جبهة إرهاب إيران تتسع في أميركا اللاتينية

على مشارف قمة العشرين

ملثمون في مواجهة مع الشرطة الأرجنتينية بعد موجة اعتقالات عام 1992 إثر تفجير سيارة مفخخة استهدف سفارة إسرائيل (غيتي)
ملثمون في مواجهة مع الشرطة الأرجنتينية بعد موجة اعتقالات عام 1992 إثر تفجير سيارة مفخخة استهدف سفارة إسرائيل (غيتي)
TT

جبهة إرهاب إيران تتسع في أميركا اللاتينية

ملثمون في مواجهة مع الشرطة الأرجنتينية بعد موجة اعتقالات عام 1992 إثر تفجير سيارة مفخخة استهدف سفارة إسرائيل (غيتي)
ملثمون في مواجهة مع الشرطة الأرجنتينية بعد موجة اعتقالات عام 1992 إثر تفجير سيارة مفخخة استهدف سفارة إسرائيل (غيتي)

ما الذي تخطط له إيران عبر استخدام حرسها الثوري بشكل مباشر، ومن خلال أذرعها الميليشياوية المتمثلة في جماعة «حزب الله» بقارة أميركا اللاتينية؟ السؤال المتقدم طرح بشكل عاجل الأيام الماضية في الأرجنتين التي تجري فيها الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال كبار قادة العالم في قمة العشرين، التي ستُعقَد في العاصمة بيونس آيرس نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، والأول من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بعدما اكتشفت السلطات الأمنية أن هناك عناصر مسلحة يُشتبه في صلتها بـ«حزب الله» اللبناني، وضبطت بحوزتهما ذخيرة وكمية من الأسلحة وصورة لراية الجماعة الشيعية.

الشرطة الأرجنتينية أكدت على وجود أوراق هوية باللغة العربية للرجلين، ولهذا كان الربط السريع بينهما وبين «حزب الله» بنوع خاص، وبدأت الأسئلة والشكوك حول النيات الخبيثة للقيام بعمليات إرهابية في الدولة التي شهدت قبلاً تفجيرات مرتين، 1992 و1994. عدة أسئلة تواجهنا ونحن بصدد تفكيك المشهد الأخير، وفي المقدمة منها: «ما الذي تخطط له إيران من إرهاب متصاعد في مقبل الأيام؟».
ليس سراً القول إن نظام الملالي في طهران يعد ويرتب منذ فترة لسيناريوهات مختلفة يمكنه من خلالها مواجهة ومجابهة الولايات المتحدة الأميركية بسبب العقوبات الاقتصادية الخانقة والقاتلة التي أوقعها على طهران، ويمكن أن تؤدي بالنظام الإيراني إلى السقوط دفعة واحدة، الأمر الذي يتبدى واضحاً جداً من خلال تصريحات قادة الحرس الثوري الإيراني التي تعزز فرضية استعداداتهم لتحويل العالم برمته إلى رقعة ملتهبة بالنيران. في هذا السياق يتذكر المراقبون لإرهاب إيران و«حزب الله»، وهما واحد في نهاية الأمر، الهجمات الدموية التي قاموا بها في مارس (آذار) من عام 1992، حين استهدف تفجير انتحاري بسيارة مفخخة مبنى السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس، وتبنته مجموعة متطرفة لبنانية، أثبتت التحقيقات أنها تتحرك بتوجهات مباشرة من طهران، والمتابعون لسير الجماعات الإرهابية حول العالم يقولون إن تلك الفصيلة انحلَّت وانضمت إلى «حزب الله»، وإن هجوم السفارة الإسرائيلية لم يكن إلا انتقاماً لاغتيال الأمين العام لحزب الله عباس الموسوي في فبراير (شباط) عام 1992.
ويعنّ للمراقب للعقلية الإيرانية التساؤل: إذا كان اغتيال فرد يدور في فلك الدائرة الإيرانية الكبرى كان هذا ثمنه؛ فكيف يخطط الإيرانيون الآن للانتقام حال سقوط النظام الإيراني، وخياراتهم في أميركا اللاتينية قوية وواسعة بسبب سوء الأحوال الاقتصادية هناك، عطفاً على الأوضاع السياسية المأزومة، وقد أعادوا إرهاب 1992، مرة ثانية، في 18 يوليو (تموز) 1994، عندما شنَّت المجموعة الشيعية عينها هجوماً دموياً آخر استهدف مبنى الجمعية التعاونية اليهودية الأرجنتينية.
لم تكن الأرجنتين وحدها محط أنظار إيران و«حزب الله»، بل هناك دول كبرى أخرى، مثل البرازيل، باتت تمثل هاجساً مقلقاً لأمن القارة اللاتينية برمتها، الأمر الذي أشارت إليه صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية نقلاً عن إيمانويل أوتو لانغي، الزميل المشارك في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، الذي أشار في جلسة استماع لمجلس النواب الأميركي في يونيو (حزيران) 2016 إلى أن «حزب الله» له جذور قوية في البرازيل، وأن نحو سبعة ملايين شخص من أصول لبنانية، بينهم مليون شيعي، يعيشون في البرازيل وولاؤهم لـ«حزب الله»، ولهذا كان من الطبيعي أن تلقي الشرطة في البرازيل القبض على رجل تتهمه الولايات المتحدة الأميركية بأنه أحد أهم مسؤولي التمويل في «حزب الله» اللبناني، وهو المدعو أسعد أحمد، المتهم بغسل أموال قيمتها عشرة ملايين دولار نيابة عن «حزب الله» في أحد الكازينوهات بمنطقة «شلالات أجوازو»، وقد وصفته وزارة الخزانة الأميركية بأنه «إرهابي دولي».
هل القضية بالنسبة إلى إيران وميليشياتها مجرد تحركات عشوائية، حتى وإن كانت مصحوبة بالعنف وموسومة بالإرهاب، أم أن المشهد أعمق وأكثر تعقيداً مما هو ظاهر على السطح؟
الجواب الشافي الوافي يأخذنا إلى نوع من الذكاءات الشريرة الإيرانية في اللعب على الأوتار الدولية السياسية المتناقضة، التي وصل بعضها إلى حد العداء للبعض الآخر، كما حال الولايات المتحدة الأميركية مع عدد من دول أميركا اللاتينية مثل فنزويلا تحديداً؟
المؤكد أن تحركات عناصر «حزب الله» وإيران في تلك المنطقة لا سيما المثلث الحدودي بين بارغواي والأرجنتين والبرازيل سياسة عليا لتمكين إيران من تصدير مفاهيمها الراديكالية لقطاعات من العالم تشاركها العداء لواشنطن، إضافة إلى محاولة رسم خريطة جديدة لعملياتها اللوجيستية، التي هي إرهابية بالضرورة، ولا مانع من توثيق العلاقات مع شعوب القارة اللاتينية لتحقيق مصالح اقتصادية لا سيما أن هناك مثلثاً يجمع إيران مع الصين وروسيا، وهذا المثلث يجد في أميركا اللاتينية، التي هي الخلفية الجغرافية التاريخية لأميركا، أفضل موقع وموضع لإحداث توازنات سياسية وجيواستراتيجية، قادرة على إصابة واشنطن بصداع مقيم.
