تداعيات دولية جيوسياسية في أزمة سريلانكا الحالية

انعكاس آخَر للنفوذ الصيني والنزاع مع الهند والدول الغربية في المحيط الهندي

تداعيات دولية جيوسياسية في أزمة سريلانكا الحالية
TT

تداعيات دولية جيوسياسية في أزمة سريلانكا الحالية

تداعيات دولية جيوسياسية في أزمة سريلانكا الحالية

تشهد سريلانكا، الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي والقريبة من الهند سياسياً وجغرافياً، أزمة سياسية ودستورية، ولا تلوح في الأفق أي مؤشرات تدل على انفراجها، حيث ساد في البرلمان شغب غير مسبوق تبادل فيها المشرعون الاتهامات واللكمات، وقذف بعضهم بعضاً بزجاجات المياه وصفائح القمامة، والكتب.
تتمحور الأزمة حول ثلاثة أشخاص هم: الرئيس مايتريبالا سيريسينا، ورئيس الوزراء المخلوع رانيل ويكريمسينغي، والقيادي النافذ ماهيندا راجاباكسا. اندلعت الأزمة في 26 أكتوبر (تشرين الأول) عندما أقال الرئيس سيريسينا، رئيس الوزراء ويكريمسينغي بشكل مفاجئ ومهين وقام بتعيين راجاباكسا بدلاً منه في خطوة اعتبرتها الأكثرية في البرلمان غير دستورية، وكذلك علّق عمل البرلمان. المثير للاهتمام أن كلاً من سيريسينا ويكريمسينغي مختلفان ومتعارضان على المستوى الآيديولوجي، لكنهما شكّلا ائتلافًا لهزيمة راجاباكسا خلال انتخابات عام 2015؛ تولى راجاباكسا رئاسة البلاد منذ عام 2005 حتى 2015، لكن شابت فترته الرئاسية اتهامات بارتكاب جرائم خلال الحرب ضد ثوار التاميل، وبالفساد، والمحسوبية.
علاقة سيريسينا بويكريمسينغي سادها التوتر منذ بعض الوقت، حيث لم يوافق الرئيس على الإصلاحات الاقتصادية التي كان يقوم بها ويكريمسينغي. كذلك اتهم سيريسينا ويكريمسينغي ووزير آخر بالتخطيط لاغتياله، لكن ويكريمسينغي نفى ذلك.
وبعد الاضطرابات التي تضمنت احتجاجات في الشوارع، أعلن سيريسينا حل البرلمان، ودعا إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في يناير (كانون الثاني)، بتشجيع من الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، وكندا والهند، وإن كانت أقل تصريحاً، وتحدى ويكريمسينغي وحزبُه سيريسينا من خلال رفض الاعتراف براجاباكسا رئيساً للوزراء، والطعن على دستورية ذلك القرار الذي اتخذه الرئيس. وعلّقت المحكمة العليا قرار الرئيس، وسمحت للبرلمان بالانعقاد مرة أخرى، مع تأجيل إصدار حكم نهائي في هذه المسألة حتى 7 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وصوّت أعضاء البرلمان مرتين خلال الأسبوع الماضي على مقترح بسحب الثقة من رئيس الوزراء الحالي راجاباكسا، لكن سيريسينا أكّد، في مخالفة سافرة للدستور، ديكتاتوريته بقوله إن رئيس الوزراء هو أي شخص يقوم هو بتعيينه، سواء حظي ذلك الاختيار بدعم البرلمان أم لا.

