حيدر الزمار... من تجنيد منفذي اعتداءات 11 سبتمبر الى ساحات «داعش»

انتهى به المطاف في أحد السجون البعيدة في سوريا

محمد حيدر الزمار (أ.ب)
محمد حيدر الزمار (أ.ب)
TT

حيدر الزمار... من تجنيد منفذي اعتداءات 11 سبتمبر الى ساحات «داعش»

محمد حيدر الزمار (أ.ب)
محمد حيدر الزمار (أ.ب)

بعد رحلة ملحمية بدأت بمعسكرات تنظيم «القاعدة» وانتهت بساحات قتال تنظيم «داعش» الإرهابي، انتهى به المطاف في أحد السجون البعيدة في سوريا. ليس في ذلك الرجل الجائع الأشعث الذي استسلم لنقطة تفتيش بعيدة في الصحراء السورية تابعة للأكراد الموالين للولايات المتحدة، العام الحالي، ما يوحي بأنه في يوم من الأيام قد لعب دوراً في أحد أهم الأحداث الكبرى في التاريخ الأميركي. كان يعرج من شدة الألم في ركبتيه، وكانت لحيته شعثاء وقد انتشر القمل فيها. وعند الاستسلام كان قد فر للتو من تنظيم «داعش».
وبعدما كشف عن شخصيته وتحققوا من حقيقته ظهرت النتيجة. لم يكن هذا الشخص سوى محمد حيدر الزمار، الرجل الذي قام بتجنيد منفذي اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2011 التي راح ضحيتها نحو 2900 قتيل، وأدخلت الولايات المتحدة في صراعات لا نهاية لها. وفي أول مقابلة تجريها معه وسيلة إعلامية أميركية منذ عام 2001، أجرت صحيفة «واشنطن بوست» المقابلة في وجود حراس أكراد يتولون حراسته في سجن بضواحي مدينة القامشلي السورية، حيث سرد الزمار تفاصيل رحلته غير العادية.
تعود بدايات الرحلة إلى الأيام الأولى لمعسكرات تنظيم «القاعدة» في أفغانستان، وتنتهي بساحات القتال في صفوف تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا، بات خلالها مطلوباً من قبل وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه).
وبحسب روايته، كان دوره هامشياً في الأحداث التي جرت تباعاً، حيث لعب دوراً ثانوياً في تاريخ الحلقات الإسلامية المسلحة، لكنه وُجِد في كثير من الأحداث الجسام، حيث ظهر في اللحظات المهمة، والتقى بكثير من لاعبيها الكبار.
تعكس قصة الزمار كيف أن التنظيمات الإرهابية استمرَّت في تهديد الولايات المتحدة لزمن طويل، وكيف أن الفاعلين فيها ظلوا طلقاء منذ أن كانوا يتحركون في سن الرشد في فلك أسامة بن لادن إلى أن تقدم بهم العمر الآن؛ فقد بلغ الزمار الآن 57 عاماً ويحمل الجنسيتين السورية والألمانية. فهو أشبه بظل لرجل ضخم ذي لحية كثيفة كان يوماً ما يلقي الدروس الدينية على الشباب الصغير بمسجد «القدس» بمدينة هامبورغ الألمانية عندما كانوا مقبلين على التطرف.
لم يسمح حراس السجن للمعتقلين بإطلاق لحاهم، وهو تحديداً كان عليه إزالتها نهائياً بعد أن انتشر القمل فيها، بحسب الزمار، وجرت المقابلة في وجود اثنين من الحراس. شيء واحد فقط لم يتغير في الزمار، هو أنه ثرثار. المحققون في اعتداءات 11 سبتمبر يتذكرون ذلك جيداً، ويقولون إنه من الصعب الثقة في أغلب ما يقول بشأن تفاصيل ذلك الاعتداء.
انتقلت عائلة الزمار إلى ألمانيا عندما كان في سن العاشرة، وحاول في البداية المشاركة في المعارك المسلحة عام 1982، وسافر إلى الأردن في محاولة لدخول سوريا للانضمام للجناح المسلح لتنظيم «الإخوان المسلمين» الذي كان في ذلك الوقت في صراع مسلح مع عائلة الأسد الحاكمة، لكن السلطات الأردنية أعادته. لكنه في تلك الرحلة التقى بشخص لعب لاحقاً دوراً كبيراً في تحديد مستقبله، كان ذلك الشخص محمد البهايا، المعروف باسم خالد السوري، الذي بات لاحقاً أحد أهم المؤثرين الكبار في الحرب السورية.
بدعوة من البهايا، وصل الزمار إلى أفغانستان للمرة الأولى عام 1991 حيث تلقى أول تدريباته العسكرية في أحد المعسكرات التي كان يديرها البهايا في ذلك الوقت. منذ ذلك الحين بات الزمار يتردد على أفغانستان بين الفينة والأخرى، بعد أن أصبح عضواً في التنظيمات المسلحة التابعة لـ«القاعدة» التي شاركت في حرب البوسنة.
