العلاقات التركية ـ الإسرائيلية الخلاف السياسي لا يفسد ود العسكر

عشر سنوات في عهد إردوغان ضاعفت التعاون مع الدولة العبرية عشرات المرات

العلاقات التركية ـ الإسرائيلية الخلاف السياسي لا يفسد ود العسكر
TT

العلاقات التركية ـ الإسرائيلية الخلاف السياسي لا يفسد ود العسكر

العلاقات التركية ـ الإسرائيلية الخلاف السياسي لا يفسد ود العسكر

تعد القضية الفلسطينية من المواد الأساسية في الحرب الدعائية التي تسبق الانتخابات الرئاسية التركية المقررة بعد أقل من أسبوعين، بسبب التعاطف التركي الكبير مع الشعب الفلسطيني.
لهذا كان لاتهامات المعارضة التركية لحكومة حزب العدالة والتنمية إبقاء التعاون العسكري مع إسرائيل، وقع كبير في الشارع التركي المتحفز، مما استدعى قيام رئيس الحكومة رجب طيب إردوغان بإصدار بيان مفصل يرد فيه على كل هذه الاتهامات. ويدرك إردوغان جيدا، أن ارتباط اسم حكومته بالتعاون مع إسرائيل، في خضم الحرب الدائرة في غزة، يمثل مغامرة غير محسوبة العواقب، ولهذا كان جازما في نفي تقارير عدة صدرت عن استمرار التعاون العسكري وتوريد النفط العراقي إلى إسرائيل، بالإضافة إلى استعمال قاعدة الإنذار المبكر في ملاطيا، لصالح القبة الحديدة الإسرائيلية برصد أي صواريخ تطلقها التنظيمات الفلسطينية وتحديد أماكنها.
وتعد تركيا، من أكثر الدول الإسلامية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، وهي علاقات – للمفارقة – نمت بشكل كبير خلال حكم الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية، وتراجعت خلال حكم العلمانيين، لكن العلاقات العسكرية بقيت على حرارتها بخلاف الأوضاع السياسية، فكان التعاون وثيقا بين الطرفين، انطلاقا من مساعي الولايات المتحدة إلى إنشاء تحالف يواجه المد الشيوعي، كما أن عضوية البلدين في حلف شمال الأطلسي تشكل بدورها معيارا أساسيا لاستمرار التعاون العسكري.
وكانت إسرائيل المنفذ الوحيد لتركيا، بعد عقوبات أوروبية – أميركية على قطاعها العسكري جراء غزوها شمال جزيرة قبرص عام 1978، حيث قامت إسرائيل بتحديث الجيش التركي وكانت الشركات الإسرائيلية لاعبا أساسيا في الحقل العسكري التركي.
ورغم إعلان تركيا تعليق التعاون العسكري بين البلدين، في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على قافلة المساعدات التركية إلى غزة عام 2010، ومقتل عشرة أتراك على متن السفينة «مافي مرمرة» التي هاجمتها البحرية الإسرائيلية، فإن تقارير عدة أشارت إلى استمرار هذا التعاون، من خلال اتفاقات موقعة بين البلدين يزيد عدد العسكري منها على 60 اتفاقية.
ويعود آخر تعاون عسكري معلن بين البلدين إلى عام 2013، حيث ذكرت مصادر بالحكومة التركية أن شركة إسرائيلية زودت تركيا بمعدات عسكرية. وقالت المصادر إن شركة «إيلتا» الدفاعية الإسرائيلية سلمت تركيا أجهزة إلكترونية بقيمة 100 مليون دولار لأربع طائرات مزودة بنظام الإنذار والمراقبة المحمول جوا (أواكس). وقال مسؤول بوزارة التركية حينها إن «تركيا اشترت الأجهزة من (بوينغ) والشركة الإسرائيلية هي مجرد وكيل لـ(بوينغ) ، وهو ما يعني أن علاقتنا المباشرة هي مع (بوينغ) فقط وليس مع إسرائيل». لكن مصدرا بقطاع الصناعة العسكرية الإسرائيلية أكد الصفقة. وقال المصدر إن إسرائيل لم تكن ترغب في بادئ الأمر في إتمام صفقة شركة «إيلتا»، لكنها عدلت عن موقفها عام 2011 في أعقاب طلبات من «بوينغ». كما ذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن إسرائيل قامت بإمداد تركيا بمنظومات عسكرية متطورة.
