حقق دوري الأمم الأوروبية لكرة القدم الجديد نجاحا فوريا يرجع الفضل فيه إلى ما يبدو وببساطة، يتم تناسيها عادة، نظام البطولة المبتكر الذي يعتمد على خوض مواجهات بين فرق متكافئة. وفي بداية الأمر اعتبرت البطولة إضافة غير مرغوب فيها إلى جدول مكتظ بالمباريات لكن البطولة أثبتت أنها بديل عن المباريات الودية الدولية غير المجدية وعن تصفيات بطولة أوروبا التي كانت توصف بأنها مواجهات من جانب واحد. وبدت البطولة بعيدة كل البعد عن نظام التأهل التقليدي لكأس العالم أو بطولة أوروبا حيث تضم مجموعات التصفيات المكونة من ست فرق مواجهات بين منتخبات متباعدة التصنيف. «الغارديان» تستعرض هنا أهم نقاط جديرة بالدراسة عن دوري الأمم الأوروبية والمباريات الدولية.
- سانشو يضيف إلى خيارات ساوثغيت الهجومية
عندما كان المدير الفني للمنتخب الإنجليزي غاريث ساوثغيت بحاجة إلى الهجوم أمام منتخب كرواتيا في الدور نصف النهائي لكأس العالم 2018 بروسيا من أجل تعديل النتيجة، كانت خياراته محدودة بسبب عدم وجود مهاجمين على مقاعد البدلاء. وكان من الصعب على ساوثغيت أن يغير طريقة اللعب، وبالتالي لم يكن من المفاجئ أن نرى المنتخب الإنجليزي عاجزا عن العودة إلى مجريات اللقاء. ومع ذلك، واصل المنتخب الإنجليزي التطور بعد نهاية المونديال، وأظهر مؤشرات إيجابية على قوته الكبيرة في عمق الملعب عندما نجح في الوصول إلى المرحلة النهائية من دوري الأمم الأوروبية على حساب كرواتيا. وقلب ساوثغيت الطاولة تماما على المنتخب الكرواتي عندما دفع بكل من ديلي آلي وجيسي لينغارد وجادون سانشو بعدما تقدم المنتخب الكرواتي عن طريق نجمه أندريه كراماريتش. وتمكن لينغارد، الذي يتمتع بموهبة فطرية في الظهور في المكان المناسب في الوقت المناسب، من إحراز هدف التعادل، قبل أن يحرز هاري كين هدف الفوز، مقدما هدية ثمينة لمديره الفني الذي تخلى عن الحذر وغامر بشدة بغية تحقيق الفوز. ومن المؤكد أن شراسة المنافسة على حجز مكان أساسي في الخط الأمامي للمنتخب الإنجليزي قد بدأت تؤتي ثمارها بشكل ملحوظ للغاية.
- فليتشر يثبت أن أليكس ماكليش كان مخطئاً
واجه المدير الفني للمنتخب الاسكوتلندي أليكس ماكليش ورطة كبيرة بسبب غياب عدد كبير من اللاعبين عن صفوف المنتخب أمام ألبانيا وإسرائيل في إطار مباريات دوري الأمم الأوروبية، سواء بسبب انخفاض المستوى أو بسبب الإصابات. لكن الشيء المؤكد هو أن النجم المخضرم ستيفن فليتشر قد أثبت أن ماكليش كان مخطئاً تماماً بعدم الاعتماد عليه، حيث قدم مستويات باهرة تنم عن ذكائه وقوته وعزيمته. وكان ماكليش يفضل في السابق الاعتماد على لي غريفيثس، وجوني راسل، وستيفن نايسميث، وأوليفر ماكبورن على حساب فليتشر، الذي لم يكن قادرا على حجز مكان له في تشكيلة المنتخب الاسكوتلندي. لكن بعد الأداء القوي الذي قدمه نجم شيفيلد وينزداي في المباريات الأخيرة، فمن المؤكد أنه بات أحد الأعمدة الأساسية في خط هجوم المنتخب الاسكوتلندي. ورغم الرغبة القوية في تجديد دماء المنتخب الاسكوتلندي خلال المرحلة المقبلة، فمن الواضح أن الخبرات الكبيرة التي يتمتع بها فليتشر ستكون ذات قيمة كبيرة للغاية.
- الوقت مناسب للتغيير في جمهورية آيرلندا
ظهر منتخب جمهورية آيرلندا بشكل متواضع للغاية في المباراة الودية التي خاضها على ملعبه أمام آيرلندا الشمالية، كما هبط من مجموعته في دوري الأمم الأوروبية من المستوى الثالث إلى المستوى الرابع، وسيكون ضمن المستوى الثالث في قرعة تصفيات كأس الأمم الأوروبية 2020 والتي ستقام في دبلن الشهر المقبل. وفي الحقيقة، لم يكن من المتوقع أن يحقق منتخب جمهورية آيرلندا نتائج أفضل من التي حققها، بالنظر إلى التغيير الكبير الذي طرأ على تشكيلة المنتخب خلال الفترة الأخيرة. ومع ذلك، من الصعب للغاية وصف العام الماضي على أنه كان فترة انتقالية تحت قيادة المدير الفني مارتن أونيل، لأنه لم تكن هناك أي إشارة على محاولة التقدم والتطور بشكل ملحوظ، وظهر الفريق في كثير من الأحيان مفككا ويلعب بلا هدف أو خطة واضحة، وكأن الهدف الأساسي هو تقليل الخسائر والأضرار إلى أقصى حد ممكن.
وبالتالي، مر هذا العام من دون تحقيق أي شيء يذكر، وأقيل أونيل وروي كين من منصبيهما بسبب النتائج والعروض السيئة للفريق، ولذا فإن هذا هو الوقت المناسب للتغيير الحقيقي. وعلى المدى الطويل، يجب أن يشمل الحل إصلاح الاتحاد الآيرلندي لكرة القدم. أما على المدى القصير، فستكون مهمة جمهورية آيرلندا هي التأهل إلى نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2020.
- فان دايك يقود المرحلة الجديدة للطواحين الهولندية
تمكن المنتخب الهولندي من تحويل تأخره بهدفين نظيفين أمام ألمانيا إلى التعادل بهدفين لكل فريق لكي يتأهل إلى المرحلة النهائية لدوري الأمم الأوروبية. وخلال تلك المباراة، ظهر المدافع الهولندي فيرجيل فان دايك بشكل جيد. ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن خط دفاع المنتخب الهولندي المكون من فان دايك واللاعب الشاب ماتيس دي ليخت الذي لا يمتلك خبرات كبيرة، قد واجه الكثير من الصعوبات أمام المهاجم الألماني الخطير تيمو فيرنر. وفي الحقيقة، كان بإمكان المنتخب الألماني أن يزيد من حصيلة الأهداف عندما كان متقدما بهدفين دون رد، لكن التراخي وعدم التركيز من جانب اللاعبين الألمان سمح لهولندا بالعودة إلى أجواء المباراة، ويعود الفضل في ذلك بصورة كبيرة إلى المدافع الهولندي العملاق فيرجيل فان دايك الذي تحمل المسؤولية في هذه الأوقات الصعبة وأظهر بما لا يدع مجالا للشك أنه يستحق أن يكون قائد هذا الجيل في هولندا. وعندما بدا أن الحلم الهولندي بدأ يتبخر من بين أقدام اللاعبين، أعطى نجم ليفربول البالغ من العمر 27 عاما درسا مهما للغاية لزملائه الصغار في السن وذكرهم بأنه ينبغي القتال حتى الرمق الأخير وأحرز هدفا قاتلا قاد به منتخب بلاده إلى المرحلة النهائية من دوري الأمم الأوروبية.
