائي من عملي».
إلى جانب حبه للغرابة، يعطي روبير أبي نادر أهمية للخياطة والخيط، معلقاً: «لا يمكن أن ينجح مصمم الأزياء إذا كان غير ملمّ بمهنة الخياطة. فإن تعمل على الأرض لا يشبه بتاتاً ما ترسمه على الورق؛ ذلك أن للخيوط لغتها أيضاً. أحياناً ألجأ إلى أنواع قديمة راجت في قرون سابقة؛ لأنها – في رأيي - تخضع هي الأخرى للتطور من حيث موادها. يكتسب القديم منها أحياناً قيمة المجوهرات النادرة التي تزيد التصميم رونقاً وجمالاً».
يعكف حالياً المصمم على إطلاق خط خاص بالأزياء الجاهزة بعد أن اكتفى بالـ«هوت كوتير» طويلاً. السبب - حسب رأيه - أنه بإمكان المرأة أن تستفيد منها أكثر؛ نظراً لعمليتها. وأشار إلى أن «الغرابة ستكون عنوانها أيضاً، لكن من دون تعقيدات، فقد ألجأ إلى استخدام معادن معينة إلى جانب الكاوتشوك والدانتيل دون أن أتجاهل اللمسة الشرقية. كما سأطلق قسماً خاصاً بالعباءات أتوجه بها إلى فتيات من عمر 14 عاماً وما فوق؛ حتى أحافظ على جذوري».

من أعماله الأخيرة


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

الرياض تشهد عناق النجوم ببريق الترتر واللؤلؤ

سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)
سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)
TT

الرياض تشهد عناق النجوم ببريق الترتر واللؤلؤ

سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)
سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)

بعد عام تقريباً من التحضيرات، حلت ليلة 13 نوفمبر (تشرين الثاني). ليلة وعد إيلي صعب أن تكون استثنائية ووفى بالوعد. كانت ليلة التقى فيها الإبداع بكل وفنونه، وتنافس فيها بريق النجوم من أمثال مونيكا بيلوتشي، وسيلين ديون، وجينفر لوبيز، وهالي بيري ويسرا، وغيرهن مع لمعان الترتر والخرز واللؤلؤ. 300 قطعة مطرزة أو مرصعة بالأحجار، يبدو أن المصمم تعمد اختيارها ليرسل رسالة إلى عالم الموضة أن ما بدأه منذ 45 عاماً وكان صادماً لهم، أصبح مدرسة ومنهجاً يقلدونه لينالوا رضا النساء في الشرق الأوسط.

من عرض إيلي صعب في الرياض (رويترز)

لقاء الموضة بالموسيقى

كان من المتوقع أن تكون ليلة خاصة بالموضة، فهذه أولاً وأخيراً ليلة خاصة بإيلي صعب، لكنها تعدت ذلك بكثير، أبهجت الأرواح وغذَّت الحواس وأشبعت الفضول، حيث تخللتها عروض فنية ووصلات موسيقية راقصة لسيلين ديون، وجينفر لوبيز، ونانسي عجرم، وعمرو دياب وكاميلا كابيلو. غنت لوبيز ورقصت وكأنها شابة في العشرينات، ثم نانسي عجرم وعمرو دياب، واختتمت سيلين ديون الفعالية بثلاث أغنيات من أشهر أغانيها وهي تتفاعل مع الحضور بحماس. لم تقف وعكتها الصحية التي لا تزال آثارها ظاهرة عليها مبرراً لعدم المشاركة في الاحتفال بمصمم تُكنّ له كل الحب والاحترام. فإيلي صعب صديق قبل أن يكون مصمم أزياء تتعامل معه، كما قالت. يؤكد إيلي الأمر في لقاء جانبي، قائلاً: «إنها علاقة عمرها 25 عاماً».

وهذا ما جعل الحفل أشبه بأغنية حب.

هالي بيري وهي تلبس فستان الأوسكار الأيقوني نفسه الذي ارتدته عام 2002 (خاص)

هالي بيري التي ظهرت في أول العرض بالفستان الأيقوني الذي ظهرت به في عام 2002 وهي تتسلم جائزة الأوسكار بوصفها أول ممثلة سمراء، دمعت عيناها قبل العرض، وهي تعترف بأن هذه أول مرة لها في الرياض وأول مرة تقابل فيها المصمم، رغم أنها تتعامل معه منذ عقود. وأضافت أنه لم يكن من الممكن ألا تحضر المناسبة؛ نظراً للعلاقة التي تربطهما ببعض ولو عن بُعد.

يؤكد إيلي عمق هذه العلاقة الإنسانية قائلاً: «علاقتي بهالي بيري لم تبدأ في عام 2002، بل في عام 1994، حين كانت ممثلة صاعدة لا يعرفها المصممون». وأضاف ضاحكاً: «لا أنكر أن ظهورها بذلك الفستان شكَّل نقلة مهمة في مسيرتي. ويمكنني القول إنه كان فستاناً جلب الحظ لنا نحن الاثنين. فيما يخصني، فإن ظهورها به وسَّع قاعدة جمهوري لتشمل الإنسان العادي؛ إذ إنها أدخلتني ثقافة الشارع بعد أن كنت معروفاً بين النخبة أكثر». غني عن القول أن كل النجمات المشاركات من سيلين وجينفر لوبيز إلى نانسي عجرم من زبوناته المخلصات. 80 في المائة من الأزياء التي كانت تظهر بها سيلين ديون مثلاً في حفلات لاس فيغاس من تصميمه.

