نيران الغضب تتحول إلى انتقام من «الإخوان»

مجموعة من الشباب يلتقطون صورة تذكارية أمام حافلة صغيرة قام ذوو ضحايا غاضبون في مدينة المنصورة بإحراقها ليلة أول من أمس لاقتناعهم بأنها تخص أحد أنصار جماعة الإخوان (أ.ف.ب)
مجموعة من الشباب يلتقطون صورة تذكارية أمام حافلة صغيرة قام ذوو ضحايا غاضبون في مدينة المنصورة بإحراقها ليلة أول من أمس لاقتناعهم بأنها تخص أحد أنصار جماعة الإخوان (أ.ف.ب)
TT

نيران الغضب تتحول إلى انتقام من «الإخوان»

مجموعة من الشباب يلتقطون صورة تذكارية أمام حافلة صغيرة قام ذوو ضحايا غاضبون في مدينة المنصورة بإحراقها ليلة أول من أمس لاقتناعهم بأنها تخص أحد أنصار جماعة الإخوان (أ.ف.ب)
مجموعة من الشباب يلتقطون صورة تذكارية أمام حافلة صغيرة قام ذوو ضحايا غاضبون في مدينة المنصورة بإحراقها ليلة أول من أمس لاقتناعهم بأنها تخص أحد أنصار جماعة الإخوان (أ.ف.ب)

