سكان غزة يقضون عيدهم بين المقابر وأنقاض المنازل

أغلبهم لم يحتفلوا واختاروا البقاء في منازلهم خشية الغارات الإسرائيلية

سكان غزة يقضون عيدهم بين المقابر وأنقاض المنازل
TT

سكان غزة يقضون عيدهم بين المقابر وأنقاض المنازل

سكان غزة يقضون عيدهم بين المقابر وأنقاض المنازل

لم تستطع أم أيمن الرزاينة، وهي أم لأربعة شبان قتلوا في السنوات الأخيرة على يد الاحتلال الإسرائيلي، آخرهم كان خلال الحرب الحالية المتواصلة على قطاع غزة، أن تبقى حبيسة منزلها في مخيم جباليا شمال القطاع، وسارعت الخطى صباح اليوم الأول من عيد الفطر المبارك إلى مقبرة بلدة بيت لاهيا المجاورة للمخيم تكابد أحزانها على فراق أبنائها الأربعة الذين دفنوا في أكثر من مقبرة شمال غزة.
ولم تتمكن أم أيمن من زيارة قبور أبنائها الذين دفنوا في مقبرة الشهداء شرق مدينة جباليا التي يتوغل الاحتلال الإسرائيلي فيها منذ بدء العملية البرية على غزة، ويطلق حمم قذائفه ونيران دبابته من تلك المنطقة تجاه منازل المواطنين الفلسطينيين. لكنها نجحت في زيارة قبر نجلها حسام (37 سنة) والذي قتل في تاسع أيام الحرب الإسرائيلية على غزة جراء غارة استهدفته ومجموعة من المواطنين في جباليا.
وعلى غير عادة الفلسطينيين في الأعياد السابقة، استغلت عوائل قتل أبناؤها جراء العدوان الإسرائيلي، أول أيام عيد الفطر لزيارة المقابر، فيما توجهت عائلات أخرى لمنازلها المدمرة واكتفى آخرون بالبقاء في بيوتهم يتابعون بحسرة أجواء العيد القاتلة مع أطفالهم الذين حاولوا الخروج للشارع قبل أن يعيدوهم إلى داخل منازلهم عقب تجدد القصف الإسرائيلي ظهر أمس مما أدى إلى مقتل طفل يبلغ الرابعة من العمر كان يلهو مع بعض الأطفال أمام منزله في بلدة جباليا قبل أن تستهدفه قذيفة مدفعية وتقتله على الفور وتصيب عدة أطفال آخرين.
وتقول أم أيمن لـ«الشرق الأوسط» إن قلبها لم يحتمل البقاء في المنزل بينما أبناؤها الأربعة بعيدون عن عينيها بعد أن قتلهم الاحتلال، مشيرة إلى أنها كلما نظرت إلى أحفادها تتحسر على ما لحق بهم. لكنها تستدرك قائلة «إن أبنائي شهداء رحلوا إلى ربهم وهذا قدرهم».
وقتل عام 1996 نجلها الأكبر أيمن على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، كما قتل نجلها الثاني عثمان في هجوم نفذه عام 2002 ضد إسرائيليين في مستوطنة إيلي سيناي شمال قطاع غزة، في حين قتل نجلها الثالث محمد في غارة إسرائيلية، قبل أن يقتل الرابع في الحرب الدائرة منذ أكثر من 20 يوما على غزة.
وعن أجواء العيد تقول أم أيمن، وهي تحاول كفكفة دموعها التي ذرفتها وانهمرت على وجنتيها «لم يبق في القلب متسع للفرح، كل شيء فينا قتل، لكنهم لم يقتلوا فينا حب أبنائنا الذين استشهدوا وحب أطفالهم الذين يذكروننا بهم ولا يجدون سوانا نحتفل معهم بالعيد ويوجعون قلوبنا عليهم حين يسأل أحدهم: وين أبونا؟ فنرد عليه: في الجنة يا حبيبي راح نلحق فيه إحنا كمان».
