كنتُ طفلاً في الرابعة عشرة من عمري حين تعلق قلبي بحلم الصحافة... كان ذلك عام 1987، وكنت وقتها تلميذاً بالمرحلة الإعدادية. أصدرتُ مجلة للمدرسة وجَّهت فيها نقداً لاذعاً لبعض المدرسين غير الأكفاء، فعاقبني المدير بمصادرة نسخ المجلة وحرقها في دورة المياه! كتبتُ خطاباً للأستاذ مصطفى أمين الذي كنتُ (وما زلت) أعتبره مثلي الأعلى في الصحافة، واستغثت به، فدعاني لمقابلته في مكتبه، وسألني: كم تكلفت طباعة العدد الأول من مجلتك؟ فقلتُ: ثمانية جنيهات ونصف الجنيه، فأخرج من محفظته عشرة جنيهات، وأعطاها لي قائلاً: هذه لتصدر العدد الثاني. إن سلاحك في مواجهة مقص الرقيب هو الاستمرار في الكتابة وعدم اليأس!
كان هذا هو درسي الأول في الصحافة!
درستُ الإعلام، وحصلت على الترتيب الأول في سنة التخرج عام 1994، فنلت جائزة أخرى قيمتها ألف جنيه من الأستاذ مصطفى أمين كان يمنحها سنوياً لأوائل خريجي الإعلام، وسرعان ما التحقت بجريدة «الأهرام» العريقة. كنتُ وقتها أصغر صحافي يتم تعيينه بالمؤسسة، إذ كان عمري وقتها لا يتجاوز 22 عاماً.
في عام 1998 شاركت في تأسيس «قنوات النيل المتخصصة» بمصر، ثم اختارتني قناة «أبوظبي» في العام التالي لأشارك في إطلاقتها الجديدة بعدد من البرامج الميدانية، زرتُ خلالها أكثر من خمسين بلداً، بحثت فيها أوضاع الحريات وحقوق الإنسان... في إحدى هذه الحلقات نجحت في إثبات براءة شاب صومالي من تهمة قتل صحافية إيطالية في الصومال عام 1994، بعد أن حُكِم عليه في إيطاليا بالسجن مدى الحياة، وقد دعاني البرلمان الإيطالي للإدلاء بشهادتي في هذه القضية عام 2005، ليتم إطلاق سراح الشاب من سجن روما بعد ست سنوات من الظلم!
في نهاية عام 2005، جاءتني فرصتان في أسبوع واحد بدون أي ترتيب؛ فقد حصلتُ على منحة لدراسة الماجستير ثم الدكتوراه في لندن، وعرض للعمل براديو «بي بي سي»... قررتُ فجأة ترك كل امتيازاتي والبدء من الصفر في بريطانيا.
بعد خمس سنوات قامت ثورة 25 يناير في مصر، فقررتُ العودة للمساهمة في إعادة بناء إعلام بلادي. عملتُ في عدد من القنوات الإخبارية، وساهمت في تغطية أبرز الأحداث التي شهدتها مصر خلال تلك الفترة، ثم عدت لمؤسسة «الأهرام» عام 2014 بعد 15 عاماً من السفر والترحال، حيث توليت منصب مدير معهد الأهرام الإقليمي للصحافة، وهو الذراع التدريبية لمؤسسة «الأهرام»، ومن خلاله أطلقت مبادرة «ميدياتوبيا» التي تسعى لتنشئة شباب الإعلاميين على صعيدين: مهني وأخلاقي، وذلك من خلال فعاليات تدريبية لها أشكال مختلفة، وفي عام 2016 بدأت في تقديم برنامج «الإمام الطيب»، الذي أحاور فيه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر كل رمضان حول مختلف القضايا الشائكة في الأديان السماوية، وما زلتُ أقدمه حتى الآن.
لم تنتهِ أحلامي في هذه المهنة بعد؛ ما زلت أحلم بالكثير في مجال التقديم التلفزيوني، والتدريب، وإدارة المشروعات الإعلامية؛ أحلم بتوثيق التجارب المهنية التي مررتُ بها، والحوارات المهمة التي أجريتها. أحلم بتطوير الإعلام في بلادي، وتقديم نموذج مهني يمثل مصر في المؤسسات الإعلامية الدولية.
الآن، حين أنظر إلى ثلاثين عاماً مضت من حياتي منذ بدأت طريقي في عالم الصحافة، زرتُ خلالها عشرات الدول، وحاورت فيها عشرات الشخصيات من قادة وزعماء ورموز، كانوا في لحظة ما محل جدل ومحور اهتمام الجمهور، حين أنظر إلى كل ذلك أدرك كم أحببت هذه المهنة، وأنه لولا هذا الحب لما حققت كل هذه الأحلام، تماماً كما قال لي أستاذي مصطفى أمين ذات مرة: النجاح في الحياة قصة حب!
* إعلامي مصري
النجاح في الحياة... قصة حب
قصتي مع الأعلام
النجاح في الحياة... قصة حب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة