الشرطة توصي بمحاكمة نتنياهو وزوجته في {أخطر} ملف فساد

رئيس الوزراء الإسرائيلي يتمسك بنفي وجود شيء ضده

نتنياهو وزوجته سارة (إ.ب.أ)
نتنياهو وزوجته سارة (إ.ب.أ)
TT

الشرطة توصي بمحاكمة نتنياهو وزوجته في {أخطر} ملف فساد

نتنياهو وزوجته سارة (إ.ب.أ)
نتنياهو وزوجته سارة (إ.ب.أ)

بعد الانتهاء من تحقيق استغرق سنتين ونصف السنة، أوصت الشرطة الإسرائيلية وسلطة الأوراق المالية في تل أبيب، أمس الأحد، بمحاكمة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وزوجته سارة، بشبهة الفساد والحصول على رشوة، وذلك في قضية الفساد الثالثة المعروفة باسم «القضية 4000»، التي عدّها المحققون «الأكبر والأخطر».
وأصبح نتنياهو بهذه التوصيات متورطاً رسمياً، في نظر الشرطة، في 3 قضايا فساد. ويؤكد مراقبون وخبراء أنه لن يفلت من السجن فيها، مع أن المقربين من نتنياهو أصدروا بيانا يعبرون فيه عن ثقته بأن هذه الاتهامات فارغة من المضمون وستسقط في النيابة؛ أي قبل المحكمة. وأكدوا أن «توصيات الشرطة غير ملزمة، ولا تؤدي بالضرورة إلى تقديم لائحة اتهام»، وأن القرار النهائي سيكون بيد المستشار القضائي للحكومة، أبيحاي مندلبليت، الذي كوّن طاقماً خاصاً لفحص هذه الملفات بشكل عميق وجذري. وستطول فترة الفحص شهوراً طويلة، لأن نتنياهو من جهته استبدل طاقم المحامين الذي يدافع عنه، وسيحتاج المحامون الجدد إلى وقت لدراسة الملفات. وقد جاءت هذه التوصيات في الشرطة قبل شهرين، لكن المستشار مندلبليت ردها، طالباً إجراء استكمالات للتحقيق في «القضية 4000».
وجرى التحقيق مرة أخرى مع رجل الأعمال شاؤول ألوفيتش، المالك السابق لشركة الاتصالات الهاتفية الأرضية «بيزك» وموقع «واللا» الإلكتروني، الذي يعدّ متهماً رئيسياً للاشتباه بأنه قدم رشى لنتنياهو. وبانتهاء التحقيق معه، تم تحويل التوصيات إلى النيابة لتبت فيها. وبعدها ستحول إلى المستشار، الذي سيكون ملزما بإجراء جلسات استماع للمحامين، وبعدها فقط يقرر إن كان هناك مكان لتقديم لائحة اتهام.
وكانت الشرطة أوصت بمحاكمة نتنياهو في الملفين «1000» و«2000». في الأول يتهم بالحصول على هدايا ثمينة بعشرات آلاف الدولارات مقابل تقديم خدمات لأحد رجال الأعمال. وفي الثاني يشتبه به في إبرام صفقة مع صاحب جريدة «يديعوت أحرونوت» بأن يحسنوا النشر عنه مقابل تقليص إمكانات الصحيفة المنافسة لها «يسرائيل هيوم».
لكن الشبهات ضد نتنياهو في الملف «4000» أكبر وأخطر، وتعد متماسكة أكثر؛ إذ يوجد هناك شهود ملكيون ضده. ووفقا للشبهات، وتوصيات الشرطة، فإنه بين عامي 2012 و2017، تدخل نتنياهو وزوجته سارة ومجموعة من المقربين منه بطريقة صارخة ومتواصلة، وأحيانا بشكل يومي، في المحتوى المنشور على موقع «واللا» الإخباري، الذي يملكه رجل الأعمال ألوفيتش، وفي تعيين المحررين والمراسلين بالموقع. وقالت الشرطة إنه من خلال هذا التدخل سعى نتنياهو للتأثير على تعيين كبار الموظفين في الموقع من محررين ومراسلين، وإن العلاقة بين جميع الأطراف كانت مبنية على الرشوة. وقد قبض ألوفيتش مقابل الرشى عن طريق الحصول على تسهيلات في الوزارة تقدر قيمتها بعدة ملايين من الدولارات.