«خايف أن يتحول الغضب في داخلنا إلى نار تأكل الأخضر واليابس».. قالها بصوت منكسر، بينما سحابة من الحزن بدأت تكسو وجهه السبعيني المكدود. ثم مسح الرجل قطرات من الدموع ترقرقت في عينيه بشكل تلقائي، وانزلقت على زجاج نظارته الطبية وهو يتابع على شاشة التلفاز بمقهى شعبي بوسط القاهرة مشهد الجنازة المهيبة لضحايا التفجير الإرهابي لمديرية الأمن بمدينة المنصورة والذي أودى بحياة 16 شخصا ومئات من المصابين.
في الجنازة التي سادت شوارع وميادين المدينة المكلومة، بدا شعار «الشعب يريد إعدام الإخوان» تميمة لحالة من الغضب العارم اجتاحت نفوس المشيعين، وتوازى صداها بقوة مع صدى التفجير الإرهابي الذي دمر جزءا من مبنى مديرية الأمن، وامتد إلى مسرح المدينة العريق وبعض المحال التجارية في محيط المديرية، وطالت شظاياه نوافذ وشبابيك الكثير من البنايات في المدينة التي يعتز أهلها بأنهم هزموا ملك فرنسا لويس التاسع، وحبسوه وعددا من جنوده في دار ابن لقمان إبان الحملة الصليبية السابعة على مصر في القرن الثالث عشر.
ولم يكد ينتهي المشيعون من دفن الضحايا إلى مثواهم الأخير، حتى تحول شعار المطالبة بإعدام الإخوان، والاعتقاد أنهم وراء الحادث، إلى حقيقة تمشي على الأرض.
واقتحم المئات من الأهالي الغاضبين عددا من المحال التجارية بالمنصورة بزعم أن أصحابها ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، كان أبرزها سوبر ماركت تابع لسلسلة محلات «أولاد رجب» الشهيرة، قاموا بتحطيمه ونهبه، وإلقاء محتوياته في الشارع، كما قاموا بإحراق ميكروباص (حافلة نقل صغيرة) كان يستقلها مجموعة من الإخوان، بعد أن لاذوا بالفرار، وحاصر آخرون مساكن شوهد فيها مجموعة من الشباب كانوا يشيرون من الشرفات بإشارة رابعة (كف طوي إبهامه)، في أثناء سير الجنازة، كما اقتحم عدد من المواطنين الغاضبين الذين شاركوا في مراسم تشييع الجنازة، أحد العقارات السكنية التي يمتلكها القيادي الإخواني الدكتور عبد الرحمن البر، عميد كلية أصول الدين فرع جامعة الأزهر بالمنصورة، وعضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان، والملقب بـ«مفتي الجماعة»، بشارع الجيش بالمنصورة.
وألقى المواطنون الغاضبون محتويات العقار والأثاث بالشارع حسب شهود عيان.. وأضرم مواطنون النار في سيارة تابعة لأحد عناصر الإخوان في مدينة المنصورة، بعد رفعه إشارة رابعة أثناء تشييع الجنازة من سيارته، مما أدى إلى الاشتباك بين الطرفين، وقام على أثرها المواطنون بإشعال النيران في السيارة.
وفي مدينة طلخا المتاخمة للمنصورة، حاصر الأهالي عددا من منازل الإخوان ومحلات تابعة لهم، وقاموا بإشعال النيران فيها.. وقال شهود عيان بالمنصورة، إن أفرادا ملثمين ومسلحين، يعتقد أنهم لصوص وبلطجية، قاموا باقتحام الكثير من المحلات التابعة للإخوان، وسطوا على كل محتوياتها، وحملوها في سيارات، بمساعدة عدد من الأهالي.
وقال أحد شهود العيان إنه رأى جماعة مسلحة تهم بمهاجمة أحد المحال، إلا أن بعضا من الأهالي أوقفوهم بدعوى أن «هذا المحل ليس لإخواني»، وأرشدوهم إلى آخر مجاور يمتلكه أحد أنصار الإخوان، بحسب زعمهم.
ولمح شهود العيان إلى غياب الشرطة عن المشهد، وأنها وجدت فقط في اللحظات الأخيرة.. ونقلت بعض الفضائيات صورا لهذه الحرائق وعمليات النهب والسلب للمحال والعقارات التابعة للإخوان، والتي تناثرت في مدن ومحافظات أخرى، كان من أبرزها مجموعة من الأحداث وقعت في الإسكندرية أعقبها مصادمات بين الأهالي وأفراد ينتمون للإخوان. كما ترافق مع هذا إلقاء سلطات الأمن القبض على العشرات من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، بينهم عدد من الكوادر الوسيطة.
بدافع لا إرادي من كل هذا، يصرخ الرجل السبعيني في المقهى وهو يتابع على التلفاز صورا من هذه الوقائع، ضاربا كفا بكف وموجها حديثة لمن يقومون بالنهب والحرق: «للأسف هذا ما يريده منفذو التفجير الخسيس.. يريدون أن يشعلوا الفوضى في البلد، أن يدمروا الدولة».
وتعاني البلاد، خاصة الجامعات المصرية، منذ الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي في 3 يوليو (تموز) الماضي المحبوس حاليا على ذمة قضايا، من مظاهرات شبه مستمرة يوميا، لا تخلو من أعمال عنف وتخريب، تطالب بعودته للحكم وعدم الاعتراف بخارطة المستقبل والنظام الجديد.
يتعاطف مع الرجل السبعيني أحد الجلوس، قائلا: «نعم.. لا يجب أن ننساق وراء الغضب، الغضب سيولد الشعور بالانتقام، وهذا سيأخذنا جميعا إلى حافة هاوية لا يعلم مداها إلا الله». ويقطع السكون الذي خيم للحظات على رواد المقهى، شاب وقف في وسط المقهى وبحماس بدأ يتكلم، وكأنه يناشد الساسة والمسؤولين والمواطنين قائلا: «اللحظة هذه حساسة وقاتلة، على الجميع أن يعطي نفسه فرصة للتأمل بموضوعية وشفافية، واضعا في اعتباره مصلحة البلد أولا.. يا سادة ما يحث فصول من مؤامرة كبيرة، يشارك فيها أطراف بالداخل والخارج.. يريدون هدم مصر، فإذا كانوا يحبون مصر كما يتشدقون (يقصد الإخوان).. لا بد أن يدركوا أن ما مضى لن يعود.. وأن وهم العودة للقصر (في إشارة للقصر الرئاسي) انتهى للأبد».
ثم اشتد غضب الشاب، الذي عرفت فيما بعد أنه مثقف وسياسي مستقل، قائلا: «أوقفوا مهزلة أن يكون الدين مطية للسياسة والحكم.. وأفيقوا قبل فوات الأوان، قبل أن تجرفكم هذه الدوامة إلى الانتحار الجماعي».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.