صادق كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، أمس، على اتفاق انفصال يُفترض أن ينهي شهوراً من مفاوضات «بريكست» المعقدة، ويطلق محادثات حول العلاقات المستقبلية بين لندن وبروكسل.
وأكدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أمس، بعد القمة أن اتفاق خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي «هو الوحيد الممكن»، في تصريحات تتقاطع مع ما سبق أن أعلنه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر. وصرّح يونكر بعد المصادقة على الاتفاق: «إنه أفضل اتفاق ممكن، إنه الاتفاق الوحيد الممكن».
من جهتها، صرّحت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن «مشاهدة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بعد 45 عاماً، هو أمر مأساوي». فيما وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اللحظة بأنها «حرجة»، معتبراً أن «هذا يبيّن أن الاتحاد الأوروبي يعاني ضعفاً».
غير أن ميركل أشادت بتوصل المفاوضين إلى اتفاق نتج بحسب قولها عن «عمل دبلوماسي خلاق»، بعد 17 شهراً من مفاوضات صعبة، وأكثر من عامين على استفتاء «بريكست». وشدد رئيسا وزراء آيرلندا وهولندا على أنه «لن تكون هناك خطة بديلة». وقال يونكر في وقت سابق أمس: «إنه يوم حزين. خروج بريطانيا أو أي دولة أخرى من الاتحاد الأوروبي لا يدعو للابتهاج ولا للاحتفال، إنها لحظة حزينة، إنها مأساة».
ويُفترض أن تمرّ «معاهدة الانسحاب» غير المسبوقة المؤلفة من 585 صفحة، باختبار مصادقة البرلمان الأوروبي، وخصوصاً البرلمان البريطاني، قبل أن تدخل حيّز التنفيذ، وهو أمر غير مؤكد من الجانب البريطاني.
وأعلنت الدول الـ27 التي التفّت حول كبير مفاوضيها في ملف «بريكست» ميشال بارنييه أثناء فترة المفاوضات في وجه البريطانيين الذين كانوا منقسمين حول الأهداف التي يريدون تحقيقها، أن هذا الاتفاق هو الأفضل الذي كان يمكن أن تحصل عليه المملكة المتحدة.
وقالت ماي في مؤتمر صحافي عقب المصادقة: «إذا كان الناس يعتقدون أنه يمكن إجراء مزيد من المفاوضات، فالأمر ليس على هذا النحو. إنه الاتفاق المطروح، إنه أفضل اتفاق ممكن، إنه الوحيد الممكن».
وصرّح يونكر أمام الصحافة: «أولئك الذين يعتقدون أنه عبر رفضهم لهذا الاتفاق سيحصلون على أفضل منه، سيخيب أملهم»، مؤكداً أنه «أفضل اتفاق ممكن». وقال: «أدعو جميع من سيصادقون على هذا الاتفاق في مجلس العموم إلى أخذ هذه الحقيقة في الاعتبار».
وكُتب في «الإعلان السياسي» القصير الذي صادق عليه أيضاً الأحد المجلس الأوروبي وتيريزا ماي وسيتمّ ضمّه إلى معاهدة الانفصال، أن الاتحاد الأوروبي سيعمل على إرساء «أقرب علاقة ممكنة» مع لندن بعد «بريكست». وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك: «هناك أمر واحد مؤكد، سنبقى أصدقاء إلى الأبد». وكانت ماي أكدت في «رسالة إلى الأمة»، نشرها مكتبها أمس، أنه «اتفاق من أجل مستقبل أفضل يسمح لنا بانتهاز الفرص التي تنتظرنا».
من جانبه، صرح رئيس الوزراء الهولندي مارك روته: «أعتقد أن تيريزا ماي بذلت جهوداً كبيرة من أجل اتفاق جيد، وبالنسبة للاتحاد الأوروبي إنها نتيجة مقبولة»، منبّهاً بدوره إلى أن المملكة المتحدة يجب ألا تأمل بالحصول على أفضل من الاتفاق المطروح.
إلى ذلك، شدد قادة الدول الأوروبية، في إعلان ملحق بما توصلت إليه قمتهم الاستثنائية أمس، على ضرورة إبرام اتفاق مع بريطانيا حول الصيد البحري، «حتى قبل انتهاء الفترة الانتقالية» التي تلي خروجها من الاتحاد. وكتب القادة في هذا النص الذي أضيف بناء على إلحاح دول مثل فرنسا وهولندا، أن «اتفاقاً حول الصيد البحري هو مسألة أولوية، ويتعين أن يستند إلى أمور، منها مبادئ الوصول المتبادل والحصص المعمول بها»، معربين عن أسفهم لـ«التقاعس» في تسوية هذا الملف في اتفاق «بريكست».
وتصدّعت الوحدة التي ظهرت من الجانب الأوروبي في الأيام الأخيرة، عندما هدّدت إسبانيا بالتسبب بإلغاء القمة إذا لم تحصل على ضمانات مكتوبة حول مصير جبل طارق. وبعد مفاوضات شاقة، أكد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بعد ظهر السبت أنه تمت تلبية طلبه.
وبين الوثائق الملحقة بالاتفاق، رسائل من ممثل بريطانيا في المجلس الأوروبي ومن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر ومن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إلى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز. وتتضمن هذه الرسائل تأكيدات لإسبانيا بشأن دورها في المفاوضات حول العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وجبل طارق، بعدما كاد خلاف حولها يطيح بالقمة الأوروبية. وقال مصدر حكومي إسباني، أمس، إن الدولة «الوحيدة التي تملك مفتاح (العلاقات المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وجبل طارق) هي إسبانيا». وأضاف أنه «انتصار كبير».
ويتضمن الإعلان قضايا أخرى تتعهد فيها الدول الـ27 بالتزام «الحذر» حيال لندن في تطبيق الاتفاقات المتعلقة بها، مثل «المنافسة النزيهة» في المجال الاقتصادي. ويحلّ اتفاق الانسحاب، خصوصاً قضية الفاتورة التي يُفترض أن تدفعها لندن للاتحاد الأوروبي، من دون أرقام، وينص على حل مثير للجدل لتجنب العودة إلى حدود فعلية بين جمهورية آيرلندا ومقاطعة آيرلندا الشمالية البريطانية.
ويتعين على ماي أن تقنع نواب حزبها والحزب الوحدوي الديمقراطي؛ حلفاءها في الحكومة، الذين أعلنوا مراراً عن رفضهم للاتفاق. وأعلن الحزب الآيرلندي الشمالي، أمس، أنّه «سيعيد النظر» في دعمه لها، إذا أقرّ البرلمان خطتها بخصوص اتفاق «بريكست» مع الاتحاد الأوروبي.
وسيصوت النواب البريطانيون على الاتفاق الشهر المقبل، ويعارضه الحزب الوحدوي الديمقراطي وكثير من نواب حزب المحافظين الحاكم وأحزاب المعارضة. وصرحت فوستر، رئيسة الحزب الوحدوي الديمقراطي، لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، أنّ «اتفاق (الثقة والدعم) لا يزال سارياً»، في إشارة إلى توافق حزبها على دعم حكومة ماي مقابل زيادة مبدئية في ميزانية آيرلندا الشمالية تبلغ مليار جنيه إسترليني (1.3 مليار دولار). وتابعت: «لكن إذا وصلنا إلى وضع وافق فيه البرلمان على دعم الاتفاق، فسنضطر بوضوح إلى إعادة النظر في اتفاق الثقة والدعم». وأضافت في عرض تصالحي: «أعتقد أننا يجب أن نستغل الوقت للبحث عن طريق ثالث، طريق مختلف، طريق أفضل».
ودعم أعضاء البرلمان البريطاني العشرة في الحزب الوحدوي الديمقراطي حكومة ماي منذ خسارتها الأغلبية البرلمانية في انتخابات مبكرة دعت إليها في عام 2017. ويشعر الحزب الوحدوي بالغضب من خطة «شبكة أمان»، حيث يخشى أن تخلق بالفعل حدوداً مع بريطانيا، وتضعف الروابط وتزيد من فرص وجود آيرلندا موحدة.
وإذا تم اللجوء إلى خطة «شبكة أمان» المثيرة للجدل في آيرلندا الشمالية، فستجعل المقاطعة البريطانية أكثر ارتباطاً بالاتحاد الأوروبي في بعض النواحي، وذلك لتجنب إقامة حدود فعلية مع جمهورية آيرلندا عضو التكتل الأوروبي.
وفي تحذير لماي، سحب الحزب الآيرلندي الشمالي في وقت سابق هذا الأسبوع دعمه لبعض التشريعات الحكومية المالية المطروحة. وفي المؤتمر السنوي للحزب في بلفاست السبت، حذّر نائب رئيس الحزب نايجل دودز، مجدداً من «عواقب» إذا مضت ماي في اتفاق «بريكست»، مشيراً إلى أنّ دعم الحزب «سيف ذو حدين».
ماي تنتصر في بروكسل... وتُعدّ لـ«معركة» البرلمان البريطاني
دول «الأوروبي» دعمت خطتها لـ«بريكست» وسط تشكيك في لندن
ماي تنتصر في بروكسل... وتُعدّ لـ«معركة» البرلمان البريطاني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة