جبهة إرهاب إيران تتسع في أميركا اللاتينية

على مشارف قمة العشرين

ملثمون في مواجهة مع الشرطة الأرجنتينية بعد موجة اعتقالات عام 1992 إثر تفجير سيارة مفخخة استهدف سفارة إسرائيل (غيتي)
ملثمون في مواجهة مع الشرطة الأرجنتينية بعد موجة اعتقالات عام 1992 إثر تفجير سيارة مفخخة استهدف سفارة إسرائيل (غيتي)
TT

جبهة إرهاب إيران تتسع في أميركا اللاتينية

ملثمون في مواجهة مع الشرطة الأرجنتينية بعد موجة اعتقالات عام 1992 إثر تفجير سيارة مفخخة استهدف سفارة إسرائيل (غيتي)
ملثمون في مواجهة مع الشرطة الأرجنتينية بعد موجة اعتقالات عام 1992 إثر تفجير سيارة مفخخة استهدف سفارة إسرائيل (غيتي)

ما الذي تخطط له إيران عبر استخدام حرسها الثوري بشكل مباشر، ومن خلال أذرعها الميليشياوية المتمثلة في جماعة «حزب الله» بقارة أميركا اللاتينية؟ السؤال المتقدم طرح بشكل عاجل الأيام الماضية في الأرجنتين التي تجري فيها الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال كبار قادة العالم في قمة العشرين، التي ستُعقَد في العاصمة بيونس آيرس نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، والأول من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بعدما اكتشفت السلطات الأمنية أن هناك عناصر مسلحة يُشتبه في صلتها بـ«حزب الله» اللبناني، وضبطت بحوزتهما ذخيرة وكمية من الأسلحة وصورة لراية الجماعة الشيعية.

الشرطة الأرجنتينية أكدت على وجود أوراق هوية باللغة العربية للرجلين، ولهذا كان الربط السريع بينهما وبين «حزب الله» بنوع خاص، وبدأت الأسئلة والشكوك حول النيات الخبيثة للقيام بعمليات إرهابية في الدولة التي شهدت قبلاً تفجيرات مرتين، 1992 و1994. عدة أسئلة تواجهنا ونحن بصدد تفكيك المشهد الأخير، وفي المقدمة منها: «ما الذي تخطط له إيران من إرهاب متصاعد في مقبل الأيام؟».
ليس سراً القول إن نظام الملالي في طهران يعد ويرتب منذ فترة لسيناريوهات مختلفة يمكنه من خلالها مواجهة ومجابهة الولايات المتحدة الأميركية بسبب العقوبات الاقتصادية الخانقة والقاتلة التي أوقعها على طهران، ويمكن أن تؤدي بالنظام الإيراني إلى السقوط دفعة واحدة، الأمر الذي يتبدى واضحاً جداً من خلال تصريحات قادة الحرس الثوري الإيراني التي تعزز فرضية استعداداتهم لتحويل العالم برمته إلى رقعة ملتهبة بالنيران. في هذا السياق يتذكر المراقبون لإرهاب إيران و«حزب الله»، وهما واحد في نهاية الأمر، الهجمات الدموية التي قاموا بها في مارس (آذار) من عام 1992، حين استهدف تفجير انتحاري بسيارة مفخخة مبنى السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس، وتبنته مجموعة متطرفة لبنانية، أثبتت التحقيقات أنها تتحرك بتوجهات مباشرة من طهران، والمتابعون لسير الجماعات الإرهابية حول العالم يقولون إن تلك الفصيلة انحلَّت وانضمت إلى «حزب الله»، وإن هجوم السفارة الإسرائيلية لم يكن إلا انتقاماً لاغتيال الأمين العام لحزب الله عباس الموسوي في فبراير (شباط) عام 1992.
ويعنّ للمراقب للعقلية الإيرانية التساؤل: إذا كان اغتيال فرد يدور في فلك الدائرة الإيرانية الكبرى كان هذا ثمنه؛ فكيف يخطط الإيرانيون الآن للانتقام حال سقوط النظام الإيراني، وخياراتهم في أميركا اللاتينية قوية وواسعة بسبب سوء الأحوال الاقتصادية هناك، عطفاً على الأوضاع السياسية المأزومة، وقد أعادوا إرهاب 1992، مرة ثانية، في 18 يوليو (تموز) 1994، عندما شنَّت المجموعة الشيعية عينها هجوماً دموياً آخر استهدف مبنى الجمعية التعاونية اليهودية الأرجنتينية.
لم تكن الأرجنتين وحدها محط أنظار إيران و«حزب الله»، بل هناك دول كبرى أخرى، مثل البرازيل، باتت تمثل هاجساً مقلقاً لأمن القارة اللاتينية برمتها، الأمر الذي أشارت إليه صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية نقلاً عن إيمانويل أوتو لانغي، الزميل المشارك في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، الذي أشار في جلسة استماع لمجلس النواب الأميركي في يونيو (حزيران) 2016 إلى أن «حزب الله» له جذور قوية في البرازيل، وأن نحو سبعة ملايين شخص من أصول لبنانية، بينهم مليون شيعي، يعيشون في البرازيل وولاؤهم لـ«حزب الله»، ولهذا كان من الطبيعي أن تلقي الشرطة في البرازيل القبض على رجل تتهمه الولايات المتحدة الأميركية بأنه أحد أهم مسؤولي التمويل في «حزب الله» اللبناني، وهو المدعو أسعد أحمد، المتهم بغسل أموال قيمتها عشرة ملايين دولار نيابة عن «حزب الله» في أحد الكازينوهات بمنطقة «شلالات أجوازو»، وقد وصفته وزارة الخزانة الأميركية بأنه «إرهابي دولي».
هل القضية بالنسبة إلى إيران وميليشياتها مجرد تحركات عشوائية، حتى وإن كانت مصحوبة بالعنف وموسومة بالإرهاب، أم أن المشهد أعمق وأكثر تعقيداً مما هو ظاهر على السطح؟
الجواب الشافي الوافي يأخذنا إلى نوع من الذكاءات الشريرة الإيرانية في اللعب على الأوتار الدولية السياسية المتناقضة، التي وصل بعضها إلى حد العداء للبعض الآخر، كما حال الولايات المتحدة الأميركية مع عدد من دول أميركا اللاتينية مثل فنزويلا تحديداً؟
المؤكد أن تحركات عناصر «حزب الله» وإيران في تلك المنطقة لا سيما المثلث الحدودي بين بارغواي والأرجنتين والبرازيل سياسة عليا لتمكين إيران من تصدير مفاهيمها الراديكالية لقطاعات من العالم تشاركها العداء لواشنطن، إضافة إلى محاولة رسم خريطة جديدة لعملياتها اللوجيستية، التي هي إرهابية بالضرورة، ولا مانع من توثيق العلاقات مع شعوب القارة اللاتينية لتحقيق مصالح اقتصادية لا سيما أن هناك مثلثاً يجمع إيران مع الصين وروسيا، وهذا المثلث يجد في أميركا اللاتينية، التي هي الخلفية الجغرافية التاريخية لأميركا، أفضل موقع وموضع لإحداث توازنات سياسية وجيواستراتيجية، قادرة على إصابة واشنطن بصداع مقيم.
والثابت أن الأهداف الخاصة بالتحركات الإيرانية الأخيرة في القارة اللاتينية تؤكد على نياتها منازلة واشنطن، فإن إيران التي تعاني في الحال وستزداد أوضاعها الاقتصادية سوءاً في المستقبل القريب، إنما تعمل جاهدة للاستفادة من شراكات مالية في بعض تلك الدول، وبعيداً عن أعين واشنطن بنوع خاص، ولها في هذا السياق طريقان؛ الأول هو تهريب المخدرات، أما الثاني فيتمثل في غسل الأموال. وبالتبعية الموضوعية فإن «حزب الله» يسارع قبل الانهيار لتحصيل أكبر قدر ممكن من العائدات المالية التي تمكِّنه من مواصلة أعماله، ذلك أن تبرعات إيران، وباعتراف حسن نصر الله الأمين العالم للحزب، هي التي تقيم أود الحزب اللبناني، ومن دونها لن يبقى هناك مصدر دخل.
أما المسار الثاني، فيتصل بمحاولة إحداث عمليات إرهابية في القارة اللاتينية ضد المصالح الغربية عامة والأميركية خاصة، حال تحولت المواجهة بين طهران وواشنطن إلى سجال عسكري، وتالياً فإن عناصر «حزب الله» والحرس الثوري يمكن لهما التسلل إلى الداخل الأميركي عبر الحدود، أو وسط قوافل المهاجرين غير الشرعيين بنوع خاص، كما فعل عدد منهم اندسوا وسط المهاجرين لأوروبا الأعوام الماضية، ليشكل الفريقان مجموعات عمليات مسلحة لانتقامات إيران، وهو الأمر الذي لم يغب عن أعين الاستخبارات المركزية الأميركية ورجال المباحث الاتحادية ووزارة الخزانة وبقية الأجهزة المعنية.
في تقريرها السنوي حول الإرهاب لعام 2015 سلَّطت وزارة الخارجية الأميركية الضوء على شبكات الدعم المالي التي يحتفظ بها «حزب الله» في أميركا اللاتينية، وخلص التقرير إلى أن الحزب قادر على العمل في جميع أنحاء العالم، وبالفعل أحبطت إحدى مؤامرات «حزب الله» الأخيرة في بيرو، وشارك فيها عنصر من الحزب متزوج من مواطنة أميركية.
نحن إذن أمام محاولات إيرانية مستقرة ومستمرة، هدفها ترسيخ النشاطات الإيرانية في أميركا اللاتينية، الأمر الذي يشكل جزءاً من استراتيجية إيرانية شاملة تتعدى أهدافها إلى حد أبعد بكثير تحقيق الهيمنة في الشرق الأوسط، وفي إطار هذه الاستراتيجية، فإن إيران التي تعتبر نفسها مطوّقة على أيدي الولايات المتحدة الأميركية، والتي تدير بإصرار وحزم الأزمة النووية أمام الغرب تسعى إلى وضع تحدٍّ ثوري أمام الولايات المتحدة الأميركية في ساحتها الخلفية، وفي مناطق جغرافية أخرى في آسيا وأفريقيا.
لأجل ذلك تستغلّ إيران جيداً فوائدها النسبية: الآيديولوجية والمفردات البلاغية الخطابية المناوئة لأميركا، وإلى جانب ذلك البترو – دولارات التي يمكن استخدامها لأغراض سياسية، ووجود سكان من أصول عربية شيعية يقطنون في بلدان رئيسية في أميركا اللاتينية، ويشكلون رافعة لتطوير المصالح الإيرانية.
هل يغيب الإرهاب الإيراني وتابعه «حزب الله» عن أعين إدارة الرئيس ترمب؟
المقطوع به أن الإيرانيين و«حزب الله» يهيئون أنفسهم للحظة المواجهة الخشنة والانقضاض، من ثم، على المصالح الأميركية في أميركا اللاتينية، وكذلك في الداخل الأميركي نفسه، ولعل ما توقعه الأميركيون آخذ في الحدوث بالفعل، ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي أدى تحقيق مشترك لجهاز المباحث الاتحادية، وإدارة شرطة مدينة نيويورك، إلى اعتقال شخصين قيل إنهما يعملان باسم الجناح الإرهابي لـ«حزب الله» الذي يُطلق عليه اسم تنظيم الجهاد الإسلامي، والذي تردد أنه انضمَّ قبلاً إلى «حزب الله».
المثير أن أحدهما أفاد في التحقيقات بأنه بتوجيه من مشغليه في «حزب الله» نفَّذ مهمات في بنما لتحديد مواقع السفارتين الأميركية والإسرائيلية، فضلاً عن تقييم نقاط الضعف في مجرى قناة بنما، وكذلك السفن التي تعبر القناة، وذلك وفق إيجاز صحافي صدر عن وزارة العدل الأميركية.
أما الشخص الآخر، فقد قام بإجراء عمليات استطلاع لأهداف محتملة في أميركا، بما في ذلك منشآت عسكرية وأخرى تابعة لأجهزة إنفاذ القانون في مدينة نيويورك... ما النتيجة التي خلص إليها الأميركيون؟
يمكن القول دون تهويل إن قارة أميركا اللاتينية قد باتت عرضة لمحاولات استغلال واحتلال مالي وآيديولوجي من جهة إيران، وذلك وفي دول تتآكل اقتصادياً يكون من اليسير للغاية أن ينتشر الفساد، وهذا بدوره أفضل باب لولوج الإرهاب الأعمى، بسبب توافر الأموال السائلة، فبحسب تقرير سري للأجهزة الاستخباراتية الأميركية نجح «حزب الله»، بفضل شبكات علاقاته في أميركا اللاتينية في تبييض ما بين 600 و700 مليون دولار بين 2014 و2016، وذلك بعد مقاطعة ومراجعة معلومات مصرفية سرية حصلت عليها الأجهزة الأميركية من مصارف وبنوك وشركات عاملة في منطقة المثلث الحدودي المشار إليها سلفاً. هل هي جبهة إرهاب جديدة تفتحها إيران حول العالم؟ القصة في مبتدئها مرتبطة ارتباطاً جذرياً بتطورات المشهد الأميركي الإيراني القائم والقادم.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.