الوجود الإنساني واغتراب الروح

معرض إيطالي كبير لجياكوميتي

من المعرض
من المعرض
TT

الوجود الإنساني واغتراب الروح

من المعرض
من المعرض

في صالات متحف الفن المعاصر، في وسط مدينة ميلانو الإيطالية، افتتح معرض الفنان السويسري من أصل إيطالي ألبيرتو جياكوميتي (1901 - 1966)، الذي يشمل عدداً كبيراً من أعمال النحت والرسم والتصوير، ويستمر حتى منتصف مارس (آذار) من العام المقبل.
وسط حالة الصخب التي شهدت ازدهار حركة الفنون في منتصف القرن العشرين، كان جياكوميتي يمثل نوعاً من العقلانية المجردة التي ترى في الفنون إضافة للحياة، لا مجرد تفسير لها، وقام فنه على الفصل التام بين واقع العالم الخارجي وحقيقة العمل الفني التي تعكسها التجربة الذاتية للفنان، واعتبره بعض النقاد آخر الكلاسيكيين في فن النحت، مع أنه كان باعتقاد الآخرين من كبار المجددين، أسوة بمعاصريه: الإنجليزي هنري مور، والأميركي كالدر، صاحب فن المتحركات.
أمضى جياكوميتي، الذي ولد في الجانب الإيطالي بسويسرا، معظم حياته الفنية في محترفه الباريسي، يرسم وينحت، ويلتقي كبار الأدباء والفنانين، وعلى رأسهم أندريه بريتون، وجان بول سارتر، وجان جينيه، وروجيه غارودي، وصومائيل بيكيت، وميشال ليريس، ورينيه شار، وجاك لوبوشيه، وعشرات غيرهم كتبوا عن فنه في جميع مراحله الفنية.
ويعود تاريخ قطيعته مع الصيغ الأكاديمية إلى فترة انفصاله عن الدراسة، التي بدأها حين وصوله إلى باريس وهو في العشرين من عمره، حيث بدأ هاجس الحرب وكوابيسها ومآسيها والموت يسيّر جميع أعماله اللاحقة، من خلال تلك الوجوه المنخورة والأجساد الطويلة الصامتة التي تشبه الهياكل الشبحية المسلوخة التي أصبحت أصدق تعبير عن المواقف العبثية للفرد أمام حتمية الموت وسقوط جدوى الوجود التي سادت تلك المرحلة التاريخية.
ورافق جياكوميتي من خلال خطوات معدودة فقط المدرسة السريالية التي وجدت في أعماله بحثاً عن الأسرار الدفينة والغامضة في حياة الإنسان السيزيفي الذي تحكمه هواجس الموت والعدم، وثنائية البقاء والفناء، إلا أنه سرعان ما تخطى مفاهيم السريالية في محاولته للولوج إلى عوالم الدهشة الداخلية من خلال التجريبية، فاعتبرته فلسفة سارتر الوجودية النموذج الذي يعكس بأعماله نزيف التجربة الإنسانية التي تنوء بعبء شتى الهموم الوجودية، فكتب عنه سارتر يقول: «كيف يرسم جياكوميتي الفراغ؟ قبله يبدو أن لا أحد قد حاول ذلك. منذ خمسين سنة، تكاد تتفجر أعماله الفنية بسبب امتلائها، وفيها أدخل الشمولي بالقوة، من قماش اللوحات يبدأ جياكوميتي بتقشير العالم، وأخوه (ديغو) يبدو في الصورة وحيداً ظامئاً مكتفياً... وهذه هي دهشتنا أمام أعماله الفنية».
أما روجيه غارودي، في كتابه الشهير «واقعية بلا ضفاف»، فقد وصف منحوتات جياكوميتي بأنها إحدى أهم النماذج الفنية في عالمنا المعاصر التي «وصلت إلى ضفاف بلا حدود، حيث لا يمكن فصل التجربة الداخلية والعالم المحسوس، فهو يصل بالاثنين إلى تلك التجربة العظيمة التي تكون قادرة على عزل كثير من التجارب الإنسانية عن ذاكرتها وغدها. تداعب أنامل جياكوميتي العالم قبل أن تتحجر المادة».