- بطولة جيدة على عكس إسبانيا
قال المدير الفني للمنتخب الإسباني، لويس إنريكي: «لقد حقق دوري الأمم الأوروبية نجاحاً كبيراً». وقد ظهر المنتخب الإسباني بشكل جيد خلال أول مباراتين له في هذه المسابقة، لكن بعد المباراتين الثالثة والرابعة، عاد إنريكي ليشير إلى أن التأهل إلى نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2020 هو الهدف الأساسي لمنتخب بلاده من هذه المسابقة، وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن النتائج هي التي تتحكم في كل شيء وتغير طريقة التفكير. وقد شهدت مباراة إسبانيا ضد كرواتيا إثارة كبيرة للغاية، حيث كان كل فريق يدرك أن الفوز وحده ولا شيء غيره هو الذي سيؤهله إلى المرحلة المقبلة، وأعتقد أن إنريكي كان محقا عندما قال إن هذه المسابقة قد حققت نجاحا كبيرا. لكن يرى كثيرون في إسبانيا أن إنريكي كان مخطئا في اختياراته وفي تعامله مع المباريات.
وكان هناك تفاؤل كبير في إسبانيا بعدما فاز الماتادور الإسباني في المباراة الأولى على إنجلترا بملعب ويمبلي وسحق كرواتيا بسداسية نظيفة، لكن سرعان ما تحول هذا التفاؤل إلى تشاؤم واضح بعد الخسارة في المباراتين التاليتين بنفس النتيجة بثلاثة أهداف مقابل هدفين. وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل لم تعد إسبانيا بنفس القوة التي كانت عليها من قبل؟ وما هي الهوية التي يجب أن تكون عليها إسبانيا؟ لقد بدأ لويس إنريكي الاعتماد على الكرات القصيرة والسريعة (تيكي تاكا) ورحب كثيرون بذلك الأمر في البداية، لكن سرعان ما أثيرت الشكوك حول طريقة اللعب بسبب المشاكل الدفاعية الواضحة وعدم وجود مهاجم قناص قادر على استغلال أنصاف الفرص، كما بدأ كثيرون يتحدثون عما إذا كان سيرجيو بوسكيتس يقترب من نهايته! وربما يكون مدافع ريال مدريد سيرخيو راموس هو الوحيد الذي نجا من الانتقادات اللاذعة التي تعرض لها اللاعبون، والتي ركزت في المقام الأول على اثنين من اللاعبين الذين يلعبون في الدوري الإنجليزي الممتاز - وأعتقد أن هذه الانتقادات لم تكن منصفة دائما ولم تكن أيضا من قبيل الصدفة - وهما ديفيد دي خيا وألفارو موراتا.
- تداعيات المشاركة في نهائيات المونديال
أصيب النجم البرازيلي نيمار بشد في العضلة الضامة خلال مباراة البرازيل الودية أمام الكاميرون واضطر للخروج من الملعب بعد مرور ثماني دقائق فقط من عمر اللقاء. ورغم أن الإصابة ليست خطيرة، فإنها قد تكون آخر شيء يريده نادي باريس سان جيرمان. ويشعر النادي الباريسي بقلق كبير أيضا بسبب خروج نجمه الشاب كيليان مبابي مصابا خلال مباراة المنتخب الفرنسي أمام أوروغواي. ولم يكن من قبيل الصدفة أن يتعرض عدد كبير من لاعبي الفريق للإصابة بسبب مشاركتهم حتى مراحل متأخرة مع منتخبات بلادهم في نهائيات كأس العالم الأخيرة بروسيا، وهو الأمر الذي أصابهم بالإجهاد. وتشير الأبحاث التي أجرتها صحيفة «التايمز» البريطانية إلى أن 52 من 84 لاعبا بالدوري الإنجليزي الممتاز وصلوا إلى مراحل متقدمة في نهائيات كأس العالم قد تعرضوا للإصابة منذ ذلك الحين. وترى الأندية الكبرى أن إعادة تشكيل مشهد كرة القدم سيكون له تداعيات سلبية كبيرة على اللاعبين، ومن المؤكد أن إصابة اللاعبين الكبار بهذا الشكل تعزز مخاوف هذه الأندية.
