تركيا: اعتقال 20 شخصاً للاشتباه في ارتباطهم بـ«العمال الكردستاني»

TT

تركيا: اعتقال 20 شخصاً للاشتباه في ارتباطهم بـ«العمال الكردستاني»

نفذت قوات الأمن التركية، أمس (الاثنين)، حملة مداهمات في ولاية إزمير غرب البلاد، أسفرت عن القبض على 20 شخصاً للاشتباه بارتباطهم بحزب العمال الكردستاني (المحظور)، بينهم أحد مسؤولي حزب الشعوب الديمقراطي المعارض، المؤيد للأكراد.
وقالت مصادر أمنية، إن بين المعتقلين مسؤولاً سابقاً بحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وإن الحملة الأمنية جاءت بناء على مذكرة اعتقال صادرة من الادعاء العام. وتتهم السلطات التركية حزب الشعوب الديمقراطي، ثالث أكبر أحزاب المعارضة بالبرلمان، بدعم حزب العمال الكردستاني والقيام بدعاية له، واعتقلت كلاً من رئيسيه المشاركين صلاح الدين دميرطاش وفيجن يوكسكداغ، و8 من نواب الحزب في البرلمان باتهامات مماثلة.
في سياق موازٍ، أقام محامي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، دعوى قضائية ضد الصحافي فاتح بولاط، رئيس تحرير صحيفة «أفرنسال» بتهمة «إهانة رئيس الجمهورية»، بسبب مقال كتبه وجَّه فيه سؤالاً إلى إردوغان، حول شراكة مزعومة تربط عائلته برجل أعمال أذري، في ناقلة نفط بمليون دولار.
وعنون بولاط مقاله، المنشور في 27 مايو (أيار) 2017 بـ«ماذا يقول أنصار إردوغان حول هذه الادعاءات المتعلقة بأسرته؟». وتطرق إلى علاقة مزعومة تربط أسرة إردوغان برجل الأعمال الأذري، مبارز مانسيموف، وشراكتهم في ناقلة نفط بمليون دولار، مستنداً في معلوماته إلى تقرير للصحافي البريطاني، كريغ شاو، نشره العام الماضي، وذكر فيه أن «وثائق بنما» تكشف عن تلك التفاصيل.
وعقب سرد تفاصيل ذلك التقرير، طرح بولاط في نهاية مقاله سؤالاً لمعرفة رد فعل أنصار إردوغان ومؤيديه، بشأن تلك الادعاءات المتعلقة بأسرته. ولاحقاً، أصدرت محكمة تركية قراراً بإزالة مقال بولاط من الموقع الإلكتروني لصحيفته، وتقدم بطعن على القرار لكن المحكمة رفضته، وأُزيل المقال من الموقع.
وبناء على بلاغ تقدم به محامي إردوغان، أُقيمت دعوى قضائية ضد بولاط قد تصل عقوبته فيها إلى الحبس لأكثر من 4 سنوات. وشهدت تركيا رفع 6 آلاف و33 قضية ضد أشخاص بتهمة إهانة إردوغان خلال عام 2017 فقط، ونفذت الأحكام في ألفين و99 قضية منها.
ويقبع 150 صحافياً في السجون التركية، منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في منتصف يوليو (تموز) عام 2016، ما وضع تركيا في مرتبة متأخرة في لائحة الدول التي تكفل حرية الصحافة، بحسب التصنيفات الدولية.
على صعيد منفصل، أعلن والي إسطنبول، علي يرلي كايا، مقتل 4 عسكريين أتراك وإصابة آخر، في تحطم مروحية عسكرية اصطدمت بأحد الأبنية في حي سنجق تبه السكني، في إسطنبول أمس. وكانت المروحية التابعة لفوج القوات الجوية في قيادة الجيش الأول، في رحلة تدريبية.
وأكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أنّ طاقم المروحية المنكوبة بذل ما بوسعه من أجل عدم إلحاق أي ضرر بأحد من المدنيين، قبل أن تتحطم. وأضاف في تصريح من موقع الحادث، أن ضابطين عاملين وضابطي صف قتلوا في تحطم المروحية العسكرية، فيما أُصيب جندي برتبة عريف. وأشار إلى أن طاقم الطائرة حاول الهبوط بشكل اضطراري، وأن الفحص الفني سيظهر ما حدث قبل سقوط الطائرة. وأكد أكار أنه تم فتح تحقيق إداري وقضائي بالحادث، للوقوف على الأسباب التي دفعت طاقم المروحية لإجراء الهبوط الاضطراري.
في الوقت نفسه، بدأت فرق الإنقاذ التابعة لبلدية سنجق تبه، عمليات انتشال حطام الطائرة العسكرية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