دمشق تلجأ إلى «دعوات الاحتياط» للسيطرة على «الخزان البشري»

قوائم بعشرات آلاف المطلوبين للالتحاق بقوات النظام

شباب في أحد شوارع دمشق خلال اقتيادهم للتجنيد (أخبار دمشق)
شباب في أحد شوارع دمشق خلال اقتيادهم للتجنيد (أخبار دمشق)
TT

دمشق تلجأ إلى «دعوات الاحتياط» للسيطرة على «الخزان البشري»

شباب في أحد شوارع دمشق خلال اقتيادهم للتجنيد (أخبار دمشق)
شباب في أحد شوارع دمشق خلال اقتيادهم للتجنيد (أخبار دمشق)

علي (مواليد 1983) من القنيطرة ويعمل في تجارة المواد الغذائية، فرّ مؤخراً من جنوب سوريا بعد تبليغه السحب للخدمة الاحتياطية، تاركاً خلفه أمه وأباه وزوجته التي لم يمض على زواجه بها أشهر.
يقول إنه وجد نفسه مضطراً إلى ترك عائلته وبلده والهروب إلى إحدى دول الجوار بعد أن وصل إليه تبليغ بالالتحاق بالخدمة الاحتياطية. عزا علي موقفه إلى أنه لا يريد الانخراط في الحرب الدائرة بالبلاد، والخوف من إلحاقه بجبهات القتال عند سوقه. في حين لم يتمكن من ذلك شاب آخر رتب أوراق سفره لمغادرة البلاد بشكل قانوني فور علمه بصدور قرار بإلغاء الدعوات الاحتياطية بأسماء المطلوبين، فحاول الحصول على إذن سفر من شعبة التجنيد في مكان إقامته، إلا إنه لم يحصل على ورقة «لا مانع من السفر»، بسبب عودة الدعوات الاحتياطية بشكل سريع ومفاجئ. ووجد آخر نفسه مساقاً إلى الخدمة العسكرية مرغماً عند وصوله إلى نقطة حدودية سورية لعودة العمل بالدعوات الاحتياطية.
تطرح قوائم الاحتياط الجديدة والتبليغات للالتحاق بالخدمة الاحتياطية في الجيش السوري عدة تساؤلات حول الآلية التي تعمل بها الجهة المسؤولة ومدى تأثيرها على القرار السابق الذي جاء مطلع الشهر الحالي بإلغاء دعوات الاحتياط في سوريا، وما كاد حبر القرار يجف حتى أعيدت القوائم إلى سابق عهدها.
يرى كثير من الشباب السوري من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عبر تعليقاتهم في صفحات موالية للنظام السوري ومهتمة بموضوع إعادة الدعوات الاحتياطية، أن هذا القرار قد فصل على مقاسات أفراد بعينهم، ومن وصفوهم، بحسب تعليقاتهم، بـ«أولاد المسؤولين بالبلد»، وذلك من أجل تهريبهم خارج البلاد بشكل قانوني في فترة إلغاء الأسماء الاحتياطية من فيش الهجرة والجوازات، وإعادتها بعد استكمال المهلة، في حين عبر آخرون عن أن قرار عودة دعوات الاحتياط بعد إلغائها، سيؤثر حتى على التحاق المطلوبين بالخدمة الإلزامية، لأنه أعاد فتح باب استمرار الخدمة و«الاحتفاظ» في الجيش لسنوات طويلة.
في جنوب سوريا وبعد سيطرة النظام السوري على المنطقة باتفاق المعارضة مع الجانب الروسي، وصلت مؤخراً إلى المنطقة الجنوبية قوائم تشمل آلاف المطلوبين للخدمة الاحتياطية في الجيش السوري، وشملت كل من كان قد أدى الخدمة الإلزامية سابقاً حتى سن الـ42.
ولاقت دعوات الاحتياط التي أرسلت إلى مناطق جنوب سوريا التي سيطر عليها النظام، مؤخراً بحسب مصادر محلية، رفضاً كبيراً بعد إلغاء هذه الدعوات قبل فترة، وتم تفسيرها بنية تفريغ المنطقة من الشباب من سن 19 إلى 42 عاما، في خطوة استباقية لعرقلة إمكانية خروج أي معارضين من داخل الوسط الشعبي، وكسب شباب المنطقة بدلا من فصائل المصالحات في المنطقة الجنوبية التي أصبحت تديرها روسيا ولا تخضع لسلطة النظام السوري الفعلية كباقي التشكيلات في الجيش السوري.
تقول مصادر من جنوب سوريا لـ«الشرق الأوسط» إن شعب التجنيد التابعة لوزارة الدفاع السورية أصدرت 32 ألف مذكرة تبليغ بحق شباب المنطقة، ومن بينهم موتى وصلت تبليغات إلى عائلاتهم، وإن تأثيرات إعادة الدعوات الاحتياطية كانت سلباً على المنطقة الجنوبية من خلال فتح باب رفض الالتحاق الذي عدّ استنزافا لشباب المنطقة وضغطا عليهم بالدعوات الاحتياطية، كما أنها أثرت على عودة ثقة المواطن بالنظام، خصوصا أن سيطرته على المنطقة لا تزال حديثة، وأن رفع الدعوات وعودتها حدث بشكل سريع، خصوصا أن الدعوات الواصلة للمناطق الجنوبية تشمل أسماء بالآلاف لمطلوبين للخدمة الاحتياطية، إضافة إلى أن عودة الدعوات الاحتياطية أثرت على عودة المغتربين السوريين إلى بلدهم سوريا، فكثير من شباب المنطقة الجنوبية المعروفة باغتراب شبابها في الخليج العربي حرموا من دخول البلاد منذ سنوات بسبب وجود دعوة للالتحاق بالخدمة الاحتياطية بحقهم، رغم أنهم لم ينخرطوا بالحرب التي كانت دائرة بالبلاد، فوجدوا أنفسهم مغتربين لسنوات عن مناطقهم لوجود دعوة احتياطية بحقهم، كما أن عددا من المغتربين من أبناء جنوب سوريا وجد لنفسه فرصة للعودة إلى بلده سوريا بعد رفع الدعوات الاحتياطية، ليفاجأ كثير منهم، الذين هم في سن التكليف الاحتياطي، بأنه قد وصلت إليهم دعوات الالتحاق بالخدمة الإلزامية بعد وصولهم إلى البلد، مما يمنع سفرهم من جديد بسبب وجود دعوة احتياطية ونشرة ملاحقة شرطية تمنع خروجهم من المراكز الحدودية في البلاد؛ بل واقتيادهم إلى الخدمة إذا ما اعترضهم أي حاجز تابع للنظام السوري في المنطقة.
كما أن كثيرا من الذين يرفضون الالتحاق بالخدمة الاحتياطية برروا موقفهم بأنه لا يوجد عائل في العائلة سواه، وأنهم سيكونون مضطرين إلى ترك تجارتهم أو زراعتهم وأعمالهم للالتحاق بالخدمة الاحتياطية، وجعل عائلاتهم دون عائل وعرضة للفقر، إضافة إلى أنها شكلت نوعا من الضغط الشعبي على مستويات من ضباط النظام في المنطقة الجنوبية، خصوصا أنهم كانوا الواجهة في الاتفاقيات التي تمت بين المعارضة والنظام قبيل السيطرة على المنطقة، وستتم مطالبتهم شعبياً بالوفاء بوعودهم.
واعتقلت قوات النظام السوري مؤخراً عدداً من الشباب من جنوب سوريا أثناء محاولتهم الهروب إلى الشمال السوري بعد أن وصلت إليهم دعوات للالتحاق بالخدمة الاحتياطية والإلزامية مع قرب انتهاء المهلة المحددة بـ6 أشهر منذ بدء اتفاق جنوب سوريا، حيث إن دعوات الاحتياط طالت عددا من عناصر فصائل المصالحات مما أثار قلق العناصر على مستقبلهم بعد انضوائهم ضمن تشكيلات «الفرقة الرابعة» أو «الفيلق الخامس» الذي تشرف عليه روسيا، مما دفع بفصائل التسويات بريف درعا الغربي إلى رفض الدعوات الموجهة إليهم، بذريعة أنهم مشمولون ضمن اتفاق المعارضة مع روسيا للخدمة ضمن التشكيلات السابقة في المنطقة الجنوبية فقط. وحدثت مؤخراً مواجهات واشتباكات بين عناصر المصالحات الذين انضموا إلى «الفرقة الرابعة» في بلدة اليادودة بريف درعا الغربي، وقادة وعناصر من «الفرقة الرابعة» بعد طلب القادة في الفرقة ذهاب عناصر فصائل المصالحات في درعا إلى جبهات الشمال السوري، مما أدى إلى رفض العناصر مطلب قيادة الفرقة في المنطقة الجنوبية، وعدّوه خرقاً للاتفاق الذي نص حين انضمامهم على بقاء الخدمة ضمن المنطقة الجنوبية، وأن تحسب مدة الخدمة من مدة الخدمة الإلزامية والاحتياطية في الجيش السوري، وتدخلت قيادات بين الأطراف لحل القضية للحيلولة دون إرسال عناصر فصائل المصالحات إلى الجبهات شمال سوريا.
وبحسب مراقبين، ما يفسر كثرة دعوات الالتحاق بالخدمة الاحتياطية التي وصلت للمنطقة الجنوبية والتي جاءت بطلب الالتحاق «فوراً» وتشمل آلاف المطلوبين، «رغبة النظام السوري في تحقيق ضربة استباقية لكسب الخزان البشري في المنطقة الجنوبية التي لا تزال تدور حولها تفاهمات دولية وإقليمية تديرها روسيا بمباركة دولية.
وتتطلع إلى تشكيل لواء عسكري من أبناء المنطقة الجنوبية تابع للفيلق الخامس الذي تشرف عليه روسيا، خصوصا بعد نجاحها في إقناع فصائل المعارضة في درعا أثناء المفاوضات والاتفاق على المنطقة بعدم التهجير والبقاء في المنطقة بضمانتها وانتقال تبعيتهم بهدف تعبئتهم في صفوف مشروع موسكو الذي تعهدت به للدول الإقليمية، لجنوب سوريا قبيل سيطرة النظام على المنطقة، وبعدم السماح بوجود قوات إيرانية أو ميليشيات (حزب الله) في المنطقة الجنوبية».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.