رحلة بدأت من بوابة الأرشيف

قصتي مع الأعلام

رحلة بدأت من بوابة الأرشيف
TT

رحلة بدأت من بوابة الأرشيف

رحلة بدأت من بوابة الأرشيف

لم أكن أدرك عوالم الصحافة عندما دخلت مبنى مجلة «الحوادث» في كورنيش المزرعة ببيروت أول مرة عام 1964 وعمري لم يتجاوز بعد الـ14 سنة، كان همي كشاب أن أجد فرصة عمل أعتاش منها، تعينني على متابعة دراستي بعد نيلي شهادة «السرتفيكا» الابتدائية.
من بوابة الأرشيف رحت أتعرف على العمل الصحافي، وفي غرفة متواضعة بآخر صالة التحرير كانت الإطلالة على قسم الإخراج الفني مع طلعت يوسف، ورسام الكاريكاتير نيازي جلول والخطاط الحاج برهان كبارة.
بين المطبعة حيث أقضي وقتاً من يومي مع صانعي الأحرف وصفها بالرصاص علي «الإنترتايب» وتركيب الصفحات إلى المحررين وكبار الكتاب أمثال أمين الأعور ومحمد النقاش وإلياس سحاب وإبراهيم سلامة ورياض شرارة ووليد عوض وشفيق الحوت ونبيل خوري، أسمع وأناقش وأتدرب بشأن الكتابة وأصول الخبر والتحقيق وتعلم قواعد حفظ الصور واسترجاعها عند الحاجة إلى أن بدأت التجربة تنضج شيئاً فشيئاً.
خرجت مع العاملين بـ«الحوادث» نرفع صور جمال عبد الناصر بأيدينا يوم زحفت جماهير 9 و10 يونيو (حزيران) لتملأ شوارع بيروت باتجاه مقر السفارة المصرية ناحية الرملة البيضاء لتصدر أول عدد لها بعد نكسة 5 يونيو 1967 وفيها استدارة كاملة بالتوجهات والخط السياسي الذي أنهكته المدرسة الناصرية لتسقط على الأرض وتبدأ عجلة سليم اللوزي بهجرانها.
اخترقت الحواجز وصرت أقرب إلى «صاحبها ورئيس تحريرها» من حيث الموقع والدور، مارست الكتابة وصرت متمكناً من أداء المهمة في مجال المعلومات والصور وهو ما قادني للدخول إلى قاعة المحكمة بقصر العدل في بيروت وبصحبة المرحومين رياض شرارة وسليم اللوزي في دعوى أقامها «مزراحي» لبناني من أصول يهودية ضد «الحوادث» وناشرها ومعد التحقيق عن يهود وادي أبو جميل.
وعلى مشارف السبعينات وفي أجواء «مجازر أيلول» في عمّان سنة 1970 و«فتح لاند» في العرقوب والاغتيالات التي نفذتها إسرائيل في حربها المفتوحة ضد قيادات فلسطينية في لبنان وخارجه وجدت نفسي في حالة انجذاب «للنضال» الإعلامي إلى جانب الثورة الفلسطينية.
عام 1973 انتقلت من «الحوادث» حيث مقرها الجديد في «عين الرمانة» وبرفقة الزملاء غسان كنج وإبراهيم سلامة وزهير سعادة إلى منبر إعلامي جديد، مع الأستاذ علي بلوط صاحب مجلة «الدستور»، حيث كانت محطة استمرت بحدود سنة ونصف بذلت فيها جهداً لتأسيس قسم للأرشيف وبتعاون أوسع مع الصحافة الفلسطينية عبر مجلة «الهدف» بقيادة غسان كنفاني، الذي لجأ إلى مبنى «الدستور» قبل اغتياله بأشهر طلباً للحماية لكنه فارق الحياة بتفجير مدبر من المخابرات الإسرائيلية.
وأنا على مقاعد الدراسة وفي سنة أولى بالجامعة اللبنانية، آثرت أن أضيف إلى المهنة التي تستهويني، خبرات «أجنبية» فكانت لي فرصة الذهاب إلى باريس عام 1973 والعمل في صحيفة «لوموند» الفرنسية في مجال التوثيق والأرشفة وأعود من بعدها لألتحق بصحيفة «السفير» عند بداية صدورها أول عام 1974.
كانت مرحلة «السفير» أشد عوداً من سابقاتها فالمساهمة بإنشاء صحيفة جديدة استلزمت «عدَّة» متطورة في مجال المعلومات والتوثيق والدخول في أعداد وكتابة التقارير الصحافية وهو ما تحقق، وإن استجدت ظروف الحرب الأهلية عام 1975 لتجعل الصحافة على خط النار والمواجهة وبما فرضته من مخاطر ومغامرات جعلتني أتنقل بينها وبين مجلة «فلسطين الثورة» بالقرب من جامعة بيروت العربية، وهنا تتاح لي معرفة أساليب التضليل الإعلامي التي اكتنفت خطاب الثورة وما حملته من مآسٍ على «الجماهير» العربية.
الهجرة إلى الكويت كانت الخيار الأمثل والأقرب إلى الحريات الصحافية الذي عايشناها في لبنان بعد أن استبعدت لندن وقبرص من أجندتي و«القبس» وبما تمثله من واجهة للمدرسة الصحافية اللبنانية كانت المحطة الأنسب لي، نظراً لوجود كفاءات صحافية عملت فيها، أمثال الأستاذ رؤوف شحوري وآخرين اعتز بهم.
انقطعت لمدة سبعة أشهر عن بيئة أمضيت سنوات عمري فيها ليحط بنا الرحال في إمارة الشارقة وبصحيفة «الخليج» ثم نعود من جديد إلى حيث يعشق القلب والقلم إلى «القبس» نعاود الصدور بعد غزو بربري أقدم عليه صدام حسين وتوقف قسري دام أشهراً خلال عامي (1990 - 1991).
حصيلة لمشوار امتد إلى 42 سنة في بلاط «القبس» وبما حمل من مهمات صحافية، كان أبرزها متابعة أزمة المياه بين تركيا والعراق وسوريا، إضافة إلى رحلات صحافية وتقارير وملفات زاد عليها، إصدار 13 كتاباً، توزعت على موسوعات وتاريخ الرقابة واليهود والمسيحيين في الكويت والعلاقات بينها وبين لبنان، وأبرزها سلسلة تراجم من خمسة أجزاء تحت عنوان «وجوه من الكويت».
مهنة ليس فيها متاعب بقدر ما فيها من صور عاكسة ونابضة لكل ما يطفو على السطح وما ينساب تحته.
* صحافي كويتي وسكرتير تحرير جريدة «القبس» الكويتية


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.