عرض مطرَّز بالحب والترتر

بدأ عرض الأزياء بدخول هالي بيري وهي تلبس فستان الأوسكار الأيقوني نفسه. لم يتغير تأثيره. لا يزال أنيقاً ومبتكراً وكأنه من الموسم الحالي. تلته مجموعة تقدر بـ300 قطعة، أكثر من 70 في المائة منها جديدة لخريف وشتاء 2025 ونسبة أخرى من الأرشيف، لكنها كلها كانت تلمع تطريزاً وترصيعاً إما بالترتر والخرز أو اللؤلؤ. فالتطريز لغة أتقنها جيداً وباعها للعالم. استهجنها المصممون في البداية، وهو ما كان يمكن أن يُحبط أي مصمم صاعد يحلم بأن يحفر لنفسه مكانة بين الكبار، إلا أنه ظل صامداً ومتحدياً. هذا التحدي كان واضحاً في اختياراته لليلته «1001 موسم من إيلي صعب» أيضاً بالنظر إلى كمية البريق فيها.

ساهمت في تنسيق العرض كارين روتفيلد، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» النسخة الفرنسية سابقاً، والمعروفة بنظرتها الفنية الجريئة. كان واضحاً أنها تُقدّر أهمية ما كان مطلوباً منها. فهذه احتفالية يجب أن تعكس نجاحات مسيرة عمرها 45 عاماً لمصمم وضع صناعة الموضة العربية على الخريطة العالمية. اختير لها عنوان «1001 موسم من إيلي صعب» لتستعرض قوة المصمم الإبداعية والسردية. قال إنه استوحى تفاصيلها من عالم ألف ليلة وليلة. لكن حرص أن تكون اندماجاً بين التراث العربي والابتكار العصري. فكل تصميم كانت له قصة أو يسجل لمرحلة كان لها أثر على مسيرته، وبالتالي فإن تقسيم العرض إلى مجموعات متنوعة لم يكن لمجرد إعطاء كل نجمة مساحة للغناء والأداء. كل واحدة منهم عبَّرت عن امرأة تصورها إيلي في مرحلة من المراحل.

جينفر لوبيز أضفت الشباب والحيوية على العرض (خاص)

جينفر لوبيز التي ظهرت بمجموعة من أزيائه وهي ترقص وتقفز وكأنها شابة في العشرينات، كانت تمثل اهتمامه بمنح المرأة حرية الحركة، بينما كانت نانسي عجرم بفستانها الكلاسيكي المرصع بالكامل، تعبّر عن جذور المصمم اللبناني وفهمه لذوق المرأة العربية ككل، ورغبتها في أزياء مبهرة.

أما المغنية كاميلا كابيلو فجسدت شابة في مقتبل العمر ونجح في استقطابها بتقديمه أزياء مطعَّمة ببعض الجرأة تعكس ذوق بنات جيلها من دون أن تخرج عن النص الذي كتبه لوالدتها. كانت سيلين ديون، مسك الختام، وجسَّدت الأيقونة التي تمثل جانبه الإبداعي وتلك الأزياء التي لا تعترف بزمان أو مكان.

حب للرياض

بعد انتهاء العرض، وركض الضيوف إلى الكواليس لتقديم التحية والتبريكات، تتوقع أن يبدو منهكاً، لكنه كان عكس ذلك تماماً. يوزع الابتسامات على الجميع، يكرر لكل من يسأله أن أكثر ما أسعده، إلى جانب ما شعر به من حب الحضور والنجوم له، أنه أثبت للعالم «أن المنطقة العربية قادرة على التميز والإبداع، وأن ما تم تقديمه كان في المستوى الذي نحلم به جميعاً ونستحقه».

وأضاف: «أنا ممتن لهذه الفرصة التي أتاحت لي أن أبرهن للعالم أن منطقتنا خصبة ومعطاءة، وفي الوقت ذاته أن أعبّر عن حبي للرياض. فأنا لم أنس أبداً فضل زبونات السعودية عليّ عندما كنت مصمماً مبتدئاً لا يعرفني أحد. كان إمكانهن التعامل مع أي مصمم عالمي، لكن ثقتهن في كانت دافعاً قوياً لاستمراري».

سيلين ديون أداء مبهر وأناقة متألقة (خاص)

أسأله إن كان يخطر بباله وهو في البدايات، في عام 1982، أن يصبح هو نفسه أيقونة وقدوة، أو يحلم بأنه سيدخل كتب الموضة بوصفه أول مصمم من المنطقة يضع صناعة الموضة العربية على خريطة الموضة العالمية؟ لا يجيب بالكلام، لكن نظرة السعادة التي كانت تزغرد في عيونه كانت أبلغ من أي جواب، وعندما أقول له إنه مصمم محظوظ بالنظر إلى حب الناس له، يضحك ويقول من دون تردد نعم أشعر فعلاً أني محظوظ.