بين الأفلام

أفلام لبنانية قد لا تجد طريقها للعرض

من «طيور أيلول» لسارة فرنسيس
من «طيور أيلول» لسارة فرنسيس
TT

بين الأفلام

من «طيور أيلول» لسارة فرنسيس
من «طيور أيلول» لسارة فرنسيس

* «طالع نازل» (*4) للبناني محمود حجيج، هو فيلم كوميدي بأبعاد درامية. العنوان تجسـده حركة المصعد الكهربائي، لكن المغزى قد يجوز تعميمه على بلد، ما إن يحاول الصعود حتى يهبط من جديد. المصعد هنا تتولاه حركة المستخدمين، فهناك عيادة نفسية يقصدها عدد من الزوار وكل يطرح على الطبيب مشكلته ويتوقـع منه أن يحلـها. بعد أن نقضي معظم الوقت بين المصعد وشقـة العيادة، تنتقل الأحداث إلى أماكن أخرى خارج المصعد والعيادة. هذه النقلة كان يمكن التمهيد لها بشكل أفضل لو أنها تسللت تباعا عوض أن تأتي معا في النهاية، كون ذلك تعرض لبنيان جرت إشادته بالاعتماد على جغرافيا مكانين محددين منهجا الفيلم بنجاح. على أن الفيلم يحافظ على كيانه الخاص. فكرة لامعة، وتنفيذ جيد، وشخصيات تلتقط الاهتمام ضمن معالجة مناسبة.

* في الفيلم التسجيلي «طيور أيلول» (*4) لسارة فرنسيس بداية رائعة، فلنحو سبع دقائق تمسح الكاميرا شارعا ما في مدينة بيروت. شارع نظيف صغير تتوزع فيه مبان قديمة وسيارات مصطفة، ويخلو من المارة إلا فيما ندر. المشهد هو نظرة باحث عن حياة ما وراء الجدران، وعندما تنتقل إلى الشخصيات التي تضعها المخرجة في ذلك الصندوق الزجاجي فوق شاحنة صغيرة، تبدأ بالاستماع إلى نماذج لما وراء تلك الجدران. شخصيات تتحدث من دون أن تفتح فمها لأن الاختيار هنا هو تصويرها صامتة في لقطات قريبة متوسطة مع سماع ما تقوله حين باحت به من دون تصوير ظاهر. جهد يتطلـب، وراء الكاميرا، بعض الجهد لأن المطلوب هو بقاء حرارة المتكلـم موجودة حتى ولو كانت الصورة تنقله صامتا.

* من ناحيتها، تفشل ديالا قشمر في تأكيد حضور الغاية وراء تصوير حي اللجا في بيروت وشبابه الذين يتحدثون عن حياتهم ومشاغلهم لكاميرا كل ما تفعله هو أن تفتح عدستها عليهم. في «أرق» (*2) تدخل المخرجة واحدا من أفقر أحياء بيروت (إن لم يكن أفقرها) وهدفها المعلن هو تصوير شبابه وهم يتحدثون في جلساتهم الليلية. هذا لا يمكن أن يكون غاية بحد ذاته، لكن المخرجة تكتفي بهذا القدر. طبعا، ليس من السهل كسب ثقة شباب محبطين، لكن المخرجة تكسب هذه الثقة (مزودة بإذن من حزب حركة أمل كون الحي أقرب لمعقل شيعي). لكن على تعدد هذا التواصل وذلك البوح الذي يوليه البعض، يدور الفيلم حول المحاور ذاتها ولا يضيف جديدا بعد نصف ساعته الأولى.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).