«كتالوغات» ثلاثة مهرجانات عربية... تختلف وتلتقي

ما زالت مهمة ومصدر تباهٍ رغم توفر المعلومات إلكترونياً

«كتالوغات» ثلاثة مهرجانات عربية... تختلف وتلتقي
TT

«كتالوغات» ثلاثة مهرجانات عربية... تختلف وتلتقي

«كتالوغات» ثلاثة مهرجانات عربية... تختلف وتلتقي

قبل اختراع وسائل التواصل الاجتماعي، وقبل انتشار الإنترنت، وحتى قبل ارتفاع أسعار الطباعة والنشر، كان لكل مهرجان سينمائي ما يسمى بـ«الكتالوغ»، الذي يجمع بين دفتيه كل المعلومات التي تتعلق بالمهرجان؛ من أفلام، وبطاقاتها وملخصاتها، وبعض صورها، ونبذ عن مخرجيها.
في الصفحات الأخيرة، اعتمدت «الكتالوغات» مبدأ فهرسة كل شيء: الأفلام، والبلدان التي جاءت منها (كان ذلك هيناً في السابق، كون غالبية الأفلام تحمل مصدراً إنتاجياً واحداً)، والمخرجون. البعض كان يضيف لوائح للكتاب والمنتجين وآخرين.
مع انتشار الميديا الإلكترونية، أصبح من الممكن لهذه الكتالوغات التحوّل إلى صيغة «PDF»، حيث يتم تحميلها. بعض المهرجانات، إن لم يكن أغلبها بالفعل، ما زال يحافظ على الكتاب، لكن الجميع (تقريباً) بات كذلك يعمد إلى الملفات الإلكترونية لتعميم الفائدة.
كذلك فإن معظم المعلومات متوفرة في مواقع المهرجانات للاستفادة منها. وهناك، بطبيعة الحال، مواقع ذات تصميم وشمولية أفضل من سواها. لكن الكتالوغات ما زالت مهمّة، تتباهى بها بعض المهرجانات، وتؤكد عليها من خلال مداومة العمل عليها، وتوفيرها مجاناً («كان») أو لقاء ثمن («فنيسيا»).
- قرطاج الأثقل
قبل زوال مهرجان دبي عن الخريطة السينمائية، بعد سنوات قليلة من توقف مهرجان أبوظبي، كانت المقارنة جائزة بين كتالوغ كل من هذين المهرجانين، وكانت الغلبة في نهاية المطاف - مع الأخذ بعين الاعتبار التصاميم العامّة، ودقة المعلومات، وسعة الفهارس المعمول بها - لمهرجان أبوظبي. ذاك كان مثالياً في استكمال العناصر التي على الكتالوغ احتواؤها.
اليوم، تمكن المقارنة بين كتالوغات ثلاثة مهرجانات عربية أقيمت مؤخراً، هي على التوالي: الجونة وقرطاج والقاهرة، والبحث عن اختلافاتها، وحسنات كل منها، وكيف يتفوق، إذا ما تفوق، على منافسيه.
بادئ ذي بدء، فإن ما يبحث عنه النقاد والصحافيون هو دقة المعلومات وسعة الفهارس، من حيث شموليتها وحسن تبويبها، لكن هناك أيضاً الناحيتين التحريرية والجمالية: أيها مكتوب بسلاسة أفضل، وأيها يوفر معلومات أكثر من ناحية، ثم التصميم ونوعية الورق ووزن الكتالوغ، وما إذا كان طيـعاً للحمل أو ثقيلاً، بحيث يتألم الناقد إذا ما اضطر للعودة به، فوق ما تسلمه أو استورده من كتب سينمائية أو ثقافية أخرى.
ما يلي هو مقارنة بين كتالوغات هذه المهرجانات الثلاثة، وصولاً إلى تقييم شامل موجز، يحدد ما هو الكتالوغ الأفضل ولماذا.
«كتالوغ» أيام قرطاج السينمائية
- عدد الصفحات: 256.
- الحجم: 29‪.‬5 X 21 سم.
- الورق: مصقول ولامع.
مهرجان قرطاج السينمائي في مدينة تونس من بين أعرق المهرجانات، لا العربية فحسب بل الأفريقية أيضاً. وحقيقة إنه يقع في بلد شمال أفريقي، وفي قارة تعتبر اللغة الفرنسية لغة سائدة ومتداولة بكثرة، تجعل من اهتمام الكتالوغ بتقديم نفسه كمرجع فرنسي بقدر ما هو مرجع عربي أمراً مفهوماً. لكن هذا القدر هو نسبي، حين تلاحظ أن ورود أسماء الممثلين ومعظم من هم في البطاقة الفنية من كتاب ومصوّرين ومنتجين إلخ… هو دائماً باللغة الأجنبية.
صحيح أن الملخص منشور بالعربية والفرنسية والإنجليزية، إلا أن البطاقات تحتاج لمعاينة، إذ تأتي بعض الأسماء العربية حين نشرها بالأجنبية (فرنسية عادة) مبهمة: هل الممثلة التي تقوم بدور البطولة النسائية في فيلم «ريح رباني» اسمها سارا ليصاق أو لصاق؟ أو هل هو ليساق؟ وهل منتج فيلم «كلام الصحراء» عبد الله توكوانا أو تقوانا أو طقوانا؟
طبعاً، كثير مما يرد في تلك البطاقات معروف ولا التباس فيه، لكن هناك ذلك الرهط الملتبس الذي يترك الناقد، حين يحاول نقل المعلومة كاملة إلى قرائه، غير واثق من ترجمته للاسم، وعليه مراجعة الإنترنت، مع نتائج غير مضمونة بدورها.
ويعتمد التصميم على صورة عريضة في رأس كل صفحة، ثم يوزع النبذ تحتها كما المفترض. وهناك مساحة مريحة للعين، وابتعاد عن اكتظاظ المساحة عموماً. ومن ناحية ثانية، إذ يتألف المهرجان من أكثر من 12 قسماً ومظاهرة، فإن العمل على تلوين الصفحات الخاصة بكل قسم ليس معمولاً به.
وهناك فهرس عام في مطلع الكتالوغ، لكن ليس هناك من أي فهرس للأفلام كمجموعة واحدة، مما يجعل من غير الممكن العودة إلى فيلم ما، إذا ما كان المرء غير موقن من موقعه بين الأقسام. وبغياب فهرس للمخرجين (هناك فهرس لفريق العمل)، فإن حظ المرء في البحث يزداد صعوبة.
- التقييم العام: 3 (من خمسة).
الجونة «الأشيك»
• كتالوغ مهرجان «الجونة»
- عدد الصفحات: 144.
- الحجم: 29‪.‬5 X 21 سم.
- الورق: مصقول ولامع.
رئيس المهرجان التنفيذي، انتشال التميمي، وفّر، حين كان مدير برامج مهرجان أبوظبي السينمائي، أفضل كتالوغ أنجبته المهرجانات العربية، وقد نقل خبرته ومهارته إلى المهرجان الذي احتفى بعيده الثاني هذه السنة.
وللتغلب على مشكلة اللغة الجامعة، يفصل المهرجان المصري الحديث بين اللغتين العربية والأجنبية، فلكل منهما كتالوغ خاص.
الصفحات الأولى معهودة: تقديم الرؤساء والمديرين والمسؤولين ولجان التحكيم، ثم البدء بتقسيم الصفحات حسب أقسام المهرجان.
هذه الصفحات تتميز، مثل كتالوغ أيام قرطاج السينمائية، بأناقة شكلية، وبتوفر ما يحتاجه المطلع من معلومات، لكن التصميم يميل لصالح كتالوغ «الجونة»، إذ يتم وضع البطاقة الفنية على هامش الصفحة بشكل عمود، وبذلك يوفر مساحة كافية للتحرير.
أهم ما في التحرير أنه ليس من صياغة مكتب المهرجان ذاته، بل يستعين المهرجان بنقاد يسند إلى كل منهم مجموعة من الأفلام، يشاهدها ويلخصها ويوفر للقارئ ملامسة إيجابية تشجعه على مشاهدة الفيلم. ويتقاضى النقاد مكافآت مجزية لقاء ما يقومون به، لذلك يتحلقون حول المهرجان مساندين. هذا يلعب دورين: الإيجابي بينهما هو تشجيع النقاد على البروز على صفحات الكتالوغ، والسلبي أنه يجعلهم من داخل اللعبة، ويفتح الباب لحذرهم من نقد الأفلام نقداً فعلياً فيما بعد.
إنه النظام الممارس في مهرجاني تورونتو ولندن، وهو جيد رغم تلك الملاحظة لأنه يلبي حاجة القارئ للتواصل مع جهة تبدو خارجية عن الإدارة ذاتها.
وهناك فهارس رائعة في نهاية المطاف: واحد للأفلام، وواحد للمخرجين، وآخر للبلدان، ورابع للشركات المشاركة بأفلامها.
- التقييم العام: خمسة (من خمسة).
القاهرة المتصالح مع نفسه
> كتالوغ مهرجان «القاهرة»
- عدد الصفحات: 343.
- الحجم: 26‪.‬5 X 19‪.‬5 سم.
- الورق: عادي.
في حين يبدأ كتالوغ مهرجان قرطاج من اليسار إلى اليمين، يبدأ كتالوغ القاهرة على نحو سليم من اليمين إلى اليسار (كتالوغا مهرجان الجونة يبدآن كل بحسب لغته)، وبذلك هو أكثر قرباً من المنوال العام للمثقفين، وسواهم من عشاق السينما.
مثل «قرطاج» أيضاً، هناك فهرس للصفحات في البداية، ولا فهرس في النهاية. لكن فهرس البداية أكثر شمولاً وتحديداً. كذلك يشترك مع كتالوغ المهرجان التونسي في اكتفائه بعد ذلك بفهرس عادي لأفلام، كل قسم على حدة.
إخراج الداخل مبدئي: الصفحات ملوّنة بحسب كل قسم، لكن هذا التلوين - ولأسباب مادية - يبقى بدوره خافت البروز. ويعوض القصور في ذلك اهتمام المعدين. الترجمة من العربية للإنجليزية (نبذ الأفلام، ونبذ المخرجين) جيدة ومتكاملة على العموم. بعضها يحمل تقييماً، وبعضها الآخر لا يحمل تقييماً (وكان من الأفضل توحيد المنهج).
بالإجمال هو أفضل «كتالوغ» أنتجه مهرجان القاهرة، رغم تلك الملاحظات، ولو أن الغلاف الأسود لا يحمل أي مبرر سوى أنه قد يكون أقل تكلفة من غلاف ملوّن، كحال غلافي المهرجانين الآخرين.
- التقييم العام: 3 (من خمسة).


مقالات ذات صلة

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

يوميات الشرق جوي تتسلّم جائزة «أفضل ممثلة» في مهرجان «بيروت للأفلام القصيرة» (جوي فرام)

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

تؤكد جوي فرام أن مُشاهِد الفيلم القصير يخرج منه وقد حفظ أحداثه وفكرته، كما أنه يتعلّق بسرعة بأبطاله، فيشعر في هذا اللقاء القصير معهم بأنه يعرفهم من قبل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق طاقم فيلم «سكر» على السجادة الحمراء (البحر الأحمر السينمائي)

«سكر»... فيلم للأطفال ينثر البهجة في «البحر الأحمر السينمائي»

استعراضات مبهجة وأغنيات وموسيقى حالمة، وديكورات تُعيد مشاهديها إلى أزمان متباينة، حملها الجزء الثاني من الفيلم الغنائي «سكر».

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق «سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

«سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

المفاجأة جاءت مع نهاية الفيلم، ليكتشف الجمهور أن «سلمى وقمر» مستلهمٌ من قصة حقيقية. وأهدت المخرجة عهد كامل الفيلم إلى سائقها السوداني محيي الدين.

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق فيلم «الذراري الحمر» للمخرج لطفي عاشور (فيسبوك المخرج)

«الذراري الحمر» رحلة في أعماق العنف والبراءة

يحمل اسم «الذراري الحمر» رمزيةً مزدوجةً تُضيف عمقاً لمعاني الفيلم، فيتجاوز كونه مجرد وصفٍ للأطفال ليعكس روح القصة والرسائل الكامنة وراءها.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق «إلى عالم مجهول» يسلّط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين بأوروبا

«إلى عالم مجهول» يسلّط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين بأوروبا

يجدد الفيلم الفلسطيني «إلى عالم مجهول» للمخرج مهدي فليفل، تسليط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين في أوروبا.

انتصار دردير (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».