- إدانة دولية
أثارت تلك الخطوات احتجاجات شعبية وانتقاداً دولياً، حيث أعربت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، وغيرهما من الدول الكبرى، عن قلقها بشأن الأزمة في الدولة الجزيرة التي لها أهمية استراتيجية ويبلغ تعداد سكانها 22 مليون نسمة. وصرّحت الولايات المتحدة بأن قرار الرئيس سيريسينا حل البرلمان «يمثل تهديداً كبيراً للمؤسسات الديمقراطية في سريلانكا». كذلك أصدر دبلوماسيون من أستراليا، والمملكة المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، موجودون في كولومبو، بيانات يدعون فيها إلى احترام الدستور والديمقراطية في البلاد. كذلك عرض أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، الاضطلاع بدور الوسيط في نقاشات بين راجاباكسا وويكريمسينغي، وأيضاً حثّ الحكومة على احترام «العملية الديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية في البلاد».
على الجانب الآخر، علّقت الولايات المتحدة الأميركية منح 500 مليون دولار ضمن برنامج المساعدات، وكذلك علّقت اليابان خططها بشأن منح قرض ميسّر بقيمة 1.4 مليار دولار إلى سريلانكا. إضافة إلى ذلك، هدد الاتحاد الأوروبي بإلغاء الامتيازات الخاصة بعدم فرض رسوم جمركية على صادرات سريلانكا إلى دوله. كذلك أضعف الاتحاد عملة الدولة وسنداتها، التي تشهد بالفعل تراجعاً، حيث انخفضت مرة أخرى في خضم عمليات لبيع الأوراق المالية في الأسواق الناشئة.
كلٌّ من الهند واليابان والولايات المتحدة وأستراليا قد عززت تعاونها العسكري، وتعمل على إعادة إحياء ترتيب دفاع رباعي لمواجهة صعود الصين عسكرياً في المناطق المطلة على المحيط الهندي. وعلى هذه الخلفية تندلع تلك الأزمة السياسية في سريلانكا التي لها تداعيات دولية.