وزار لندن حيث أصبح صديقاً مقرباً من الأردني الفلسطيني (أبو قتادة)، الداعية المتشدد الذي طالما تشككت الولايات المتحدة في صلته بـ«القاعدة».
نجح الزمار في تكوين دائرة من الأتباع في مسجد «القدس» بمدنية هامبورغ، وفي أن يكون مصدر جذب لعدد كبير من الشباب، بيد أنه فشل في أن يصبح إماماً أو خطيباً للمسجد لعدم تمكنه من حفظ القرآن الكريم. لكنه كان يعقد جلسات منتظمة للشباب الذي يتوجه للمسجد للصلاة، لحثهم على الجهاد، وللتأكيد على أن الجهاد فرض عليهم نيابة عن جميع مسلمي العالم، ولتشجيعهم على التوجه إلى أفغانستان لتلقي التدريبات العسكرية.
يتذكر الزمار اليوم عندما التقى العضو الأول في خلية هامبورغ، رمزي بن الشيبة، اليمني المعتقل حالياً بمعتقل غوانتانامو للاشتباه في تورطه في التخطيط لاعتداءات 11 سبتمبر. لاحقاً التقى الزمار بمحمد عطا، زعيم الانتحاريين بمجموعة اختطاف الطائرات، الذي قاد الطائرة الأولى من الطائرتين اللتين ارتطمتا عمداً ببرجي «مركز التجارة العالمي»، ويصف الزمار عطا بـ«الرجل ذي الأخلاق». وبعد ذلك التقى بمروان الشيحي، الإماراتي الجنسية الذي قاد الطائرة الثانية، وبعدها التقى بزياد سمير اللبناني الذي قاد الطائرة الثالثة التي تحطمت في ساحة خاوية بولاية بنسلفانيا، بعد أن تغلب الركاب على المختطفين، بالإضافة إلى أربعة آخرين نجح الزمار في إقناعهم بالسفر إلى أفغانستان.
وبحسب المحققين في تقرير لـ«واشنطن بوست»، لفت سفر الزمار المتكرر واتصالاته انتباه السلطات الألمانية التي أبلغت «سي آي إيه» التي شرعت في مراقبة اتصالاته الهاتفية وتحركاته. لكنه استمر في السفر دون انقطاع، ومع قرب نهاية عام 1999، زار الزمار أفغانستان، وقد تزامن ذلك مع زيارة محمد عطا وغيره من خلايا هامبورغ الذين كانوا في زيارتهم الأولى لأفغانستان حيث تحدث معهم في مقترح استخدام الطائرات في الهجوم على مبانٍ حيوية في الولايات المتحدة.
حدث في تلك الرحلة أن طلب الزعيم السابق لتنظيم «القاعدة»، أسامة بن لادن، الذي يكنّ له احتراماً كبيراً، لقاءه للمرة الأولى، بحسب الزمار. ويقول إن أسامة طلب لقاءه نظراً لصلته بالرجال الذين كلفوا لاحقا بتنفيذ اعتداءات 11 سبتمبر.
غير أن الزمار أنكر أن يكون قد تواصل مع أسامة بن لادن أو عطا مرة أخرى، ويزعم بأنه فوجئ كغيره بتنفيذ الاعتداءات. اختتم الزمار قائلاً: «الله أعلم، بمنتهى الأمانة، لم أعلم شيئاً بخصوص الإعداد لهجمات 11 سبتمبر. لم يخبروني بشيء».


مقالات ذات صلة

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

المشرق العربي جانب من لقاء وزير الدفاع التركي الأحد مع ممثلي وسائل الإعلام (وزارة الدفاع التركية)

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للإدارة الجديدة في سوريا إذا طلبت ذلك وشددت على أن سحب قواتها من هناك يمكن أن يتم تقييمه على ضوء التطورات الجديدة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جانب من الدمار الذي خلفه الهجوم المزدوج في ريحانلي عام 2013 (أرشيفية)

تركيا: القبض على مطلوب متورط في هجوم إرهابي وقع عام 2013

أُلقي القبض على أحد المسؤولين عن التفجير الإرهابي المزدوج، بسيارتين ملغومتين، الذي وقع في بلدة ريحانلي (الريحانية)، التابعة لولاية هطاي جنوب تركيا، عام 2013

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

عزام أحمد (إسلام آباد - كابل)
أوروبا استنفار أمني ألماني في برلين (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: دراسة تكشف استمرار ارتباط كراهية اليهود باليمين المتطرف بشكل وثيق

انتهت نتائج دراسة في ألمانيا إلى أن كراهية اليهود لا تزال مرتبطة بشكل وثيق باليمين المتطرف.

«الشرق الأوسط» (بوتسدام )

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.