لاجئون سوريون وعراقيون يجمعهم «نادي المدى للقراءة»

مناقشة 80 كتاباً خلال 4 أعوام بالتعاون مع معهد «غوته»

أعضاء نادي المدى للقراءة في أربيل («الشرق الأوسط»)
أعضاء نادي المدى للقراءة في أربيل («الشرق الأوسط»)
TT

لاجئون سوريون وعراقيون يجمعهم «نادي المدى للقراءة»

أعضاء نادي المدى للقراءة في أربيل («الشرق الأوسط»)
أعضاء نادي المدى للقراءة في أربيل («الشرق الأوسط»)

قبل 4 سنوات وأثناء شرائه بعض الكتب، انتبه أمين مكتبة «دار المدى» في مدينة أربيل لشاب يقوم بشراء مجموعة من الكتب الأدبية القيّمة، سأله: «لماذا تشتري كل هذه الكتب؟»، ليجيبه الشاب بأن مجموعة من اللاجئين السوريين مع نازحين عراقيين؛ يعقدون جلسات للقراءة بشكل دوري لمناقشة كتاب في كل مرة.
الفكرة دفعت أمين المكتبة لتقديم الشاب شيار شيخو إلى مدير «دار المدى للثقافة والنشر»، ليشرح له كيف أنّ مجموعة من الشباب بدأوا بشراء كتب أدبية وفكرية ثم يعقدون جلسة حوارية لقراءتها وعرض الأفكار وتبادل الآراء وسماع وجهات النظر المختلفة؛ الأمر الذي دفع بالمدير إيهاب القيسي لدعم المشروع.
انطلق «نادي المدى للقراءة» رسمياً في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، بدعم ورعاية من الدار. وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يقول مدير النادي شيار شيخو إن «جوهر الفكرة يقوم على التقاء مجموعة شباب لاجئين من سوريا مع نازحين عراقيين، وقراءة كتب مشتركة ومناقشتها بشكل جماعي»، لوضع بصمة إيجابية بمحل إقامتهم في أربيل شمال العراق. ويضيف: «(دار المدى) تمدنا بالكتب والمكان وترشح الشخصيات الثقافية المحاورة، إلى جانب تنظيم الجلسات وتقديم اللوازم اللوجيستية كافة؛ من مكان ومعدات، لإنجاح الحلقات الحوارية».
ويهدف المشروع إلى إعادة الروح إلى الكتاب الورقي، وإنشاء مكتبة في بيت كل مشارك... «فالبداية كانت بسيطة وغير مدروسة، لكننا ناقشنا حتى اليوم 80 كتاباً من أهم الكتب الأدبية والمعرفية خلال 80 جلسة»؛ يقول شيار. ونقل أنّ أصدقاء النادي أقروا بأنهم فتحوا مكتبة من تجميع كتب النادي التي قرأوها خلال الفترة الماضية، حيث يواظبون على شرائها باستمرار وتكون الأسعار مخفضة لأصدقاء وأعضاء النادي تشجيعا من الدار لاقتناء الكتاب الورقي. ونوه قائلاً: «نوزع الكتب بالمجان على اللاجئين السوريين المشاركين من المخيمات بالتعاون مع معهد (غوته) الألماني».
والنادي من خلال أنشطته الثقافية، يستقطب الشباب من العراق وسوريا، ورغم تحديات النزوح واللجوء والحروب الدائرة في المنطقة، فإنهم باتوا رواداً للنادي. كليلك يوسف (28 سنة) المتحدرة من بلدة الجوادية الواقعة أقصى شمال شرقي سوريا، فرت من بلدها مع أسرتها منتصف 2014 وتسكن في مخيم قوشتبة، وتحضر بشكل مستمر فعاليات النادي، وقد عبرت عن مشاعرها بالقول: «قراءة الكتب تجربة جديدة بالنسبة لي. حقيقة أستمتع بالنقاش والحوار بعيداً عن صعوبات العيش في الكامب وأخبار الحرب».
ويبعد مخيم قوشتبة للاجئين السوريين نحو 15 كيلومتراً جنوب مدينة أربيل، ويرعى معهد «غوته» الألماني نقل اللاجئين السوريين الراغبين في المشاركة من المخيم إلى مقر النادي. وتضيف كليلك: «هناك مكتبة صغيرة في الكامب، لكن لا توجد قاعة للقراءة أو أنشطة حوارية كالتي يقدمها (نادي المدى). أحرص على الحضور بشكل دوري واقتناء كتاب في نهاية كل جلسة».
في شهر مايو (أيار) الماضي زار أعضاء من «نادي المدى للقراءة» مخيم قوشتبة، لتشجيع اللاجئين السوريين على المشاركة في أنشطته المقامة في أربيل. وأشار حسنين الخفاجي؛ أحد أعضاء النادي الإداريين إلى أن «المبادرة بمثابة محاولة لدمج هؤلاء في النشاطات الثقافية والاستفادة من مواهبهم، عبر توفير فضاء ثقافي لعشاق الكتب».
ويعقد النادي حلقة كل 15 يوماً لمناقشة كتاب يتم اختياره في الجلسة السابقة، ويكلف عضوان في كل مرة قراءة أحد الكتب وتحضير ورقة نقاشية وعرض الأفكار الرئيسية، ثم توجه دعوة إلى كاتب أو أديب أو باحث، للإسهام في مناقشة الكتاب خلال جلسة حوارية مفتوحة.
وترك حسنين الخفاجي (30 سنة) المتحدر من العاصمة العراقية بغداد، مدينته بعد الحرب العراقية سنة 2003 ويعيش في مدينة أربيل منذ ذلك الوقت. يقول: «النادي، وبعد الحضور المميز من قبل الشباب والتفاعل الملحوظ، قرر فتح باب العضوية، واليوم يوجد لدينا نحو 50 عضواً، ومئات من أصدقاء (نادي المدى للقراءة)».
ولم يخف حسنين أنه قبل انضمامه لـ«نادي المدى للقراءة»؛ لم يكن قد قرأ سوى كتبه الدراسية، لكن اليوم باتت لديه مكتبة في منزله، مضيفا أن «المجتمعات العربية بحاجة إلى القراءة لإزاحة الضبابية والظلام عن طريقها، نحن في أمسّ الحاجة لأن نتعرف على الآخر».
في الجلسة الأخيرة رقم 80، ناقش أعضاء النادي كتاب «دين الفطرة» للفيلسوف جان جاك روسو، بحضور الدكتورة شيماء مواندي، أستاذة الفلسفة في جامعة صلاح الدين بأربيل، وقد عرض الكتاب في الجلسة الأولى، واستغرق مدة ساعة، ثم أفسح المجال للمناقشة وطرح الأسئلة والأجوبة، وشهدت الجلسة تجاذبات في الآراء والأفكار واستمرت ساعة ثانية.
وشارك سعد كنان (42 سنة) المتحدر من مدينة الموصل العراقية ويقيم في أربيل، للمرة الأولى في جلسات «نادي المدى للقراءة»، حيث تعرف مصادفة على أنشطته خلال زيارة لمعرض أربيل الدولي للكتاب الذي اختتم نهاية الشهر الماضي، وقرر المشاركة في نشاطاته، فلفته أن الحضور لم يكونوا مستمعين فقط، بل لدى كل منهم رأي وفكرة، وشدد على أن «الجلسة كانت شيقة وممتعة. وقد اطلعت على آراء الحضور، وتعززت عندي فكرة القراءة واقتناء الكتاب الورقي».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.