إلا أن كتابات جان جينيه عن التجربة الفنية لجياكوميتي، التي صدرت في كتاب يحمل عنوان «الأسير العاشق»، تعتبر الأكثر عمقاً بين جميع الكتابات الأخرى، فهو يصفها كالتالي: «تجعلني (تجربته) أجد عالمنا لا يحتمل أكثر من ذي قبل، ما دام يظهر أن هذا الفنان قد عرف كيف يزيح ما كان يضايق نظرته، ليكتشف ما سيبقى من الإنسان عندما ستنحى الأعذار الكاذبة. لكن ربما كان لا بد أيضاً بالنسبة لجياكوميتي من هذا الشرط اللاإنساني المفروض علينا، حتى يصير حنينه على درجة من القوة تهبه القدرة لينجح في بحثه. ومهما يكن، فإن كل عمله يبدو لي هو ذلك البحث الذي أشرت إليه؛ بحث لا يتناول الإنسان وحسب، بل يمتد أيضاً إلى أي شيء، وإلى أتفه الأشياء».
كان جياكوميتي يرسم جينيه في محترفه الباريسي، وكان الأخير يحاوره، ويدّون ملاحظاته حول عمل الفنان الذي رأى فيه رحلات للبحث عن أسراره الدفينة وعلاماته الغامضة في الوجه الإنساني، على اعتبار أن الوجه هو سر الجسد الإنساني. كان جياكوميتي، سواء بالرسم أو النحت، يسعى لبلوغ جوهر الإنسان في عرائه الدائم، في مواجهته لحقيقة وجوده الغامضة والمجهولة، وكان كمن يتحسس المعالم التي يتألف منها وجه الكائن الإنساني، عبر تحسسه وتلمسه لتلك القسمات والتقاطيع التي يظل يعيد رسمها ونحتها عشرات المرات، وهي تفاصيل تعكس القلق الكبير الذي يرسمه وجود الإنسان في الحياة، وهو ما جعل العمل الفني عنده بمثابة الهاجس الذي حكم مساراته وتجاربه الفنية على مر السنين.
قال مرة جياكوميتي، ليدلل على هذا التوحد الذي تعكسه جميع أعماله النحتية ما بين الداخل والخارج لشخوصه النحتية، إنه شاهد في إحدى المرات إحدى الزوايا لغابة كبيرة، حيث الأشجار المقطوعة العارية التي بدّت له وكأنها أشخاص واقفون على الطريق... بدوا كأن ثمة حديثاً يدور فيما بينهم. وفعلاً، بعد ذلك بسنوات، أنجز الفنان عملاً سماه «الغابة»، يعود لسنة 1951، جمعه مع عمل آخر كان قد أنجزه في سنة 1950، ووضعهما على قاعدة واحدة، وهي عبارة عن قطعة أرضية مربعة، حملت عدداً من الأشخاص الذين تتراوح قاماتهم بين الطول والقصر، وكأنهم ينمون داخل تجاعيد أجسادهم النحيلة المتموجة، التي تعبر بشكل دقيق عن خلجات نفوسهم تعبيراً موحياً مؤثراً، لينشد كل منهما للآخر حواراً صامتاً من أجل البحث عن الضوء، تماماً كأنهم أشجار. إن مشاهدة تجمع هؤلاء الأشخاص عن قرب تعطي للوهلة الأولى شعوراً بأنهم يتنفسون تفردهم في هذه العزلة الموحشة، داخل هذا الفراغ الكبير، حيث يبحث كل منهم عما يحمي جسده الضئيل هذا. ولا يوجد فنان معاصر عرف كيف يخضع مثل هذه الشروط في التصّور الإنساني، ليكون كل شخص لديه بمثابة قاعدة مبنية بمزيد من الألم، ومزيد من الحقيقة، تتمدد، وتتعرض، وتتشاهق، ليشرف من خلالها المشاهد على الوضع البشري، وكأنها رحلة للبحث عن الحقيقة، وجدية الحياة، تبدأ من الجزئيات إلى التخطيط العام. عن هذه الرحلة التي تبدأ من هذه الشخوص المتفردة المعزولة في الاستراحة المتكافئة، يكتب جياكوميتي قائلاً: «النحت هو استراحة الفراغ في الفضاء، حيث ننقب من أجل أن نبني الأشياء. وفي بعض المرات، يكون هذا الشيء منتهياً مع خلق المساحة، والمساحة دائماً توجد ما بين الموضوعات ذاتها وعملية النحت». إذن، بالنسبة لجياكوميتي، الفراغ والعزلة والمساحة والمسافة هي العناصر الأساسية في تنظيم العمل النحتي، وهي العناصر والشروط التي تحدّ العالم والناس.



القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
TT

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

عاماً بعد عام وبدأب وطموح كبيرين يُثبت معرض فن أبوظبي مكانه في خارطة المعارض الفنية العربية، وهذا العام احتفل بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم في مقره بجزيرة السعديات الملتفة برداء الفنون. التجول في أروقة المعرض الفني يحمل الكثير من المتعة البصرية والفنية، نعيد مشاهدة أعمال لفنانين كبار، ونكتشف أعمالاً لم نرها من قبل لفنانين آخرين، ونكتشف في وسط ذلك النجوم الصاعدة. ولم يختلف الوضع هذا العام بل أضاف أقساماً جديدة ليستكشف الزائر من خلالها أعمالاً فنية بعضها عتيق وبعضها حديث، من الأقسام الجديدة هناك «صالون مقتني الفنون» و«فن جريء، فن جديد» و«طريق الحرير، الهويات المتبادلة» إضافة إلى معرض منفصل من مجموعة فرجام عن الفن الحديث والتحرر من الاستعمار سنعود له لاحقاً.

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

صالون مقتني الفنون

يُعد إضافة مميزة لنسخة هذا العام، ويعرض المخطوطات والأسطرلابات والتحف التاريخية والكتب النادرة بتنظيم من روكسان زند. نطلق الجولة من غرفة أنيقة حملت جدرانها خريطة ضخمة أحاط بها من اليمين واليسار قطعتان مثبتتان على الحائط، ونقرأ أنها كانت تُستخدم لحمل العمامة في العهد العثماني، في كوات حائطية نرى أطباقاً من الخزف أحدها يعود للقرن الـ16، ويصور فارساً عربياً على صهوة جواده، وفي أخرى إبريق ذهبي اللون يعود للعهد العثماني. في جناح «شابيرو للكتب النادرة» من بريطانيا نرى نسخاً من مصاحف تاريخية مزخرفة ومذهبة بجمال وحرفة لا تتخطاها العين، ما يجذب الزائر هو أن الكتب والمصاحف كلها في متناول اليد مفتوحة الصفحات ومنتظمة في عرض جميل.

مصاحف أثرية (الشرق الأوسط)

تستعرض القائمة على العرض بعض القطع المميزة، وتقول: «إنها المرة الأولى التي نشارك فيها في معرض أبوظبي. نعرض بعض المخطوطات والكتب النادرة من متجرنا في لندن، منها صفحة من مصحف بالخط الحجازي يعود للقرن السابع، وبعض المصاحف المصغرة أحدها يعود للقرن الـ19». وعن الأسعار تقول إنها تتراوح ما بين آلاف الدولارات لبعض اللوحات التي تعود لعهد الحملة الفرنسية على مصر، أما المصاحف فتتراوح أسعارها حسب تاريخها ونسبة مالكيها السابقين، كمثال تشير إلى نسخة تعود لبلاد فارس في القرن الـ16 سعرها 335 ألف دولار، وصحائف من القرآن تتراوح أسعارها ما بين 20 و30 ألف دولار. هنا أكثر من مثال للمصاحف المصغرة منها مصحف مكتوب بدقة متناهية بالذهب على أوراق خضراء اللون مشكلة على نحو ورق الشجر، وبجانبه نرى مصحفاً مصغراً آخر محفوظاً في علبة ذهبية تتوسطها عدسة مكبرة. الكتابة دقيقة جداً، وهو ما يفسر وجود العدسة المكبرة، تقول: «هذا المصحف ليس مكتوباً باليد مثل المصاحف الأخرى هنا، بل مطبوع من قبل دار نشر في غلاسكو في عام 1900 باستخدام تقنية جديدة للطباعة الفوتوغرافية. ومثل هذا النوع من المصاحف المصغرة كانت تطبع لاستخدام الجنود البريطانيين المسلمين في الحرب العالمية الأولى، وكانوا يرتدونها معلقة في قلائد كتعويذة، يقدر سعر المصحف بـ3.5 ألف دولار أما المصحف على هيئة ورقة الشجر فيقدر سعره بـ40 ألف دولار.

