التلويح بإلغاء زيادة الرواتب يقابله التهديد بـ«ثورة شعبية»

وزير المال ونائب رئيس البنك الدولي أكدا على مواجهة الأزمة الاقتصادية

الرئيس سعد الحريري مجتمعاً أمس مع وزير المال علي حسن خليل (دالاتي ونهرا)
الرئيس سعد الحريري مجتمعاً أمس مع وزير المال علي حسن خليل (دالاتي ونهرا)
TT

التلويح بإلغاء زيادة الرواتب يقابله التهديد بـ«ثورة شعبية»

الرئيس سعد الحريري مجتمعاً أمس مع وزير المال علي حسن خليل (دالاتي ونهرا)
الرئيس سعد الحريري مجتمعاً أمس مع وزير المال علي حسن خليل (دالاتي ونهرا)

في موازاة الأزمة السياسية التي تواجه تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، تبرز معالم أزمة أخطر، تتمثّل في طرح المرجعيات المالية والاقتصادية، لأفكار ترمي إلى إلغاء سلسلة الرتب والرواتب (زيادة الرواتب) التي أقرّت للعسكريين وموظفي القطاع الخاص في ربيع العام الماضي أو تخفيضها. وتهدف هذه الخطوة إلى الحدّ من العجز المالي الذي ينذر بانهيار شامل، وتجنّب إمكانية وقف دفع الرواتب لموظفي الدولة، لكنّ هذه الأفكار التي بدأت تنتشر على نطاق واسع، قابلتها الهيئات النقابية بتحذير شديد اللهجة، والإنذار بـ«العودة إلى الشارع وقيادة انتفاضة عارمة لا أحد يعرف كيف تكون نهايتها».
هذه الخطوة التي تهدد مداخيل ما يزيد على 200 ألف موظف في القطاع العام، استدعت موقفاً لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي أكد أن «سلسلة الرتب والرواتب حق للموظفين، وأي طرح لهذا الموضوع يطلق شرارة الثورة». وسبقه كلام لوزير المال علي حسن خليل، طمأن فيه إلى عدم المساس بحقوق الموظفين.
ورغم الاعتراف بالمكتسبات المالية لموظفي الدولة، يجد المعنيون بالشأن المالي أن لا بدّ من معالجة النزف الكبير في ميزانية الدولة، وأشار وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري إلى أن «ما يطرح في موضوع السلسلة عبارة عن أفكار يجري تداولها». ورأى أن «التضخم بالقطاع العام بات أكبر من القدرة على استيعابه، والدولة لم تعد قادرة على تحمله، لأنه يثقل المالية العامة». وكشف خوري في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «أكثر من 30 في المائة من الناتج المحلي يذهب لرواتب الموظفين، ومثله لخدمة الدين العام»، مؤكداً أن «سلسلة الرتب أتت بالتزامن مع زيادة عدد موظفي الدولة وزيادة كلفتهم على الحزينة».
نذر التصعيد عبّر عنها بوضوح بيان أصدرته هيئة التنسيق النقابية، أعلنت فيه أن «المسّ بسلسلة الرتب والرواتب لعب بالنار». وقالت: «لبنان ليس بحاجة إلى ثورة الشارع مجدداً، بل إلى انتفاضة عارمة، نعرف أولها، ولكن لا ندري كيف تكون نهايتها».
هذا الموقف النقابي الذي يقارب التهديد، يتحسس السياسيون خطورته، لما للقوى النقابية من قدرة على تعطيل المؤسسات العامة، والنزول بكثافة إلى الشارع، وقال وزير الاقتصاد رائد خوري: «لا أحد ضدّ سلسلة الرتب والرواتب، لكننا نحتاج إلى قطاع خاص يبني المصانع والشركات، ويخلق فرص العمل لتوظيف آلاف الشباب في القطاع الخاص وليس في إدارات الدولة». ورأى أن «الحلّ مرتبط باتخاذ أربع خطوات عاجلة، الأولى معالجة أزمة الكهرباء بسرعة وحلّها جذرياً في أقلّ من سنتين، لأنها توفر على الخزينة نحو ثلاثة مليارات دولار سنوياً. الثانية تخفيف حدّة سلسلة الرتب عبر فرض ضريبة معينة على الرواتب التقاعدية، ووقف المكافآت ومخصصات أعضاء اللجان. الثالثة معالجة عجز الميزان التجاري، عبر فرض رسوم جمركية مرتفعة على البضاع المستوردة، بما يؤدي إلى تخفيف الاستيراد وتشجيع الصناعات المحلية. والرابعة وقف منافذ التهريب عبر الحدود البرية والبحرية بشكل نهائي».
ويشكّل قدامى القوات المسلّحة رأس حربة الاعتراض على محاولة الالتفاف على سلسلة الرتب والرواتب، خصوصاً أن الأفكار المتداولة تصوّب على مستحقاتهم التقاعدية، واعتبر القائد السابق لفوج المجوقل في الجيش اللبناني العميد الركن المتقاعد جورج نادر أن «هناك شعوراً باستهداف القوى العسكرية في رواتبها، لا سيما المتقاعدين منهم». وعبّر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن أسفه لأن «بعض السياسيين يخاطبون المجتمع الدولي، ويسوّقون لنظرية أن الإصلاحات المطلوبة لمؤتمر (سيدر) لا تتحقق إلا عبر تخفيف رواتب القطاع العام، وخصوصاً رواتب العسكريين والمتقاعدين، وكأن مشكلة مالية الدولة تمكن في رواتب العسكريين فقط». وتوقّف العميد نادر عند تصريحات لرئيس غرف الصناعة والتجارة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير، الذي «حمّل الموظّف عبء إخفاق السياسيات الاقتصادية في لبنان». وأشار إلى أن «هذا الكلام كرره وزير الخارجية جبران باسيل، ما يؤشر إلى أن كل الطبقة السياسية متفقة على تخفيض رواتبنا». وقال العميد نادر الذي يقود الحركة الاعتراضية لمتقاعدي القوات المسلّحة: «اتفق السياسيون على تسمية المتقاعدين بـ(القطاع غير المنتج)، لكننا لن نسكت عن هذه الإهانة». وأضاف: «لن نفرّط بلقمة عيش أولادنا، وسنلجأ إلى اعتصام تحذيري في الأيام المقبلة في وسط بيروت، وبعدها سنلجأ إلى إجراءات موجعة، وعلى المسؤولين في السلطة تحمل نتائجها».
إلى ذلك، التقى وزير المال في حكومة تصريف الأعمال، علي حسن خليل، نائب رئيس البنك الدولي فريد بلحاج، يرافقه المدير الإقليمي ساروج كومار، على رأس وفد من البنك، وجرى التداول في الوضع اللبناني بكل أوجهه وفي وضع مشاريع البنك الدولي التي يجري تنفيذها في لبنان وتلك المزمع المباشرة بها، وكان تشديد على أهمية الشراكة بين لبنان والبنك الدولي، خصوصاً أن المشاريع بينهما تمس قطاعات حيوية. وأكد الجانبان على ضرورة «تعزيز الاستقرار السياسي»، معتبرين أن «تشكيل حكومة جديدة أصبح أكثر من ضرورة تضع حداً للبلبلة حول الوضعين المالي والاقتصادي وترخي بأجواء ثقة لناحية مستقبل المشاريع المقررة للبنان وتسهّل وضع وسائل تسمح بالاستفادة من مؤتمرات الدعم للبنان».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.