«أرامكو» تطلق مبادرتين لاستزراع القهوة وإنتاجها وإنشاء مركز للخياطة في جازان

على هامش توقيع مذكرتي التفاهم لاستزراع القهوة وإنتاجها وإنشاء مركز للخياطة والتطريز في جازان
على هامش توقيع مذكرتي التفاهم لاستزراع القهوة وإنتاجها وإنشاء مركز للخياطة والتطريز في جازان
TT

«أرامكو» تطلق مبادرتين لاستزراع القهوة وإنتاجها وإنشاء مركز للخياطة في جازان

على هامش توقيع مذكرتي التفاهم لاستزراع القهوة وإنتاجها وإنشاء مركز للخياطة والتطريز في جازان
على هامش توقيع مذكرتي التفاهم لاستزراع القهوة وإنتاجها وإنشاء مركز للخياطة والتطريز في جازان

قالت «أرامكو السعودية»، أمس، إنها وقَّعت مذكرتي تفاهم مع عدد من المؤسسات المجتمعية والصناعية، وذلك لإطلاق مبادرتين وطنيتين في منطقة جازان؛ الأولى لاستزراع وإنتاج القهوة، والثانية لإنشاء مركز للخياطة والتطريز في منطقة جازان جنوب غربي السعودية.
وقالت الشركة في بيان، تلقّت «الشرق الأوسط»، نسخة منه، أن توقيع مذكرتي التفاهم يأتي استكمالاً لسلسلة مبادرات «أرامكو السعودية» لتمكين المجتمع من خلال دعم برامج تعتمد على الموارد المحلية والحرف التقليدية، وتسهم في خلق فرص وظيفية وتوطين الصناعات التي تعزز دور الأفراد في الإنتاج.
ووقّع مدير عام الشؤون الحكومية في «أرامكو السعودية»، خالد بن خليفة الملحم، مذكرة التفاهم الخاصة بمبادرة «أرامكو السعودية» لاستزراع وإنتاج القهوة في خمس محافظات بمنطقة جازان، مع شركاء المبادرة من رؤساء مجلس كل من هيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية بمنطقة جازان، والجمعية الخيرية بمحافظة الداير، والجمعية الخيرية بالعيدابي، وجمعية البرّ الخيرية بمحافظة فيفاء، وجمعية البر الخيرية بمحافظة العارضة، وجمعية البر الخيرية بمحافظة الريث.
وتهدف هذه الاتفاقية إلى زراعة أكثر من 300 ألف شتلة قهوة وتدريب ودعم أكثر من 1000 مزارع خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وتأتي هذه الجهود في إطار دعم «أرامكو السعودية» لتوسيع الرقعة الخضراء بزراعة البن وإنتاجه في جازان، وذلك عن طريق تزويد مزارعي البن بجميع المعدات والأدوات اللازمة. وقد استفاد من هذه المبادرة خلال عامين أكثر من 600 مزارع عبر تدريبهم على أحدث طرق زراعة البن. كما تم دعم 150 مزرعة عن طريق تركيب نظام «الري الذكي» الذي يوفر 80 في المائة من المياه، وجرى تزويده بخزانات مياه للمحافظة على الرّي في الجبال العالية في جازان. وتمت زراعة 18000 شتلة قهوة لزيادة إنتاج هذه المزارع.
كما وقّع الملحم مذكرة التفاهم الثانية لإنشاء مركز الخياطة والتطريز بجازان، مع الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية «مدن»، وجمعية الأنامل المبدعة للحرف والمهن بمنطقة جازان، التي تهدف إلى خلق فرص وظيفية لـ100 مستفيدة من ذوي الدخل المحدود في منطقة جازان، إلى جانب توطين صناعة الزي الموحد بجميع أشكاله.
وتعليقاً على توقيع هذه المذكرات، قال خالد الملحم: «هذه المذكرات تؤسس لمجموعة من المبادرات النوعية التي تواصل من خلالها (أرامكو السعودية) استراتيجيتها في التحوّل من الدّعم إلى التمكين المجتمعي، بما يعزز فرص المشاركة لمختلف فئات المجتمع. كما تسعى الشركة من خلال هذه المشاريع إلى تسهيل النمو الناجح للصناعات الصغيرة المستدامة التي توفر للناس الوسائل اللازمة لتحسين المستقبل الاقتصادي لأسرهم ومجتمعاتهم، وتمكينهم من تحقيق تطلعاتهم».
وتهدف مذكرتا التفاهم إلى تعزيز جهود الشركة في تمكين المجتمعات المحلية، وتوفير فرص وظيفية لذوي الدخل المحدود وذوي الاحتياجات الخاصة، ودعم جهود التسويق للمنتجات المختلفة لهذه المشاريع التي تشّكل إضافة للسوق المحلية.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)