مصحف مصغر مطبوع في غلاسكو عام 1900

نمر على «غاليري آري جان» الذي يعرض لوحات المستشرقين من القرن الـ19، ومنها أعمال جاك ماجوريل، ثم نصل إلى جناح «كتب دانيال كاروش النادرة» الذي يعرض مكتبة تضم أكثر من 500 ألبوم صور تحتوي على صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي الأوسع. هنا نرى مجموعة من الصور النادرة المكبرة معروضة على كامل الحائط، من ضمنها صور من الجزيرة العربية قديماً، بعضها لأشخاص مشهورين مثل الرحالة غيرترود بيل ولورانس العرب، وغيرها لأشخاص لا نعرف أسماءهم، نرى أيضاً صوراً للكعبة المكرمة وصوراً عامة لأشخاص يرتدون الزي العربي. في الصدارة مجموعة من المجلدات، يقول عنها المشرف على الجناح إنها المجموعة الكاملة التي تضم 33 ألف صورة من 350 ألبوماً، يقول: «إنَّ المجموعة تعود لسيدة من لندن تُدْعَى جيني ألزوث، وإنها جمعت الصور على مدى 25 إلى 30 عاماً. الشيء المثير للاهتمام في هذه المجموعة هو أنها تعبّر عن لمحات من الحياة اليومية في الجزيرة العربية التقطها زوار أوروبيون بريطانيون على مدار 130 عاماً».

صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي

يضيف محدثنا أن الصور لم تنشر من قبل، «نأمل أن تقدم هذه الصور سرداً لتاريخ المنطقة لم يوثقه أحد من قبل»، ويقدر سعرها بمبلغ 2 مليون دولار.

ولفت جناح دار «كسكينار - كنت آنتيكس» الأنظار إليه بمجسم لحصان وضع عليه سرج صُنع للسلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) ومزين بـ1036 شكلاً مذهباً، منها أكثر من 500 نجمة فضية، وكل نجمة يصل وزنها إلى 11 غراماً تقريباً، ويصل سعر السرج إلى 3 ملايين دولار.

«فن جريء، فن جديد»

«فن جريء، فن جديد»، بإشراف ميرنا عياد، يعيد عرض أعمال لفنانين مهمين كان لهم أدوار محورية في تاريخ الفن في المنطقة. من خلاله تستعرض صالات من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وفرنسا، مجموعة ملهمة من أعمال الفن الحديث لفنانين وفنانات رواد من أوائل الستينات، وحتى أوائل الثمانينات»، وفي هذا الإطار نستمتع بنماذج رفيعة لرواد أمثال إنجي أفلاطون من مصر ونبيل نحاس من لبنان وسامي المرزوقي من السعودية وغيرهم. الأعمال المعروضة في هذا القسم لها ألق خاص فهي تعيد فنانين حفروا أسماءهم في تاريخ الفنون في بلادهم، وفي الوطن العربي بعضهم انحسرت عنه أضواء السوق الفنية، وأعادها العرض مرة أخرى لدائرة الضوء.

عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

في «غاليري ون» نرى أعمالاً للفنانة الأردنية الفلسطينية نبيلة حلمي (1940-2011)، يصف موقع المتحف الوطني الأردني أسلوب الفنانة الراحلة بأنه خليط من «الكولاج والألوان المائية والحبر الصيني. تتميز أعمالها الزيتية بشفافية حالمة وعفوية، فيها تجريد تعبيري يتسم بالغموض والنضج الفني». نرى هنا نماذج لأعمالها، ونتحدث مع المشرف على القاعة عنها، يقول إنَّ الفنانة لها أعمال في متاحف عالمية وعربية، ولكنها قليلة في السوق التجارية. الفنانة الثانية هي إميلي فانوس عازر (فلسطينية، مواليد الرملة عام 1949)، ويعرض لها الغاليري أكثر من عمل منها بورتريه لامرأة تنظر إلى الأمام بينما عقدت ذراعيها أمامها، العمل يجبر الزائر على التوقف أمامه والتأمل فيما يمكن أن تخفيه تلك المرأة خلف نظرتها الواثقة والعزيمة التي تنبعث منها.

بورتريه للفنانة إميلي فانوس عازر (الشرق الأوسط)

من مصر يقدم «أوبونتو آرت غاليري» المشارك للمرة الأولى عدداً من أعمال الفنان المصري إيهاب شاكر (1933-2017)، المألوفة للعين، فالفنان له خطوط مميزة رأيناها في أعمال الكاريكاتير التي نشرها في الصحف المصرية. يقول المسؤول عن الغاليري إن شاكر انتقل للعمل في مسرح العرائس مع شقيقه ناجي شاكر قبل أن يسافر إلى فرنسا في عام 1968 حيث عمل في مجال أفلام الرسوم المتحركة، ونال عدداً من الجوائز عن أحد أفلامه. تلفتنا تعبيرات شاكر التي تحمل عناصر شعبية مصرية يقول عنها محدثنا إنَّها تبعث البهجة، ويشير إلى أن الحس الموسيقي يميز أعمال الفنان أيضاً، ويظهر ذلك في الوحدة والتناغم بين العناصر، ويؤكد أن «لديه خطوطاً مختلفة عن أي فنان آخر».

من أعمال الفنان إيهاب شاكر (الشرق الأوسط)

 

في «غاليري بركات» من بيروت نجد مجموعة من الأعمال المتنوعة ما بين اللوحات والمنحوتات الخشبية والبرونزية، يتحدث معنا صالح بركات مالك الغاليري عن الأعمال المعروضة، ويبدأ بالإشارة لعمل ضخم من البرونز للفنان معتصم الكبيسي يمثل أشخاصاً يتهامسون: «يعكس خلفيات المسرح السياسي، الكل يتهامس، وما لا يقال قد يكون أكثر أهمية مما يقال». للفنان جوزف الحوراني منحوتات خشبية تحمل كتابات بالخط العربي، تنتظم ببراعة، وتتضافر في تشكيلات خشبية مدهشة تجعلنا ندور حولها، ونحاول قراءة الجمل المكتوبة، ومنها «مصائب قوم عند قوم فوائد» و«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ». «عبقرية!» يصفها صالح بركات، ويتحدث عن الخط العربي ونقله للعالم المعاصر: «أنا اليوم يعنيني أن نحافظ على تراثنا بطريقة عصرية. نريد أن نأخذ تراثنا للمستقبل».

من أعمال الفنان العراقي سيروان باران (الشرق الأوسط)

ينتقل إلى عملين للفنان سروان بهما الكثير من الحركة، نرى أشخاصاً يتحركون في اتجاهات مختلفة، يحملون حقائب وأمتعة، ليست حركة مرحة بل متعجلة، يعلق: «الفنان لا يتحدث فقط عمّن يرحل، بل أيضاً عمّن يعود، حالات ذهاب وعودة وضياع».

 

الفن السعودي حاضر

عبر مشاركات في «غاليري أثر» و«غاليري حافظ» نرى عدداً من الأعمال الفنية السعودية المميزة، فيعرض «غاليري أثر» مجموعة من أعمال الفنانة المبدعة أسماء باهميم تفيض بالحيوانات الأسطورية وقصص من الخيال مرسومة على الورق الذي تصنعه الفنانة بيدها. للفنانة باهميم هنا مجموعتان جذابتان: «ملاحظات في الوقت» و«فانتازيا». تستكشف الأخيرة الفروق الدقيقة والتعقيدات في سرد القصص. وتتعمق «ملاحظات في الوقت»، وهي سلسلة أحدث، في الفولكلور العربي، وتفحص الأدوار الجنسانية في الحكايات التقليدية وتأثيرها اللاحق على الهوية الثقافية.

من أعمال الفنانة أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

كما يقدم «أثر» عدداً من أعمال رامي فاروق الفنية وسلسلة للفنانة سارة عبدو بعنوان «الآن بعد أن فقدتك في أحلامي، أين نلتقي». أما «غاليري حافظ» فيقدم صالتين تتضمنان أعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين والحديثين، فيقدم عدداً من أعمال الفنان سامي المرزوقي تتميز بألوانها وخطوطها التجريدية. وفي قسم الفن المعاصر يعرض أعمال الفنانة بشائر هوساوي، التي تستمد فنونها من بيئتها الغنية وذاكرتها البصرية العميقة، باستخدام مواد طبيعية مثل النخيل، وتعبر عن موضوعات مثل الانتماء، والحنين، والهوية الإنسانية المتغيرة. بجانبها يستعرض سليمان السالم أعماله التي تتعمق في الطبيعة الزائلة للوجود. باستخدام تقنيات الطباعة العدسية والفيديو ووسائط أخرى، تستكشف أعماله التفاعل بين الشعور والإدراك والتواصل الإنساني.