والثابت أن الأهداف الخاصة بالتحركات الإيرانية الأخيرة في القارة اللاتينية تؤكد على نياتها منازلة واشنطن، فإن إيران التي تعاني في الحال وستزداد أوضاعها الاقتصادية سوءاً في المستقبل القريب، إنما تعمل جاهدة للاستفادة من شراكات مالية في بعض تلك الدول، وبعيداً عن أعين واشنطن بنوع خاص، ولها في هذا السياق طريقان؛ الأول هو تهريب المخدرات، أما الثاني فيتمثل في غسل الأموال. وبالتبعية الموضوعية فإن «حزب الله» يسارع قبل الانهيار لتحصيل أكبر قدر ممكن من العائدات المالية التي تمكِّنه من مواصلة أعماله، ذلك أن تبرعات إيران، وباعتراف حسن نصر الله الأمين العالم للحزب، هي التي تقيم أود الحزب اللبناني، ومن دونها لن يبقى هناك مصدر دخل.
أما المسار الثاني، فيتصل بمحاولة إحداث عمليات إرهابية في القارة اللاتينية ضد المصالح الغربية عامة والأميركية خاصة، حال تحولت المواجهة بين طهران وواشنطن إلى سجال عسكري، وتالياً فإن عناصر «حزب الله» والحرس الثوري يمكن لهما التسلل إلى الداخل الأميركي عبر الحدود، أو وسط قوافل المهاجرين غير الشرعيين بنوع خاص، كما فعل عدد منهم اندسوا وسط المهاجرين لأوروبا الأعوام الماضية، ليشكل الفريقان مجموعات عمليات مسلحة لانتقامات إيران، وهو الأمر الذي لم يغب عن أعين الاستخبارات المركزية الأميركية ورجال المباحث الاتحادية ووزارة الخزانة وبقية الأجهزة المعنية.
في تقريرها السنوي حول الإرهاب لعام 2015 سلَّطت وزارة الخارجية الأميركية الضوء على شبكات الدعم المالي التي يحتفظ بها «حزب الله» في أميركا اللاتينية، وخلص التقرير إلى أن الحزب قادر على العمل في جميع أنحاء العالم، وبالفعل أحبطت إحدى مؤامرات «حزب الله» الأخيرة في بيرو، وشارك فيها عنصر من الحزب متزوج من مواطنة أميركية.
نحن إذن أمام محاولات إيرانية مستقرة ومستمرة، هدفها ترسيخ النشاطات الإيرانية في أميركا اللاتينية، الأمر الذي يشكل جزءاً من استراتيجية إيرانية شاملة تتعدى أهدافها إلى حد أبعد بكثير تحقيق الهيمنة في الشرق الأوسط، وفي إطار هذه الاستراتيجية، فإن إيران التي تعتبر نفسها مطوّقة على أيدي الولايات المتحدة الأميركية، والتي تدير بإصرار وحزم الأزمة النووية أمام الغرب تسعى إلى وضع تحدٍّ ثوري أمام الولايات المتحدة الأميركية في ساحتها الخلفية، وفي مناطق جغرافية أخرى في آسيا وأفريقيا.
لأجل ذلك تستغلّ إيران جيداً فوائدها النسبية: الآيديولوجية والمفردات البلاغية الخطابية المناوئة لأميركا، وإلى جانب ذلك البترو – دولارات التي يمكن استخدامها لأغراض سياسية، ووجود سكان من أصول عربية شيعية يقطنون في بلدان رئيسية في أميركا اللاتينية، ويشكلون رافعة لتطوير المصالح الإيرانية.
هل يغيب الإرهاب الإيراني وتابعه «حزب الله» عن أعين إدارة الرئيس ترمب؟
المقطوع به أن الإيرانيين و«حزب الله» يهيئون أنفسهم للحظة المواجهة الخشنة والانقضاض، من ثم، على المصالح الأميركية في أميركا اللاتينية، وكذلك في الداخل الأميركي نفسه، ولعل ما توقعه الأميركيون آخذ في الحدوث بالفعل، ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي أدى تحقيق مشترك لجهاز المباحث الاتحادية، وإدارة شرطة مدينة نيويورك، إلى اعتقال شخصين قيل إنهما يعملان باسم الجناح الإرهابي لـ«حزب الله» الذي يُطلق عليه اسم تنظيم الجهاد الإسلامي، والذي تردد أنه انضمَّ قبلاً إلى «حزب الله».
المثير أن أحدهما أفاد في التحقيقات بأنه بتوجيه من مشغليه في «حزب الله» نفَّذ مهمات في بنما لتحديد مواقع السفارتين الأميركية والإسرائيلية، فضلاً عن تقييم نقاط الضعف في مجرى قناة بنما، وكذلك السفن التي تعبر القناة، وذلك وفق إيجاز صحافي صدر عن وزارة العدل الأميركية.
أما الشخص الآخر، فقد قام بإجراء عمليات استطلاع لأهداف محتملة في أميركا، بما في ذلك منشآت عسكرية وأخرى تابعة لأجهزة إنفاذ القانون في مدينة نيويورك... ما النتيجة التي خلص إليها الأميركيون؟
يمكن القول دون تهويل إن قارة أميركا اللاتينية قد باتت عرضة لمحاولات استغلال واحتلال مالي وآيديولوجي من جهة إيران، وذلك وفي دول تتآكل اقتصادياً يكون من اليسير للغاية أن ينتشر الفساد، وهذا بدوره أفضل باب لولوج الإرهاب الأعمى، بسبب توافر الأموال السائلة، فبحسب تقرير سري للأجهزة الاستخباراتية الأميركية نجح «حزب الله»، بفضل شبكات علاقاته في أميركا اللاتينية في تبييض ما بين 600 و700 مليون دولار بين 2014 و2016، وذلك بعد مقاطعة ومراجعة معلومات مصرفية سرية حصلت عليها الأجهزة الأميركية من مصارف وبنوك وشركات عاملة في منطقة المثلث الحدودي المشار إليها سلفاً. هل هي جبهة إرهاب جديدة تفتحها إيران حول العالم؟ القصة في مبتدئها مرتبطة ارتباطاً جذرياً بتطورات المشهد الأميركي الإيراني القائم والقادم.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».