وعلى الرغم من تراجع العلاقات بين البلدين بعد حرب عام 2009 في غزة، فإن عام 2010 حمل معه قفزة نوعية في العلاقات العسكرية. فقد زار حينها وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك أنقرة، ووصفت الزيارة بأنها نجحت في إعادة العلاقات بين البلدين إلى مسار إيجابي. وكشف مصدر مرافق له أن هناك 60 معاهدة سارية المفعول للتعاون المشترك في قضايا الأمن والعسكر. وقال المصدر إن هذه المعاهدات كانت في حالة خطر بسبب تأزم العلاقات السياسية بين إسرائيل وتركيا، خصوصا في فترة عملية «الرصاص المصبوب». وقد بذلت جهود خارقة من باراك ومسؤولين إسرائيليين آخرين لإعادة المياه إلى مجاريها، لكن إهانة السفير التركي في تل أبيب في مكتب نائب وزير الخارجية، داني أيلون، أعادت العجلة إلى الوراء. والآن، بعد نجاح زيارة باراك، اتفق الجانبان على الاستمرار في تفعيل هذه المعاهدات وتوسيع نطاقها.
والمعاهدات المذكورة تتعلق بعدة صفقات أسلحة وخدمات تبيعها إسرائيل إلى تركيا، بينها: تزويدها بعشر طائرات تجسس مقاتلة بلا طيار من طراز «هارون» الإسرائيلية الصنع، تحديث طائرات «فانتوم» التركية المقاتلة في مصانع شركة سلاح الجو في تل أبيب، تحديث دبابات تركية قديمة، تعاون أمني واسع في إطار «مكافحة الإرهاب»، تدريبات مشتركة على القتال، جوا وبحرا وبرا، تدريبات مشتركة على الإنقاذ وتزويد الجيش التركي بأجهزة اتصال ذات تقنية إلكترونية حديثة، تبادل المعلومات في مجال الأمن وغيرها. وقال باراك،، في تلخيصه هذه الزيارة إنها كانت بالغة الأهمية وفي بعض الأحيان مفاجئة في الحميمية. ولفت باراك إلى تصريحات وزير الدفاع التركي، محمد وجدي غونول، الذي قال إن هناك علاقات تحالف استراتيجي بين البلدين ما دامت مصالحهما المشتركة تتطلب ذلك. وأضاف: «نحن لا نستخدم كلمة (تحالف) حتى لوصف علاقاتنا مع الولايات المتحدة، أكبر أصدقاء إسرائيل، ولذلك فعندما يستخدم قادة تركيا هذا التعبير، وتركيا تعد دولة كبرى في الشرق الأوسط، فهذا يعني الكثير».
ويقول تركار إيرترك، من معهد الأبحاث الاستراتيجية، وهو لواء متقاعد ومدير الكلية البحرية سابقا لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات التركية الإسرائيلية بدأت قبل 60 عاما ولكن في الـ50 عاما الأولى كانت محدودة جدا، وكانت إسرائيل في كل مناسبة تسعى إلى تطوير وزيادة هذه العلاقات ولكن الدولة التركية كانت تعد أن تطويرها سيضر بالمصالح مع الدول العربية والإسلامية».
ويضيف: «إردوغان يهاجم ويشتم ويلعن إسرائيل في كل صباح ومساء وفي كل مكان لحملاته الانتخابية. في المقابل فإن العلاقات الإسرائيلية - التركية التي يبلغ عمرها 60 عاما تضاعفت عشرات المرات خلال حكم إردوغان في العشر سنين الماضية فرفعت تركيا التأشيرات للإسرائيليين من جانب واحد وقامت ببيع مياه نهر منفجات الذي يصب في المتوسط ومنحت الشركات الإسرائيلية تحديث طائرات مقاتلة تركية قديمة واشترت من إسرائيل طائرات دون طيار ووصل حجم التجارة في المجال الزراعي إلى القمة كما في المجال السياحي». ويشير إيرترك إلى أن تركيا تعفي الأحجار الكريمة التي تأتي من إسرائيل من أي ضرائب ولهذا تعد جنة لتجار الجواهر التركية وهذا حصل في عهد إردوغان
ويرى إيرترك، وهو من معارضي سياسة إردوغان أن «الهدف الرئيس لإنشاء قاعدة الإنذار المبكر في كوراجيك بمدينة ملاطيا هو حماية وأمن إسرائيل». ويقول: «هناك مشروع ينفذ في المنطقة لمساعدة إسرائيل على السيطرة الكاملة على حقول الغاز الموجودة شرق المتوسط ونقلها بخطوط غاز عبر البحر إلى تركيا ومن هناك إلى أوروبا، ولكن من أجل هذا أيضا يجب أن تقبل قبرص بأن تلعب تركيا هذا الدور ولهذا تسرع حكومة إردوغان في مساعيها لحل المعضلة القبرصية بأي شكل حتى لو كان على حساب جمهورية شمال قبرص التركية».
فعلى سبيل المثال أصدر مركز الإحصاء في تركيا تقريره للتجارة الخارجية التركية لعام 2014 وفوجئنا بأن التجارة بين تركيا وإسرائيل في الأشهر الستة الأولى مقارنة بالأشهر الستة الأولى لعام 2013، زادت بنسبة 24.9 في المائة، فقد وصل مقدار الصادرات إلى إسرائيل 265 مليون دولار، كما أن مجموع حجم التجارة بين البلدين وصل إلى واحد مليار و617 مليون دولار وهذا يعني أن حكومة العدالة تستورد من إسرائيل ستة أضعاف ما تصدر لها.
وهذا الفارق الشاسع بين الصادرات والواردات يأتي من الأسلحة والمعدات التي تشتريها تركيا من إسرائيل، فمثلا قامت حكومة إردوغان بدفع مبلغ 900 مليون دولار للشركات الإسرائيلية لتحديث أسطولها الحربي من طائرات «فانتوم إف 4 واف 5»، ودفعت أيضا 500 مليون دولار لتحديث 170 دبابة من طراز إم60، كما يوجد اتفاق على شراء صواريخ «دليلة» التي بلغ مداها 400كم، كما أن الكونغرس الأميركي وافق لإسرائيل على بيع تركيا صواريخ «أرو» المشتركة الصنع بقيمة 150 مليون دولار، كما أن تركيا ما زالت تنتظر باقي صفقة طائرات «هارون» دون طيار وهي عشر طائرات بلغت تكاليفها 183 مليون دولار
باختصار التجارة بين البلدين هي لصالح إسرائيل لأنها تصدر وتبيع لحكومة العدالة الأسلحة، ففي عام 2002 لم يكن حجم التبادل التجاري بضعة ملايين من الدولارات اليوم يتعدى خمسة مليارات دولار خلال عشر سنوات.
ويلفت محمد يوفى الأستاذ في العلوم السياسية إلى ما يقوله إردوغان دائما من أنه من السياسيين الذين يتبعون خط عدنان مندريس في السياسة، عادا أن خط سياسة حزبه وحكومته امتداد لهذا السياسة، ويقول يوفي: «هذه المقولة تكفي لأن نفهم أو نقيم علاقة حكومات العدالة مع إسرائيل، لأن العلاقات الإسرائيلية التركية بدأت بعد أن تربع عدنان مندريس على سدة الحكم في تركيا في بداية الخمسينات من القرن الماضي حيث ربطت أميركا تركيا وحكومتها الجديدة آنذاك بإسرائيل مباشرة، وكانت تركيا أول بلد إسلامي يعترف ويقيم علاقات معها. وزادت حميمية هذه العلاقات بعد أن دخلت تركيا حلف شمال الأطلسي عام 1952 خاصة على مستوى تبادل المعلومات الاستخباراتية، ففي تلك الفترة كانت تركيا كدولة مسلمة تقيم هذه العلاقات مع إسرائيل من خلف الكواليس وذلك لخجلها من الدول الإسلامية».
أما بالنسبة للعلاقات الإسرائيلية مع حكومة العدالة والتنمية فقد بدأت منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي عندما كان إردوغان مسؤول فرع حزب الرفاه في إسطنبول الذي كان يترأسه نجم الدين أربكان حيث تعرف إردوغان على السفير الأميركي في أنقرة آنذاك مورتون إبراموفيتس، الذي قام بربط إردوغان بشخصية أميركية مهمة جدا لإسرائيل ألا وهو بول ولفوفيتز، الذي شغل منصب وزير الدفاع الأميركي فيما بعد. وعندما بدأ الأميركيون بالتفكير في دعم الإسلام الليبرالي في المنطقة لم يكن أمامهم إلا أن يدعموا الإسلاميين في تركيا لأن العلمانيين لا يمكن أن يكونوا مثالا للدول الإسلامية في المشروع الأميركي الجديد.
ولهذا السبب يمكن أن نقول إن إردوغان ومنذ أن بدأ حياته السياسية كان مدعوما من قبل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية ولهذا قام المؤتمر اليهودي الأميركي عام 2004 وهو من أهم المحافل اليهودية في أميركا وبخطوة منقطعة النظير بمنح إردوغان وسام الشجاعة وهذا الوسام فقط منح لعشرة أشخاص منذ تأسيس المؤتمر وكان إردوغان أول شخص غير يهودي يمنح هذا الوسام، وقال المسؤول عن المؤتمر اليهودي أثناء تقديم الوسام إلى إردوغان إن هذا الوسام ليس فقط تقديرا للخدمات التي قام بها إردوغان لأميركا بل أيضا يعد تقديرا للخدمات التي قام بها لدولة إسرائيل وموقفه الطيب حيال المجتمع اليهودي في العالم.
ويستغرب يوفي كيف أن الحكومة التركية أكدت الأسبوع الماضي على استمرار العلاقات التجارية مع إسرائيل، رغم كل ما يجري في غزة. موضحا أن الإحصاءات الرسمية التي تصدر عن مؤسسة الإحصاء التركية تقول إنه حتى يونيو (حزيران) من عام 2014 قد وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى ثلاثة مليارات و100 مليون دولار أميركي، في حين أن العلاقات التجارية بين تركيا وفلسطين لم تتجاوز 44 مليون دولار. وأشار إلى أنه من بين المواد التي صدرتها تركيا إلى إسرائيل معدات عسكرية بقيمة 11 مليون دولار مثل القنابل والغازات الكيماوية التي تستخدم في الحروب، وهذه الأرقام فقط في النصف الأول من عام 2014. كما أن تصريحات وزير الطاقة تنار يلدز حول نقل تركيا للنفط العراقي إلى إسرائيل تؤشر على هذا، إذ قال إننا مجبرون على إيصاله لمن يريد لأننا لا نمتلك القرار في اختيار الجهة التي ستشتري النفط العراقي.