- منتخب كوسوفو حدث استثنائي
في مارس (آذار) المقبل، سيكون قد مر خمس سنوات على خوض منتخب كوسوفو لأول مباراة رسمية له، وهي المباراة التي كانت أمام هايتي. ورغم أن تلك المباراة الودية نفسها لم تكن جيدة، لكن لا يمكن لأحد أن ينسى السعادة الغامرة بسبب الهوية الوطنية التي شعر بها هذا الشعب خلال هذه المباراة. لكن الحقيقة هي أنه لم يكن بإمكان أي شخص أن يتنبأ بمدى السرعة التي ستسير بها الأمور في كرة القدم في كوسوفو. لقد حدث شيء غير عادي وأصبحت كوسوفو واحدة من أكثر المنتخبات الوطنية حيوية ونشاطا في أوروبا، وبالتالي لم يكن من الغريب أن نعرف أن هذا المنتخب بات على وشك تحقيق شيء استثنائي، فرغم وقوع كوسوفو في مجموعة صعبة نسبيا في المستوى الرابع في دوري الأمم الأوروبية، فقد تمكن هذا الفريق من احتلال صدارة المجموعة والتأهل للمستوى الثالث. ويضم منتخب كوسوفو اثنين من أفضل الأجنحة الشابة في كرة القدم الأوروبية، وهما ميلوت راشيكا وأربر زينيلي، الذي سجل ثلاثة أهداف في المباراة التي فازت فيها كوسوفو على أذربيجان بأربعة أهداف نظيفة يوم الثلاثاء الماضي. وقد استفادت كوسوفو من حرص الجيل الثاني من اللاعبين الألبان الكوسوفيين على تمثيل تلك الدولة التي مزقتها الحرب في تسعينيات القرن الماضي. ومن المؤكد أن منتخب كوسوفو قادر على إحراج أي فريق يقابله في تصفيات كأس الأمم الأوروبية، في ضوء النتائج والمستويات التي يقدمها في الوقت الحالي.
- مانشيني يعيد الحياة لكرة القدم الإيطالية
يظهر المنتخب الإيطالي، حتى الآن، بشكل جيد تحت قيادة مديره الفني روبرتو مانشيني، رغم فوزه الصعب على الولايات المتحدة في المباراة الودية الأخيرة بهدف قاتل في الدقيقة 94. ويسعى مانشيني جاهدا لإعادة الحياة من جديد لتلك القوة الكروية العريقة التي ابتعدت عن مستواها لفترة طويلة. وقدم المنتخب الإيطالي أداء رائعا في المباراة التي فاز فيها على بولندا الشهر الماضي، كما تفوق بشكل واضح على المنتخب البرتغالي وكان يستحق الفوز في المباراة التي انتهت بالتعادل في إطار مباريات دوري الأمم الأوروبية.
ويجب الإشارة إلى أن المنتخب الإيطالي يلعب بحماس شديد بفضل المواهب الشابة المثيرة للإعجاب في هذا الفريق. وشارك مويس كين، مهاجم يوفنتوس البالغ من العمر 18 عاما، في النصف ساعة الأخير من المباراة التي لعبتها إيطاليا، كما ظهر لاعب خط وسط نادي كالياري، نيكول باريلا، البالغ من العمر 21 عاما، في كثير من المباريات في الآونة الأخيرة. وعلاوة على ذلك، أحضر مانشيني ساندرو تونالي، وهو لاعب شاب آخر يبلغ من العمر 18 عاماً ويلعب في فريق بريشيا في دوري الدرجة الثانية بإيطاليا، للمشاركة في المباريات واكتساب الخبرات خلال هذا الشهر، وبات هناك شعور متنام بأن مانشيني بدأ يعيد إيطاليا إلى المسار الصحيح الذي حادت عنه لسنوات طويلة.
دوري الأمم الأوروبية أثبت أنه بديل عملي للمباريات الدولية الودية غير المجدية
البطولة بعيدة عن نظام التأهل التقليدي لكأس العالم والمسابقات القارية
دوري الأمم الأوروبية أثبت أنه بديل عملي للمباريات الدولية الودية غير المجدية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة