ألبرتو فرنانديز لـ «الشرق الأوسط»: ليست لدينا خطوط حمراء لكن المنطقة العربية مليئة بالألغام

مدير الشبكة المشرفة على قناة «الحرة» يؤكد أهمية مواجهة أذرع إيران الإعلامية

ألبرتو فيرنانديز («الشرق الأوسط»)
ألبرتو فيرنانديز («الشرق الأوسط»)
TT

ألبرتو فرنانديز لـ «الشرق الأوسط»: ليست لدينا خطوط حمراء لكن المنطقة العربية مليئة بالألغام

ألبرتو فيرنانديز («الشرق الأوسط»)
ألبرتو فيرنانديز («الشرق الأوسط»)

كانت مهمة الدبلوماسي والمحلل والمؤرخ السياسي ألبرتو فرنانديز عندما تولى منصب مدير {شبكة الشرق الأوسط للإرسال} المشرفة على قناة الحرة في يوليو (تموز) 2017 هي إعادة الحياة في الشبكة وتطويرها وإرساء هوية جديدة تستطيع بها الحرة المزاحمة بين فضاء إعلامي يغلب عليه الاستقطاب السياسي أحيانا والطائفية أحيانا وتحقيق أجندة سياسية في أغلب الأحيان. كانت مهمته أن يقود فريقا محترفا لجذب المشاهد بتقنيات وبرامج جديدة وتقديم الأخبار ومناقشة الموضوعات بتوازن وموضوعية ومن دون خطوط حمراء.
انطلقت قناة الحرة في أوائل الشهر الجاري لتطل على مشاهديها بوجوه جديدة ومضمون مختلف وينطلق البث من كل من مقر القناة في ولاية فيرجينيا وفرع القناة في دبي. وفي هذا الحوار يشرح فرنانديز كيف قام بهذه المهمة وما هي الهوية الجديدة للقناة وأهدافها ويرد على الانتقادات والاعتراضات التي واجهت قناة الحرة وفيما يلي نص الحوار:

> توليت منصبك منذ يوليو (تموز) 2017 واعتمدت خطة لتجديد شبكة الشرق الأوسط لتخرج في ثوب جديد مع نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري فما هي الخطة التي اعتمدتها وما هي الهوية الجديدة للشبكة؟
- هذه هي فقط بداية التطوير، فقد مرت شبكة الشرق الأوسط للإرسال وقناة الحرة بأزمة وجودية، وراءها عدة أسباب، وكان أمامنا تحديات تقنية وإدارية وفنية مرتبطة بجمالية الصورة وتحديات مع البرامج والأخبار وطبيعة هذه الأخبار. بصراحة كان الوضع كارثيا وإنتاجا هامشيا وضعيفا. وتجربتي كدبلوماسي وكمشاهد للإعلام والصحافة العربية لعدة سنوات وعملي كمتحدث للخارجية وكمستشار إعلامي ومدير الدبلوماسية في الشرق الأوسط، كان واضحا أن ما تقدمه الشبكة لم يكن به شيء مشوق وإنما كان نسخة مكررة لما هو موجود في القنوات الأخرى.
كان التحدي أمامنا في البداية، أن نصنع هوية للشبكة لتقديم شكل ومحتوى مشوق ومختلف ومتوازن، وبدأنا في أخذ خطوات في مواجهة كل هذه التحديات. وكان لدينا تغييرات كبيرة بلغت 50 في المائة من العاملين واستبدالهم.
كان لدينا برامج من دون جمهور تم إلغاؤها. وكان افتقاد الرؤية جزءا أساسيا من المشكلة. ووضعنا هدفا أن تكون لنا هوية إصلاحية وتنويرية، ونحن لا نقارن أنفسنا بالمحطات الأخرى وإنما نضع تحديا بين ما كنا فيه وما نصبو إليه في المستقبل.
كانت الخطوة الأولى هي أن ننافس ونطور في التقنيات والغرافيك وأداء المذيعين والمذيعات وطبيعة الأخبار وقدمنا 12 ساعة من الأخبار بدلا من 4 ساعات بما يحقق المرونة والحرية في تغطية الأحداث. كان بعض الشكوى أن الحرة متأخرة في تقديم الأخبار لأنها تبث من ولاية فيرجينيا بأميركا مع اختلاف التوقيت مع منطقة الشرق الأوسط، وعالجنا هذا الأمر، ولأول مرة في تاريخ الشبكة أصبح عندنا طاقم أخبار في دبي ويتم بث الأخبار من المنطقة بما يحقق انسجاما في الجهد الإعلامي والإخباري بما يتوافق مع الأحداث في المنطقة.
> مقر الحرة الرئيسي في فيرجينيا ومكتبها في المنطقة افتتح في دبي. هل هناك تفكير في فتح مكاتب أخرى في عواصم عربية وهل هناك زيادة في الميزانية التي تبلغ 112.7 مليون دولار حاليا؟
- لدينا مراسلون من المحيط للخليج والفكرة ليست في إنشاء مكاتب وإنما الحصول على تغطيات متميزة من خلال زيادة المراسلين في أماكن لا نملك مراسلين بها مثل ليبيا على سبيل المثال. الميزانية كما هي وليست لدينا مشكلة في تمويل التغييرات التي نقوم بها هذا العام والعام المقبل وسنقوم بتحسينات تقنية وربط بين المواقع الإلكترونية والراديو والتلفزيون والتواصل الاجتماعي وتبادل التقارير. فالمشاهد ينوع في مصادر حصوله على المعلومات ما بين مشاهدة التلفزيون والاستماع للراديو وقراءة مواقع التواصل والمواقع الإخبارية لذا يجب أن يكون لدينا مرونة دون جدران ما بين الحرة وسوا وتبادل وتناقل المعلومات بطريقة سهلة وسريعة. وليس لدينا خطوط حمراء في عملنا بالحرة، التمويل من الحكومة الأميركية لكن الحرة وسوا لا تترتب عليها توجهات سياسية مباشرة أو غير مباشرة من الحكومة الأميركية ولدينا الحرية. وجزء من عملنا تغطية الأحداث الأميركية بطريقة جادة وعميقة لكن هذا لا يعني الترويج للإدارة الأميركية.
> عندما تقيم مدى نجاح القناة هل تقيم بنسب المشاهدة أم القدرة على التأثير؟
- أولا لا بد أن نعترف أننا بدأنا تقريبا من الصفر، فباستثناء العراق الذي نملك فيه نسب مشاهدة عالية، فإن الحرة ليس لها جمهور في المنطقة فنحن نريد زيادة نسب المشاهدة وزيادة القدرة على التأثير لكننا في مرحلة الآن يجب أن نأخذ خطوات كثيرة قبل أن ننطلق. كان لدينا أخطاء تقنية وفنية أمام ووراء الشاشة وأريد جمهورا أكبر وتأثيرا أكبر ولكن الأهم من ذلك نحن نحاول أن نقدم الاختيار للمشاهد وليس نسخا من قنوات أخرى وبرامج أخرى، فالمحطات متشابهة والحرة لها أسلوب وطبيعة عمل متميزة ومختلفة عن الآخرين وهذا ما أريد أن أقدمه وللمشاهد الاختيار. أنا لا أهتم بنسب المشاهدة، فلسنا محطة تجارية فالهدف أولا وأخيرا هو تقديم منتج جيد بهوية خاصة.
> قلت إنه ليس لدى القناة خطوط حمراء في تناول الأحداث، لكن ماذا بشأن تناول قضايا يمكن أن تثير جدلا داخل المنطقة العربية التي لديها بالفعل خطوط حمراء؟
- هذا صحيح نحن ليس لدينا خطوط حمراء لكن المنطقة العربية مليئة بالخطوط الحمراء والألغام وهذا هو الواقع ونحاول أن نمارس الموضوعية والتوازن لكن المشكلة أن هناك تيارا اعتاد على التملق وليس على التوازن ويعتبر الموضوعية والتوازن نوعا من الانتقاد. نقوم بتغطية كل الأمور الجيدة والسلبية، فعلى سبيل المثال قرار الرئيس ترمب نقل السفارة الأميركية إلى القدس قمنا بتغطية كل تصريحات الرئيس الأميركي وأيضا استضفنا محللين ومعلقين قدموا رؤيتهم سواء اتفقوا مع القرار أو انتقدوا الرئيس ترمب بشدة. وهي محاولة للحصول على أقصى قدر من المصداقية.
> هل صادفت الشبكة مشاكل مع الحكومات العربية فيما يتعلق بمستويات الحرية؟
- أحيانا يوجد مستوى معين من التوتر، أحيانا مسؤولون يشتكون من طريقتنا بصورة غير مباشرة، وأحيانا هجمات من صحافة موالية لأصدقاء إيران وشهدنا ذلك في لبنان والعراق ونحن نغطي العدوان والتغلغل الإيراني في المنطقة والبعض كان يعتقد أن الحرة لن تغطي هذه الأمور لكن تحت قيادتي سنغطي هذه الأحداث وما يتعلق بالميليشيات الإيرانية في بعض الدول العربية. وقد واجهنا بالفعل انتقادات وهجوما من الشبكات الإعلامية التي تمولها إيران.
> هذا يقود للسؤال عن الطائفية والاستقطاب السياسي، فإذا كانت الحرة تهاجم النفوذ الإيراني وميليشيات إيران وقنوات أخرى تهاجم الحرة فيقع المشاهد في خضم الاستقطاب والطائفية؟
- الفارق أننا ننتقد الطائفية بكل أشكالها فإحدى الكوارث في المنطقة هي نمو التطرف والعنف السياسي من الحركات التي تسمي نفسها إسلامية وإخوان مسلمين ونغطي ذلك ونقدم قصص الضحايا لدى الشيعة ولدى السنة والمسيحيين والإيزيديين بسبب الطائفية والتطرف وهذه هي فرصة لنمارس التوازن لأننا مؤمنون بحرية التعبير ونحاول أن نحقق هذا الهدف وهو الموضوعية واحترام كل الأصوات.
> قلت إن هوية شبكة الشرق الأوسط هي هوية إصلاحية وتنويرية هل هذا ينطبق على توجه الشبكة لتقديم رؤية جديدة للإسلام من خلال برامج مثل إسلام حر وبرنامج مختلف عليه، ألا تخشى أن يتم اتهام الشبكة وقناة الحرة بالترويح لنسخة جديدة للإسلام؟
- إطلاقا لا أخشى من هذا الاتهام، فنحن نريد أن نقدم منبرا حرا للأصوات المستقلة، والهدف أن كل شيء مباح للنقاش والحديث، فلدينا جمانة حداد وإسلام بحيري وإبراهيم عيسى وآخرون نقدم لهم منبرا للحديث عما يريدون طرحه، وعندنا برامج أخرى مع شخصيات أخرى نقدم لهم الحرية الكاملة للحديث عما يريدون.
الهدف ليس تقديم الإسلام بطريقة مختلفة وإنما ترسيخ مبدأ التفكير النقدي وهو أمر ليس مرتبطا فقط بالدين وإنما أيضا بالسياسة والحياة. نحن نقدم منبرا مفتوحا للأفكار المنفتحة للعالم والأفكار الإصلاحية وأعتقد أن المنطقة بحاجة للإصلاح.
> تقدم الشبكة برنامج «الحكي سوري» وكثيرا من الموضوعات في برنامج من داخل واشنطن وبرنامج عاصمة القرار تتعلق بالوضع السوري ما الذي تستهدفه القناة؟
- الوضع السوري موضوع كبير ومهم، وقد عشت ثلاث سنوات في الشام ولدي أصدقاء كثيرون وهناك أسباب كثيرة لهذا الوضع السوري منها القمع الذي مارسه النظام لعدة سنوات والتدخل الأجنبي والطائفية وحركات متطرفة وتمويلات خارجية مع الحلم الإيراني للهيمنة على المنطقة، فالوضع معقد وتركيزنا على الأفراد. إحدى مشاكل سوريا أن كل طرف ينظر إلى الآخرين بتعميم وإطلاق توصيف عام إما أنصار النظام أو معارضو النظام، ونحن ننظر إلى الجانب الإنساني، إلى الفرد والمأساة الشخصية، إلى الأبرياء الذين ليس لهم ذنب في تلك الأوضاع المعقدة. نحاول أن نقدم هذا الواقع المعقد ونحترم الفردية والكرامة الإنسانية. نقدم صورة غنية بالتفاصيل عن الأفراد كبشر وليس مجموعة من الأبرياء أو مجموعة من المذنبين.
> في الوقت الذي تروج فيه الشبكة لحرية الرأي والتعبير نجد انتقادات من الرئيس ترمب في وصف الإعلام الأميركي أنه ينشر أخبارا مزيفة وأنه عدو للشعب الأميركي كيف تفسر هذا الأمر؟
- أولا التوتر بين الرئيس والإعلام ليس أمرا جديدا والاستقطاب السياسي بين الإعلام والإدارة الأميركية ليس أمرا جديدا وهو موجود منذ أكثر من 200 عام، وكان دائما هناك اتهامات وقضايا توتر وهجوم وفي الوقت نفسه توجد بنية تحتية قانونية وفكرية تهتم بوجود الصحافة الحرة. لذا التوتر موجود والحرية أيضا موجودة. وقد كانت هناك محاولات للهيمنة على الصحافة خلال الحرب العالمية الأولى والثانية. ومؤخرا شاهدنا الرئيس ترمب يطرد صحافيا مثيرا للجدل وماذا حدث؟ شبكة سي إن إن لجأت إلى المحكمة وأصدر القاضي قراره بإرجاع الصحافي إلى عمله كمراسل بالبيت الأبيض.


مقالات ذات صلة

السعودية: تطوير حوكمة الإعلام بدليل شامل للمهن

إعلام الدليل يحدد متطلبات ومسؤوليات ومهام جميع المهن الإعلامية (واس)

السعودية: تطوير حوكمة الإعلام بدليل شامل للمهن

أطلقت «هيئة تنظيم الإعلام» السعودية «دليل المهن الإعلامية» الذي تهدف من خلاله إلى تطوير حوكمة القطاع، والارتقاء به لمستويات جديدة من الجودة والمهنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.