ألمانيا: خيار الديمقراطيين المسيحيين بين الاستمرارية والرهان على التغيير

مع تقدّم القيادية الجريئة كرامب ـ كارنباور ورجل الأعمال ميرز في «السباق الثلاثي» لخلافة ميركل

ألمانيا: خيار الديمقراطيين المسيحيين بين الاستمرارية والرهان على التغيير
TT

ألمانيا: خيار الديمقراطيين المسيحيين بين الاستمرارية والرهان على التغيير

ألمانيا: خيار الديمقراطيين المسيحيين بين الاستمرارية والرهان على التغيير

طوال 8 أيام، جال المرشحون لزعامة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في كل أنحاء ألمانيا من أجل التواصل مع الناخبين والتحدث إليهم. كان كل منهم يحاول تمييز نفسه عن الآخر.
ورغم كثرة المواضيع الاجتماعية التي تشغل الألمان، كان طاغيا على الأقل في الجولات الأولى للمرشحين، موضوع الهجرة واللجوء. ومرشح واحد من بين الثلاثة، بدا قادراً على تحريك القاعدة الشعبية بشغف. إذ عندما كان فريدريك ميرز يتكلم كان الجمهور يقف ليصفق... ولفترة طويلة.
وبخلاف منافسيه نجح ميرز بسرقة ضحكات من مستمعيه. للبعض، يبدو الأكثر إقناعاً. فهو رجل ستيني، فقد بعض الشعر من رأسه والبعض آخر أصابه الشيب. وهو طويل القامة نحيل الجسم، ويتردد أن حزب «البديل لألمانيا»، المتشدد في يمينيته، متوتر من احتمال فوزه بالزعامة، ومتخوف من أنه قد يأخذ الكثير ممن يفترض أنهم ناخبوه.
أما منافسا ميرز، فهما شاب مثلي طموح وسيدة رصينة. المنافس الشاب يانس شبان، يشغل راهناً منصب وزير الصحة في الحكومة الحالية. وهو «ثلاثيني» يتحدث بثقة كبيرة رغم أن صغر سنه لا يساعده. أما السيدة فهي أنغريت كرامب - كارنباور، التي تشغل حالياً منصب الأمينة العامة للحزب، وهي في الخمسينات من العمر. شعرها قصير بني اللون، وتضع نظارات طبية. وتتكلم بشيء من الصلابة والرتابة.
عندما يواجه المتنافسون الثلاثة الجمهور تقف كرامب - كارنباور بين الرجلين الأطول منها قامة بكثير. غير جولاتهم «الشعبية» هذه قد لا يكون لها تأثيرها الكبير. ذلك أن مَن سيصوت لاختيار زعيم الحزب، هم المندوبون البالغ عددهم 1001 مندوب وليس أعضاء الحزب العاديين. وهؤلاء، اعتباراتهم مختلفة عن اعتبارات القاعدة الشعبية.

بين «نسخة ميركل» و«عدو ميركل»، كما يُعرفان في الصحافة الألمانية، سيختار مندوبو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ في ألمانيا خليفة المستشارة أنجيلا ميركل في زعامة الحزب.
«نسخة ميركل» هي أنغريت كرامب - كارنباور، ابنة الحزب المخلصة التي ترقّت تدريجياً في سلّم القيادة خلال العقود الماضية، بينما «عدو ميركل» هو فريدريك ميرز، السياسي اللامع ورجل الأعمال الثري كان غائباً عن الساحة السياسية لأكثر من عقد من الزمن بعدما نجحت ميركل في إبعاده قسراً، ومن ثم، يعتقد كثيرون أنه عاد «للانتقام». وأخيراً، يبقى المرشح الثالث يانس شبان، الذي يعتبره معظم المراقبين خارج المنافسة وبعيداً عن تحقيق نقاط تذكر... سواءً مع القاعدة الشعبية أو مع المندوبين.

