وفد من «فتح» في القاهرة بعدما غادرتها «حماس»

TT

وفد من «فتح» في القاهرة بعدما غادرتها «حماس»

قال رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله إنه وحكومته «جاهزون لتنفيذ كل ما يتم الاتفاق عليه في القاهرة بين حركتي فتح وحماس، بما في ذلك التحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية».
وجدد الحمد الله، أمس، مطالبة حركة حماس بـ«الاستجابة لمبادرة الرئيس محمود عباس، بالعودة إلى الشرعية، وإنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة الوطنية، وتمكين الحكومة في قطاع غزة للقيام بواجباتها، كما تقوم في الضفة الغربية»، مضيفاً: «أتمنى أن تتكلل جميع جهود المجتمعين في القاهرة بالنجاح».
وجاءت تصريحات الحمد الله فيما تعمل مصر مع حركتي «فتح» و«حماس» من أجل استئناف المصالحة الفلسطينية، وإنهاء الانقسام. ووصل وفد من حركة «فتح»، أمس، إلى القاهرة، يضم عضو اللجنتين التنفيذية والمركزية لحركة فتح عزام الأحمد، وحسين الشيخ وزير الشؤون المدنية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، واللواء ماجد فرج مدير المخابرات العامة.
وقال المسؤول الإعلامي في حركة فتح، منير الجاغوب، إن الوفد قد وصل بناء على دعوة مصرية من أجل التشاور مع الأشقاء المصريين حول ملف المصالحة. وتقول «فتح» إنها مستعدة لتنفيذ الاتفاقات السابقة فوراً، وليس لها حاجة بحوارات جديدة، وتتمسك باتفاق 2017، القائم على تمكين الحكومة في قطاع غزة.
وقال مصدر في الحركة لـ«الشرق الأوسط»: «المطلوب بسيط: استئناف التمكين من حيث توقف»، وأضاف: «يجب تمكين الحكومة بلا قيد أو شرط، وفق الاتفاقات السابقة، أو فلتتحمل (حماس) مسؤولية حكمها».
ووصل وفد «فتح» بعد يومين من إنهاء وفد قيادي من «حماس»، ترأسه نائب رئيس مكتبها السياسي صالح العاروري، مباحثات في القاهرة.
وقال ناطق باسم «حماس»، أمس، إن أي خطوات يجب أن تتضمن تنفيذ اتفاق القاهرة 2011. وإذا لم تبدأ برفع العقوبات عن غزة، وتعزيز الشراكة الوطنية، فهي خارج الإجماع الوطني والمطلب الشعبي، ولن يُكتب لها النجاح في تحقيق المصالحة.
وأكد المتحدث باسم الحركة، عبد اللطيف القانوع، في تصريح، التزام «حماس» باتفاق 2011، وأضاف: «شعبنا ينتظر خطوات عملية لتعزيز صموده، والفصائل تتطلع لعقد مجلس وطني توحيدي لمواجهة التحديات الراهنة».
وتريد «حماس» اتفاق 2011 لأنه يقضي بتشكيل حكومة وحدة مهمتها إجراء انتخابات بعد عدة أشهر، لكن «فتح» تريد اتفاق 2017 لأنه يقضي بتسليم «حماس» الحكومة الحالية، وهي حكومة التوافق الوطني، قطاع غزة فوراً.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن حركة حماس أبلغت المصريين بتمسكها برفع الرئيس محمود عباس «العقوبات عن غزة»، وباعتماد موظفيها ضمن كشوفات وزارة المالية الفلسطينية، وبتشكيل حكومة وحدة وطنية، وليس لديها مشكلة مع التمكين، لكن هذه الشروط تشكل عقبة أمام موافقة حركة فتح.
وتطلب «فتح» تسليم قطاع غزة بالكامل لحكومة التوافق الحالية قبل أي شيء، على أن يشمل ذلك الأمن والمعابر والجباية وسلطتي الأراضي والقضاء، وبلا أي شروط. وتعمل مصر على طرح اتفاق متزامن، وخطوة تتلوها خطوة، يقوم على تلبية مطالب الطرفين، ولا يحمل أي جديد عن الاتفاقات السابقة.
وترى القاهرة أن إتمام مصالحة الآن هو خطوة ضرورية، بعد تثبيت تهدئة في القطاع، وباعتبارها (المصالحة) مدخلاً لتوقيع تهدئة طويلة في غزة عبر منظمة التحرير، على غرار الاتفاق الذي أنهى حرب 2014. ويريد المصريون إقناع «فتح» برفع الإجراءات بالتزامن مع تسليم «حماس» القطاع.
وتعتقد مصر أن دفع رواتب موظفي «حماس» من خلال قطر خلال الشهور الـ6 المقبلة أزاح عقبة كبيرة من وجه الطرفين، بعدما طلبت «حماس» سابقاً الاتفاق على دفعات محددة لموظفيها، وليس دمجاً فورياً أو رواتب كاملة، ورفضت «فتح» الأمر باعتباره في عهدة لجنة متخصصة.
وستطرح مصر إرجاء مناقشة مسألة السلاح في غزة، العائد لفصائل المقاومة، لحين «إصلاح» منظمة التحرير الفلسطينية، وإجراء انتخابات لها تشارك فيها «حماس».
وتفكر مصر في طرح جدول متفق عليه قد يستمر شهرين أو أكثر من أجل تسلم السلطة الأمن والمعابر والجباية المالية والقضاء وسلطة الأراضي تباعاً، مع إمكانية تشكيل لجان مشتركة ومتخصصة، ويمكن أن تشارك فيها مصر، في الملفات المعقدة: الأراضي والقضاء والأمن.
ويأتي التحرك المصري الجديد بعد فترة وجيزة من وضع مصر اتفاق تهدئة جديد في غزة. وتخشى مصر من أن عدم إنجاز مصالحة سيجعل الحرب مع قطاع غزة أقرب، في ظل التهديدات المتبادلة من الطرفين.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.