وفي الإطار نفسه يقول الكاتب علي بولاج إنه لا بد من النظر إلى العلاقات التركية الإسرائيلية من اتجاهين، الأول، العلاقات الرسمية، والثاني، العلاقات على صعيد الشعبيين، فمن ناحية العلاقات الشعبية فإن الشعب التركي المسلم ينظر إلى إسرائيل على أنها دولة احتلال للأراضي الفلسطينية، ولهذا دائما نرى استنكارا شعبيا لما تقوم به إسرائيل من ظلم واضطهاد للفلسطينيين. أما من ناحية العلاقات الرسمية فإنها تختلف تماما بل تكاد تتقارب مع المواقف الشعبية والسبب في هذا أن تركيا دولة حلف شمال أطلسي وتتماشى مواقفها الرسمية مع مواقف الأطلسي حيال إسرائيل. ويضيف: «لو نظرنا إلى الموقف الذي أداه إردوغان في قمة دافوس الاقتصادية واتهم إسرائيل بأنها تتفنن في قتل الأطفال، ثم بدأ حملة لمساعدة الشعب الفلسطيني وإرسال قافلة سفن مرمرة لرفع الحصار عن غزة واقتحام القوات الإسرائيلية لسفينة مرمرة وقتل عشرة من المواطنين الأتراك، لذلك كان يجب أن تكون العلاقات التركية - الإسرائيلية على أسوأ وجه، ولكن العلاقات الرسمية لم يصبها أي تشويه واستمرت العلاقات بين الدولة التركية وإسرائيل على أعلى مستوى خاصة التجارية منها حيث زاد حجم التجارة في عهد حكومة العدالة والتنمية بين البلدين إلى 250 في المائة، هذا الحجم من التجارة لم يقتصر على التجارة العادية بل كان الجزء الأكبر منه معدات عسكرية باعتها إسرائيل إلى تركيا في المقابل تقوم تركيا ببيع المواد الكيماوية لإسرائيل والأهم من هذا وذك والذي يدمي القلوب هول قاعدة الإنذار المبكر التي توجد في مدينة ملاطيا والتي تقوم بنقل جميع المعلومات إلى إسرائيل مباشرة، حسب معلومات الخبراء فإن القاعدة تقوم بإنذار إسرائيل عن أي تحركات أو هجوم يمكن أن تتعرض إليه من دول المنطقة ومن بينها ما يطلق على إسرائيل من غزة وخلال ثوان تعطي المعلومات للقبة الحديدية التي تقوم بالتصدي لأي صاروخ. كما أن جريدة (شالوم) التي تصدر عن جماعة اليهود في تركيا ونقل عنها الإعلام الإسرائيلي أن سفن ابن إردوغان هي التي تنقل النفط الذي يأتي من شمال العراق إلى إسرائيل».
ويؤكد بولاج أن العلاقات الإسرائيلية التركية المستقبلية لن تتغير لأن تركيا لا تمتلك القوة للضغط على إسرائيل، حتى على صعيد التجارة فإن الحكومة التركية لا تمتلك زمام الأمور للتقليل أو الحد من التجارة بين البلدين.
* تاريخ العلاقات بدأ عام 1949
* عرض تقرير صدر عن رئاسة الوزراء التركية لتاريخ العلاقة بين تركيا وإسرائيل، فأشار إلى أن «الحكومات التركية منذ الماضي وحتى الآن، تتبنى مواقف قائمة على مبادئ في علاقاتها مع إسرائيل»، موضحا أن «الجمهورية التركية حينما تعلن عن سياستها تجاه إسرائيل تضع في عين الاعتبار مواقف إسرائيل ذاتها المعارضة للشعب الفلسطيني، وعملية السلام، والقانون الدولي».
وذكر التقرير أن تركيا اعترفت بدولة إسرائيل عام 1949، وأن العلاقات الدبلوماسية بينهما بدأت عام 1950 وكانت البداية عبارة عن ممثلية دبلوماسية، ليتم خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما إلى درجة «القائم بالأعمال» في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 1956 أثناء العدوان الثلاثي (البريطاني - الفرنسي - الإسرائيلي) على مصر، لتحدث عقب ذلك تطورات إيجابية أدت إلى إعادة فتح الممثلية الدبلوماسية ثانية في يوليو (تموز) 1963، ثم يرتفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين لدرجة سفير في يناير (كانون الثاني) 1980.
لكن انخفض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين مجددا، في 30 نوفمبر 1980، لكن هذه المرة إلى مستوى «سكرتير ثان»، وذلك عقب ضم إسرائيل القدس الشرقية لها، وإعلانها عاصمة أبدية لها. وقال التقرير إن العلاقات بدأت تتطور بعد ذلك في إطار «عملية سلام أوسلو» 1993، لتعود إلى طبيعتها في الفترات الذي أسهمت فيها الحكومات الإسرائيلية في عمليات السلام، والتي شهدت ارتفاعا ملحوظا في التطلعات والآمال الدولية والإقليمية المنعقدة على عمليات السلام تلك.
وأكد البيان أنه في الفترات التي كانت تعود فيها إسرائيل إلى سياساتها الاستيطانية، وعمليات قتل الفلسطينيين، كانت تركيا تتخذ الخطوات اللازمة، وتندد بتلك الأعمال بشكل شديد اللهجة.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.