تقدّم مبكّر لميرز
عندما بدأ السباق لخلافة ميركل في زعامة الحزب، كان ميرز متقدّماً على منافسيه في استطلاعات الرأي بين القاعدة الشعبية للحزب. ولكن الآن، قبل أسبوع واحد من موعد التصويت، لاختيار الزعيم الجديد، تراجع ميرز إلى المرتبة الثانية مقابل تقدّم كرامب - كارنباور إلى المرتبة الأولى بنسبة نحو 48 في المائة مقابل 35 في المائة لميرز ونحو 2 في المائة فقط لشبان الذي خسر 10 نقاط مئوية منذ بداية السباق. واللافت أن المُستطلَعين يقولون إنهم يثقون بـ«السيدة» أكثر من الرجلين. وفي الحقيقة، لهذه الثقة أسباب وجيهة.

المرشح الشاب
شبان، وزير الصحة الشاب، يبدو عاجزاً عن كسب ثقة الناخبين لصغر سنه نسبياً، وعاجزاً عن كسب ثقة المندوبين بسبب أسلوبه «المُستنسَخ» عن أسلوب شبيهه المستشار النمساوي المتطرف الشاب سيباسيان كورتز. وحقاً، يقول مصطفى عمّار، عضو مجلس أمناء الحزب وأحد المندوبين الذي سيصوّتون لانتخاب الزعيم الجديد، يصف شبان بأنه «صاحب رؤية جيدة»، قبل أن يضيف «لكنه ما زال شاباً في معترك العمل السياسي ولا خبرة لديه في عمل الحزب».
وبالمناسبة، المعروف أن شبان مقرّب من المستشار النمساوي كورتز، المتشدّد في قضايا الهجرة واللجوء، والذي يسعى منذ تولّيه منصبه لإدخال قوانين تصعّب على اللاجئين الانتقال إلى النمسا. وهنا يعلّق عمّار على أفكار شبان القريبة من أفكار كورتز بالقول: «شبان متمسّك بطريقة طرح الأمور على طريقة كورتز، وهو يحاول تطبيق أي شيء طبّق هناك (في النمسا)... هنا في ألمانيا».
وبالفعل يبدو شبان متأثراً بسياسات مستشار النمسا المتطرّف، خاصة فيما يتعلق بالهجرة. ولقد أثار موجة انتقادات خاصة داخل حزبه، عندما دعا إلى رفض ميثاق الهجرة الذي أقرّته الأمم المتحدة في يوليو (تموز) الماضي ودعت الدول إلى التوقيع عليه. ومع أن الميثاق غير ملزم للدول الموقعة عليه، وكل هدفه تنظيم الهجرة مع الاعتراف بحق كل دولة بفرض قوانينها، فإن الدول التي يقودها ساسة معارضون للهجرة رفضوا الانضمام إليه. ومن هؤلاء كورتز الذي اعتبر أن الميثاق «قد يحوّل الهجرة إلى حقّ من حقوق الإنسان ويلغي الفرق بين الهجرة الشرعية وغير الشرعية». كذلك كان بين القيادات العالمية الرافضة للميثاق، إدارة الرئيس دونالد ترمب في الولايات المتحدة، وقادة بولندا والمجر وتشيكيا، والدول الأوروبية هذه يقودها قادة يمينيون متطرفون وشعبويون.
وتجدر الإشارة إلى أنه في العاصمة الألمانية برلين أعلن حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف رفضه للميثاق الأممي، ومعتبراً إياه برنامجاً «لإعادة توطين اللاجئين الفارين من الفقر». ولكن مع ذلك، أقر «البوندستاغ» - أي مجلس النواب في البرلمان الألماني - الميثاق قبل يومين بعد نقاش طويل داخل المجلس.