كما أوصت الشرطة بمحاكمة رجل الأعمال ألوفيتش وزوجته إيريس، بشبهة قبول الرشوة والتشويش على مجريات التحقيق في القضية، فيما لم تجد الشرطة أدلة كافية ضد يائير نتنياهو نجل رئيس الحكومة، والمستشار الإعلامي إيلي كامير، وعليه تقرر إغلاق الملفين اللذين فتحا ضدهما.
ونقل موقع «واللا»، أمس، عن مصدر مطلع في الشرطة قوله إن «الشاهد المركزي في القضية هو وزير الأمن الداخلي غلعاد إردان، الذي عارض، عندما كان وزيرا للاتصالات، المخطط الذي بادر إليه نتنياهو بشأن (بيزك - واللا)، كما تم جمع تسجيلات ونصوص رسائل متعلقة بنتنياهو وزوجته سارة».
وتستند الشرطة إلى شهادات ماكنة من شاهدين ملكيين أساسيين؛ هما المقربان من نتنياهو، شلومو فيلبير، ونير هيفيتس.
وقالت الشرطة في بيان لها إنه تم استجواب 13 شخصا تحت طائلة التحذير، للاشتباه في تورطهم في آلية الرشوة، وإنه تم جمع إفادات من 60 شاهدا. وبالإضافة إلى ذلك، أجريت تحقيقات خارج البلاد، وتم جمع وتحليل كثير من مواد التحقيق، بما في ذلك التسجيلات والمستندات.
وفي أعقاب نشر التوصيات، قال نتنياهو خلال الجلسة الأسبوعية مع وزراء حزب الليكود: «أنتم تأخذون التوصيات على محمل الجد أكثر مني»، وذلك ردا على موقف وزراء الليكود بتأكيدهم على دعم نتنياهو، وهو الموقف الذي عبر عنه وزير المواصلات، يسرائيل كاتس. وقال نتنياهو في بيان صادر عنه عقب الكشف عن التوصيات: «توصيات الشرطة بشأني وبخصوص زوجتي لا تفاجئ شخصا، وأيضا التوقيت بالكشف عنها ونشرها، فهذه التوصيات سربت حتى قبل البدء بالتحقيقات». وأضاف: «لا توجد أي قيمة قضائية وقانونية لتوصيات الشرطة، فقط في الآونة الأخيرة رفضت السلطات المختصة توصيات الشرطة ضد سلسلة من الشخصيات العامة. أنا متأكد من أنه في هذه الحالة ستصل السلطات المختصة، بعد فحص الأمر، إلى النتيجة نفسها». ولمح نتنياهو إلى أن الشرطة سارعت في تقديم توصياتها ضده قبل أن يترك مفتش الشرطة العام، روني الشيخ الذي يتهمه بأنه انقلب ضده.
ووجه وزراء حزب الليكود اتهامات للشرطة بملاحقة نتنياهو. وفي المقابل، طالبت أحزاب المعارضة نتنياهو بالاستقالة، حيث أعلنت رئيسة «ميريتس»، تمار زندبرغ، عزمها تقديم مشروع قانون لحل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة، على خلفية ملفات الفساد التي يخضع نتنياهو بسببها للتحقيق. ودعت رئيسة المعارضة، تسيبي ليفني، للعمل من أجل رحيل نتنياهو بأسرع وقت ممكن، قبل أن يقوض سلطات إنفاذ القانون. وقال رئيس حزب العمل، آفي غباي، إن «نتنياهو أصبح عبئا على إسرائيل. يجب أن يستقيل. لا يمكن أن يكون رئيسا للوزراء من لديه كثير من شؤون الفساد حوله، لذا يجب أن يستقيل. الشخص الذي يحركه هاجس الرعب مما سيقولون عنه في وسائل الإعلام لا يمكنه أن يقود دولة إسرائيل».
يذكر أن القانون الإسرائيلي يلزم الوزراء بالاستقالة إذا وجهت إليهم لائحة اتهام، لكنه لا يلزم رئيس الحكومة بالاستقالة. ويوحي نتنياهو بأنه سيحارب بكل قوته لكي يبقى رئيسا للوزراء، حتى لو قرر المستشار القضائي تقديمه للمحاكمة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.