لا مصلحة لبوتين في التصعيد مع أوكرانيا

TT

لا مصلحة لبوتين في التصعيد مع أوكرانيا

قلل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خطر الحادث البحري الذي وقع بين وحدات من بلده وثلاثة زوارق تابعة لأوكرانيا يوم الاثنين الماضي، معتبراً أن الأمر لا يزيد على المناوشة الحدودية، بينما ذهب نظيره الأوكراني بيترو بوروشينكو، إلى إعلان الأحكام العرفية في عشر مقاطعات «استعداداً للمواجهة» المقبلة، داعياً حلف شمال الأطلسي إلى إرسال قطع بحرية إلى آزوف.
المقاربتان الروسية والأوكرانية شديدتا التباين أظهرتا عدم اهتمام موسكو بتجديد التوتر في مناطق الدونباس الخارجة عن سلطة حكومة كييف، بإرجاع سبب الحادث البحري إلى اقتراب موعد الانتخابات الأوكرانية في مارس (آذار) المقبل، حيث يواجه بوروشينكو خسارة مرجحة بعد فشله في تنفيذ الوعود التي جاء بها إلى السلطة كـ«إنهاء عملية مكافحة الإرهاب» على ما يصف تصدي القوات الأوكرانية للتمرد الذي قامت به الأقلية الروسية في شرق البلاد واستعادة شبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا ثم ضمتها رسمياً إليها، ناهيك بالأوضاع الاقتصادية المتردية التي لم يفلح في تخفيف وطأتها على الرغم من استغاثاته المتواصلة بالغرب.
وسائل الإعلام الغربية أضفت على الصدام الذي وقع قرب الجسر الذي بناه الروس على مضيق كيرتش طابعاً مأساوياً بتصويره كمقدمة للحرب العالمية الثالثة التي ستندلع هذه المرة بين روسيا والغرب المؤيد لأوكرانيا (مقال سايمون جينكنز في «الغارديان» على سبيل المثال). لكنّ السياسيين الأوكرانيين كان لهم رأي آخر حيث اعتبروا في تصريحات أعقبت طلب بوروشينكو فرض الأحكام العرفية، أن هدفه لا يزيد على توتير الأجواء قبيل الانتخابات، فيما تساءل صحافيون عن الكيفية التي ستسهم هذه الأحكام بها في تعزيز الدفاع عن أوكرانيا.
وذهب محللون آخرون إلى أن «المتهم المعتاد»، بوتين، لا ينوي هذه المرة شن هجوم واسع النطاق على أوكرانيا خلافاً لما حذّر بوروشينكو منه. وأن بوتين لم يهاجم أوكرانيا مباشرةً لا في 2014 ولا في 2015 في أثناء أزمتي القرم والدونباس بل حرّك ميليشيات محلية مدعومة من الأجهزة الأمنية الروسية للوقوف في واجهة الأحداث ما سمح له بالتهرب، ولو الشكلي، من المسؤولية عن انتهاك السيادة الأوكرانية في الحالتين. وباستثناء إرسال بطارية دفاع جوي من طراز «إس 400» قبل أسابيع إلى شبه جزيرة القرم، لم يدفع الجيش الروسي بوحدات كبيرة إلى الحدود على عكس ما قال الرئيس الأوكراني.
أغلب الظن أن تضخيم الحادث والبناء عليه واستغلاله في الصراع الروسي – الأوكراني لا يخدم في هذه المرحلة استراتيجية بوتين القائمة على الإنهاك والإضعاف وتفكيك الجبهة الداخلية الأوكرانية. ولدى موسكو العديد من الأوراق الاقتصادية والسياسية على غرار التضييق على حركة النقل إلى موانئ بحر آزوف الأوكرانية، وتقليص التبادل التجاري مع كييف، وتشجيع معارضي بوروشينكو على تصعيد هجماتهم عليه، كي يصل مثخناً بالجراح إلى انتخابات مارس المقبل.
في المقابل، من المستبعد أن يؤيد الغرب مطالب بوروشينكو إذا كانت ردود الفعل الأوروبية والأميركية على مسألتي الدونباس والقرم هي المعيار المستخدم لقياس المواقف.
ففي التجربتين المذكورتين اكتفى الغرب بفرض عقوبات اقتصادية على موسكو وعلى بعض المسؤولين الروس مما لم يترك أي أثر تقريباً على الوضع العام، حيث لا يفتقر بوتين إلى الموارد اللازمة لمواصلة سياساته. ولا يتسم بحد أدنى من الواقعية انتظار تدخل غربي ملموس في الجولة الراهنة من النزاع الروسي – الأوكراني، إذ إن المسألة الأوكرانية لا تقتصر، من وجهة النظر الغربية، على تهديد روسي باجتياح البلاد. فأوروبا تذكر أن المشكلات بين الجانبين بدأت فور تفكك الاتحاد السوفياتي، ومطالبة روسيا بالسيطرة على أسطول البحر الأسود، وتنوعت أشكال الصراع من وقف إمدادات النفط والغاز الروسي إلى أوكرانيا وصولاً إلى انفصال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية عن نظيرتها الروسية قبل أشهر قليلة.
ومن بين المشكلات الإخفاق الأوكراني المزمن في الخروج من حالات التعثر في بناء الحكم الديمقراطي، والقضاء على الفساد المستشري، وابتكار وظيفة اقتصادية للبلاد تشكل درعاً لها ضد التهديدات الروسية الدائمة والتي تسهم، من دون شك، في اضطراب الوضع الداخلي الأوكراني.
والحال أن حادث الزوارق عند مضيق كيرتش لن يتطور، على ما يبدو، إلى حرب أو مواجهة مسلحة بسبب انعدام المصلحة الروسية في الظروف الراهنة بإعادة فتح الجبهة الأوكرانية على مصراعيها، وفي الوقت الذي لم تتمكن كييف بعد من إضفاء التماسك على سياساتها الداخلية.



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.