وأشارت إلى أنها لم تعتد على زيارة القبور في الأعياد، لكنها قررت زيارة نجلها حسام الذي لقي حتفه منذ أيام، فهي لم تر جثمانه حين شيع خلال الحرب، كما لم تعرف محل قبره بعد أن حرمها الاحتلال بفعل القصف العنيف من المشاركة في جنازة نجلها.
وفي تلك الأثناء، وصلت عائلات إلى حي الشجاعية لتقضي أول أيام العيد بالجلوس على ركام منازلها المدمرة. ويقول المواطن عبد الرحمن المغني، لـ«الشرق الأوسط»: «عيدنا يوم ترجع بيوتنا مثلما كانت. ما فيه عندنا عيد، غزة كلها حزينة من شمالها إلى جنوبها، ما فيه عائلة إلا وأصابها الحزن والهم والغم بفقدانها شهيدا أو جريحا، أو راحت بيوتها». وأضاف «من عشرات السنين لم يمر مثل هذا العيد على سكان قطاع غزة وفلسطين بأكملها. هذا عيد الدم الحقيقي، عيد القتل، قتل أطفالنا ونسائنا وأبنائنا الذين كانت أمانيهم أن يتوظفوا ويتزوجوا ويبنوا عائلات مثل باقي البشر في العالم، لكن الاحتلال ما يريدنا نعيش، يريدنا نموت، يريد قتل أطفالنا قبل أن يعيشوا طفولتهم ويكبروا ويحققوا أحلامهم».
ووصفت أحلام محيسن موسم العيد هذا بـ«العيد الأسود»، مشيرة إلى الحالة التي وصلت إليها العائلات الفلسطينية التي قتل أبناؤها ودمرت منازلها وباتت مشردة. وأضافت «منذ 7 أيام وأنا وعائلتي لا نجد مكانا يؤوينا. ذهبنا للمدارس كانت ممتلئة بالناس، ذهبنا للمستشفيات فتعرض بعضها للقصف، وفي النهاية وجدنا حديقة مستشفى الشفاء نحتمي فيها. لا يوجد مكان نذهب له. هذا ليس عيدا، هذا دمار حل علينا».
واعتادت الغالبية العظمى من السكان في قطاع غزة على هجر زيارة المقابر خلال الأعياد كما تجري العادة في أكثر من دولة مجاورة، ويكتفون بصلة الأرحام بزيارة منازل بعضهم البعض، فيما يبقى النساء في المنازل يستقبلن أقرباءهن، وتمتلئ الشوارع بالأطفال الذين يهلون فيها وفي المتنزهات المختلفة.
ويقول علاء جحجوح، لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد جديد في حياتنا. ما زالت الغارات مستمرة والطائرات تحلق، ونحن نتخوف على أنفسنا وأطفالنا ولم نخرج من منازلنا خوفا من استهدافنا»، مشيرا إلى أنه لم يتمكن من زيارة أقربائه الذين لا يبعدون سوى خمسة كيلومترات عنه بسبب مخاوفه من أن يستهدفه الاحتلال الإسرائيلي كما جرت العادة مؤخرا باستهداف منازل المدنيين. ويضيف «لا توجد أجواء للعيد بتاتا، كل شيء تغير في لحظة واحدة. كنا ننتظر رمضان جميلا وعيدا أجمل، نشتري الملابس الجديدة لنا ولعوائلنا ونحتفل مع أقربائنا ونذهب مع أطفالنا إلى المتنزهات، لكن كل تلك الأحلام تبخرت وباتت من الزمن الجميل الذي مضى وفشل الاحتلال في قتله مسبقا فقتله الآن بهمجيته وعنجهيته».
فيما أشارت زوجته إلى أنها اضطرت أمس للتوجه لسوق حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة لشراء بعض الألعاب لأطفالها الذين أصروا على شرائها لكي يلعبوا بها واستخدموها صبيحة أول أيام العيد أمام المنزل وداخله وحاولوا إظهار بعض الفرحة على الرغم من القصف الذي ما زال متواصلا على غزة.



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.