مصوّرون عرب وأجانب يسجلون انطباعاتهم عن القاهرة في «أسبوع الصورة»

يتضمّن ورش عمل وحلقات نقاشية

جانب من معرض «سرد»
جانب من معرض «سرد»
TT

مصوّرون عرب وأجانب يسجلون انطباعاتهم عن القاهرة في «أسبوع الصورة»

جانب من معرض «سرد»
جانب من معرض «سرد»

بين ممر «كوداك» في منطقة وسط العاصمة المصرية القاهرة، ومبنى «تمارا» التاريخي بشارع جواد حسني، ظهرت عبارات على الحوائط تشير إلى أماكن وجود أربعة معارض متنوعة في ملتقى «أسبوع القاهرة الأول للصورة»، بطريقة دعائية طريفة ساهمت في توجيه الزّائرين للملتقى الذي يختتم أعماله اليوم. «أسبوع الصورة» تضمن ندوات وحلقات نقاشية حول التصوير بجميع فروعه، بمشاركة خبراء من جميع أنحاء العالم، إضافة إلى جولات حرّة للتصوير في منطقة وسط القاهرة.
عدد الحضور كان لافتاً، حيث امتلأت القاعات الأربع للمعارض الافتتاحية بالزائرين، فيما أكدت مروة أبو ليلة منظمة المهرجان، مديرة مركز «فوتبيا» المستقل للصورة، أنّ المهرجان يغطي جميع أنواع التصوير، والهدف منه تعليمي وتثقيفي في الأساس، مضيفة أن شركة «الإسماعيلية» اهتمت بالنواحي التنظيمية الخاصة بانعقاد المهرجان، بينما تركت الفنيات وإعداد برنامج المؤتمر لمركز «فوتبيا»، فيما تقدم شركة «كانون» خدمات تقنية للكاميرات خلال أيام المؤتمر.
معارض المهرجان أبرزت إبداع عشرات من الفنانين المصريين الشباب، حيث قدم «معرض سرد» بشارع جواد حسني مجموعات صور فنية لـ11 فناناً، تمثل الحياة اليومية في مصر وأفريقيا، إذ تضمنت صوراً للمصورة المصرية هبة خميس عن «كي صدر الفتيات» لدى قبائل في كينيا لحمايتهن من الاغتصاب.
وعرض الفنان فتحي حواس بورتريهات التقطت خلال احتفالات الطريقة الشاذلية الصوفية، إضافة إلى فنانين آخرين تناولوا تفاصيل الحياة اليومية، وذكريات لعائلات مختلفة. وفي معرض «هي تحكي» في ممر «كوداك»، عرضت 12 فنانة صوراً تعكس مفهومهن عن بيئتهن، تميزت بالاهتمام بالتفاصيل، فعرضت الفنانة نادية منير جزءاً من مشروعها «خارج الحدود»، الذي تسجل خلاله ذكريات المهاجرين في مدينة مرسيليا، والتي تعود جذور أغلبهم إلى شمال أفريقيا.
أمّا معرض «مصر على الحيطان» فعرض تسع مجموعات من الصور، التي تحكي تفاصيل حميمة خاصة بالحياة في مصر، وعرضت الفنانة هدير محمود صوراً التقطت خلال رحلاتها اليومية عبر مترو أنفاق القاهرة ضمّت تفاصيل الزحام داخل عربة السيدات، ووجوه اللاجئين الأفارقة في مصر، وعرض الفنان محمد علي الدين صوراً لعمال «المحاجر»، تعكس ظروف العمل القاسية، وعدم وجود حماية مناسبة لهم.
كما عرضت الفنانة أسماء جمال قصة مصورة حول طقوس الاحتفال بالمواليد في مصر، وهو ما يعرف بـ«السبوع»، كما عرض الفنان كريم الحيوان تفاصيل مهمة خاصة بالنُزل الصغيرة في وسط البلد، التي تعرف باسم «البنسيون»، وتمنح إقامة قصيرة بسعر رخيص للعابرين.
بينما أطلق المصور محمود خالد على مجموعته اسم «محطات»، وتضمّ صوراً التقطت خلال الفترة ما بين عام 2011 إلى 2014، وتعكس الأحداث السياسية التي مرّت على البلاد. وعرض المصور يحيى العلايلي صورة تحت عنوان «مذكرات المطبخ»، التي تعكس الأدوات القديمة التي كانت تستخدم داخل المطبخ المصري، حيث كان كل شيء يصنع في البيت.
إضافة إلى المعارض، شمل «أسبوع القاهرة للصورة» أنشطة لجميع أنواع التصوير مثل «الأزياء، والأكل، والسفر، والبورتريه، والوثائقي، والتصوير الصّحافي»، إضافة إلى ورش خاصة عن «تحرير الصور، والفنون الجمالية، والأرشفة، والتصوير السينمائي، والدعائي، وتصميم الطعام، والإنتاج الإعلامي».
ويستهدف المهرجان، المصورين الهواة والمحترفين، وصناع الفيديو، والوثائقي، ورواة القصص البصرية، والباحثين، ويصل عدد المشاركين فيه إلى ما يزيد عن ألفي زائر، بمشاركة 90 مدرباً ومحاضراً من جميع أنحاء العالم.



«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
TT

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».

هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.

ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.

لماذا يتشابه بعض البشر مع الخرفان (الشرق الأوسط)

إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.

يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».

الفنان السوري ماهر البارودي يحتفي بمفردة الخروف في لوحاته (الشرق الأوسط)

لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».

وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.

أحياناً يسخر الإنسان من معاناته (الشرق الأوسط)

وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.

أجواء قاتمة في خلفية اللوحة تجذب العين إلى الألم البشري في المقدمة (الشرق الأوسط)

وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.

لوحة العائلة للفنان ماهر البارودي (الشرق الأوسط)

ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».

الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.

لبعض البشر وجه آخر هو الاستسلام والهزيمة (الشرق الأوسط)

يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.