- الهيمنة الجيوسياسية للصين والهند
تراقب كل من الصين والهند عن كثب الأزمة الدستورية في سريلانكا، التي كانت ساحة معركة في صراعهما على التفوق الجيوسياسي والهيمنة في جنوب آسيا. وحرص دبلوماسيون صينيون وهنود على عدم دعم أي طرف فاعل في ذلك الاضطراب السياسي بشكل واضح وصريح. مع ذلك تم تسليط الضوء، فيما يتعلق بهذا الجانب الجيوسياسي في أزمة سريلانكا، على الصين بشكل كبير، فهي الدولة الوحيدة التي سمحت لسفيرها بلقاء ماهيندا راجاباكسا، الذي يعد مقرباً من بكين، بعد أدائه القسم رئيساً للوزراء أمام الرئيس سيريسينا. وعلى العكس من ذلك، التقى ويكريمسينغي دبلوماسيين مقيمين في كولومبو من الولايات المتحدة، وأستراليا، والاتحاد الأوروبي، والهند، وغيرها في اليوم التالي لإقالته، في حين وضع نظام راجاباكسا كل البيض في سلة الصين خلال فترة عمله في منصبه. وقد ازدادت ديون سريلانكا بمقدار يزيد على الثلاثة أمثال خلال فترة تولي راجاباكسا للمنصب، حسبما توضح أرقام البنك المركزي السريلانكي. وقد زعم مقال تم نشره منذ بضعة أشهر في صحيفة «نيويورك تايمز» أن الصين قد أغدقت المال على حملة راجاباكسا الرئاسية الانتخابية عام 2015. وكتب أمين عز الدين في صحيفة الـ«دايلي ميرور» البريطانية يقول: «تمثل سريلانكا بالنسبة إلى الصين حلقة وصل مهمة في مبادرة (حزام واحد - طريق واحد). وقد منحت قروضاً بمليارات الدولارات لتمويل مشروعات في سريلانكا خلال العقد الماضي. كذلك حصلت على ميناء (هامبانتوتا) في المحيط الهندي، والذي يتمتع بأهمية استراتيجية، كغنيمة من سريلانكا بعدما تخلفت عن سداد دين مقدم من الصين قدره 1.5 مليار دولار. لا شيء مجانياً في السياسة، تمنح الصين الأموال على أساس قائمة بالأمور الواجب فعلها، وربما تَستخدم سفنٌ حربية صينية ذلك الميناء بذريعة أو أخرى. وربما تقدم الصين طلباً لاستئجار جزيرة صغيرة بالقرب من الميناء. وقد رفضت حكومة ويكريمسينغي ذلك الطلب في وقت سابق».
ومن المرجح أن يزداد الانخراط الصيني في الوضع في ظل ورود تقارير عن استمالة أعضاء في البرلمان، حيث تخلى 8 أعضاء على الأقل عن ويكريمسينغي، وقبلوا مناصب وزارية في حكومة راجاباكسا. كذلك اتهم رانجان راماناييك، مساعد وزير في حكومة ويكريمسينغي، الصين بدفع المال لراجاباكسا من أجل استمالة أعضاء في البرلمان في محاولة لمساعدته في العودة إلى السلطة عبر الباب الخلفي، حيث قال: «أنا أنصح الصين بألا تنفق ملايينها على استمالة أعضاء البرلمان في سريلانكا». ونفت السفارة الصينية في كولومبو ذلك الاتهام.
وصرح كانوال سيبال، وزير الخارجية الهندي السابق، قائلاً: «ربما يكون من البديهي التكهن بأن الصين قد شاركت في (انقلاب دستوري) في محاولة لعرقلة مقترح ويكريمسينغي بمنح الهند امتياز تطوير ساحة الحاويات الشرقية في ميناء كولومبو. لم تكن الصين راضية عندما رفضت حكومة ويكريمسينغي عرض الشركات الصينية، ووافقت على تنفيذ الهند مشروعاً ضخماً يتضمن بناء عشرات الآلاف من المنازل للمتضررين من الحرب في الشمال».
كذلك قال بارثاسارثي، دبلوماسي هندي متقاعد وخبير في شؤون سريلانكا، في تقرير لوكالة أنباء «أسوشيتد برس»: «بعدما أصبح محمد صُلح رئيساً للمالديف، ووعده بأن يقلّص دور الصين في الدولة التي تتكون من مجموعة جزر في المحيط الهندي، ازدادت الأهمية الاستراتيجية لسريلانكا بالنسبة إلى الصين، فإذا تم إلغاء المشروعات في المالديف، ستصبح سريلانكا حلقة الوصل الأساسية بين آسيا وسيشل قبالة ساحل شرق أفريقيا».
على الجانب الآخر، تتبع الهند نهجاً غير متورط بشكل سافر على ما يبدو من خلال تعميق الأزمة السياسية في سريلانكا في ظل التزام نيودلهي الصمت، حيث لم تصدر نيودلهي حتى هذه اللحظة سوى بيان واحد ذكرت فيه: «كدولة ديمقراطية ومقربة وصديقة نأمل أن يتم احترام القيم الديمقراطية والعملية الدستورية. سوف نواصل تقديمنا المساعدة إلى شعب سريلانكا الصديق».
يقول شيترابو أوداي بهاسكار، مدير مركز للدراسات السياسية في نيودلهي: «سوف تكون الهند حريصة وحذرة بدرجة كبيرة جداً في التعامل مع أي مشكلة سياسية في سريلانكا. ينبغي على الهند التفاعل مع كل الأطراف السياسية في البلاد، وليس فقط مع طرف واحد، حيث استقبل ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، كلاً من راجاباكسا وويكريمسينغي كلٌّ على حدة في نيودلهي خلال الشهر الماضي. تحتاج الهند إلى الحفاظ على التوازن».
مع ذلك تختلف آراء بعض المحللين مع هذا الطرح. وقد أوجز العقيد هاريهارانا، ضابط استخبارات متقاعد في الجيش الهندي، ماهية ذلك التهديد مؤخراً بقوله: «لا يمكن للهند تجاهل الامتياز الاستراتيجي الذي حصلت عليه الصين في سريلانكا المتاخمة للهند». وفي كولومبو، تشيّد شركات صينية منطقة تجارية جديدة تكلفتها 1.5 مليار دولار تضم فنادق وأحواضاً لرسوّ السفن وإصلاحها، ومضمار سباق سيارات، وقد انتهت بالفعل من بناء ساحة قريبة للحاويات العملاقة، وميناءً ضخماً في جنوب البلاد. وأكد ضرورة انخراط الهند مع كل الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد، لا مع طرف واحد فقط.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