تعلم اللغة سريعاً يعزز الذكاء

لا شك أن اللغة تعتبر أهم وسيلة تواصل بين البشر، ودائماً ما تم ربط مدى تعلم لغة معينة وإجادتها بشكل مبكر بارتفاع مستوى الذكاء «IQ» لدى من يتقنها عند أفراد الجمهور. وينطبق هذا الأمر نفسه على الأطفال بشكل خاص، حيث يتنبأ الجميع بارتفاع مستوى ذكاء الطفل الذي يبدأ في الحديث مبكراً، ويستطيع التواصل مع الآخرين من خلال مفردات لغوية سليمة. ولكن على الجانب الآخر، فإن هناك الكثير من الأطفال الذين كانوا يتعثرون في تعلم لغة الحديث في البداية، بينما أخذوا يتمتعون بمستوى ذكاء بالغ لاحقاً. وهناك الكثير من الدراسات التي ناقشت هذا الجدل الدائم بين سرعة تعلم لغة ومستوى ذكاء الطفل. وأشارت أحدث هذه الدراسات إلى أن الأطفال الذين يتمكنون من تعلم مهارات اللغة بشكل سريع هم بالفعل الأكثر ذكاء لاحقاً كبالغين.
بدايات اللغة
كانت الدراسة التي نشرت في «المجلة الإنجليزية لتطور علم النفس» (British Journal of Developmental Psychology) في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، التي قام بها علماء من جامعة كوبنهاغن الدنماركية، قد أشارت إلى هذا الارتباط من خلال دراسة طولية على مدار 50 عاماً، وتتبعت 1000 شخص تمت ولادتهم بين عامي 1959 و1961 في العاصمة الدنماركية، وتم إجراء اختبارات لقياس مستوى الذكاء في عمر الخمسين ومقارنتها وتقييمها بالدرجات التي حصل عليها هؤلاء الأشخاص حينما كانوا أطفالاً.
وأظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين كانوا أسرع في التعرف على صور الحيوانات والألعاب المختلفة وتكوين جمل ومشاركة الخبرات مع الآخرين في مرحلة الطفولة، هم الذين تمتعوا بأعلى معدلات الذكاء حينما كانوا في منتصف العمر. وتبين كذلك أن المهارات الاجتماعية بلغت نسبتها 3.1 في معدل نسبة الذكاء، بينما معالم تعلم مهارات اللغة كانت لها نسبة 6.7 في معدل الذكاء في منتصف العمر، وهو الأمر الذي يوضح أهمية أن يلاحظ الآباء هذه المعالم.
ومن المعروف أن معالم تعلم اللغة في الأطفال ترتبط بشكل أساسي بالمرحلة العمرية، بمعنى أن الطفل يبدأ في اكتساب هذه المهارات بداية من عمر 6 شهور وحتى العام الأول، حيث يمكن أن ينطق أول كلمة له مثل كلمة «ماما» أو «بابا» بشكل غير واضح تماماً، كما يتمكن من فهم معنى كلمة «لا»، ومن عمر 12 وحتى 17 شهراً يمكن أن يجيب على سؤال بسيط من دون حديث، وأيضاً تصبح حصيلته اللغوية نحو 6 كلمات، ويمكن أن يطلق اسماً من كلمتين على أحد الأشخاص. ومن عمر 18 شهراً وحتى عامين، تزيد حصيلته اللغوية لتصبح نحو 50 كلمة، كما يطلب أنواع الطعام المفضلة له بأسمائها، ويتمكن من تكوين جملة من كلمتين، ويبدأ في استخدام الضمائر وتكوين جملة مثل «لبن أكثر»، بينما من عامين وحتى ثلاثة يستخدم الضمائر الشخصية «أنا» و«أنت»، ويكون جملة من 3 كلمات، ويجيب الأسئلة السهلة ويصبح الحديث أكثر اتساقاً وصحة، ومن عمر 3 أعوام حتى 4 أعوام يبدأ في نطق معظم الكلمات، ولكن ربما يواجه صعوبة في نطق بعض الحروف بعينها ويبدأ في استخدام جمل ذات بداية ومحتوى ونهاية، ويتمكن الآخرون من فهمه، وأيضاً يستطيع وصف الأشياء مثل الملعقة أو الشوكة، ويستمر النمو تدريجياً حتى يتمكن من الحديث بشكل صحيح في عمر الخامسة تقريباً.
مهارات الأطفال
يعتبر تعلم اللغة في حد ذاته مهارة تدل على مستوى ذكاء معين، وذلك نظراً لأن تعريف اللغة تبعاً لـ«الجمعية الأميركية للسمع والكلام واللغة» (American Speech، Language and Hearing Association) هو إدراك لمعاني الكلمات وترتيبها للوصول بها إلى جمل لغرض التواصل بشكل صحيح والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، وهي تختلف عن مجرد الحديث. وعلى سبيل المثال، فإن الأطفال الذين يعانون من تأخر عقلي يمكنهم التحدث، ولكن لا يمكنهم التفاعل الاجتماعي الصحيح مع الآخرين، نظراً لعدم توافر الربط بين معاني الكلمات والأمر المراد التعبير عنه، كما أن تنمية مهارات اللغة تزيد من معدلات الذكاء بمعنى أن الأغاني البسيطة وقراءة الحكايات المصورة للطفل تزيد من القدرات الإدراكية له في المستقبل.
وأوضح الباحثون أن التحدث مع الطفل من قبل الأم أو البالغين عموماً يساعد الطفل على تعلم اللغة بشكل أسرع، ويزيد من معدل الذكاء درجات تتراوح بين 14 و27 في المائة أكثر من الأطفال الآخرين. وأشاروا إلى أن هناك الكثير من العوامل التي يجب أن توضع في الحسبان مثل مستوى التعليم في المدارس الابتدائية، وكذلك البيئة المحيطة بالطفل، وحالة الأسرة الاقتصادية والاجتماعية، وأيضاً الحالة النفسية للطفل.
ونصح الباحثون، الآباء، بضرورة عدم الانزعاج من تأخر الكلام عند الطفل، وأضافوا أنه على الرغم من أن الدراسة ربطت بين تعلم اللغة المبكر وارتفاع مستويات الذكاء، إلا أن هذا لا يعني أن التأخر هو بالضرورة تراجع في مستويات الذكاء، وأن هناك الكثير من العلماء النابهين تعثروا في بداية تعلمهم الحديث واللغة. ونصح الباحثون بضرورة توفير فرص أفضل لتعلم اللغة لتنمية الذكاء في المستقبل، سواء في المنازل أو المدارس، من خلال الاستعانة بالوسائل الحديثة ودمج عدة وسائط مرئية ومسموعة ومقروءة، وحث الطفل على المشاركة في الحديث والتعبير البسيط، وملاحظة الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم والتواصل مع الآخرين، وعرضهم على الأطباء لمعرفة ما إذا كانت هناك مشكلة عضوية في السمع أو الكلام، وأيضاً عرضهم على أخصائي التخاطب والتعليم.

- استشاري طب الأطفال