ميرز... رجل الأعمال
من جانبه، يبدو ميرز بالنسبة للناخبين «بعيد الارتباط» عنهم. ومع أن خلفيته الاقتصادية تلعب دوراً إيجابياً في بث الثقة به، فإن ارتباطه بشركة «بلاك روك» الذي كان يرأس عملياتها في ألمانيا لسنوات واستقال منها للترشح لزعامة الحزب، أثّر سلباً على علاقته بالناخبين. وكمثال على ذلك، رفض ميرز في مقابلة أدلى بها قبل نحو أسبوع لصحيفة «بيلد» الشعبية الاعتراف بأنه مليونير، مفضّلاً وصف نفسه بأنه «ينتمي للطبقة الوسطى»، لكن هذا الكلام به الكثير من الاستهزاء. بل بات وصفه لنفسه بأنه من «الطبقة الوسطى» محطّ مزاح وسخرية متواصلين، حتى أنه تحوّل إلى إعلان استخدمته شركة «سيكست» لتأجير السيارات، التي وضعت صورة له وكتبت أسفلها: مليونير ومرتب سنوي ليس من «الطبقة الوسطى». وإلى جانبه صورة لسيارة أودي فاخرة كتبت أسفلها: 99 يورو في اليوم هذه «طبقة عليا».
وبالفعل، رفض ميرز هذا الاعتراف بثروته، ومحاولته تصوير نفسه على أنه من العامة، أفقده الكثير من ثقة الناخبين. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «إنستا» ونشرته صحيفة «بيلد»، أن 64 في المائة من المُستطلَعين قالوا إنه «لا ينتمي للطبقة الوسطى».

قصة الرجل المشرّد
وما زاد من الشعور بأن ميرز فعلاً فاقد للارتباط بالواقع، قصة ظهرت في صحيفة «تاز» لرجل مشرّد وتجربته مع ميرز عام 2004. إذ يروي الرجل للصحافية كيف عثر على كومبيوتر محمول في أحد القطارات في برلين، وعندما فتحه عثر على قائمة بأرقام هواتف كبار الساسة من بينهم غيرهارد شرودر - الذي كان مستشارا حينذاك - وأنجيلا ميركل وغيرهما الكثير. ووفق الرجل، الذي يدعى إنريكو، بأنه علم على الفور بقيمة الكومبيوتر الذي عثر عليه، وأنه لم يشأ أن يقع في أيدي الأشخاص الخطأ، فسلّمه للشرطة وترك عنوان أحد مراكز مساعدة المشرّدين في المدينة. ويتابع أنريكو روايته قائلاً إنه بعد 4 أسابيع وصل طرد باسمه إلى عنوان مركز إيواء المشردين الذي تركه مع الشرطة. وكان الطرد عبارة عن كتاب لمؤلفه ميرز بعنوان «فقط أولئك الذين يتغيّرون سيصمدون: عن تحقيق الثروة والمستقبل». وفي الكتاب إهداء يقول: «شكر كبير للعاثر الصادق».
لم يصدّق الرجل المشرّد ما تلقاه، وقال وهو يتذكّر بغضب: «كان أمراً شائناً… لقد رميت الكتاب في نهر شبري على الفور. كان يعلم من العنوان الذي زوّدته الشرطة به أنني رجل مشرّد». وتابع إنريكو أنه لم يكن «غبياً» فهو كان يعلم أن بإمكانه بيع الكومبيوتر في السوق السوداء وجني الكثير من المال مقابل ذلك، لكنه اختار أن يفعل ما هو الصواب، ولكن هذا لم يكن له «أي قيمة» بالنسبة لميرز.
وعلى الأثر، علّق أحد النواب المنتمين للحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على الرواية، وغرّد على «تويتر» أنها «تقول كل ما تريدون معرفته عن شخصية ميرز».
شخصية ميرز هذه، وخصال أخرى فيه، تلعب على ما يبدو دوراً سلبياً في علاقته مع أعضاء الحزب أيضاً. وهنا يشرح مصطفى عمّار أن كثيرين من المندوبين أبلغوه بأنهم لن يصوّتوا لميرز لأنه ذو شخصية متشبّثة بآرائها ولا يقبل نصائح أحد. ويضيف أن من عرفه في السابق، وكان معه في البرلمان، يقول إنه «مستبد برأيه، ويصعب التحاور والتفاهم معه ومن ثم إقناعه».

العلاقة مع واشنطن
أيضاً من النقاط السلبية التي يعاني منها ميرز، في نظر عدد من الحزبيين الديمقراطيين المسيحيين، ارتباطه الوثيق بالولايات المتحدة، اقتصاديا على الأقل، بسبب عمله مع شركة أميركية طوال السنوات الماضية. أضف إلى ذلك، أن ميرز يروّج لعلاقات أوثق وأمتن مع واشنطن رغم انتقادات إدارة ترمب المستمرة لألمانيا، وبخاصة، فيما يتعلق بمساهماتها المالية لحلف شمال الأطلسي «ناتو» وسياسة اللجوء التي اعتمدتها المستشارة ميركل منذ العام 2015. ووفق عمّار «هناك تخوّف داخل الحزب من أن نعود ونتحول إلى تابعين لأميركا في ظل حكم ميرز، فهو كان بعيداً كل البعد عن السياسة لفترة طويلة... مركّزاً على عمله في مجال الأعمال التي قربته كثيرا من واشنطن».
ولكن في المقابل، هناك الكثير من الجوانب الإيجابية أيضاً. فغياب ميرز الطويل عن السياسة وانخراطه في الأعمال والأرقام والاقتصاد، مكّناه من التحدّث بثقة ومعرفة عن السياسات الاقتصادية التي تهم ناخبي حزبه المحافظ، خاصة، فيما يتعلق بأنظمة الضرائب والتقاعد والمرتبات وساعات العمل وغيرها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن نظام الضرائب الألماني معقّد جداً وبحاجة ماسة لإصلاحات، وميرز - بالذات - من أقدم الداعين لإصلاحه وتبسيطه. كما أنه اشتهر في الماضي بدعوته لتبسيط نظام الضرائب لدرجة تجعل المواطنين قادرين على احتساب ضرائبهم على ورقة صغيرة. ومثله نظام التقاعد الذي يحتاج لإصلاحات تجعله قادراً على
مماشاة استمرار شيخوخة المجتمع الألماني. وكان حزب «البديل لألمانيا» قد استغل غياب الإصلاحات في هذه المجالات لكسب أصوات الناخبين. ويقول البعض أنه لهذا السبب، يتخوّف الآن من إمكانية فوز ميرز لأن ذلك سيؤدي به إلى خسارة الكثير من الأصوات التي كسبها بسبب تكراره الكلام عن تأخر الإصلاحات الضرورية لهذه القوانين.

الهجرة واللجوء
على صعيد آخر، مع أن ميرز حاول في البداية اتخاذ خط متشدّد من الهجرة وبدا مقنعاً للناخبين، إلا أنه ذهب بعيداً عندما دعا إلى مناقشة بند في الدستور الألماني يحفظ حق اللجوء، وهو بند أدخل بعد الحرب العالمية الثانية كرد فعل على الاضطهاد والقتل الذي تعرّض له اليهود أيام النازيين. وحقاً، أي جدل حول هذا البند يُنظر إليه على أنه أشبه بإنكار حقبة سوداء من تاريخ البلاد. وللعلم، تعدّ ألمانيا اليوم الدولة الوحيدة التي تحفظ حق اللجوء في دستورها.
وما زاد من الجدل حول دعوة ميرز، نفيه تصريحاته في اليوم التالي، وقوله إنه جرى اجتزاء كلامه فأخرج عن سياقه. لكن الصحافة الألمانية كانت به بالمرصاد، إذ عادت وطبعت كلامه كاملاً قبل يوم، ما أظهر أن أحداً لم يسئ تفسيره.

«نسخة ميركل المصغرة»
مع ظهور هذه النقاط السلبية لدى ميرز، كانت آنغريت كرامب - كارنباور، طبعاً، المستفيد الأكبر. ومع أن هذه السيدة لم تحمل الكثير من الجديد، بل لقبّتها الصحافة الألمانية بـ«نسخة ميركل المصغّرة»، فقد تمكنت في الأيام الأخيرة من كسب نقاط مهمة وكثيرة وضعتها بحسب استطلاعات الرأي في صدارة المتسابقين… أقله لدى الناخبين.
حاولت كرامب - كارنباور تمييز نفسها عن ميركل في بعض النواحي. مثلاً، رغم دفاعها عن سياسة الهجرة التي اعتمدتها ميركل عام 2015. فإنها دعت إلى ترحيل طالبي اللجوء السوريين المتورّطين بجرائم. ولكن، يظهر أن تقريرا لوزارة الخارجية الألمانية خلص إلى استحالة ترحيل أحد إلى سوريا بسبب المخاطر، أوقف هذا الجدل. وفيما بعد دافعت عن الانضمام إلى ميثاق الهجرة الأممي، وانتقدت ميرز لدعوته فتح نقاش حول بند اللجوء في الدستور الألماني. وهكذا، فهي بالنسبة لأمثال مصطفى عمّار «الوحيدة من بين المرشحين التي لم تستخدم ورقة اللجوء لكسب المزيد من التأييد».
أكثر من هذا، عندما تتحدث كرامب - كارنباور عن الهجرة، فإنها تذكر «الهجرة الإيجابية بهدف لإدخال الكفاءات التي تحتاجها البلاد لسد آلاف الوظائف الشاغرة في مختلف القطاعات».
وكلامها هذا أكسبها تأييداً كبيراً في صفوف الشركات الألمانية، وكذلك أصحاب الأعمال الذين حذّروا من أن العجز عن ملء الوظائف الشاغرة قد يهدّد نمو الاقتصاد الألماني.

«نعم نستطيع»
ويبدو أن ثقة أمينة عام الحزب تزايدت في الأيام الماضية لدرجة أنها ما عادت تحرص كثيراً على الابتعاد سياسيا عن نهج ميركل، بل اختارت في أحد التجمّعات الانتخابية الأخيرة أن تكرّر واحدة من أشهر جمل ميركل حول أزمة اللجوء، وهي «نعم نستطيع» في إشارة إلى قدرة ألمانيا على مواجهة التحديات القادمة من مليون لاجئ سوري.
لم تتردد كرامب - كارنباور من تكرار هذه الجملة مع أنها تعلم دلالاتها، وأنها ستربطها أكثر بميركل. والواقع، أن لدى كرامب - كارنباور قدرة على الحصول على ثقة الناخبين. ثم إن «إخلاصها» لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وبقاءها وتدرّجها في صفوفه طوال السنوات الـ20 الماضية، عوامل أكسبتها أيضاً علاقات جيدة مع أعضاء الحزب والمندوبين ما قد يساعدها في كسب أكبر عدد من الأصوات.

إكمال المسيرة أم الثورة؟
انتخاب «آكا كا» – كما تُعرف آنغريت كرامب - كارنباور اختصاراً – قد لا ينشّط القاعدة الشعبية للديمقراطيين المسيحيين بالطريقة نفسها التي قد ينشّطها انتخاب ميرز. وقد لا تتمكن هذه السيدة الرصينة من انتزاع الكثير من الأصوات من حزب «البديل لألمانيا». غير أن انتخابها، بحسب محللين، سيعني بأن الحزب قرّر إكمال مسيرة ميركل وسياساتها لا الثورة عليها. كذلك سيعني أن الحزب أثبت بأنه قابل للتغيير، وهذا بحد ذاته سيفقد حزب «البديل لألمانيا» الكثير من الأصوات، وإعادة «الناقمين» من الديمقراطيين المسيحيين إلى حضن حزبهم المحافظ العريق.
في النهاية، يرى مصطفى عمّار، «أن الذي سينجح بقيادة الحزب، وربما لاحقاً يصبح مستشاراً سيكون عليه الالتزام بالبرنامج الذي وضعه الحزب حتى العام 2025، كما سيتوجب عليه الحكم «بالإجماع» وهو ما يتلخص في شخصية آكا كا، على عكس ميرز الذي تبدو نزعته للحكم تفردية». وهنا يشير إلى أن «الكثير من مشاكل الحزب اليوم وخسارته للناخبين كان سبباً مباشرا لتفرّد ميركل بقرارات الهجرة وإعلانها فتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين عام 2015 من دون العودة لا إلى البرلمان ولا إلى حزبها.


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.